الحوار المتمدن
- موبايل
الموقع
الرئيسي
ماكسيميليان فيبر: مسار عالم
يونس بنمورو
2012 / 11 / 3الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
شذرة البدء " كنت قد أصبحت نهائيا عالم إجتماع ، كما يدل قرار تعييني ، فذلك لكي أضع بشكل أساسي مفاهيم جماعية ما زال شبحها يحوم بإستمرار ، و بتعبير أخر لا يمكن أن ينجم علم الإجتماع إلا من أفعال أحد الأفراد أو بضعة أفراد ، أو العديد من الأفراد المنفصلين ، لذلك يقتضيه تبني طرائف فردية تحصر المعنى " ماكسيميليان فيبر
أنهكت السوسيولوجيا نفسها بالبحث و التنقيب ، و لا زالت كذلك في مسعاها للحصول على النجومية داخل مدار الإبستمولوجيا و العلوم ، تفنتت في الفضح و التمحيص ، و لا زالت كذلك لفرض برديغماتها ضمن علوم المجتمع و الإنسان ، و أجهدت حالها بشغف حثيث و بإجتهاد كبير ، لتقديم علمائها داخل خرائط الفكر و التحليل ، و تصارعت بقوة الكتابة و الإنجاز ، لإبراز أهم مفكريها بين فلاسفة العقل و السؤال ، و كافحت و لا زالت كذلك ، لإبراز أيقوناتها للملأ من النقاد و المحللين ، فكدحت بحثا عن موضع قدم داخل مضمار باقي العلوم ، و تصارعت لإصباغ النخبوية على نفسها و تحاليلها ، فحبا و إلتزاما كدحت و ثابرت ، و بآليات الفهم و التشفير تقاتلت لتقديم أنجع الرؤى و النظريات ، و بأدوات المنهج تطاحنت من أجل فهم ما يعتمل في المجتمع أملا في معرفة عين الخلل و الهزات ، فبهكذا طريقة إنكتب لمسيرتها الإبستمولوجية أن تكون ، و بسبب كارثية الظروف إجترحت طريقا للإستمرار تأكيدا للذات و ترسيخا للحضورا ، و بسبب عوامل واقع الحال تأسست و أطلقت العنان للتحليل ، أملا في تقديم جرعات فهم تهدئ غليان المجتمع و تكهربات الأوضاع ، فهي نتيجة الخضات إذن و الهزات ، و وليدة اللواعج و التقرحات ، و إبنة شرعية للأزموية و التغيرات ، فضمن ثنايا كل هذه الأمور ، طفا على سطح المعرفة و التفكير إسم من روادها المؤسسين ، ببذلة رجل إطفاء مهمته إخماد حريق المشاكل و لهيب التمزقات ، و بزغ نجمه في سماء البحث و التنظير ، لتقديم يد عون التحليل ، رغبة في فهم سبب التحولات و علل التوترات ، و بإرادة معرفية لإستكناه المعنى المتواري في ثنايا التغيرات ، بهدف إصلاح المجتمع و معالجة أعطابه ، و تغييره بغيرة سوسيولوجية تعلن العداء للرؤى المحافظة ، و تمتعض من إستراتيجيات تكريس نفس الأحوال و الأوضاع ، و تبرز مقتها لكل توجه يسعى لحماية النظام القائم و تحصينه من أي تجديد أو تغيير ، فضمن هذه المرايا إلتمعت أبحاثه و أخذت كامل التقدير و الإستحقاق ، فليس داخل أحضان علم الإجتماع فقط أو القانون تميزت و تبخترت ، بل إمتدت عدوى البهاء و الإمتياز إلى السياسة و علم التاريخ ، و باقي تخصصات علوم الإجتماع من أنتروبولوجا و إقتصاد ، كاتب هو غزير الإنتاج ، و مفكر ألماني معقد يتميز بالشهرة و قوة الكاريزما و شساعة النفوذ و التأثير ، يمتاز بضخامة الإنتاج و نجاعة الرؤى و التحاليل ، غنية أفكاره في ميزان علم الإجتماع ، و فعالة هي في حقل السياسة و القانون ، أفكار تستعصي على التلخيص و التبسيط ، و تتبرم من التحليل الساذج التجزيئي و البسيط ، أعمال معرفية مائزة عنوانها التعدد و التنوع ، و سماتها تتجمع في حدة التأثير على باقي النظريات المنتمية لحقل التحليل