الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مصر تدخل الحلزونة

محمد أبو زيد

2012 / 12 / 5
مواضيع وابحاث سياسية


في الوقت الذي كان فيه الدكتور محمد مرسي رئيس الجمهورية، يتسلم نسخة من مسودة الدستور، وسط دموع المستشار حسام الغرياني، رئيس الجمعية التأسيسية، كان هناك الآلاف، في ميدان جامعة القاهرة، يهتفون باسمه، ويؤيدون قراراته، التي اتخذها والتي لم يتخذها.
لا يحتاج أي ديكتاتور في الدنيا أكثر من هذا. لا يحتاج أكثر من الآلاف الذين هتفوا باسمه، وبايعوه على الموت، حتى يصبح ديكتاتورا. لا يحتاج أكثر من هذه الحشود الضخمة التي جاءت من القرى والمدن، لكي تردد شعارات، ربما لا تعرف معناها، ولكي تؤيد دستورا، بالتأكيد لم تقرأه، ولكي تناصر إعلانا دستوريا لا تعرف عواقبه، ولكي ترفع راية التسليم بكل ما يقول أو يفعل.
لم تكن مليونية الشريعة والشريعة إذن. بل كانت مليونية صناعة الديكتاتور. وسيذكر التاريخ أن يوم 1 ديسمبر 2012 كان يوما فارقا في تاريخ مصر، ففيه بدأ تمكين الرئيس محمد مرسي لكي يكون فرعون مصر الجديد، الذي يستطيع بإشارة فقط أن يفعل ما يريد، بالرغم مما تقول به المعارضة، وهو ما حققته له الآلاف الحاشدة، حينما ذهبت إلى المحكمة الدستورية، وحاصرتها، ومنعت قضاتها من الدخول وهو يرددون "يا مرسي ادينا إشارة، واحنا نجيبهم لك في إشارة".
لا يحتاج الديكتاتور إذن أكثر من هتاف كهذا، من الشعب الذي يطالبه بأن يعطي إشارة فقط، مجرد إشارة بدون كلام أو تلميح أو تصريح، لكي يقوم أنصاره بوضع أعدائه في "شيكارة". وبنظرة بسيطة على هؤلاء الأعداء سندرك أنهم هم السلطة القضائية، التي أقسم أمامها أنه سيحمي الدستور والقانون، هذا الدستور والقانون الذي تغول عليه، كما تغول أيضا على السلطة القضائية.
لا يحتاج الديكتاتور حتى يصبح ديكتاتورا أكثر من هذا: مليونية تؤيد قراراته في الوقت الذي يتخذ فيه هذه القرارات، فيلجأ إلى توثيق هذا التأييد بطائرة هليوكبتر، لكي يبدو أمام العالم أجمع أنه يفعل ما يريده شعبه، وما يطالبونه به.
لا يوجد ما يسمى بديكتاتورية مؤقتة، ولا ديكتاتورية استثنائية، فكل الطغاة بدءوا هكذا، قالوا إنهم يتخذون قراراتهم الاستثنائية من أجل الشعب الذي يهتف باسمهم في الشوارع، لكن القرارات الاستثنائية أصبحت دائمة فيما بعد، بعد أن تحول الشعب إلى "مجرد حشد" يساق إلى مصيره، يلوك الهتافات في اسمه دون حتى أن يفهم معناها، فهكذا بدأ قانون الطوارئ، وهكذا استمر 30 عاما، بحجة حماية الشرعية والدولة والمواطنين.
الشرعية والشريعة.. لماذا هذا التلازم؟ لأن هذا التلازم يعني أن ثمة دولة دينية في الأفق فالمتحدثون باسم الشريعة هم من يحمون الشرعية، والشرعية هي التي تدعي أنها تتحدث باسم الشريعة. لكن أي الطوائف التي كانت في الميدان هي التي تتحدث باسم الشريعة؟ هل هم الإخوان أم الجماعة الإسلامية أم الجهاد، أم حزب النور، أم السلفية الجهادية، ام من شاركوا من قبل في الانقلاب على الشرعية حينما قاموا باغيتيال الرئيس الأسبق محمد أنور السادات؟
