الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ذكرى توحيد القُطرين

سامي حرك

2012 / 10 / 26
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


ذكرى توحيد القطرين
سامي حرك

تضمنت القوائم المنقوشة على حجر باليرمو, إسم أول الملوك, "حورس", وكذلك إسم "سبا-سركت", الذي أعاد للبلاد هيبتها وقوتها بعد فترة من الصراعات, فهو صاحب المحاولة التوحيدية الثانية, كما ذكرت إسم الملك الشهير "مينا" المعروف بموحد القطرين, بينما هو في الحقيقة أعاد البلاد إلى وحدتها وقوتها وقام بتأديب مثيري الشغب والقلاقل من الغرباء المتسللين وسط أهل الشمال, وصور ذلك في صلايته المعروفة بإسم "لوحة نارمر".
جاء ذكر إحتفالات الملوك المصريين بعيد توحيد (القطرين) الأرضين, تحت إسم "سما-تَاوي", مُدمجًا مع إحتفالات الجلوس على العرش, لبعض الملوك, في الحادي والعشرين من شهر بابه, وذلك لثلاث مرات متفرقة, بحيث يصبح الثابت المحقق هو المناسبة "توحيد الأرضين", وموعدها المُرجح 21 بابه, بينما تحديد إسم صاحب ذلك الإنجاز ليس بنفس الدرجة من الحسم, عكس الشائع بين العامة والخاصة.
لم يقترن ذكر توحيد القطرين بالملك "مينا" وحده, بل ورد منسوبًا ضمن الأعمال الجليلة لعدد من الملوك العظام, بداية من "حورس", أول الملوك, مرورا بـ "سبا-سركت", وحتى "أحمس" و"أمنحتب الأول" و"تحتمس الثالث", إذ جاء وصف الأخير في نقوش معبد "موت" بموحد القطرين, وذلك بمناسبة إحتفاله بـ"حِب-تَاوي", أي عيد الأرضين.
يبدو أن أجدادنا من كُتاب قدماء المصريين قد تعاملوا من خلال نقوشهم مع "توحيد الأرضين", بإعتباره عيدًا يستلزم الإحتفال كلما إنتصر الشعب المصري, داخليًا أو خارجيًا.
توحيد القطرين, هو الإسم الشائع, أو الترجمة الشائعة للإسم المكتوب بالحروف الهيروغليفية "سما-تَاوي", بينما الترجمة الحرفية هي "توحيد الأرضين".
هو إذن, عيد تمام وحدة أرض مصر.
عيد إلتئام الشمال والجنوب في دولة واحدة, محددة المعالم, متجانسة الملامح والمشتركات.
عيد ذكرى إكتمال ونضوج الشخصية القومية المصرية.
وهوالعيد الذي يؤكد وحدة المصريين من آلاف السنين.
كما أنه عيد تأسيس أول دولة مركزية في التاريخ.
في قوائم أعياد حورس بمعبد إدفو, المترجمة بواسطة عالم المصريات الألماني "شوت سيجفريد", نرى عيداً مخصصاً لذكرى إبرام السلام بين "حورس" و"ست", تكرر الإحتفال به أيضًا مدمجًا مع عيد توحيد الأرضين "ضُم-تَاوي".
تتلخص طقوس العيد في مسرحية رمزية, تعيد سرد أحداث الصراع على وراثة حكم مصر بين "حورس" و"ست".
ينتهي العرض بصلح إعتباري بين الخصمين, يتم بموجبه "تقسيم السلطة" بين الطرفين المتنازعين, فيتولى "حورس" تاجاً موحداً يجمع بين تصميمي تاج الشمال الأحمر وتاج الجنوب الأبيض, ليحكم الأرض الزراعية "كيميت" ومواطنيها المصريين, بينما يرعى عمه "ست" شئون الصحراء "دشرت" والوافدين الأجانب.
يُظهر شراح نصوص حجر باليرمو (محسن لطفي السيد) أن الإحتفال المسرحي كان يتكون من ثلاثة مشاهد:

1- المشهد الأول : ظهور ملك الأرضين "تَاوي": وفيها يصعد الملك نحو مبنى مرتفع يضم مقصورتين, يجلس مرة في كل مقصورة منهما, حيث يمثل جلوسه على كل عرش, يرتدى فى المرة الأولى التاج الأبيض ويظهر كملك للجنوب, وفى الثانية يرتدى التاج الاحمر ويظهر كملك للشمال, ثم يوضع كرسي العرش أمام المقصورتين ويتوجه الملك للجلوس عليه, حيث تتقدم الأم المقدسة (الملكة الأم) في هيئة "إيزيس" وتضع تاج القطرين على رأس الملك وسط الهتاف والتأييد .

