الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


كلبهم...ومخلوقنا

أكرم شلغين

2012 / 11 / 7
الادب والفن


قبيل سفري إلى بريطانيا للدراسة أردت أن أستأنس برأي وخبرة من سبقني إلى هناك لأستعلم عن الحياة ولأستمع لأية نصائح يمكن أن تُقدّم لي، فتلفنت لصديق قديم وطلبت منه أن نتقابل في مقهى السويس باللاذقية، وهو الصديق خالد قر الذي كان قد عاد لتوه من بريطانيا حيث درس في جامعة إسكس (بكولشستر) وسألته أن يقول لي ما يراه مناسباً وخالد صديق ليس لي فقط بل لكل من التقاه ولو مرة في اللاذقية لما هو فيه من اللباقة وحسن الخلق،. كنت أظن في سري أنني ربما أطلب منه ما هو في غير واقع الإجابة عليه، ولكني ـ ولحسن حظي ـ دغدغت في داخله رغبة في الكلام والاستفاضة عن تجربة أحبها وبهرته بكل ما فيها، فقد انتقل الصديق خالد في حديثه جيئة وذهاباً بين تعريفي بالجامعة وبين تعريفي بالمدينة والحياة هناك ثم عودة إلى الجامعة مرة أخرى...فقد أصبحت عرف أن قسم الأدب في الجامعة به الأساتذة: هيربي، بترفلاي، روجر هاورد، فرانسيس باركر، ديفيد باترسون، جوناثان وايت... إلخ وعرفت أيضاً أن السكرتيرة تدعى دوروثي جيبسون وهي على وشك التقاعد ..مروراً بالحديث عن المكان الأنسب للتبضع بالمدينة وبالجامعة نفسها وعن المكان الأنسب في المكتبة للقراءة وهو الطابق الرابع والجلوس حول أي من الطاولات القريبة من النوافذ المطلة على الحديقة والبحيرة والمكان الأنسب للتنزه حول البحيرة الموجودة على أراضي (ويفينهو) الجامعة....ولم ينس خالد أن يخبرني ما حصل معه عندما طلب العون من أستاذه هيربي لمرافقته من أجل شراء كلب ليحضره معه إلى اللاذقية بناء على رغبة صديق لاذقاني كان قد طلبه منه كلباً بمواصفات محددة. فرافقه الأستاذ هيربي إلى المتجر الخاص بذلك وبدأ خالد بتعداد قائمة المواصفات المطلوبة في الكلب، وهكذا خالد يعدد وصاحب المتجر يغذي الكومبيوتر بالمعلومات وهيربي يتدخل بين الفينة والأخرى عندما يكون هناك استعصاءاً لغوياً أو ثقافياً (بسبب الاختلاف في الثقافات)....وبعد انتهاء خالد من تعداد المواصفات طرق صاحب المتجر على زر ادخل في كيبورد الحاسوب وانتظر ثواني قليلة بعدها انفرجت أساريره وهو ينظر إلى شاشة الحاسوب وما ظهر عليها ومن ثم يبرم الشاشة باتجاه خالد وهيربي فرأى خالد (و هيربي!) كلباً جميلاً بقوامه، بمشيته، بحجم رأسه، بلونه إلخ... فكان برأي خالد وهو يصفه لي "فرجة" ووقفته "فيها عز على هالمرجة الخضرا على مد نظرك"....ولكن برغم هذا الانجاز بإظهار صورة كلب كانت هناك صدمة عندما ذكر صاحب المتجر ثمن الكلب فهو يكلف بالآلاف...وعندما رأى التاجر الغرابة على وجه خالد بدأ يشرح له كيف يربون الكلاب ويعتنون بها وماذا يقدمون لها من رعاية وكيف يتعاملون معها، الأمر الذي أبهر ليس فقط خالد بل أيضا هيربي، الأستاذ الجامعي المرافق لخالد، ومن ثم كسر خالد سياق الحديث وقال لصاحب المتجر متشائلاً أتقبلني كلباً عندك؟ سؤال كرره هيربي وكأنه صدى لصوت خالد المتسائل عند طرحه على صاحب المتجر... وضحك الثلاثة....
أتذكر خالد وحديثه عن الكلب وطريقته الشيقة الممتعة بالسرد وأنا أنهي المشاهد الأخيرة من " Marley & Me: Life and Love with the World s Worst Dog" "مارلي و أنا: الحياة والحب مع الكلب الأسوأ في العالم"(2005) وهو موضوع السيرة الذاتية للصحافي جون جروجن وهو يرصد ثلاثة عشر عاما من حياته وحياة أسرته مع الكلب مارلي. فالكلب مارلي الذي أحضراه صغيراً أصبح جزءاً من الأسرة وحياتها، ترافق وجوده مع تشكيلها، وعاش معها بكل تفاصيل حياتها بحلوها ومرها، عاش الكلب أولا مع الزوج والزوجة وكان موجوداً لدى كل ولادة جديدة من الولادات الثلاث في الأسرة اقترب من الصغار وغرز وجهه بأجسادهم الصغيرة ولعب معهم وكانوا جميعهم يكبرون معاً ...وطبعاً مارلي واحداً منهم...اغتاظوا منه مرات عديدة، وفكروا بالتخلص منه وخاصة حين كان يخرب ما يراه أو يفعلها في المكان الخطأ لكنهم كانوا دائما يتعاملون معه على أنه جزءاً من الأسرة نفسها...لقد كان حاضراُ في كل مكان من تفاصيل حياة هذه العائلة بل وفي المقالات الصحفية التي كتبها (الزوج والأب) جون جروجن حيث بالكاد أن يكن هناك مقالاً خالياً من وجود ما يوحي بأن الكلب مارلي يعيش في تفكير كاتب المقال... وهكذا كانوا معاً برغم الحنق والغيظ منه في بعض الأحيان وبرغم الظروف وبرغم ما أطلق عليه الجميع من أنه أسوأ كلب في العالم...فكان صاحبه يكتب عنه بعاطفة ووجدان وكان مارلي ينتقل مع العائلة حيثما انتقلت ويرافقها حيثما ذهبت، كان معهم بمرور السنين وبتعاقب الفصول، كان معهم في الشمس والبحر وعلى الشاطئ وكان معهم في البرد والصقيع والثلج...إلى أن مرض مارلي ومات... بكاه الجميع ووقف صاحبه بالقرب منه يربت على جسده ويمسح رأسه ويهمس بندمه على قول كلمات مسيئة لمارلي في الماضي (مثل أنت أسوأ كلب في العالم) ويقول له لا لست كذلك يا مارلي... ثم دفنوه ورثوه بكلمات نابعة من القلب وبعدها عاشوا على ذكراه....إنه فصل حزين. لن أقارنه بالكلاب التي أراها ميتة على الطرقات ولا من يبالي بها في بلداننا.. بل أتساءل وأنا أقرأ وأرى كيف خلده صاحبه بكتاب، أصبح لاحقاً فيلماً أيضاً: أوليس للكلب مارلي في هذه الدنيا، وفي التاريخ، منزلة أكبر بكثير من تلك التي لم "تتصدق" بها الظروف على الكثير من أبناء بلادي؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. المخرج المغربي جواد غالب يحارب التطرف في فيلمه- أمل - • فران


.. الفنان أحمد عبدالعزيز يجبر بخاطر شاب ذوى الهمم صاحب واقعة ال




.. غيرته الفكرية عرضته لعقوبات صارمة


.. شراكة أميركية جزائرية في اللغة الانكليزية




.. نهال عنبر ترد على شائعة اعتزالها الفن: سأظل فى التمثيل لآخر