الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عطور اسلامية في زجاجات سلفية ؟

أم الزين بنشيخة المسكيني

2012 / 11 / 8
كتابات ساخرة


..
..ها أنت تهمّ بدخول معرض الكتاب و في قلبك لهفة على التحديق بسوق الأرواح المحمومة بتخليد الكلمات ..حذار لا تدخل مباشرة الى بهو المعرض ..عليك أن تتوقّف قليلا في مدخله ..حيث تعترضك سوق سلفية تبيع سوائل عجيبة ..ماذا يخبّؤون في تلك الزجاجات المنتصبة في شكل ألوان صفراء باهتة لعصور مات سكّانها و لم يبق منهم غير روائح الندى القديم ؟ ماذا يخبّؤون في تلك السوائل ؟ زجاجات للملتوف أو زجاجات لعطر اسلامي لنساء رحلوا الى الأبد ..جاؤوا بزجاجاتهم الشرعية يهدّدون نوعا آخر من الزجاجات غير الشرعية ..كلّ و زجاجاته ..وكلّ و سوائله المدنية .. انّها طاولة طويلة تتناثر على خشبها الأصمّ مبيعات غريبة للتعطّر و للتستّر و للتسلل و للتغلغل في القلوب الفارغة ..
و الكتاب ينتظرهم في سخرية ..أصحاب الزجاجات الخمرية يتدافعون نحو الكتب الحداثية و الروايات العالمية ..و أصحاب الزجاجات السلفية يتهافتون على كتب الفقه و العلوم الشرعية ..و تلك هي الديمقراطية ..لقد كان على معرض الكتاب أن يضمّ بين جدرانه كل الفئات السياسية و كل الخصومات الحزبية في نوع من السخرية الكلبية ..
جلابيب طويلة و لحيات كثيفة القامة و ملفوفات في السواد يذهبن و يجئن أفواجا أفواجا ..كانوا يتردّدون اناثا و ذكورا على قاعة الصلاة التي كانت تحاذي قاعة المحاضرات ..هل كانت محض صدفة هذا التجاور بين قاعة الصلاة السلفية و قاعة المحاضرات العلمانية أم أنّ ذلك من باب السياسة الوفاقية و العدالة الانتقالية ؟حركة غريبة و رواح ومجيء دائم كأنّهم في دائرة مغلقة من دخلها لا يخرج منها الاّ سائلا قابلا للانفجار أو زجاجة غازية فقدت شكلها الأصلي ..
كنت أرمقهم حيثما مرّوا من نفس الطريق الذي كنت أسير فيه بين رفوف الكتب و ديار النشر المختلفة ..لم أكن أبحث عن أيّ كتاب محدّد و لا عن أيّ موعد سابق و لا عن أيّ أحد ..كنت أتسلى برؤيتهم يمرّون في كل الاتجاهات ..أحيانا أغيّر اتجاهي بحسب اتجاههم ..كانوا مجتمعا خاصّا جدّا ..يريدون لأنفسهم أن يكونوا جماعة مغلقة ..ينظرون الي الآخرين الواقفين حذوهم في المشرب أو بين الكتب نظرة السكّان الشرعيين لهذه الملّة في مقابل أهل الذمّة ..و فجأة تشعر أنّك صرت من الذمّيين ..فلا أنت بمواطن و لا هذا بمجتمع مدني و لا تلك دولة و لا هاته ثورة ..
و فجأة ينتابك الاحساس بأنّ حسن هذا أو صالح ذاك الذي بجانبه أو فاطمة التي اجتازت العام الماضي امتحان البكالوريا ..هؤلاء الذين كانوا قبل عام فقط أبناء حومتي ..لم تعد تربطني بهم أيّة علاقة ..لقد أصبح كل منّا ينتمي الى بلاد أخرى .. ينظرون اليّ كأنّي من بلاد الروم ..و أرى في عيونهم الخوف و الرعب و الشراسة ..أشعر أنّهم سقطوا فعلا في زمان آخر و أنّهم أخطؤوا الطريق الى أنفسهم ..هؤلاء كلّهم يتهافتون على زجاجات سلفية مليئة بسوائل شرعية ..تُرى ما ذا يضعون في هذه السوائل ؟ و بأيّة قصّة جديدة يعدون ؟ أم أنّ زجاجاتهم فارغة الاّ من سوائل خرافية لأوهام قد يطول عُمرها مثل كل الخرافات العالمية ..
أمّا الشعب الكريم الذي ضاقت به الشهرية فلا يهّمه لا السلفيون و لا العلمانية ..انّه يدخل المعرض متفرّجا في أكداس الكتب المرمية أرضا ..فلا هو استطاع شرائها لغلائها و لا هي استطاعت أن تجد قارئا يقدّر قيمة العقول النيّرة القابعة بها ..و الحكومة تبتسم من فرط نجاحها في نشر الخرافة و الحماقة و تضحك على البلاتوات من فرط زيادتها في كل شيء : في المحروقات و المبرّدات و الفاتورات و البقرات و في عدد الرضعات ..و في البيضات و البهامات السياسية ..و في الفزّاعات كي تتفرّغ لدستور لا أحد يعرف ملامحه النهائية ..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. اعرف وصايا الفنانة بدرية طلبة لابنتها في ليلة زفافها


.. اجتماع «الصحافيين والتمثيليين» يوضح ضوابط تصوير الجنازات الع




.. الفيلم الوثائقي -طابا- - رحلة مصر لاستعادة الأرض


.. تعاون مثمر بين نقابة الصحفيين و الممثلين بشأن تنظيم العزاءا




.. الفنان أيمن عزب : مشكلتنا مع دخلات مهنة الصحافة ونحارب مجه