الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لماذا يرفض الليبراليون السودانيون تعدد الزوجات والطلاق الاعتباطي؟

عادل عبد العاطى

2005 / 3 / 15
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان


لماذا يرفض الليبراليون السودانيون تعدد الزوجات والطلاق الاعتباطي؟

اسئلة تستحق الاجابة:
في اسئلة طرحها الاخ العوض الطيب حول الملامح الرئيسية لبرنامج الحزب الليبرالي السوداني، تجاه قضايا المرأة والنوع، وخصوصا المادة حول ضرورة اجازة قانون مدني ديمقراطي موحد للاحوال الشخصية؛ والتي ورد فيها : ( رفض كل اشكال التمييز ضد المراة بها فيها منع تعدد الزوجات والطلاق الاعتباطي)؛ تسائل الاخ وليد:
"ألا يتعارض (منع تعدد الزوجات) مع مباديء الإسلام التي يدين بها غالبية الشعب السوداني؟
بمعنى آخر، إذا رغب الحزب الليبرالي في توسعة قاعدته الجماهيرية حتى تكون فاعلة أليس من الجدير أن يوسع إنائه ليسع معتقدات هذه الجماهير، أو على الأقل لا يتعارض معها. إذ أنني أعتقد أن الإسلام يبيح التعدد ولكنه لم يلزم كل المسلمين عليه، كما أن عدد من القبائل السودانية غير المسلمة تبيح التعدد. فلماذا يحرمه الحزب الليبرالي؟ هل منع التعدد هو فعلا في مصلحة المرأة؟"

قوانين بمرجعية مدنية في كافة المجالات:
اسئلة الاخ العوض الطيب جد مهمة اذا ما كان الغرض حقيقة هو انجاز"اجازة قانون مدني وديمقراطي موحد يحكم مجال الاحوال الشخصية والاسرة في السودان. يعتمد هذا القانون علي مبدأ المساواة الكاملة بين المراة والرجل في الحقوق والواجبات؛ رفض كل اشكال التمييز ضد المراة بها فيها منع تعدد الزوجات والطلاق الاعتباطي؛ وضمان وتقنين حقوق المراة المادية المتساوية داخل الاسرة وفي حالة الطلاق وفي الوراثة". ؛ كما جاء في الفقرة الرابعة من البرنامج:

اسئلة الاخ العوض مهمة كون ان مادتها ستكون الترسانة الحقيقية ضد اي مجهودات لاجازة مثل ذلك القانون؛ وذلك تحت اسم الدين والعرف كما تفضل الاخ العوض .

اقول في البداية ان الليبراليون السودانيون يطالبون باقامة قانون مدني ؛ ليس في مجال الاحوال الشخصية فحسب؛ وانما في جميع المجالات؛ جنائية واجرائية ومعاملات مدنية الخ؛ وبهذا فان مرجعية القوانين عندهم تعتمد علي القيم العالمية لحقوق الانسان والمواطن؛ ثم علي التراث القانوني السوداني؛ وعلي المصالح الملحة للمواطنين السودانيين.

المرجعية المدنية وتراث الشعوب الثقافي:
هنا يطرح السؤال نفسه؛ ما هي علاقة هذه المرجعية المدنية للقانون؛ مع التراث الثقافي للشعوب؛ كما يتجلي في صورة الدين او العرف ؟
ازعم هنا ان كل من القانون والثقافة هما في حالة جدال وفي حالة تطور؛ فما نفهمه من الدين بالضرورة اليوم؛ يختلف عما كان يفهمه من سبقنا بقرن او قرنين؛ وكذلك فان الممارسة العرفية تتغير؛ ويتغير ويتبدل القانون حسب التطور الحضاري والاجتماعي للشعوب والمجتمعات!
هذا ما يؤدي الي مناقشة قضية تعدد الزوجات في الاديان - الاسلام هنا - وفي العرف؛ وهل اننا يجب ان نوافق عليها اليوم ام لا ؛ حسب التطور التاريخي في فهمنا وممارستنا ووعينا الحقوقي

في الاسلام مثلا؛ فقد اباحت الشريعة المدرسية تعدد الزوجات؛ ولكن هذا ينبغي ان ينظر له في اطارين:
1. الاطار التاريخي لظهور التشريع.
2. نية او قصد المشرع من تلك الاباحة.

