الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ترجمة [5] كيف تصبح أبا

يونس بنمورو

2012 / 11 / 17
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


التهذيب :

لمًّا كان طفلكم طفلا صغيرا جدا ، لم يكن إهتمامكم بتهذيبه و تأديبه مطروحا بقوة ، لكن عندما بدأ لتوه بالمشي و الحركة ، إنبثق المشكل بشكل حرج و ملحوظ .

لنخفي بدابة الأمر خلافا أساسيا يتعلق بمسألة التربية و التهذيب ، فمجموعة كبيرة من الآباء يخلطون بين التهذيب و العقاب ، و هذا خطأ كبير و فضيع ، لأن العقاب فعل سلبي ضار ، يتم توجيهه للطفل نتيجة لشيء غير مرغوب فعله ، و لا القيام به ، و قد يتعدى أحيانا الأمر مسألة العقاب ، إلى مستوى أخطر ، ألا و هو التعنيف و الضرب ، و هذه طريقة خاطئة و غير ناجعة بتاتا ، فمن خلالها يتشرب الطفل سلوكا مناقضا لذلك الذي نتمناه ، فأغلب الآباء يستندون على العقاب ، بكل بساطة لأنها الطريقة الوحيدة التي يتوفرون عليها ، و لأن لا أحد لم يعلمهم طرق جد سلمية و مغايرة ، عن التعنيف و الضرب .
لذا يجب التفكير في التهذيب بإعتباره وسيلة للتعلم ، فعندما نهذب طفلا ما ، فإننا نحاول تلقينه أدبا و سلوكا صالحا ، فكل الآباء يسعون لتقين أطفالهم سلوكا محببا و جيدا ، كما يتجنبون ذاك السلوك القبيح و الغير مرغوب فيه ، فالأمر يتعلق إذن بالتعليم بالنسبة للآباء ، و بالتعلم عند الأطفال .

بالنسبة لبعض الدراسات السيكولوجية تقدم لنا مجموعة من الطرق التربوية الناجعة و أخرى فاشلة غير صحية ، فإذا لاحظتم جيدا بعض الآباء في لحظة تربوية ما ، ستستوعبون بأن طرقهم في التربية جد محدودة ، لأنها تتأسس بكل بساطة على تلقين الطفل ما الذي ينبغي فعله و ما لا يجب فعله ، مع الضرب على أردافه إذ لم يمتثل .
مؤخرا لاحظت أسرة في أحد قاعات الإنتظار في أحد المطارات ، كيفية تصرفها مع طفلها الذي لم يتعد في غالب الأحوال 18 شهرا ، إذ سمعت الأب يقول " لا تتسلق هذا الكرسي ! أترغب بعض الضربات على مؤخرتك " و هذا يعني أن الأب جد منهوك ، و أن خزانه التربوي نفذ .

لكن لنعد للمناهج ، و لنجرب أيها مناسبة لمثل عمر هذا الطفل ، و بالنسبة أيضا للأكبر منه سنا .
أول شيء هو التحكم في المحيط ، فإذا كان عالم الطفل مكيفا حسب حاجاته ، فلن تنهكوا أنفسكم آنذاك بمنعه و حرمانه من التصرف بحرية ، فعندما يجد الطفل نفسه في مكان مليء بالألعاب ، فلستم مجبرين أيضا على حمايته و الدفاع عنه مهما كان الأمر خطيرا ، لأن المكان مكيف بالكامل حسب حاجته ، فلماذا إذن لا نفعل نفس الأمر في المنزل و الحديقة ، فإذا تم تكييف محيط الطفل حسب حاجاته ، فل تعلموا حينئذ أنكم تجنبتم عدد كبيرا من مشاكل التهذيب و التأديب ، فحاولوا إذن تطبيق ما أسميه بالتحكم في المحيط . لا يمكنكم بطبيعة الحال إزالة جميع الممنوعات المؤذية على الطفل ، فهنالك النار ، و الفرن الحارق و أيضا المقلات ، فحتى لا يكون حرصكم مبالغ فيه و زائد ، فطفلكم لا يعرف ، و لا يفرق ، بين ما بقي في البيت و ما تم إزالته ، لذا قولوا له " لا ، إحترس فالنار حارقة " أو " لا تلمس السكين فهو حاد " .

الطريقة الثانية ، تتأسس على تسلية الطفل و إلهائه ، فهنا ، يمكننا أن نرتهن على أحد الخصائص المميزة لهذه المرحلة أو لهذا العمر ، فالطفل الذي بدأ لتوه في المشي ، يمتلك ملكة إنتباه جد قصيرة ، و يمكننا إلهائه بسهولة ، و ذلك بلعب دور الساحر " انظر هنا ! تعال لترى ما أود أن أقدمه لك ، و ترك المنشب الكهربائي ، حيث كنت راغبا ، في وضع أصبعك بداخل ثقبه "

الطريقة الثالثة ، تتأسس على التشجيع و الجزاء ، فالمتخصصون في علم النفس الحيوان ، قاموا بمئات التجارب توضح لنا مسألة الجزاء و أيضا التشجيع ، فلنأخذ مثلا دلفينا ، نرغب منه أن يقفز عبر طوق ناري إلى الماء ، لن نطلب منه إذن أن يقفز ، و لن نضربه إذ لم يتلقى الرسالة ، بل سنعتمد بكل بساطة على التشجيع .