السوسيولوجي و فضاءات علم الإجتماع ، هو المنظر الواسع المعرفة إذن ، و شديد التأثير بدون أدنى نقاش أو سجال ، بزخم فكري تستلهم منه أغلب ميادين المعرفة و أغلب تخصصات الفكر و الإبستمولوجيا ، مفكر بألبسة مزركشة المنهج و البراديغم ، و بأعمال مرجعية للمهتمين و الباحثين ، أعمال و دراسات تصب إهتمامها في فلسفة علوم الإجتماع ، و ضمن مناهجها تجد ذاتها و نجاعتها ، أعمال تمتاز بالتعددية في المواضيع ، و تجد موطن قوتها في البحث و التنقيب في مختلف التوجهات و التخصصات ، مما يجعل من محاولة تصنيفها في خانة معرفية محددة ، مجرد عملية إختزالية تافهة لا معنى لها ، تفقر إسهاماتها الغنية في مجال علوم المجتمع و الإجتماع ، و تسلب محتواها الأخاذ و الخام ، تنوع هو إذن في المواضيع ، و في الرؤى أيضا و التحاليل ، لا يتقاطع بتاتا و مطلقا بعدم الإنسجام أو خلط الأنواع ، و لا يجد ذاته في سمات الترف و لا الإعتباط ، فهنا تكمن الصهارة الإبداعية التي تأبى أي إختزال و تقزيم ، فبالموسوعية العلمية عرف ، و بالنجاعة التحليلة إشتهر ، باحث بألبسة معرفية تنتصر للتنوع و الإختلاف ، مفكر جدي و عملي ، لم تخرج كمياء الإبداع عنده هو الأخر كغيره من كبار المفكرين ، عن شرنقة التمزقات و الأهات ، و لم تخرج كتبه لمشارف الفكر و الإنتقاد إلا عبر مرورها من حرقة السقم و الآلام ، و لم تستمد مشروعيتها إلا بعبورها من شوكة الزفرات و لهيب الإحتراقات ، فقد كان معتل الصحة في أيام الطفولة و الصبى ، شاحب اللون و نحيف ، و هش البنيان البدني ، و ضعيف الأساس العصبي منذ سنواته الأولى في دنيا الحياة ، إذ كان مستهدفا دون إعلان ، و ضحية بدون سابق إنذار ، لمرض إلتهاب السحايا في سن الرابعة من عمره ، مما أفرز سياسة صارمة لحمايته و العناية به ، بتبذير و إفراط ، و تسبب في الحرص الشديد عليه و المبالغ فيه خصوصا من طرف والدته ، كيف لا و هو المتقلب المترنح ، فلم يكن عاديا بتاتا و لا متزنا أبدا ، كان ميالا للخجل و كذلك للإنطواء ، و كان متمردا يكره السلوك القويم و الإنضباط ، فغالبا ما إشتكى معلموه من عدم إحترامه لسلطتهم ، و من قلة إنصياعه لقراراتهم و لأوامرهم ، حتى أن الأمور الكارثية و السوداء لم تتوقف عند هذه الحدود ، فقد كاد الإكتئاب في مرحلة متقدمة من عمره أن يودي بحياته و أن يقتلعه من الإنوجاد ، لكن كان رحيما به على الأقل ، و تسبب فقط في إنسحابه من التدريس لمدة من الزمن نتيجة إنهياره النفسي الحاد ، لكن مرضه و واقع حاله السوداوي ، لم يزاحم علامات النبوغ على الظهور ، و لم يستطع منعها من الإنبراز و اللمعان ، فقد قرأ بنهم لكبار الفلاسفة و المفكرين ، و عشق المطالعة و المعرفة بحب و إلتزام شديدين ، و غاص في أمهات كتب الفلسفة و الفكر إلى أبعد الحدود و الدرجات ، و جال بين طياتها و عوالمها بشغف تام ، متأثرا بزمرة من نخبة الكلمة و التفكير ، فقد تأثر بالشاعر الفيلسوف نيتشه ، و قرأ لمتشاءم الوجود شوبنهاور ، و أيضا إستلهم الكثير من وعاء كانط العقلاني ، كما تغذى من الألق الأدبي لغوته ، و إستأنس بغيرهم من الأدباء ، و من محبي الحكمة و السؤال ، لكن رغم كل دوافعه الذاتية المحضة للشموخ و التعالي ، إلا أنها لم تساهم لوحدها في إنتاجه مفكرا صبغي المعرفة و عالمي الشهرة ، كما لم يكن لها كل