الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أعطني عامًا من عمرك

خيري حمدان

2012 / 10 / 31
الادب والفن



بلغت من العمر ثمانين عامًا، وحصلت على الكثير من الفرص والمال. حققت ثروة لم يحلم بها أحد، لكنّي شعرت بأن النهاية باتت قريبة، لهذا حزمت أمري وعدت إلى الوطن لأقضي ما تبقّى لي من أيام بين الأهل والأصدقاء. لكنّي فوجئت بأنّ الأمور قد تغيّرت إلى حدّ كبير. كان الفقر قد نال من الكثيرين وأودت البطالة والإحباط على ما تبقّى لديهم من أمل وتفاؤل.
لم أنعزل ولم أنطوِ على ذاتي فأنا بطبعي أحب التواصل مع الآخرين، وسرعان ما أصبح منزلي محطّ أقدام الكثيرين، وأخذ يزورني الصديق والبعيد لشتّى الأسباب والأعذار الممكنة، لم أبخل عليهم وجدتُ بكلّ ما طابت به روحي وأصبحت محبوبًا لمالي ولذاتي أيضًا. قال لي أحد الشباب يومًا:
- آه، لماذا لا أحصل على فرصة مثلك يا جدي للهرب إلى الخارج ونيل فرصة مماثلة لممارسة الحياة الحرّة الكريمة. أنا على استعداد للتنازل عن نصف حياتي مقابل ذلك. حككت رأسي وكنت في حيرة من أمر الشاب الكئيب الذي يجلس قبالتي.
- أريد عامًا واحدًا واحدًا فقط من عمرك مقابل تقديم ما يكفي من المال لمغاردرة البلاد نحو العالم الذي تشتهي يا ابني. هل توافق؟ هزّ برأسه على الفور موافقًا.
شعرت عندها بأن وقع السنين على جسدي قد تناقص لعام واحد. لم يكن الفارق كبيرًا بالطبع، ربّما ازدادت قدرتي على الاحتمال قبل أن أبول في سروالي قليلا، نعم كنت فرحًا لأنني قد اكتسبت عامًا كاملا وخسرت بعض الفائض من ثروتي. بعد يومين حضر شاب وسيم أسمر آخر، قال لي بأنه على اطلاع بما حدث مع رفيق دربه الذي حزم أمتعته وبات على وشك مغادرة البلاد، قال لي بأنه يرغب بالحصول على فرصة مثيلة. أجبته بأنّ شرطي لم يتغير. وافق الشاب على تقديم عام من عمره لي، مقابل التنازل عن بعض المال والحصول على فرصة للهجرة نحو العوالم المتقدمة. عندها ازدان جسدي بعام آخر، صدّقوني بأن هناك فارق في أداء الجسد ما بين عمر الثمانين والثامنة والسبعين، فما بالكم حين أبلغ من العمر خمسة وسبعين! هههه. أصبحت على يقين من أن الشباب بات على الأبواب، بعد أن قدمت لعشرة شبان الفرصة التي طلبوها منّي، مقابل عام من أعمارهم. وهأنذا في الثامنة والستين. للمرّة الأولى أتجرأ على النظر إلى السيدات العابرات من حولي، وما تزال رغبتي بالحصول على مزيد من القوّة والعنفوان قوية، لكنّي في الوقت نفسه بدأت أشعر ببعض القلق بعد تراجع سلطتي وتناقص أموالي، خاصة وقد بلغت من العمر خمسون عامًا فقط. نعم إنه عمر جميل للغاية، عادت لي قوّتي وشهواتي وبتّ أتلفت يمنة ويسرة تجاه الحسناوات. نظرت في المرآة ولم أتفاجأ حين رأيت الشعر قد عاد إلى موقعه القديم، كما زالت الكثير من التجاعيد وبان بعض السواد في كتل الشعر في رأسي. لا، هذا لا يكفي أريد المزيد من الشباب، أريد مقارعة الحياة والنزول إلى ميدان الحياة اليومية. لم يبقَ في حوزتي سوى القليل حين عدت إلى الأربعين من العمر. كان عليّ البدء بالبحث عن عمل، كيلا أجد نفسي على حافّة الطريق دون معيل.
تراجُعُ العمر إلى الوراء تسبّب لي بأزمات نفسية حادّة، لأن الكثير من أحبّتي بل وحتى ابنتي قد فارقوا الحياة، ولم يعمل قانون الطبيعة هذا على مساعدة غيري من أترابي، وأصبح لزامًا عليّ أن أجد رفاقًا وأصدقاء درب لم أتعامل معهم يومًا ما، لا يتقاسمون ذكرياتي وهمومي وأحداث الماضي الذي يخصّني وحدي دون غيري. أمّا فكري وفهمي للحياة فبقي على حاله كما في الثمانين. أتصدّقون بأنّني أخشى الركض لأن عقلي الباطني يخالف قدرات جسدي وبقيت الرصانة رفيقة دربي. مع هذا بقيت مصرًا على خوض التجربة مجددًا والانتفاع بما جادت به الحياة دون قيد أو شرط.
جاءني ذات يوم رجل في عمري، قال لي دون تردّد "أتنازل عن خمس سنوات كاملة من العمر، مقابل فرصة للهرب من جحيم العائلة التي أعيش في كنفهها، لقد هدمت زوجتي ما تبقّى من رجولتي، كلّ يوم خلاف على أدقّ تفاصيل الحياة. دعني أهرب وأعيش ما تبقّى من هذا العمر بكرامة. خمس سنوات كاملة أقدّمها عن طيب خاطر". كان العرض مغريًا، لكنّي بهذا سأعلن إفلاسي نهائيًا، وسيصبح لزامًا عليّ أنا الرجل الرصين أن أبدأ حياتي من الصفر في الخامسة والثلاثين من العمر! آه، تمكن إغراء الشباب على أيّة حال من إقناعي بالموافقة.
- هل تعرفون رجلا يقبل بجزء من العمر مقابل الحصول على فرصة للهرب من هذا الواقع؟
نظر إليّ إمام المسجد غير مصدّق ما تسمعه أذناه، حسب بأنّني قد أصبت بمسّ من الجنون. قال بعد تردّد "تصدّق يا ابني والزم الصلاة وعليك بالصيام، أكثر منه فهو السبيل إلى تطهير الروح والجسد".
مضى عليّ قرابة عشر سنوات منذ تنازلت عن سلطتي ومالي، وما زلت غير قادر على تحقيق جزء من طموحي المشروع. أنا الشاب الذي عاد شيخًا لينهي مشوار التيه بين العوالم الدنيوية، أجد نفسي أسير جسدي المتحفّز نحو الانطلاق، لكن كلّ شيء من حولي يشير إلى بدايات. تأجّل الانطلاق وأخذ التحفّز يهبط مع مرور السنين. تُرى، متى سأبلغ الثمانين من عمري لعلّ جسدي عندها يتصالح مع وعيي المعذّب؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الممثلة رولا حمادة تتأثر بعد حديثها عن رحيل الممثل فادي ابرا


.. جيران الفنان صلاح السعدنى : مش هيتعوض تانى راجل متواضع كان ب




.. ربنا يرحمك يا أرابيسك .. لقطات خاصة للفنان صلاح السعدنى قبل


.. آخر ظهور للفنان الراحل صلاح السعدني.. شوف قال إيه عن جيل الف




.. الحلقة السابعة لبرنامج على ضفاف المعرفة - لقاء مع الشاعر حسي