الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الإسلاميون و الكذبة المقدّسة : قراءة في أخلاق التدجين

ياسين عاشور
كاتب

(Yassine Achour)

2012 / 11 / 27
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


ماذا يعني أن يكذب السياسي الإسلامي المعاصر كذبةً مقدّسة ؟ ذلك الذي ينتمي في معظم الأحيان إلى ما يسمّى بالإسلام الحركي ( يكون عادةً إخوانيّا على الطّريقة المصريّة أو نهضويّا على الطّريقة التونسيّة مثلا ) .
يكفي أن تستمتع إلى نقاش يدور حول تطبيق الشّريعة بين إسلاميّيْن أحدها سلفي ( يكون عادةً جهاديا أو تحريريا ) و الآخر إخوانيّ لتدرك كنه " الكذبة المقدّسة " . سيسرّ الإخوانيّ إلى أخيه السلفيّ : " نحن مثلكم أخي في الله , نسعى إلى إقامة الشّريعة بحذافيرها , و ما تأخرّنا في تطبيقها إلا مراعاةً للظرف السياسي و الاجتماعي , دعنا أولا نصل إلى السلطة و نربّي المجتمع تربيّةً إسلاميّة , ثمّ نقيم شرع الله " .
نحن إذًا أمام براغماتيّة سياسيّة تدفع الإسلامي إلى تقيّة معاصرة يلبس من خلالها لبوس " المدنيّة " و " الديمقراطيّة " للتمويه و المغالطة – بدافع نوايا طيّبة و غايات إلهيّة صرفة - . هيّ عمليّة تدجين و تربيّة للمجتمع لنقله من الجاهليّة الجديدة إلى هدي الشّريعة و ما أنزل الله من حكمٍ . لقد تناول نيتشة في جلّ أعماله دراسة – سيكولوجيّة المصلح – الذي يرى في نفسه خلاصا لمجتمعه و للإنسانيّة جمعاء , و يحلّ لنفسه الكذب و الخداع من أجل غاياته الساميّة . " المشكلة الكبرى و المخيفة التي عكفت على تقصّيها لأطول مدّة من الزّمن : سيكولوجيا " مصلح " الإنسانيّة ... لقد كان الكذب المقدّس الإرث المشترك لكلّ الفلاسفة و كلّ القساوسة الذين انخرطوا في " إصلاح " الإنسانيّة . و لم يكن لا مانو و لا أفلاطون و لا كنفشيوس و لا الدعاة اليهود و المسيحيين , ليشكّوا لحظةً في حقّهم في الكذب " (1)
يؤسّس هؤلاء المصلحون كما قلنا لأخلاق التدجين في سبيل تنميط المجتمع و أخذه على ارتداء جبّة واحدة في صيغة جماعيّة يقودها مرشد روحي أعلى يكون خليفة أو إمامًا تأتمر الأمّة بإرشاداته المؤيّدة من قبل الله , فلا حكم إلا لله و ما هؤلاء إلا ظلال على الأرض لتطبيق إرادة السّماء . لكن ما هي إرادة السّماء إن لم تكن سعيًا لتحرير الفرد من سلطة الجماعة تحقيقًا لفردانيّة أصلها ثابت و فرعها يلتحم إبداعًا و استمتاعًا و تواصلا مع الفروع الأخرى أو الذّوات الحرّة التي تنتج كلّ في ذاتها تجربة أصيلة و خاصّة . أ و لم يؤكّد النصّ المؤسّس على ضرورة التجربة الدينيّة-الوجوديّة الحرّة {قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَى شَاكِلَتِهِ فَرَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَنْ هُوَ أَهْدَى سَبِيلاً}[الإسراء:84] ؟
إن فحوى الكذبة الإسلاميّة المقدّسة لا تزيد عن كونها مُخاتلةً ماكرةً للجماهير التائقة إلى الدخول في الحداثة من بابها الدّيني المتنوّر , إذ النّاظر في الغايات البعيدة لهؤلاء – حسب استقرائنا لخطاباتهم – سيدرك الخطاطة الانقلابيّة على إرادة الشّعوب الحرّة , و ما تمويهاتهم و وعودهم إلا إستراتيجيا للتدجين و الأسلمة النّاعمة-الهادئة نحو تحقيق المجتمع السّلفي الموعود . لكن ما الذي نحتاجه بديلا عن أخلاق التدجين ؟
ليس أفضل من تجريب الدعوة إلى الأنوار الكانطيّة في مجال تداولي عربي إسلامي صعودًا من الذات إلى النصّ و نزولا من النصّ إلى الواقع , تلك الأنوار التي تعنى بالفرد ذاتًا حرّةً لا رقمًا في قطيع . يستهلّ كانط إجابته عن سؤال ما الأنوار بقوله أنّ " بلوغ الأنوار هو خروج الإنسان من القصور الذي هو مسئول عنه , و الذي يعني عجزه عن استعمال عقله دون إرشاد الغير . و إنّ المرء نفسه مسئول عن حالة القصور هذه عندما يكون السّبب في ذلك ليس نقصًا في العقل , بل نقصًا في الحزم و الشّجاعة في استعماله دون إرشاد الغير . تجرّأْ على أن تعرف ! ( Sapere Aude ) كن جريئًا في استعمال عقلك أنت . ! ذاك شعار الأنوار " (2)
إنّ خروج المسلم عن قصوره الذاتي و انطلاقه في مغامرة الوجود يحتاج إلى تربيّة دينيّة متنوّرة لا تربيّة تدجينيّة تخضعه لسلطة الفقيه المعرفيّة التابعة لسلطة وليّ الأمر السياسيّة في ثنائيّة فرعونيّة-هامانيّة تدّعي الوصاية على عقله و إدماجه في القطيع مسلّمًا أمره إلى السنّة و الجماعة . و لعلّ أوّل ما على المسلم المعاصر الوعي به هو أنّ " كل مسلم فقيه؛ إذ يُطلَب من كل مسلم التفقه في الدين على قدر حاجته، حتى لا يأتي أعمالَه، وهو جاهل بأحكامها، قوانين وأخلاقا، فلا تنفعه في عالمه الغيبي، فضلاً عن عالمه المرئي؛ وعلى هذا، فليس المطلوب هو تكوين فئة من المتخصصين في الجزئيات الظنية والاجتهادية المتفرعة من الأمرية الإلهية بِقدر ما هو تعميم الثقافة الدينية الأساسية على جميع أفراد المجتمع المسلم كما تُعمَّم أيُّ معرفة قانونية أو اجتماعية لا يُعذر جاهلها، حتى يكون هؤلاء الأفراد كلُّهم متفقهين في دينهم تفقهاً حياً ... وإذ ذاك، لا يمتاز المتخصص منهم عن غيره إلا من حيث التوسع الصناعي في هذه المعرفة، هذا التوسع الذي لا يؤهله للاستفراد بمهام تدبير شؤونهم... " (3) .
لذلك فإنّنا ندعو إلى إسلام التحرير و التنوير بدلا عن إسلام الإصر و الأغلال , و إسلام السنّ و الجمع المتجدّد و المبدع بدل إسلام السنّة و الجماعة الجامدة , و إسلام المتحوّل الإبداعي بدلا عن إسلام الثابت الاتّباعي , و إسلام اليسار بدلا عن إسلام اليمين ...
"الإسلام بيتنا. لن نهجره بدعوى أن المتشددين احتلوه أو أنهم يوشكون، ولا يشاؤون أن يتركوا فيه مكاناً لغيرهم. في هذا البيت متّسع للجميع، من عقلانية العقلانيين وعلمانية العلمانيين وعقائد الأقليات وجنسانية المثليين وأنطولوجيا اللاأدريين، إلى حيث يشاء رب العالمين. لذلك، نقيم في بيتنا هذا الذي يتسع لكل القناعات والأذواق، بشروط فكرية ونفسية مريحة؛ لأنه مسكن الجميع وليس ملكا عقارياً لأحد. لسنا ضيوفاً على كهنة قندهار والربع الخالي، ولسنا عابري سبيل. وإسلامنا هذا أقرب إلى البساطة منه إلى السلطة، وإلى الحقائق منه إلى الخوارق، وإلى الحرية منه إلى التحريم. لأننا لم نستعره من أحد؛ لأنه إسلام الحياة والفطرة، لأنه إسلامنا." (4)