الأثر على مساره و إختياراته ، فلوسط تنشئته الأسري كذلك الفضل الكبير عليه ، فقد نشأ في بيت علم و سياسة و فكر ، فثراء العائلة على جل الأصعدة و المستويات ، بدءا بالإقتصادي مرورا بالفكري ، زيادة على الرمزي ، كانت كلها مساهمة في تكوينه و تربيته ، فأبوه رجل سياسة محنك يحظى بكامل التقدير و الإحترام ، كيف لا و هو أحد الأعضاء المهمين في الحزب القومي الليبرالي ، و هو حزب الطبقة البورجوازية و المثقفين ، أما والدته فتنحدر من عائلة عريقة ذات هيبة و نفوذ ، فضمن هذه الأجواء تفتحت عبقريته و مواهبه ، و سُقلت ضمن وسط بروتستانتي غني ، يتميز بعلاقات مع كبار الساسة و المفكرين ، و يمتاز بصلات مع خير النخبة من آل المجتمع و المثقفين ، حتى أن هذه الأجواء بما لها و ما عليها ، إنعكست على إختياراته الجامعية في القادم من السنين ، فمساره العلمي متشعب و غني ، ميزته التراكم الكمي و التعدد النوعي ، فقد درس علوم القانون بكلية الحقوق سعيا منه للتماهي مع شخصية أبيه الفذة ، و تشعب في مادة التاريخ و ميادينها ، لكن شغفه المعرفي لم يردخ لرغبة الإكتفاء و العفاف ، فأردف الأول و الثاني بمادة الحكمة و ما وراء الفيزياء ، و زاد على الثلاثة علم الإقتصاد السياسي ، و دراسات أخرى موسعة في اللاهوت و الجماليات ، ليحظى بالموسوعية و الهيبة المعرفية بعد مسار شاق من التعلم و الإكتساب ، ليمارس التدريس بعد تخرجه في تخصصات تستمد مشروعيتها من المواد التي درسها و تلقنها ، بدءا بتدريسه بتدريسه لعلم الإقتصاد السياسي ، و مواد أخرى تتراوح بين القانون و التاريخ الإقتصادي ، إلى حدود السنتين الأخيرتين قبل رحيله عن بسيطة الوجود ، حيث سيحظى بكرسي علم الإجتماع ، و هنا سيكون قد وهب نفسه بالكامل للسوسيولوجيا و لمبادئ علم الإجتماع ، كبراديغم معرفي يحاول الوصول إلى فهم تفسيري للفعل الإجتماعي ، و يسعى لتقديم تفسيرا لمجراه و نتائجه ، فهذا هو ماكسيميليان كارل إميل فيبر ، رجل عريض المنكبين ، بجسد بدين ، يدخن غليونه طوال اليوم ، لم تنفرد سياسة المعرفة لوحدها به ، بل شاطرتها معرفة السياسة كذلك فيه ، فتقاسما حبهم عليه ليصبح العالم و السياسي في أن ، فقد إشتغل في العمل السياسي بلباس القومي ، فأختار بمحض إرادته النضال داخل عوالمها و دروبها ، لكونه كان مولعا بها ، مخصصا كل حبه و عشقه لها ، فكم تمنى أن يكون زعيما سياسيا أو حتى عضوا في البرلمان ، لكن رغم تأثيره القوي هذا ، لم يحصل على وظائف و مناصب سياسة سامية تستفيد من فكره و رؤاه ، فإكتفى بالدفاع عن أفكاره ضمن قالب المعرفة و الفكر ، بعد إخفاق سياسي لم يجني من ورائه أدنى المهمات و المناصب ، لينحاز فيما بعد لصوت المعارضة ضد غيوم الثاني ، حيث سيصبح عضوا فعالا في الحزب الإشتراكي الديمقراطي الألماني ، لكن حياته المتخنة بالمحطات و الأحداث الكبرى ، لم تعرف السياسة لوحدها ، بل جودته تكمن في أبحاثه الفكرية أيضا و دراساته المعرفية ، كتابات قيمة يوحدها منطق التركيز على العلاقات المتبادلة بين التشكيلات القانونية و السياسية و كذلك الثقافية من جانب ، و أيضا النشاط الإقتصادي من جانب أخر ، فقد تفرغ للسياسة كحرفة و إنكب عليها بأدوات التحليل ، و تبحر في عوامل العلم بأليات الدرس و التشفير ، و رفض النظرة الإختزالية الصرفة سواء