الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


اليسار المصري صاعد ولكن بشروط

مهدي بندق

2012 / 11 / 7
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي


كتب الفيلسوف الألماني هيجل يقول : إن الواقع حقيقي. ففهم أهل اليمين أن ما هو قائم لا سبيل الى تغييره لأنه " حقيقي " أما اليسار الهيجلى فقلب الآية ، أو بالأحرى عدّلها مرتئياً أن كل ما لا يتسق مع الحقيقة العقلية أمر لا يمكن قبوله كواقع ، بل هو شئ شاذ ، لابد للبشر أن يسعوا لتغييره حتى تصبح الحقيقة ( = إنسانية الإنسان) أمراً واقعاً .
وبفضل ذلك الاتجاه " اليساري " انتفض فلاحو فرنسا عام 1848 ضداً على الملكية البورجوازية، مؤسسين لنظام جمهوري جديد ، وفي عام 1871 استولى العمال الفرنسيون على باريس ذاتها بثورة الكوميونة ، وفي عام 1917 نجح البلاشفة الروس في إشعال ثورة عظمي غيرت العالم بأسره ، حيث استولى الفلاحون الصينيون على السلطة عام 1948 ، وحيث أشعل الطلاب الفرنسيون ثورة يسارية الطابع عام 1968 ولا تزال الثورات ضد النظم الرأسمالية تتري وتطّرد . فأين كان اليسار المصري من هذا كله ؟
الحق أن اليسار المصري ذا التاريخ العريق في مجابهة الظلم الاجتماعي قد تعرض لنكسات عدة خلال القرن الماضي جراء ظروف موضوعية وأخطاء ذاتية – تحتاج إلي دراسة تفصيلية مستقلة –ليس من بينها فضحه سمات الرأسمالية المتوحشة بالأسلوب العلمي الرصين الذي يرد على التشنجات الأيديولوجية الزاعمة أن السلف الصالح في ثقافتنا أنتج نظاماً اقتصادياً مثالياً ، وحقيقته محض اقتصاد ريعي أساسه الفيء والخراج والجزية وتجارة الترانسيت ، وكلها تنتمي لهياكل مجتمعات ما قبل الرأسمالية التي لا تزيد الثروة القائمة بل تعيد تدويرها حسبُ.
الآن وقد فتحت ثورة 25 يناير أمامه الباب أن ينهض إلى مهمة التغيير المرجوة في بلادنا .. صار عليه اعتماد خارطة طريق من شأنها أن تحمله إلى صدارة المشهد على النحو التالي :
أولاً : بتأسيس نظرية اقتصادية تتجاوز الأدبيات الماركسية الكلاسيكية ، حتى لا يقع مرة أخرى في قبضة رأسمالية الدولة المسماة خطأ بالاشتراكية حسب النموذج الناصري بمرجعية سمير أمين ورينيه جوندر فرنك " المركز والأطراف" ، فالعودة الى ما فات أشبه بنصيحة تقدم لرب الأسرة ذي المشاكل الجمة أن يرجع الى الحضانة ليتخلص من مشكلات الزوجة والأبناء والغلاء .... الخ.
ثانياً : بالتصدي الشجاع لكل دعاوى الحرب بين الأمم والدول والشعوب، حصاراً سلمياً لدوافع الرأسماليين، فلا يجد هؤلاء بدا ً من مواجهة أزمات نظامهم الاقتصادية المتفاقمة على أرضهم هم ، دون تصديرها لغيرهم من الأبرياء. وفي هذا السياق يجب اختبار حقائق الصراع الدموي في سوريا و دور المخططات الأمريكية في تصعيده تمهيداً لتحويله إلى حرب بين الهلال السني والمحور الشيعي مما قد ينتهي بمصر إلى خوض حرب لا ناقة لها فيها ولا جمل .
ثالثا ً : بالتوقف عن الحوارات المكرورة مع القوى الفاشية والداعين للعودة المستحيلة الى مجتمعات ما قبل الرأسمالية ، وبالمقابل تكثيف الحوار مع القوى اللبرالية التي تؤمن بمبدأ العدالة الاجتماعية وصولا إلى بناء هياكل إنتاجية مشتركة تكون بمثابة الذراع الاقتصادي للجبهة المناوئة للفاشية ، مما يسمح لليسار بأن يقدم لجماهير شعبه الخدمات " الحقيقية " كهدف استراتيجي في الميادين الآتية :
1- ترتيب فصول لمحو الأمية ولو في المقاهي فضلا عن مقار أحزابه ومنظماته الرسمية.
2- التضافر مع منظمات المجتمع المدني لعقد ندوات دورية مكثفة للنقابيين وللنساء وللطلاب ولأرباب المعاشات لمحو الأمية السياسية داخل صفوفهم ، وقد تصلح مواقع التواصل الاجتماعي الإلكترونية لتحقيق هذا الغرض .
3- تشجيع العاطلين في المدن والأرياف على تنظيم أنفسهم في تجمعات وروابط مستقلة .
4- ابتكار طرق " تعاونية" جديدة لمساندة الكادحين في معيشتهم اليومية، ليس طبعاً بتوزيع أنابيب البوتاجاز وزجاجات الزيت بسعر التكلفة كقرص مسكّن لأوجاع البؤساء . بل علي اليسار أن يقاوم غواية مثل تلك " الروشتة " التي قرّبت الناس إلى أهل اليمين ، حيث جرى ذلك لأغراض محض انتخابية ، وما من شك في أن الناس سيكتشفون زيفها ولو بعد حين .
4 – توعية كوادره بتجارب اليسار العالمي - الصاعد في وقتنا الراهن - خاصة الفرنسية التي فاز بانتخاباتها الحزب الاشتراكي بزعامة فرنسوا هولند بفضل تحالفه مع حزب الخضر المعادي للرأسمالية المتوحشة ، وبفضل استفادة اليسار الفرنسي كله سياسياً من فشل حكومة سيركوزي اليمينية.
ولكي ُيقبل اليسار المصري على مهمته تلك بحماسة المناضلين فلابد من أن يعيد على مسمع ضميره الوطني والإنساني ليلا ً ونهاراً صدى أنات المحرومين من الخبز والماء النقي والمسكن الملائم فضلا عن الأذى المحيط بالعاطلين . وعلى اليسار أيضاً أن يقرأ قبل الأكل وبعده التقارير التي تتحدث عن عالم الرأسمالية المتوحشة الذي يحيا في ظله البشر اليوم حيث يوجد به 3 مليار إنسان ( = نصف البشرية ) يعيش الفرد منهم بأقل من 2 دولار في اليوم. وفي البلدان النامية ثمة مليار ونصف إنسان لا تصل إليهم مياه صالحة للشرب، ويعاني ملياران من الأنيميا لسوء التغذية ، في حين أن مبلغ 13 مليار يورو كاف تماماً لإنقاذهم ، وهو ذات المبلغ الذي ينفقه الأمريكيون والأوربيون على عطورهم كل عام ! وليتأمل كل يساري شريف تلك الحقيقة المأساوية المخزية والتي نشرتها اليونيسف (صندوق الأمم المتحدة للطفولة) عام 1997 والتي تقول إن 250 مليون طفل تقل أعمارهم عن خمسة أعوام يدفع بهم سنوياً الى سوق العمل ! في أي مجال يعمل هؤلاء البؤساء ؟ خدم منازل ، بيع الخردوات والعاديات ، التسول ، الدعارة !!
بهذه القراءة الضميرية وبالتدبر في جدول الأعمال الذي اقترحناه آنفاً يمكن القول إن اليسار في مصر قادم ما دام سيوفّي بشروط الصعود .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - الاشتراكيه وراسماليه الدوله
حاتم حسن ( 2012 / 11 / 8 - 06:24 )
كيف يمكن تجاوز راسماليه الدوله في اي تجربه تعتمد تغيير شكل الملكيه
واحلال الملكيه العامه لوسائل الانتاج محل الملكيه الخاصه دون سياده هذا النمط في العالم كله
فقيام هذا النموذج في بلد واحد اومجموعه بلدان يتطلب استمرار جهاز الدوله بل وتعاظمه حيث الاخطار الخارجيه ومحاولات التصفيه والحصار سوف تظل باقيه
علي اشدها
وطالما استمر جهاز الدوله مهيمنا علي الواقع السياسي سيظل المال الحقيقي لاي )تجربه (اشتراكييه هو راسماليه الدوله ثم التشوه والتحلل البيروقراطي للتجربه
وعندما يكون هذا المال متكررا بكل التجارب ذات الطبيعه المتشابهه ففتش عن الخلل في الاساس النظري
مازال البعض يصر علي الشعارات ولايستطيع التحرر من ارتباطه العاطفي بها
حتي والتجارب التاريخيه ماثله امامه تسد عين الشمس ولو راجع الكاتب مداولات ومناقشات اليسارمنذانهيار الاتحاد السوفيتي وحتي اليوم لن يجد اكثر مما جاء بمقاله ولكن يظل العجز عن التجديد هو سيد الموقف لان الاساس النظري نفسه
سوف يتفكك ولن يبقي من اليسار الاشعاراته)


