الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قراءة في مسودة قانون الأحزاب

المحجوب حبيبي

2005 / 3 / 7
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي


تقدمت الحكومة المغربية ممثلة في وزارة الداخلية بمشروع قانون الأحزاب والجمعيات سلم إلى جميع الأحزاب، مع استثناء حزب الطليعة الديمقراطي الاشتراكي، والنهج الديموقراطي ... وبالرغم من التناول الذي حضي به هذا المشروع من طرف مختلف الأحزاب من اليمين إلى اليسار بين رافض ومعالج ومنتقد ومساند، فإن الاهتمام الشعبي بالموضوع كان هزيلا بل عبر عن عدم اكتراث بالموضوع...ولقد عكست هذه الحالة من اللامبالاة إشكالية العلاقة بين المواطنين والسلطة، بين المواطنين والإصلاحات القانونية بصفة عامة، وما قد يترتب عنها من مشكلات قد تمس حقوقهم، وذلك عائد إلى أن القوانين بما فيها قانون الحريات العامة (1958) كان دائما موضوع هتك وتجاوز لأن السلطة القضائية التي من المفروض فيها أن تحمي القانون كانت لا تملك الاستقلالية ولا المصداقية، ولم يكن لتلك القوانين أي حضور كيفما تكون الإشادات التي تحظى بها اليوم أمام التراجعات الكبرى التي جاءت بها المسودة إياها، إن تلك القوانين لم تكتسب رضا الناس وثقتهم لأنه لم يكن لها حضور في حياتهم، ولم تأخذ فرصتها كممارسة على أرض الواقع إلا لماما لإن السيادة كانت ولمدة ليست بالهينة لسلطة النظام المخزني التي لها اليد الطولة في كل المجالات...
ولما كنا ننتظر أن يتوفر المناخ الضروري لمعالجة ذيول الأوضاع القمعية الموروثة، ونتائجها الرهيبة، والمدانة شعبيا، على قاعدة إصلاحات دستورية عميقة تُراجع مواقع الخلل في بنية الدولة وتحقق فصلا فعليا للسلط وتحدد العلاقات بينها مع مراجعة الفصول الأتوقراطية، وكل الثغرات التي تسمح بالاختلالات المجتمعية، والتجاوزات القانونية، وتوفر المناخ الضروري لتصحيح العلاقة بين الشعب والدولة لمواجهة التحديات الكبرى التي يعرفها عالم تتحكم فيه ليبرالية متوحشة لا حدود لتطلعاتها...، يطلع علينا مشروع قانون الأحزاب الذي يعطي سلطة الداخلية سلطانا إضافيا، لمصادرة الحق النضالي للفئات والشرائح والطبقات الشعبية المقهورة، ويضيف طابوهات جديدة، إلى سلة الطابوهات القديمة، ويجعل الدستور كقانون وضعي قابل للتصحيح والتطور، من المحرمات التي ليس لأي أحد الحق في أن ينتقدها أو يعيد قراءتها، فتكون الديموقراطية المخزنية حابلة بالممنوعات، وبالمناطق المحرمة التي تلقي بضلالها المظلمة على المجتمع وقواه الحية الصاعدة حيث يضعف موضوعيا حضور أي حركة نضالية وتشل فعاليتها نتيجة تقديرات وزارة الداخلية... والقانون هذا لا ديموقراطي لأنه محكوم بمرجعية مخزنية ممثلة بالداخلية ورؤيتها الخاصة للواقع السياسي، ومحكوم بتقديرها لحاجيات المجتمع ومتطلباته، وللتوازانات التي تخلقها وتتحكم فيها؛ وهكذا يصبح القانون بحكم الواقع الموضوعي لا جدوى منه فيما تم ادعاؤه من تحديث وديموقراطية وإصلاح المشهد الحزبي... وإنما فقط يهدف إلى الإسهام بطريقة جديدة في ترتيب الأوضاع الأمنية، على مقاص متطلبات التكييف الشكلي للنظام الحاكم مع المتغيرات المجتمعية والعالمية، فكان ولا بد أن يأتي هذا المشروع ليكرس الواقع القائم حقوقيا, ويخضع النشاط السياسي قانونيا للقيود والاشتراطات المعروفة والمعهودة منذ زمان... العملية نفسها التي تكبل أي وجود معارض وتطلق يد السلطة للتحكم بكل صغيرة وكبيرة في مجريات العمل السياسي، كحال القوانين التي تحول دون حرية الصحافة والتي جاءت لتقيِّد الصحفيين والكتاب والمبدعين وتكمم أقلامهم وترفع فوق رؤوسهم سيوف المنع تحت طائلة المقدس!.
إنه لمن المؤسف, أنه تحت شعارات التحديث والديموقراطية وانهاء بلقنة الحقل السياسي..., يتم التخطيط للتحكم في الحركة الديموقراطية المناضلة وإلغاء دورها في توعية الجماهير وإنهاضها لتضطلع بمهامها التاريخية في بناء المجتمع الحر والديموقراطي المتقدم، يأتي هذا القانون المصادر لحق النمو ومتطلباته المعقدة والمتنوعة التي يقتضيها الميتابوليزم الاجتماعي في تشكيل اجتماعي متخلف ومعاق في تطوره وتنميته بفعل الكبح الذي طال ديناميته والذي صادرة قدراته... ليكبح باسم القانون والشعارات أي انطلاقة للنمو والتطور للقوى الاجتماعية والسياسية مانعاً تبلورها خارج سيطرة وتأطير سلطة المخزن, كما أنه من المقلق جدا الإصرار على تعددية سياسية تقتصر على الأحزاب البرلمانية المندمجة في مخططات المرحلة والقابلة بالديموقراطية الشكلية، أو الأحزاب الصنيعة وليدة مرحلة بلقنة الحقل السياسي، وحال هذه الأخيرة معروفة للجميع بأنها، حتى الآن ليست أكثر من دمى في لعبة التعددية المفرغة من أي محتوى, ومحكومة منذ نشأتها, سياسيا وتنظيميا, بخدمتها للنظام المخزني وتسبّح بحمده وتؤيد بالمطلق ما يذهب إليه من خيارات لا شعبية ولا ديموقراطية مهما تعددت وتنوعت أسماءها!!.