نحن نعلم بأن الحيوانات و الكائنات البشرية على مستوى السلوك ، إما أنها تكافئ أو تشجع لتحتفظ بسلوك ما أو لتتخلى عن أخر ، فإذا إستوعبتم إذن هذا المبدأ الجوهري ، يمكنكم أن تؤيدوا أو تشجعوا طفلكم على السلوك الذي ترونه صائبا ، لكن ، لنعد لمثال الدلفين و الطوق ، فالدلفين مثلا يسبح في حوض معين ، داخل هذا الأخير يوجد طوق ، فعندما لا يتجه الدلفين صوب الطوق لا يحدث شيء ، لكن عندما يمر عبر الطوق ، يتم تشجيعه و مكافئته بسرعة ، لكن في اللحظة التي نعيد فيها نفس العملية ، و نضع فيها مرة ثانية الطوق في الماء يحاول الدلفين المرور عبره لكي يحصل مرة أخرى على سمكة أو ليحظى بالتشجيع ، و عندما يستوعب هذا السلوك نقوم برفع الطوق فوق الماء ، فعاجلا أم أجلا سيحاول القفز عبره ليأخذ سمكة أخرى ، فعندما يتجاوز و يستوعب هذه الخطوة أيضا ، نمر لإشعال النار في جنبات الطوق ، فغالبا لن يتقدم الدلفين و لن يقفز ، لكن سيحاول لا محالة لكي يحصل على مكافئته : السمكة ، فلكي نرغم الدلفين إذن على التصرف بطريقة معينة ، لم نقم بتهديده أو بضربه ، و لكن تم ذلك من خلال التشجيع و المكافئة على طول المراحل التي مر منها ، فالطفل في هذا الخصوص يشبه الدلفين ، فإذا كان الطعام محفزا لهذا الحيوان ، فيمكن أن يكون كذلك بالنسبة للطفل ، لكن الحب و الحنان ، و تشجيع الطفل كذلك ، أشد تأثيرا فيه من الطعام .

يرتكب الآباء كذلك بعض الأخطاء الفظيعة ، تتجلى في إنتباههم المحتشم لطفلهم عندما يتصرف بشكل جيد ، فهو لا يضجرنا في الغالب لكن نميل إلى تجاهله ، أما في حالة تصرفه بشكل سيئ يثير إنتباهنا فورا ، فالآباء لا يفهمون بأن إهتماما سلبيا للطفل أفضل بكثير من إهتمام إيجابي ، و بهذه الطريقة يشجع الآباء لا شعوريا طفلهم على سلوك لا يرغبون فيه ، لنأخذ مثلا على هذا الكلام ، أب أخذ طفله الصغير ذو 4 سنوات لمحل لبيع الخرداوات ، الطفل جد سعيد لمصاحبة والده ، لكن و بشكل مفاجئ يلتقي هذا الأخير بأحد أصدقائه ، أخذت محادثتهما مدة طويلة من الزمن ، طلب الطفل بأدب من الأب أن يشتري له منشار و مطرقة ، لكن الأب لم يحرك ساكنا فهو مستغرق في حديثه مع الصديق ، فجدد الطفل مرة أخر الطلب و بصوت مرتفع ، فأجاب الأب دافعا طفله ، قائلا بأن ينتظره قليلا ، فبدأ الطفل يضرب الأرض برجليه ، متشبثا بسروال الأب ، و باكيا كذلك " أريد منشارا و مطرقة ، أحتاج لمطرقة و منشار " و أخيرا إنتبه الأب للطفل و دون أن يدري ، أي بشكل لا واعي ، شجعه على البكاء و ضرب رجله على الأرض لكي يطلب و يحصل على ما يريد .

فما العمل إذن ؟ خذوا كامل وقتكم لتشجيع السلوك الحسن للطفل عوض التجاهل ، كافئوا الطفل كذلك عن طريق الملاطفة و المداعبة عندما تحكمون على سلوكه بأنه جيد و حسن .

هذه الطرق المنهجية الثلاث للتهذيب و التأديب ، ستكون كافيه لطفل في مثل هذا العمر ، للأسف أغلب الآباء يعتمدون على وسيلة واحدة تتمثل في الضرب و التوبيخ ، قلت " للأسف " لأن أغلب الآباء ، و بالإستثناء في الحالات الخطيرة ، لا يحتاجون فيها للضرب كوسيلة للتهذيب .
فإذا ألح الطفل و عاند مثلا على إجتياز الطريق جريا ، فليس لديكم خيار أخر في مثلا هذه الوضعيات ، سوى بتوبيخه ، دون أن نجعل من الضرب الوسيلة الوحيدة فقط ، لأن هنالك ما هو أفضل و أنجع منها .
فإحتفظوا بالضرب لوقت لاحق ، إذ يجب أن يكون أخر الحلول ، لأن في كل مرة توبخون فيها طفلكم ، فإنكم تعلموه ، أن يخاف منكم و أن يكرهكم ، فإذا وجدتم أنفسكم أقل صبرا ، و تلجئون دوما إلى الضرب و التوبيخ ، يتوجب عليكم إستشارة متخصص في هذا المجال ، ليساعدكم على تجاوز مشاكلكم العاطفية الخاصة .