الهوامش :
(1) فريديريش نيتشة - غسق الأوثان - ترجمة علي مصباح - منشورات الجمل
(2)إيمانويل كانط - ما الأنوار ؟ - ترجمة محمود بن جماعة - دار محمد علي الحامي
(3)طه عبد الرحمن - روح الدين : من ضيق العلمانيّة إلى أفق الائتمانيّة - المركز الثقافي العربي
(4) سعيد ناشيد - نشر هذه الفقرة على صفحته الشخصيّة بالفايسبوك








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - كيف نتعامل مع من يقدسون الكذب و إستغفال الشعوب
Amir_Baky ( 2012 / 11 / 27 - 18:26 )
الإخوان إستغفلوا الشعب فى توجيه لقول نعم لإستفتاء صبحى صالح. ومرسى الآن يقفز على المسار الثورى رغم أن جماعتة قالت نعم لإستمرار نظام مبارك. فشغل الفهلوة و إستمرار نظام قامت ضدة الثورة حتى الآن سيسبب فى إنفجار أقوى من 25 يناير 2011 الإخوان مارسوا الكذب بشكل إستفزازى. فالتأسيسية و تركيبتها الحالية من نتائج إستفتاء نعم لله. ولو أراد الرئيس تحصينها فلابد أن يحترم صلاحياته التى أعلنها العسكر فى الإعلانات الدستورية حتى ولو كانت معيبة لأن هذا المسار السياسي وافق علية الشعب بإيجابياته و سلبياته التى كانت متوقعة.فالذى منح العسكر التفرد بإعلانات دستورية معيبة هم الإخوان. فالثورة الناجحة تضع آلية لوضع دستورها التوافقى أولا ثم القيام بعمل جميع الإنتخابات كسائر ثورات العالم الناجحة. العسكر و الإخوان إجهاضا الثورة .ومن جهة آخرى مصداقية الرئيس أصبحت على المحك لأنه قال أمور كثيرة ولم يف بها. فهل يعقل تصديقة فى أمر حق الشهداء وهو الذى كرم القتلة ووفر لهم مناصب سياسية مرموقة كاللواء بدين الذى جعلة ملحق عسكرى بسفارتنا بالصين و كمثل وزير الداخلية الحالى الذى أشرف على مذبحة محمد محمود. والخروج الآمن للعسكر

اخر الافلام

.. حكاية -المسجد الأم- الذي بناه مسلمون ومسيحيون عرب


.. مأزق العقل العربي الراهن




.. #shorts - 80- Al-baqarah


.. #shorts -72- Al-baqarah




.. #shorts - 74- Al-baqarah