2- المشهد الثاني: إتحاد أرباب الشمال والجنوب: وهو طقس يتم فى حضور الملك, يؤديه فريقان من الكهنة وهم مرتدون لأقنعة ترمز لـ "حورس" (الصقر) و"ست" (الحمار الوحشي), يقدمون عرضاًً جماعياً, حيث ينتهي العرض بأن يتقدم كلاً منهما للآخر برمزه النباتي, حتى يتقابل الغصنان, فيتم ربط نباتى الشمال والجنوب (البردى واللوتس) حول عمود "الجِد" كرمز للتوحيد.

3-المشهد الثالث: يحمل الملك نموذج صغير من عمود "الجِد", طائفاً حول الحائط (جدار يرمز لـعاصمة التوحيد), وفيه يسعى الملك حول الجدار معلناً إخلاصه ورعايته وإحاطته بكل شبر من الدولة الموحدة, وتلك الطقوس تبدو جذوراً تاريخية لإجراءات: "حلف اليمين"!

يذكر أدولف إرمان في كتابه "مصر والحياة المصرية في العصور القديمة" طقس آخر مرتبط بالعيدين المدمجين –غالباً- "الجلوس على العرش" و "توحيد الأرضين", وهو "رفع عمود الـ جد" الذي يتم صباح اليوم التالي, بطقس شبيه لما نفعله الآن من نحر الخراف والعجول صباح عيد الأضحى, حيث يشهد الملك بنفسه تقديم "ثور" قربان لأوزيريس , وبمجرد تمام الذبح يتجه مع حاشيته لرفع عمود الجد وسط ميدان حاشد بالجماهير التي تبدأ في التصفيق والصياح ورفع الشخاليل والصلاصل أثناء عملية رفع العمود.

الإحتفال بـ "توحيد القطرين", ذكرى إنتقال الإنسان من الفوضى إلى النظام, ينبهنا إلى أهمية تلك المناسبات في تذكير المصريين بوحدتهم ومصيرهم المشترك, خاصة بعد الصراعات التي أعقبت ثورة اللوتس (25 يناير)!

جدير بالذكر أنه تحت إسم: "الكل في واحد", تم تنفيذ هذه الإحتفالية لأول مرة بواسطة إيهاب قاسم وعدد من النشطاء المصريين, حيث أقاموا الإحتفالية بمسرح "الجنينة" بحديقةالأزهر, يوم 21 بابه 6253, الموافق 1نوفمبر2011, قدم لها الباحث بسّام الشماع, وأحيتها فرقة "إسكندريلا" بحضور كثيف من الشباب تجاوز العدد المحدد للمسرح.
هذا العام يتكرر الإحتفال بعيد توحيد القطرين, بوقفة أمام الأهرامات, وصورة جماعية لممثلي التيارات والفئات المختلفة, تحت شعار: "إيد واحدة من عهد مينا", وسيكون ذلك بمشيئة الله, يوم الأربعاء 21 بابة 6254, الموافق 31 أكتوبر 2012.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. صحة وقمر - قمر الطائي تجرب التاكو السعودي بالكبدة مع الشيف ل


.. لحظة تدمير فيضانات جارفة لجسر وسط الطقس المتقلب بالشرق الأوس




.. بعد 200 يوم.. كتائب القسام: إسرائيل لم تقض على مقاتلينا في غ


.. -طريق التنمية-.. خطة أنقرة للربط بين الخليج العربي وأوروبا ع




.. سمير جعجع لسكاي نيوز عربية: حزب الله هو الأقوى عسكريا لأنه م