والسؤال الأهم: هل كان احتشادهم في الميدان دفاعا حقيقيا عن الإعلان الدستوري، الذي لا علاقة له بالشريعة من قريب أو بعيد، أم أنه كان جزءا من صفقة لا أحد يعلم تفاصيلها الكاملة، لكن ما تسرب على لسان نائب رئيس الدعوة السلفية ياسر برهامي إلى وسائل الإعلام، من أن هناك وعود بمناصب حكومية ووزارية ومقاعد محافظين مقابل هذا التأييد.
لا يمكن إذن النظر إلى ما حدث يوم السبت الماضي في ميدان نهضة مصر إلا باعتباره جزءا من صفقة سياسية بين جماعة الإخوان المسلمين وبقية التيارات الإسلامية، وليس مجرد دفاع عن الشريعة، لأن الجميع يعلم مدى الاختلاف بين مفهوم كل تيار من هذه التيارات للشريعة، ويعلم الجميع أن التيار السلفي يتهم الإخوان المسلمين بأنهم متسيبين دينيا، فيما يتهم الإخوان المسلمين بأنهم متشددين دينيا، إذن فتطبيق الشريعة لدى كل تيار يختلف عن التيار الآخر، والأمر يتجاوز كونه مجرد بناء دولة دينية، حتى لو تقاربت وجهات النظر في بعض الأمور.
لكن ما لا يدركه الرئيس محمد مرسي، هو أنه يلعب نفس اللعبة السياسية الخطرة التي لعبها من قبله الرئيس الراحل محمد أنور السادات، والذي مات على يد تحالف جماعتي الجهاد والجماعة الإسلامية، لأنه لم يطبق الشريعة الإسلامية رغم أنه كان يعادي الكنيسة، وكل التيارات المدنية، ورغم أنه كان يطلق على نفسه لقب "الرئيس المؤمن".
أراد السادات بعد وصوله إلى الحكم أن يخلع زي عبد الناصر، وأن يشق طريقا مختلفا له، فكان أول ما فعل هو انقلاب مايوم 1971، ثم قرر أن يفتح الطريق للجماعات الإسلامية في الجامعات لكي تمارس العمل السياسي، ومن هنا كان الميلاد الحقيقي للجماعة الإسلامية في جامعات الصعيد، وكان السادات يهدف من ذلك إلى ضرب التيار الناصري والشيوعي في الجامعة والحياة السياسي، الذي كان يطالبه طوال الوقت بالحرب مع إسرائيل، ويعترض على قراراته السياسية والاقتصادية بداية من الانفتاح وانتهاء بقرار السلام مع إسرائيل، وكان السادات يظن أن الوحش الإسلامي الذي يربيه في الجامعات والمساجد والذي أدخله الحياة السياسية، سوف يقضي على اليسار، لكن كانت المفاجأة هي أن هذا التيار الإسلامي قرر أن يغتال السادات نفسه، وهو ما حدث في 6 أكتوبر 1981، بينما يحتفل السادات بنصر أكتوبر الذي صنعه.
الوحش الذي يرتدي زي الإسلام الآن، وهو بعيد عن الإسلام، تركه مرسي يمرح في سيناء، فيقتل الجنود المصريين، ويحول سيناء إلى بيت رعب كبير متسع الأطراف، الوحش الذي يربيه مرسي الآن، سيطالب بعد الاستفتاء على الدستور، بجزء من الكعكة السياسية كما وعده الإخوان، الوحش الذي يربيه مرسي، سيطالب بتطبيق الشريعة التي يعرفها، وهي الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وتطبيق الحدود، ولن يحدث ذلك بطبيعة الحال ، فينقلب السحر على الساحر، وينقلب الوحش على صانعه، لتدخل مصر في حرب أخرى باسم الدين.