2 - التعريب بالسلب
حاتم حسن ( 2012 / 11 / 8 - 14:17 )
اصبحت الاشتراكيه عند الماركسيين وبالتحديد بعد انهيار الاتحاد السوفيتي نظاما يعرف بالسلب فهي ليست راسماليه الدوله ولا تشبه التجارب التاريخيه في القرن العشرين في الاتحاد السوفيتي وشرق اوربا وليست كذا وليست كذا ولكن لاا احد يجيب كيف سوف تكون ولماذ سوف تكون مختلفه عن اي تجارب سابقه
هل التشوه الذي لحق بالتجارب السابقه حدث لان القائمين عليها كانوا اشرارا او كانوا اغبياء لم يحسنوا التصرف -عندما تقع نفس الاخطاء مع كل محاوله لتطبيق نفس السياسه الايجدر بمنظريها الالتفات الي ان الاساس النظري نفسه به مشكله بدلا من ادمان ممارسه الحيل واللاعيب اللفظيه علها تعفيهم من ممارسه التفكير النقدي الجاد والشجاع حتي وان ترتب عليه تفكيك المنظومه كلها
هل يستطيع الكاتب ان يحدثنا عن الفرق بين الاشتراكيه وراسماليه الدوله وكيف يمكن تجاوز الثانيه الي الاولي ولماذ لم يتحقق هذا مره واحده من قبل
هل الماركسيون سيهبط عليهم الوحي في المستقبل حتي يحققوا ما عجز عنه اسلافهم
لقد صارت الاشتراكيه كالشئ في ذاته فى فلسفه كانت جوهر ليس كمثله شئ ويستحيل التعرف عليه وليس ثمه وسيله للتحقق منه او امكانيه للوصول اليه