للعالم أو للرجل السياسي ، ففي غياب البعد الروحي و الأخلاقي ، يؤكد بأن حرفة السياسي و لا حتى مهنة العالم ستظل خاوية جوفاء ، تفتقر للعمق و المعنى المتمثل في نداء الضمير و تنبيهات الوعي ، لتكتنز في غياب الشرطين السابقين سطحية المهنة فقط و مظهرها الخارجي ، كما إستفاض في دراسته لظاهرة الحداثة و الدين ، و إعتبر أن حضور الأول هو شرط حيوي لتبخر الأساطير و المعجزات ، و عامل محوري في ظهور العالم في حالة عراء تام ، يبدوا على كامل حقيقته المادية ، الفيزيائية و البيولوجية المعرفية ، عالم خال من الأوهام ، و من روايات ما فوق الفيزياء ، أما الثاني فنظر إليه ثاقبا بعلاقة جدلية مع المجتمع و الإقتصاد ، ماضيا في شرح أفكاره بتحليل محايد تاريخي تراكمي ، مبرزا كون الدين لدى الغرب بقي سلاحا عظيما و خطيرا بحدين متباينين ، يستخدمه الساسة لشد العامة من الناس و العكس صحيح ، يستخده العامة لفك قيدهم من الساسة الطغاة ، كما أن أغلب الأديان من وجهة نظره هي بمثابة الكابح الذي يلجم الإلتزام القوي للتطور الإقتصادي ، و يعرقل أي محاولة للتقدم و النماء ، إذ تنطوي جل هذه الأديان من زاوية تفكيره على حواجز عالية تحول دون تنمية إقتصادية راقية و حقيقية ، فالواقع المادي في نظر أغلبها يعتبر حاجزا يستر الهموم الحقيقية التي ينبغي للبشرية أن تتوج إليها ، و أن تخصص كل وقتها لها ، هذه الهموم هي العبادة و التقوى ، أما النماء و الإزدهار الإقتصادي فيضعف العلاقة التعبدية بين الرب و العبد ، بمعنى أن قيم هذه الأديان تؤكد على ضرورة الهروب من متاعب العالم المادي ، و إختيار التحليق إلى مستويات عالية من الوجود الروحي ، كما لم يتوقف بحثه في هذه الحدود و المستويات ، بل زاد غوصه في تحليله لظاهرة الحداثة و التحديث ، و كيفية تشكلها و نشوئها و سيطرتها على المجتمعات الصناعية المتقدمة ، معتبرا إيها نتيجة مسلسل العقلانية و المنطق الوضعي ، و ليس عصارة سحرية العالم ، و لا نتيجة المنطق الخرافي ، فالقوة الدينامية المؤثرة في التنمية الحديثة هي العقلنة و ترشيد الإنتاج ، فبهذه التحاليل حظيت أعماله بالمرجعية المركزية لأي مثقف معاصر يخوض غمار الفحص و التشخيص لظاهرة الحداثة بمقوماتها و قواعدها ، كما درس جميع الأديان بكل مرتكزاتها و أسسها ، و إستشف أن أخلاق البروتستانتية هي أخلاق مثالية ، و منها إستقى النموذج المثالي للبيروقراطية المتميز بالرشادة و العقلانية ، إذ من الصعب تطبيقه في الواقع كما يقول ، و لو طبق في التنظيم لوصل الأخير لأعلى درجات الحكامة ، و لأرقى مستويات الرشادة و العقلنة ، فجزء إذن كبير من علم إجتماع التنظيم يمكن إرجاعه لعمله هذا عن البيروقراطية ، فهي نموذج مثالي للحرص و الدقة و الكفاءة و الفعالية الإرادية ، و هي الأسلوب الأنجع و الأداة الوحيدة لتنظيم أعداد ضخمة من الناس على نحو فعال ، زيادة على ذلك فحديثه عن الرأسمالية لا يرتبط بالإقتصادي فقط ، بل كان إهتمامه يميل للمعتقدات الدينية و للقيم البروتستانتية و دورها في بروز نظام الإقتصاد الرأسمالي ، فجوانب معينة من تعاليم المسيحية قد تركت أثارها على نشوء الرأسمالية و بروزها ، أما إنتاجه في علم الإجتماع فكان فريدا مائزا ، فالفعل الإجتماعي هو الموضوع الأساس للسوسيولوجيا ، و عَرفهُ بأنه صورة