هل يبدو هذا خيال سوداوي، ربما، لكنه ليس بعيدا عن المشهد الحادث بأي حال من الأحوال، فمليونية الصدمة والرعب، كما فضل البعض أن يسميها، لم تكن تؤيد مرسي فقط، بل كانت ترفع صوتها عميقا، تطالب بحقوق من حركوا هذه الملايين، ليؤيدوا مرسي ضد القوى المدنية.
كما قلت من قبل، فيوم 1 ديسمبر 2012، ليس يوما عاديا في التاريخ المصري، ففيه نصب مرسي نفسه ديكتاتورا، وفيه أدرك السلفيون والقوى الإسلامية قوتهم، وعددهم وحشدهم، وفيه سبق مرسي القوى المدنية بخطوة، حينما قرر أن يعلن الاستفتاء على الدستور، بينما هذه القوى لا زالت تتحدث عن الإعلان الدستوري.
ستظل القوى المدنية كعادتها تتخبط، وتراهن على القضاة أن يقاطعوا الانتخابات، لكن إذا لم يحدث هذا فمعظم هذه القوى ستتخذ قرارا بمقاطعة الاستفتاء، وهو القرار الذي سيكون خاطئا جملة وتفصيلا.
الصراع الحقيقي القادم، هو "تمرير الدستور"، وهو اختبار حقيقي لقوة ومدى تأثير القوى المدنية في الشارع، وقدرتها على الحشد.أعلم أن عددا كبيرا من هذه القوى قرر أن يرفض الدستور "من بابه"، ويرفضون حتى مناقشة مواده، وهو ما يعني أنهم سيخطئون نفس خطأ من قرروا المقاطعة في الانتخابات الرئاسية، أو يبطلون أصواتهم، فوجدنا انفسنا في جولة الإعادة بين خيارين أحلامها مر، فقرار المقاطعة لن يعني سوى أن تصوت تلك الحشود التي رأيناها يوم السبت في الميادين تهتف لمرسي، وستكون الصورة الأشهر هي تلك اللحى الكثيفة وهي تقف أمام اللجان لتصوت بنعم، فضلا عن إعلان كل قوى الإسلام السياسي من الدعوة السلفية، إلى الجبهة السلفية، إلى الجماعة الإسلامية، إلى الإخوان المسلمين عن حملات توعية للمواطنين لكي يصوتوا ب "نعم" للدستور، وفي ظل غياب الطرف الآخر، الذي يقول لا سيكون من الطبيعي أن يتم تمرير الدستور، بنسبة تصويت ب"نعم" كبيرة.
المعركة القادمة، هي معركة وعي، والرهان على وعي هذا الشعب، لكن هذا الرهان يتطلب أن تتحرك القوى المدنية في القرى والنجوع والكفور والحواري والشوارع والمقاهي والنوادي، لكي تشرح للناس مثالب هذا الدستور، وأخطأؤه، لا يكفي أن نقول للناس إن هذا الدستور سيء، أو صوتوا ب"لا" على هذا الدستور، بل يجب أن تشرح القوى المدنية لهم أسباب هذا السوء، ولماذا يصوتون ب "لا".
إذا استطاعت القوى المدنية أن تحشد الشارع لكي يصوت ب"لا"، والشارع مستعد لذلك، فقط يحتاج لمن يشرح له"، لكي تكون نسبة التصويت ب"نعم"، ضئيلة، فبهذا يمكن أن نسقط هذا الدستور، لكن لن يسقط بطريقة أخرى، فالرهان على العصيان المدني لن يفلح، والرهان على المقاطعة ضعف وقلة حيلة، الرهان الحقيقي على الوعي والتوعية.
تملك القوى المدنية قواعد كثيرة في الشارع، وبإمكانها أن تعتبر معركة الدستور هي البروفة الحقيقية للانتخابات القادمة، سواء الرئاسية أو البرلمانية، بمعني أن تقود معركتها كأنها تستفتي على وجودها هي، ومدى تأثيرها، فإذا استطاعت القوى المدنية أن تحشد وتسقط الدستور، فقط انتصرت على مرسي، وإذا فشلت، فلن تنجح في شيء آخر، وسنصدق ما يقال عن النخبة التي لا تتوقف عن الكلام، لكنها لا تفعل شيئا على أرض الواقع.
