الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


إسرائيل جريمة العصر والفلسطيني التائه

مهدي بندق

2012 / 11 / 22
مواضيع وابحاث سياسية



انتهت حرب طروادة ، وعاد ملوك الإغريق إلى مدنهم عدا واحدا ً : عوليس البطل الأسطوري الذي خلده شاعر اليونان الأعظم هوميروس في ملحمته الأوديسا . عشرة أعوام في الشتات ، ذاق فيها – مختاراً - أصناف الوجيعة والشوق ، بينما الوطن والزوجة والابن والرفاق ينادونه أن أقبل وهو لا يستجيب .
فما هو مغزى تلك "التغريبة " المذهلة ؟ التحليل النفسي للأدب يقول إن عوليس كان يقاوم – في اللاوعي منه - رغبته في العودة ، ربما ليتجنب اختبار الفحولة والقدرة ، سيما وهو يعلم وصحبه إنهم استهلكوا طاقاتـِهم الحيوية في مشاغل حرب ( وتجارة أيضا ً) طالت سنينا ً .
تلك إذن حالة واضحة لما يسمى برهاب العودة للبيت Home phobia حيث يعاني المرء من ذعر مكبوت ناجم عن تصوره أنه سيعجز عن أداء مسئولياته تجاه أسرته وأهل بيته ؛ فيضع لنفسه وبنفسه العقبات والعراقيل لكي لا يرجع .
هدف الأسطورة إلقاء الضوء على بنية الإنسان ، شرحا ً لمكوناته وتفسيرا ً لمواقفه ، غير أن الأسطورة ذاتها تحتاج لمن يفسرها حتى لا يغم على أحد مغزاها . وهنا يأتي دور علم الأساطير Methodology وعلم النفس الاجتماعي ، بل والنقد الأدبي. فما علاقة هذا بالفلسطينيين ؟
الفلسطينيون هم " تائه " زماننا . ولذلك القول تفصيل بدايته قيام دولة إسرائيل جريمةُ العصر التي سرقت بلداً بأكمله ثم أفلتت من العقاب، لماذا أفلتت ؟ لأن الدولة الحديثة تنال شرعيتها من اعتراف هيئة الأمم المتحدة بها ، بغض النظر عما سبق قيام تلك الدولة من جرائم أوقعتها بحق الآخرين .. فانطبق هذا على إسرائيل التي ارتكب آباؤها المؤسسون أمثال بن جوريون وبيجن ودايان أبشع جرائم الذبح والسلب والتشريد بحق الفلسطينيين العزل. لكن من وجهة نظر الأمم المتحدة فإن محاسبة الدولة عن أفعالها تبدأ بعد قيامها وليس قبل !
وعليه فقد صدر قرار الأمم المتحدة رقم 181 لسنة 1948 بإنشاء دولة لليهود على 54% من أرض فلسطين ، وإنشاء دولة عربية على الـ 46% الباقية ، وهو ما رفضه الفلسطينيون والعرب فكانت الحرب لتنتهي باستحواز إسرائيل على 78% ! بعدها صدر القرار 194 لسنة 1948 ليحتفظ ( شكلاً ) للاجئين المطرودين والفارين بحقهم في العودة لديارهم أو تعويضهم عما فقدوه من ممتلكات .
ثم اندلعت حرب حزيران 1967 – عار العرب جميعاً - حيث احتلت إسرائيل ما تبقى من الأرض الفلسطينية وفوق " البيعة " سيناء المصرية والجولان السورية ، فانثنى " الفلسطينيون يطالبون بتطبيق القرار 181 (الذي سبق لهم ولأخوتهم العرب رفضه ! ومن ثم اعتبرته الأمم المتحدة كأن لم يكن ) بيد أن مؤتمر مدريد 1991 لم يعترف لهم بإقامة دولة إلا على الـ 22% الباقية المحتلة !
تلا ذلك توقيع اتفاقية أوسلو أيلول 1993 بين إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية كممثل شرعي وحيد للشعب الفلسطيني ، بمقتضاها سُلمت إدارة الضفة الغربية وقطاع غزة المحتليْن لمنظمة التحرير مقابل أن تحذف من ميثاقها الدعوة لإزالة إسرائيل . وقد كان .