فيما يتعلق بالاطار التاريخي؛ فنحن نعلم ان تعدد الزوجات عند ظهور الاسلام كان ظاهرة اجتماعية موجودة في كثير من المجتمعات؛ وقد كانت ايضا موجودة في الجزيرة العربية قبل الاسلام؛ وقد تعامل معها الاسلام بواقعية كما تعامل مع ظزارهر سلبية اخري كالاسترقاق والسبي الخ الخ . ان هذا التعامل اذن ليس من الامور العقدية في الدين؛ وانما من الامور الاجتماعية التي يصلح فيها تطور الفقه واللاهوت بما يناسب التطور الاجتماعي؛ فنحن نجد اليوم انه ليس هناك من يدعو للرق او السبي او يقبلهما باعتبار ان الاسلام اباحهما؛ وذلك لان تطور الوعي الحضاري قد رفض هذه الممارسات؛ ولانها لا تدخل في اطار العقائد الاولية للدين؛ فلماذا لا يتم نفس الشي مع تعدد الزوجات والطلاق الاعتباطي ؟
اما فيما يتعلق بنية وقصد المشرع فاننا نراه يذهب في اطار السعي لتقليص هذا التعدد؛ حيث كان التعدد قبل الاسلام مطلقا وغير محدد؛ بينما ذهب المشرع الاسلامي الي تحديده وتقليصه باربعة؛ ثم ذاد علي ذلك حين قال" وان خفتم الا تعدلوا فواحدة" ؛ ثم في استطراد آخر : "ولن تعدلوا ولو حرصتم".
ان غرض المشرع الاسلامي واضح في منهجه بتقييد وتقليص التعدد ؛ وهو منهج اصلاحي لا يقفز علي الواقع الاجتماعي؛ وقد مورس نفس المنهج الاصلاحي في التعامل مع ظاهرة الرق والرقيق؛ حيث وضع ضوابط عديدة للتعامل معهم؛ وذهب الي وضع وسائل واليات عديدة لتحريرهم سواء بالمكاتبة او كفارات علي الخطايا المختلفة (عتق رقبة) او بدخولهم الاسلام الخ الخ .
واذا كان هذا هو غرض المشرع؛ فان التطور اللاهوتي والاجتماعي والقانوني في المحصلة؛ يفترض ان نذهب معه الي مداه الاخير؛ اي رفض الاسترقاق اليوم باي شكل كان؛ ورفض التعدد في الزجات باي شكل كان؛ وهذا هو الاتجاه الذي ذهب اليه المصلحين الاسلاميين مثل الشيخ محمد عبده وعلي عبدالرازق وغيرهم .
ان نشر مثل هذا الفهم وتعميمه وسط المسلمين؛ والتفريق ما بين العقيدة في اصولها - التوحيد ؛ الايمان بالغيب واليوم الاخر ؛ العبادات - وبين القضايا الاجتماعية المتحولة ؛ ليست مهمة الحزب السياسي؛ ولكنها ضرورية هنا للنهوض بالجماهير من اطار الوعي الديني المتخلف الذي يغذيه بعض الرجعيين؛ الي اطار الوعي المدني المستنير الذين يجعلهم يرفضوا كافة اشكال التمييز في نفس الوقت الذي لا يتخلوا فيه عن ايمانهم بعقائدهم الاساسية.
هذه مهمة طبعا تقع علي عاتق المثقفين والمتنورين من رجال الدين والحقوقيين؛ وهي مربوطة بالاذدياد المضطرد في وعي الجماهير؛ وفي التطورات الاجتماعية التي تجعل قضايا مثل الاسترقاق وتعدد الزوجات شيئا من مخلفات الماضي البغيض.

العرف والقانون ودور المجددين في عملية التحديث:
في نفس الاطار ننظر الي احكام العرف التي تحدث عنها الاخ العوض؛ والتي تجعل من ممارسة تعدد الزوجات مقبولة في بعض المجتمعات السودانية غير المسلمة.
واذا كان للعرف سطوة مرات اقوي من سطوة الدين؛ فانه لا يملك قوة الاستمرار المؤسسية التي تكتسبها بعض احكام اللاهوت او الشريعة؛ وهو متحول الي حد كبير في الترابط مع التغيرات الاجتماعية ؛ ويكفي ان نقرا دراسة ايفانز عن مجتمع النوير التقليدي مثلا ؛ ثم ننظر لحال النوير اليوم؛ لنلاحظ عمق التغيرات التي تدخل بتاثير العلاقات والافكار الجديدة علي العلاقات الاجتماعية؛ وخصوصا دور المدن والتعليم ودخول نشاطات اقتصادية جديدة في ذلك.
مع هذا فانه مع احترام التطور التدريجي للثقافات؛ فان القيادات السياسية والاجتماعية والثقافية لها دور في عملية التحديث؛ ولذلك فاننا سنعمل علي محاربة تعددية الزوجات حتي في اطار المجتمعات التقليدية؛ وعلي ان يسود قانون موحد لكل البلاد في هذا المجال.
مسالة القانون الموحد من جهة اخري لها علاقة بمبدا مساواة المواطنين؛ وقد عانت الهند كثيرا من جراء الامتبازات الممنوحة لبعض الطوائف في مجال الاحوال الشخصية - المسلمين مثلا - بينما الزمت الاغلبية الهندوسية ببعض الزامات القانون العلماني - منع التعدد-؛ وقد افرز هذا احتقانات سياسية واجتماعية عظيمة؛ ليس قيام الاصولية الهندوسية الا احد تجلياتها.
وتظل هناك مسائل اخري تحتاج لنقاش اوسع؛ ومن بينها قضايا الارث والحقوق المادية للزوجة في ممتلكات الاسرة المشتركة الخ الخ من القضايا التي تعرضت لها الوثيقة في عموميتها؛ والتي لا تقل خطرا عن موضوع تعدد الزوجات والطلاق العشوائي .

عادل عبد العاطي
عضو الحزب الليبرالي السوداني
14 مارس 2005








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ما ردود الفعل في إيران عن سماع دوي انفجارات في أصفهان وتبريز


.. الولايات المتحدة: معركة سياسية على الحدود




.. تذكرة عودة- فوكوفار 1991


.. انتخابات تشريعية في الهند تستمر على مدى 6 أسابيع




.. مشاهد مروعة للدمار الذي أحدثته الفيضانات من الخليج الى باكست