وإذا كان الهدف من تأسيس أي حزب سياسي أو تجمع أو جبهة هو النضال من أجل تحقيق مشروع مجتمعي يعبر عن مصالح واختيارات طبقية معينة، وتغيير التوجهات والاختيارات السياسية والاقتصادية والاجتماعية للطبقة المسيطرة بما يحقق المصالح المعبر عنها لذلك التنظيم، فإن المستنتج من المشروع الجديد القديم هو تكريس ما يذهب إليه الدستور الممنوح في مصادرة التداول على السلطة وعدم تمكين الأحزاب موضوعيا من وسائل الاحتكام للإرادة الشعبية التي ينبغي أن تعبر عن نفسها بواسطة انتخابات حرة ونزيهة.
إن النضال من أجل الحرية والديموقراطية والعدالة في مجتمع علماني فيه الدين لله والوطن للجميع مع الأخذ بعين الاعتبار الأوضاع الثقافية والتاريخية للمجتمع المغربي وما راكمه من تجارب تراثية مضيئة كإرث مشتركة للأمة جميعها والذي ينبغي تكريسه من خلال التطبيق الفعلي للمواثيق الدولية حول لا حزبية دينية ولا عرقية... وإذا كان المشروع قد حظر هذه الأسس الفاشية فإنه سمح بها بشكل آخر عندما جعل للدولة حزبها المرعي الذي يمنع المعارضة من التعبير والاختيار الحر في التفكير والتعبير والعقيدة والمذهب. ويفرض عليها مرجعية محددة وموحدة وهكذا مع مشروع قانون الأحزاب يتحول الدستور المتنازع حوله إلى مقدس غير قابل للنقد ولا لتجريح عيوبه التي قد يرتكز إليها أي إصلاح أو مراجعة...
والنظام والحكومة باعتبارهما الاستمرار لما كان مطالبان أن يجيبا عن سؤال أساسي حول من بلقن العمل السياسي والحزبي في المغرب أليس مخططات النظام المخزني التي كانت تتزامن مع كل حركة جماهيرية مناضلة ومناهضة للظلم والقهر والعدوان... ألم تكن تلك المخططات في بلقنة العمل السياسي والحزبي تتزامن مع كل تجربة انتخابية مغشوشة؟؟ والأمثلة على ذلك كثيرة ...
وإنه لعجيب ذلك المنظور الذي يسيج من خلاله المشروع أدوار الأحزاب، راسما حدودها في كونها هيكلا للوساطة... في حين أن الحزب معروفا عليه أنه حركة تنظيمية تهتم بشأن المجتمع وترسم خططا وآفاقا ورؤية في مختلف مجالات الحياة المجتمعية فلسفيا وسياسيا واقتصاديا وثقافيا وتربويا وعلى كل الأصعدة التي تعني المواطنين، وتناضل من أجل جعل مشروعها المجتمعي محط تطبيق إما من خلال النضال الديموقراطي أو أي نضال مشروع تقتضيه الشروط والعوامل الموضوعية، ولذلك فالحزب إطار للتداول على السلطة وأداة للنضال من أجل فرض شروط أفضل للتداول على الحكم...
أما بالنسبة للبدائل:
1 ـ فالأولوية للإصلاحات الدستورية المعبرة عن اختيارات ديموقراطية لا تتناقض في شيء مع المضامين والمبادئ والقيم الكونية في المجال الديموقراطي والحقوقي...بمشاركة مختلف القوى السياسية الممثلة للشعب المغربي والمعبرة عن مصالحه وآماله في التحرر والتقدم... مع التأكيد على أن الشعب هو مصدر السلطات و على الفصل بين السلطات التشريعية و التنفيذية والقضائية و بين السلطة السياسية و السلطة الدينية... ويبقى الدستور باعتباره أسمى قانون في البلاد هو الذي يحدد الإطار العام لمهام ووظائف المؤسسات سواء أكانت للدولة أو الأحزاب...
2 ـ اعتبار هذه المسودة غير ذات موضوع ومراجعتها مراجعة تامة تخلصها من سيطرة وزارة الداخلية المخالفة للمبادئ والاختيارات الديموقراطية ورفع جميع القيود التي من شأنها أن تكون تعجيزية لتأسيس الأحزاب في مجتمع ناشئ لا زالت أمامه مراحل تطورية كبيرة ليحقق بناءه الديموقراطي... وتخليصها أيضا من الرؤية التقصيرية للأحزاب كتنظيمات برامج سياسية لتدبير الشأن اليومي، عوض أن تكون أحزاب الخيار المجتمعي...
ذ.المحجوب حبيبي
عضو قيادة حزب الطليعة الديموقراطي الاشتراكي المغربي








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. المحكمة العليا تنظر في حصانة ترامب الرئاسية في مواجهة التهم


.. مطالب دولية لإسرائيل بتقديم توضيحات بشأن المقابر الجماعية ال




.. تصعيد كبير ونوعي في العمليات العسكرية بين حزب الله وإسرائيل|


.. الولايات المتحدة تدعو إسرائيل لتقديم معلومات بشأن المقابر ال




.. صحيفة الإندبندنت: تحذيرات من استخدام إسرائيل للرصيف العائم س