الحوار المتمدن
- موبايل
الموقع
الرئيسي
هيه !! (قصّة قصيرة)
وليد أحمد الفرشيشي
2012 / 11 / 20الادب والفن
-1-
في ذلك الصباح الباكر رأى الجميع الحصان يتخذ مكانه أمام العربة...في حركة اعتادها... عند الطرف الجانبي للزاوية المواجهة لبوابة " مجزرة " الخيول التي خرج منها صاحبه الغريب الأطوار وهو يضم قبضته على لفافة ما تشيعه نظرات "الجزار" الممتعضة... ترحل عيناه في الوجوه المتهالكة أمامه على رصيف المقهى... لا أحد يعلم ما الذي كان يدور في عقله في تلك اللحظات ولا حتى الذبابة الرعناء التي أخذت تقترب و تبتعد في رتابة... لتسقط على عرف حصانه... كان معطفه الثقيل ينزّ ماء ... يبدو متعبا ...تجاوز النظرات المستفزّة لا مباليا و بصوت متحشرج صاح في حصانه:
- هيه !!
-2-
كان الرجال منشغلون بلعب الورق و الانتشاء من أزماتهم اليومية المعتادة و المقهى ممتلئة و كأنها تلدّ روّادها تباعا... كان الجوّ في الخارج ملبدا و الرياح الغربيّة يسمع نواحها من بعيد، من خلف الزجاج الدّاكن...
النادل العجوز كان يضع رأسه على يده مراقبا صاحب "المجزرة" الجديدة ذو الأنف المفلطح الذي يختفي خلف جريدة قديمة و كانت ثمة سحب دخانية قاتمة تتلوى في المساحة المفتوحة للجريدة... في أحد الأركان البعيدة، ظلّ لعجوزين كانا قد اعتادا تبادل النظرات فيما بينهما دون أن يقولا شيئا مع أنّ لديهما الكثير ليقولانه...كما يهمس روّاد المقهى دائما...
فتح صاحب المقهى الراديو كعادته، توقف الزمن في الصّالة و أصاخ الجميع آذانهم لسماع أخبار الحرب التي تدور في تلك البلاد البعيدة... تحولت المقهى إلى مرجل و برز "جزار" الخيول بآرائه التي صدمت المجتمعين ليصبح الأمر مناوشات ثنائية و ثلاثية... و في كلّ ركن أصبحت الحرب حديث الجلساء...
-3-
بغتة انفتح الباب... كان له صرير مزعج جدّا ... صمت الرجال و التفتت الرؤوس... رفع النادل العجوز رأسه محملقا في القادم... توقف العجوزان عن تبادل النظرات ... تقدّم ببطء... كان وجهه حزينا... تجاوز الطاولات السوداء متجها نحو منضدة خشبية فارغة...
عندما اقترب النادل كعادته يحمل إليه كأس الشاي الأسود، نزت من عينيه قطرات بلورية ساخنة استقرت على المنضدة التي يجلس إليها ...لم يحاول أحد ما، أن يستفسر النادل عن الأمر... كانت عيونهم متشفية أمّا قلوبهم فلقد تكلّس فيها الخبث و الشماتة...
انحنى صاحب المقهى على أذن جزّار الخيول وهو يوشوشه شيئا ما... و كأنه يحدّثه عن هذا الرجل الغريب الأطوار... الذي يحكون عنه حكايات غريبة... يقولون أنه نبت فجأة في قريتهم، جاءها حافيا، أشعث الشعر، أغبره... يرفع عصاه كالقديسين و الأولياء... يعيش تحت جدار الزاوية، مع حصانه و العربة الخشبية القديمة التي اتخذها ساترا عن العيون المتطفلة... صاحب العادات الغربية و الشاذة، يحكى أنه كان مقطبا دائما، ربما حزينا أيضا... يجوب الشوارع كامل يومه يحمل الماء إلى البيوت الجبلية البعيدة، لا يكلم أحدا و لا أحد يكلمه... يقولون أيضا أنه يجمع الصبية القذرين من لا أهل لهم... من الشوارع، يغسل أجسامهم العارية في برميله الأزرق الكبير... و يهمسون أنه ربّما كان منحرفا، غير أنه يكبت ذاك في نفسه...
هزّ الجزار رأسه متفهما، وهو يرمق "القرباجي" في لا مبالاة ... وحده فقط كان يتأمل دموع صاحب الحصان بتشف عميق وعينه على جدار الزاوية حيث توجد العربة وحيدة تماما... بأنامل مرتعشة، وضع "القرباجي" الكأس الفارغة على المنضدة ... و ابتعد بتمهل...
-4-
في صباح اليوم التالي ، اشرأبت الأعناق إلى الرجل صاحب العادات الغربية وهو يتحرك كندفة قطنية ناصعة ... كانت الشمس قد غطّت زجاج المقهى الخارجي... رحلت عيناه في الوجوه المتهالكة... مازالت العينان المدفونتان تحت نتؤات الوجه المقعّر صامتتين تشخصان إلى مكان الحصان الفارغ... رفّ جفنه... وهو يتخذّ مكانة أمام العربة وبصوت يغلبه الدمع... صاح...
- هيه !!
|
التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي
.. الفنان #محمد_عطية ضيف #قبل_وبعد Podcast مع الاعلامي دومينيك
.. الفنان عبد الرحمان معمري من فرقة Raïm ضيف مونت كارلو الدولية
.. تعرّفوا إلى قصة “الخلاف بين أصابع اليد الواحدة” المُعبرة مع
.. ما القيمة التاريخية والثقافية التي يتميز بها جبل أحد؟
.. فودكاست الميادين | مع الشاعر التونسي أنيس شوشان