ومن جانبها قامت إسرائيل – وهي تتجرع السم – بإنشاء مطار فلسطيني في رام الله إضافة إلي إمداد المدن والقرى الفلسطينية بشبكات المياه والكهرباء والغاز، لا لوجه الإنسانية بالطبع، بل لتشهد العالم على حسن نواياها ، بينما طفقت تفتت وحدة الأراضي الفلسطينية بزرع مستوطنات لليهود داخلها، وتوقيع العقوبات الجماعية على المعترضين بتجريف أراضيهم ، وهدم بيوتهم وقلع أشجار الزيتون مصدر رزقهم الرئيسي.
ذلك ما جعل حماس ، التي فازت بانتخابات شكّلت بها حكومةً في ظل اتفاقية أوسلو ، تعود لترفض تلك الاتفاقية ، مؤكدة ضرورة "محو إسرائيل" من الوجود ، وبهذا عادت لتسبح في بحار الأيديولوجية الهادرة بمخايلات الخلافة الإسلامية الإمبراطورية ! معبرة بذلك عن خوفها " المكبوت " من الاستقرار السياسي داخل البيت الفلسطيني - ولو صغر- والذي صار معدا ً للسكن بموجبات الشرعية الدولية . وقد بلغ هذا الخوف مداه بقيام منظمة حماس في غزة بانقلاب حزيران 2007 ضدا ًعلى الرئاسة الفلسطينية المنتخبة ، وبذلك أعفى الحمساويون أنفسهم من مسئوليتهم عن الوصول بالقضية الفلسطينية إلى مشارف الحل النهائي عبر المفاوضات التي أمست الخيار الوحيد المتاح على موازين القوى ، ومن ثم بدأ الحصار اللعين ضد شعب غزة عقاباً لا يتوقف .
تلك كانت " التغريبة " السياسية لعوليس الفلسطيني ؛ التي انتهت إلى وضع غطرشتْ فيه الأيديولوجيا علي حماس أن تعي حقائق الموقف السياسي الدولي ، فبدلاً من النزول على ساحل المقاومة الشرعية كما في انتفاضة الحجارة 1987( التي أبهرت العالم) بجانب العمل على تلال وسهول الديموجرافيا الواقعية ، راحت تشجع " ملاحيها " أن يمارسوا عملياتهم "الاستشهادية" ضدا ً على اليهود "الأعداء التاريخيين للإسلام" دون تفرقة بين جيش الاحتلال والمدنيين ؛ وهو ما استهجنته الأسرة الدولية ، بل ووسمت بسببه حماسَ بميسم الإرهاب وكانت إسرائيل به أولى .
والنتيجة : استمرار الوجود العوليسي الحمساوي في بحار التيه ، فهل ظل يسبح فيها وحده ؟ بل انضمت إليه أخيراً شقيقته الكبرى "منظمة التحرير" بإعلان من رئيسها أبو مازن – ربما لمخاوف مماثلة - التخلي عن حق العودة ، ما أثلج صدر إسرائيل وأسعد عرّابها الأمريكي. ويا له من إعلان "عوليسيّ أبيمازنيّ" لا يعكر عليه احتجاجات متشنجة من أشاوس العرب وما أخبرهم وأجدرهم بالاحتجاجات والتشنجات!
وهكذا برهن واقعنا العربي المهين على أن عوليس الفلسطيني - باختلاف هوياته السياسية - لا يزال يخشى العودة إلى وطنه الذي يتآكل يوماً بعد يوم . والأسوأ أن هذا التائه الأسطوري قد صار ينصت لمن يوحى إليه بالترانسفير إلى وطن بديل تبعاً لنموذج "شعب بلا أرض ، وأرض بلا شعب " ! فمن يكون هذا الموحي؟
إنه – ولنتعرف عليه مجدداً - جريمةُ العصر: إسرائيل .. وأما الوطن البديل فاسمه سيناء !!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. رئاسيات موريتانيا: ما هي حظوظ الرئيس في الفوز بولاية ثانية؟


.. ليبيا: خطوة إلى الوراء بعد اجتماع تونس الثلاثي المغاربي؟




.. تونس: ما دواعي قرار منع تغطية قضية أمن الدولة؟


.. بيرام الداه اعبيد: ترشّح الغزواني لرئاسيات موريتانيا -ترشّح




.. بعد هدوء استمر لأيام.. الحوثيون يعودون لاستهداف خطوط الملاحة