الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المصارحة في مقابل المواربة

مجدي مهني أمين

2012 / 11 / 29
مواضيع وابحاث سياسية


سعى الشعب من اللحظة الأولى أن يوضح للرئيس مرسي أنه أصبح رئيسا لكل المصريين، وليس رئيسا لعشيرته، طبعا الدعوة واضحة والاختيار في نفس الوقت صعب على الدكتور مرسي:

- إزاي يسيب الجماعة اللي أوصلته للحكم، بالتزوير والبطاقات الدوارة، والقلم السحري، والورق المسود في المطابع الأميرية، والطفل الدوار، والزيت والسكر؟ ازاي؟
والحقيقة إن "إزاي" دي كانت في غاية السهولة، لأن الجميع قَبِل بالنتيجة ولم يعترض عليها، ولم يذهب للميدان حاملا أكفانه في حالة فوز مرسي، الناس تجاوزوا نتائج الانتخابات، اعتبروها انتصارا جزئيا للديمقراطية، هذا بعد تاريخ طويل من انتخابات كانت تتم بالاستفتاء، التي كانت أقرب للمبايعة ، ثم تاريخ قصير من انتخابات رئاسية شكلية بين مبارك وناس تانيين- واحد منهم كان بيقول انه ها ينتخب مبارك، ولما أيمن نور أخد موضوع الانتخابات بجدية، وحصل على شوية أصوات أكثر من المتوقع، ألقوا به في السجن.. الناس فرحت ان فيه انتخابات حقيقية شابها بعض التزوير لم تؤثر في النتيجة بشكل مبالغ فيه؛ فالمنافس حصل أيضا على أصوات مقاربة للرئيس مرسي..

يعني الناس راهنت على انتخابات مقبلة أكثر نزاهة بعد أن تنتشر ثقافة الديمقراطية، وراهنت أيضا أن يكون الرئيس المنتخب رئيس كل المصريين، الناس تجاوزوا إعلان الإخوان للنتيجة قبل أن تعلن رسميا، اكتفوا بالعفوية والطيبة البادية في الرئيس المنتخب، ولكن في المقابل بدأ الرئيس من اللحظة الأولى يؤكد أنه رئيس جماعة الإخوان؛ العديد من أعضاء حزب بدأوا يتحدثون كأنهم الرئيس،وبدأ المرشد يعلن تصريحات لقرارت. الرئيس، من ناحيته، حاول أن يطيح بحكم المحكمة الدستورية ويعيد مجلس الشعب المنحل، مساعدو الرئيس معظمهم من الإخوان، الوزارة من الإخوان، الدعم يذهب لحماس، حماس تنتشر في سيناء، الإرهابيين عادوا أو خرجوا من السجن، مصر تباع، ولكن هذه المرة على الملأ، واللجنة الدستورية تسرع في اصدار دستور يمهد للدولة الدينية، ويسابقون الزمن كي يخرج دستورهم للاستفتاء قبل ان تصدر المحكمة الدستورية قرارها في هذه اللجنة الدستورية.

وهنا توقفت عجلة الدستور، بانسحاب الكنيسة وكافة القوى الوطنية من اللجنة التأسيسية، انسحاب غير متوقع طبعا، فالثقافة السائدة في عصر مبارك كانت ثقافة المواربة، والمواربة هي بالتحديد إن الناس ما يقولوش اللي عايزينه بالضبط، لكن يقولوه بمواربه عسى أن صانع القرار يفهم أو يتفهم، وكان صانع القرار يفهم ويعمل مش فاهم، وياخد القرار اللي في مصلحته، كأن ما فيش حد اتكلم، والناس تعيد بمواربة وخجل وجهة نظرها، طبعا في عصر مبارك ده كان يعتبر تقدم على عصر عبد الناصر، إذ أن عصر عبد الناصر كان عصر تكميم الأفواه، والنتيجة واحدة بين الصمت والمواربة، فالحاكم في الحالتين يفعل ما يريد، يفعله والشعب أخرس؛ أو يفعله والشعب يغمغم بكلام مش واضح ولا مفهوم.

انسحبوا من التأسيسية التي صنعها مكتب الإرشاد، فتعثرت، وثارت ثورتهم ودفعوا الرئيس لإصدار هذا الإعلان الدستوري، ضاربا بعرض الحائط دولة القانون، ومرسيا دولة المرشد. رهانهم كان أن الشعب لا يثور، أو لن يثور بهكذا قوة، راهنوا على أن الثورة ستاتي من المثقفين اللي عارفين الفرق بين الدستوري وغير الدستوري، وأنهم كدعاة وتجار دين ضامنين في جيبهم الناس الطيبين بتوع الزيت والسكر. ولكنهم خسروا الرهان وخرج الشعب يقول لهم، لا، وكفاية ، وشايفينكم، وكل ما كان يقوله لمبارك، بدون مواربة، يقوله بوضوح وإصرار.

الجماعة ومكتب الإرشاد دفعوا بمرسي لهذا الموقف الحرج في مواجهة الشعب، وبقاء مرسي في الحكم بعد هذه الثورة رهين ببقائه رئيسا لكل المصريين، فالخيار واضح إما المكتب أو الشعب، والردود المعادة من رجال الإخوان غير مقنعة، فالرئيس، بلا مواربة، أمامه خياران واضحان ؛ فإما المكتب أو الشعب.. الشعب بكل طوائفة في اللجنة الدستورية ، وبكل طوائفه في الوزارة والاعلام وديوان الرئيس. الشعب بكل طوائفه، فمع ثورة يناير انتهت ثقافة الإلتفاف وتلبيس الطواقي، في ثقافة المواربة الناس كانت فاهمة بس فاكرة إن المواربة هي الحل، دلوقت الناس فاهمة لكن ثقافة المصارحة بقت هي الحل.

الناس في الميدان بلا مواربة، وعلى الرئيس ان يختار الطريق الصحيح، عليه اختيار الشعب، حقنا للدماء، عليه -كي يبقى- أن يعيد زرع نفسه في تربة الناس، وأن يخرج من أصيص الإخوان، وعندما يزرع نفسه في تربة الناس لن يخذل الإخوان لأنهم سيكونون ضمن كل الشعب ولكن بدون تمييز.
عليه أن يتخلى عن هذا الإعلان ويمتثل لقرارات المحكمة الدستورية- إن رأت حل اللجنة التأسيسية- ويكوّن لجنة تمثل كل أطياف الشعب كي نصل إلى دستور يمثل التوافق الوطني، وبرلمان منتخب على أساس قانوني عادل؛ دولة قانون، القانون فيها هو السيد، دون إلتفاف ودون مواربة، لأن الشعب اختار لغة جديدة وعلى الحاكم أن يحترم هذه اللغة الراقية أيضا دون إلتفاف ودون مواربة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. شولتز: المساعدات الأميركية لا تعفي الدول الأوروبية من الاستم


.. رغم التهديدات.. حراك طلابي متصاعد في جامعات أمريكية رفضا للح




.. لدفاعه عن إسرائيل.. ناشطة مؤيدة لفلسطين توبّخ عمدة نيويورك ع


.. فايز الدويري: كتيبة بيت حانون مازالت قادرة على القتال شمال ق




.. التصعيد الإقليمي.. شبح حرب يوليو 2006 | #التاسعة