للسلوك الإنساني الذي يشمل على الإتجاه الداخلي و الخارجي و الذي يكون معبرا عنه بواسطة الفعل و الإحجام عن الفعل ، و مهمة السوسيولوجي ها هنا ، هي تفهم المعاني الكامنة وراء هذه الأفعال ، فهذا هو ماكس فيبر ، الباحث و الإنسان ، و العالم و السياسي في نفس الآن ، مفكر بارز و مقتدر ، ينتصر لخطاب العلمية و التفكير ، و صاحب أفكار تجد صداها في الواقع الإجتماعي بطموح التغير ، و بنزعة التعجيل بذاك التغيير ، و تغيير التغيير ، مبدع مفاهيم كغيره من السوسيولوجين النزيهين الغيورين ، و صاحب طروحات إبستمولوجية غاية في الجودة و الأهمية ، كما تزن الفائدة و القيمة و أيضا الإمتياز ، طروحات تمتلك في طياتها إجابات للمشاكل المعاصرة و المستفحلة ، إذ لم يكتفي الرجل بغزارة الكتابة و الإنجاز ، بل تسبب في ضخامة إنتاج أخرى أنتجها محللوه و منتقدوه ، فمواضيع محددة مثل العقلانية عوض الخرافة و الأساطير ، و البيروقراطية كتنظيم إداري فعال و راقي ، و الكاريزمية كشرط أرثوذوكسي للسياسي ، و الرأسمالية كنتيجة للدين البروتستانتي ، و الفردانية كمنهج سوسيولوجي ، و سياسة القوة ، و إحتكار الدولة للعنف الشرعي ، كلها تؤكد أننا إزاء موسوعي لا يمتهن السوسويولوجيا كأفق ضيق للإشتغال ، و لا الأنتروبولوجيا كبحث و ميدان ، و لا يعتمر قبعة الإقتصادي فقط ، و لا حتى لباس التاريخ ، فللسياسة الأخلاقية نصيبا لها منه أيضا ، فهو مزيج من كل هذا و ذاك ، أبدع بدون توقف و لا إنقطاع ، و أنتج بإسترسالية حبا في الحكمة و السؤال ، و أخذ لنفسه مكان التقدير و الإحترام بإستحقاق تام ، ضمن باقي مفكري المجتمع و الإجتماع ، فلم يعش هذا الموسوعي سوى ستين سنة إلا القليل نتيجة موت مفاجأ خاطف سببه مرض الإلتهاب الرئوي ، لكنه ترك بصماته و أثاره الكبرى على علم الإجتماع و أصبح أحد كبار الثلاثة المؤسسين له ، و الواضعين لأهم قواعده و ضوابطه ، بجانب كل من مفكر فرنسا الإجتماعي دوركايم إميل ، و الإشتراكي الألماني كارل ماركس ، فبأعماله إذن إختط إسمه في سماء السوسيولوجيا ، و إنكتب لقبه على سجل الفكر و الإبداع ، فمن خلال كتبه عٌرف بأنه الإنسان العميق الذي يتحدث بكل رؤاه للجميع ، دون نفحات الديماغوجيا أو التخدير ، و يغور عميقا في تحليل المجتمع وفقا لآليات الدرس و التحليل السوسيولوجي ، فالكبار لا يموتون كما يقال ، فقد بقي الرجل طودا شامخا يتحدى الزوال و الإنمحاء بأفكاره القيمة و النيرة ، فليس غريبا مطلقا أن يظل مفكرا خالدا متفردا برقي و تعفف عن أشباه المفكرين و الباحثين ، خصوصا و أن مكانته لم تزدها الأيام إلا توهجا و بريقا ، نتيجة أعمال واسعة النفوذ شملت طائفة كبيرة من المواضيع و التيمات ، لا زال آل الفكر الإجتماعي يغرفون منها ، و يستلهمون من أفكارها و معانيها ، لبناء أخرى قد تسعفنا في التنمية و التغيير .
|
التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي
.. صحف فرنسية : -العرجاني من تهريب أسلحة عبر الأنفاق إلى احتكار
.. السعودية.. تنظيم عملية خروج ملايين الحجاج من الحرم المكي تثي
.. غارات إسرائيلية على حلب تقتل أكثر من 40 عسكريا سوريا.. ما ال
.. المرصد السوري: أكبر حصيلة من القتلى العسكريين السوريين في غا
.. شاهد حيلة الشرطة للقبض على لص يقود جرافة عملاقة على طريق سري