الجنس :

سأتطرق الآن لموضوع جد حساس و يحرج أغلب الآباء : ألا و هو الجنس .
" فكيف ذلك ؟ ستقولون بأن الطفل في هذه المرحلة لا يشغل باله هذا الموضوع " أنتم على حق و صواب ، فالطفل في هذه المرحلة لا تقلقه الأسئلة المتعلقة بالجنس ، و لا تشكل له أدنى مشكل ، إذ لا يبدي أي إهتمام لإختلاف أعضائه ، و لا يعرف حتى ما الفرق بينها ، سواء الفرق بين أصابع أرجله أو حتى أذنيه ، لكن الحقيقة تكمن في أن أغلب الآباء ، يدفعون بأطفالهم إلى التفكير بطريقة سلبية حول أعضائهم الجنسية ، و تربيتهم على إعتبارها كشيء مدنس ، مختلف بالكامل عن باقي الأعضاء ، فكيف أمكننا إذن تحاشي هذا الأمر و تفاديه ؟

بداية ، حاولوا تلقين صغيركم أسماء أعضائه التناسلية ، بنفس الطريقة التي أسميتم بها أعضائه الأخرى ، فعلموه إذن أن يقول " قضيب " و " مؤخرة " و " مهبل " كما تعلموه أن يقول " كتف " و " إبهام " و " مرفق " فإن لم تتم العملية بهذه الطريقة و على نفس المنوال ، فسيتولد للطفل آنذاك إحساس مفاده ، أن أعضائه الجنسية ، هي شيء قبيح و سيء ، أو هي نوع من الطابوهات ، إذن فهي تجذب و تثير .

ثانيا ، عندما يستحم الطفل ، و يلعب مثلا بأذنيه أو رجله ، لا نبدي حينئذ أي تعليق ، لكن عندما يكتشف قضيبه أو يلعب به ، فيتوجب علينا أيضا أن نتصرف بنفس السلوك ، أي التجاهل التام ، فإذا تصرفنا بطريقة غريبة و غير طبيعية ، سَيُكونُ فكرة غير صحية و خاطئة ، إذ يستدخل بأن أعضائه الجنسية ترتبط بين العار و الذنب ، فإذا أصاب الطفل أي مشكل جنسي فيما بعد ، فلنعلم جيدا أننا نحن الآباء السبب المباشر في ظهوره ، لأننا نحن الذي خلقناه من خلال التربية .

تذكروا معي مرة أخرى خصائص هذه المرحلة و ما يميزها ، إنها مرحلة الإكتشاف و المعرفة ، فطفلكم لن يتعب أبدا من البحث و الإكتشاف ، فحتى لو تركناه لكي يكتشف العالم المحيط به فلن يمل و يتعب ، فما يفعله بجسده هو الإكتشاف فقط ، إكتشاف الأصوات ، الكلمات ، اللغة ، يكتشف الكتب المقروءة عليه من طرف الأب أو الأم ، يكتشف من خلال الألعاب ، و بإيقاع الصوت كذلك ، و من خلال الإستماع للموسيقى .
فإذا تركنا للطفل كامل الحرية ، و أمنا له كامل الشروط للتمتع بها ، فسيصبح لا محالة واثقا من نفسه ، هذه الثقة في النفس ستصبح ثاني عدسة لمفهوم الذات عنده ، أما إذا إصطدم بالمنع و الضرب ، فستنشأ بذور الشك في نفسه لا محالة ، مما سيهدم فيما بعد روح المبادرة عنده .

مما سبق ، يمكنكم مساعدته و مساعدة زوجتكم كذلك ، فالبنسبة لها تمتلك خيارين : إما أن يكون البيت منظما و مدبر جيدا ، و أن يكون الطفل مترددا دائما على الإكتشاف ، و إما أن يصبح المنزل حقلا للإكتشاف و الصراع ، لكي يصبح طفلكم واثق من نفسه ؛ فيمكنكم إذن مساعدتها في هذا الوضع ، بتقبل تدبيرها المتواضع و المحتشم للمنزل ، أي ألا يكون هذا الأخير في حالة جيدة ، فإذا أردتم إعطاء حق الإكتشاف لطفلكم ، فهذا يعني كذلك ، أن تعطوا نفس الحق لزوجتكم ، بأن لا يكون المنزل مدبرا جيدا ، و منظما على أكمل وجه .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. -بيتزا المنسف-.. صيحة أردنية جديدة


.. تفاصيل حزمة المساعدات العسكرية الأميركية لإسرائيل وأوكرانيا




.. سيلين ديون عن مرضها -لم أنتصر عليه بعد


.. معلومات عن الأسلحة التي ستقدمها واشنطن لكييف




.. غزة- إسرائيل: هل بات اجتياح رفح قريباً؟ • فرانس 24 / FRANCE