أعلم أن بعض القوى المدنية لم تقرأ الدستور، ولا ترغب في ذلك، وترفضه جملة وتفصيلا، وهذا دليل ضعف حجتهم، لذا عليهم أن يثبتوا للمواطن أنهم على صواب، وأن رفضهم للدستور نابع من منطق حقيقي قوي وليس من شعارات يرددونها أو طمع في السلطة كما تردد القوى الإسلامية.
القوى المدنية في اختبار حقيقي أمام الإخوان والتيارات الإسلامية، ومن حق المواطن أن يضع أمامه الرأيين الموجودين ويقارن بينهما، أحدهما يطالبه بالتصويت بنعم، ويقدم له الدلائل و القرائن على أهمية ما يحتويه هذا الدستور، والطرف الآخر يكتفي بمطالبته بالمقاطعة، وبالتالي فلا يلومن أحد المواطن إذا صوت ب"نعم"، لأن أحدا لم يقنعه لماذا يجب عليه أن يصوت ب "لا".
يبدو اليوم شبيها جدا بذلك اليوم من عام 2005، حينما قرر النظام السابق إجراء تعديلات دستورية، تضع قيودا على الراغبين في الترشح للرئاسة، وقد تضمن هذا الاستفتاء تعديل مادتين في الدستور، كان منهما تعديل المادة (76) من الدستور، بحيث يكون انتخاب رئيس الجمهورية عن طريق الاقتراع السرى العام المباشر من جميع أفراد الشعب الذين لهم حق الانتخاب، بدلاً من اختيار رئيس الجمهورية بطريق الاستفتاء، بعد ترشيح مجلس الشعب لشخص واحد للرئاسة، ووقتها انتفضت القوى المدنية ضد التعديل الدستوري الذي سيكرس لوصول جمال مبارك إلى الحكم، وانطلقت المظاهرات والمسيرات، وقررت معظم القوى السياسية المقاطعة، بل إن جريدة الوفد التزمت طوال الأسبوع بكتابة عبارة واحدة علي المانشيت الرئيسي لها "أيها المصريون الزموا مساكنكم يوم الحداد الوطني"، لكن تم في النهاية تمرير التعديلات، وتمت الموافقة عليه بنسبة 83٪ من الشعب.
الدروس المستفادة من الحكاية السابقة أمران، الأول هو أن المقاطعة لن تفيد بل ستساهم في تمرير الدستور، أما الدرس الثاني وهو الأهم، أن النظام السابق ظن أنه بهذا الاستفتاء، وبهذه التعديلات الدستورية، إنما يضع لبنة قوية في جدار مشروع التوريث، وهو الأمر الذي كان يتأكد يوما بعد الآخر، في السنوات الخمس التالية، لكن الشعب المصري أثبت في النهاية أن الكلمة الأخيرة له وحده، وأنه قد يترك الحاكم أو الديكتاتور يفعل ما يريد، لكنه وحده صاحب القرار، وهو ما تأكد صبيحة يوم 25 يناير 2011، عندما تفجرت الثورة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. السعودية.. شخص يطعم ناقته المال! • فرانس 24 / FRANCE 24


.. الادعاء الأمريكي يتهم ترامب بالانخراط في -مؤامرة إجرامية-




.. هذا ما قاله سكان مقابر رفح عن مقبرة خان يونس الجماعية وعن اس


.. ترامب يخالف تعليمات المحكمة وينتقد القضاء| #مراسلو_سكاي




.. آخر ابتكارات أوكرانيا ضد الجيش الروسي: شوكولا مفخخة