3 - تصحيح
حاتم حسن ( 2012 / 11 / 8 - 16:52 )
عنوان التعليق 2 التعريف بالسلب
ووردت بالسطر السابع اللاعيب اللفظيه وصحتها الالاعيب اللفظيه


4 - ردا على الأستاذ حاتم
كاتب المقال ( 2012 / 11 / 16 - 10:31 )
رأسمالية الدولة هي دولة رأسمالية بدون رأسماليين ، تحصل فيها الطبقة الحاكمة على فائض قيمة العمل المأجور وتوزعه على عناصرها بهيئة امتيازات وليس أرباحا كما في الرأسمالية الكلاسيكية . الدولة الاشتراكية - والتي لم نرها بعد - يفترض أن تكون لا طبقية وفائض القيمة الاجتماعي فيها يعود بالكامل على القوى المنتجة أولا ، وثانيا على المحرومين وفقا لمبدأ التكافل الاجتماعي ، ولعل حلولا أخرى توجد عند وصول الناس إلى وضع يمتنع فيه استغلال الانسان لأخيه الانسان


5 - مهدي بندق يوحنا المعمدان
طارق حجي ( 2012 / 11 / 16 - 10:35 )
مقال رائع كالعادة صديقي العزيز أستاذ مهدي ... مدخل المقال الذى لخص الهيجيلية المادية التى تلت هيجيلية هيجل ولودفيج فويرباخ وتمثلت فى الجدلية المادية والجدلية التاريخية التى وصفها بإبداع فريدريك إنجلز فى كتابه العبقري -لودفيج فويرباخ ونهاية الفلسفة المثالية الألمانية- ، كان مدخلا قمينا بجذب القاريء الجاد ليقرأ بنهم ... مع تحسره الذى يمثله السؤال التالي : من من القراء ، بل ومن الكتاب (بتشديد التاء) سيقرأ المقال بعد استيعابه لمدخله ، وهو حجر الأساس للمقال ؟ .... تحيتي وتقديري ليوحنا المعمدان القابع فى الإسكندرية يصرخ فى برية السلفيين الذين تحدث عنهم تشارلز داروين بإستفاضة فى -أصل الأنواع- وإستدعي من اللغة اللاتينية إسما لهم(*)


6 - الاستاذ مهدي بندق
حاتم حسن ( 2012 / 11 / 16 - 17:46 )
لم يكن الغرض من سؤالى الذي اعرف مقدما بطبيعه الحال انك تملك اجابته-لم يكن الغرض الا التدليل علي استحاله تحقق النموذج النظري الذي قدمت لمحه عنه في
رقعه جغرافيه محاصره
بنظام عالمي قائم علي فلسفه مغايره الامر الذي سيترتب عليه اعاده انتاج للنموذج
الستاليني بشكل او باخر مهما حسنت النوايا
والامر الذي لفت انتباهي هو عنوان المقال -اليسار المصري صاعد بشروط-والحقيقه
هو يسار يفتقر الي مقومات الصعود فكريا وتنظيميا ولايمتلك غير رطانه تقترب
به من ان يكون مجرد ظاهره كلاميه
ما هي الابداعات الفكريه التي قدمها اليسار المصري خلال العقود الماضيه -لاشئ تقريبا
وباستطاعتك ان تقارن عينه من كتابات بعض الماركسيين المصريين علي هذا الموقع بدراسه قيمه كتبها مفكر يساري تونسي بعنوان نقد الاصوليه الحمراء لتعرف مدي الخواء
والركاكه الفكريه التي انحدر اليها ما يسمي باليسار المصري

اخر الافلام

.. بايدن يوقع حزم المساعدات الخارجية.. فهل ستمثل دفعة سياسية له


.. شهيد برصاص الاحتلال الإسرائيلي بعد اقتحامها مدينة رام الله ف




.. بايدن يسخر من ترمب ومن -صبغ شعره- خلال حفل انتخابي


.. أب يبكي بحرقة في وداع طفلته التي قتلها القصف الإسرائيلي




.. -الأسوأ في العالم-.. مرض مهاجم أتليتيكو مدريد ألفارو موراتا