الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


القرار -فكرة الدولة-

على شكشك

2012 / 12 / 13
القضية الفلسطينية


القرار
"فكرة الدولة"
علي شكشك
هو إعلان تاريخي بلا جدال، وهي مرحلة نوعية تُدشَّنُ الآن، ومفرقٌ مفصليٌّ في تاريخنا، كيمياءٌ بأكملها تُخيِّم، وسياقٌ كاملٌ يتبدّل، هذا السياق وهذه الكيمياء ستصبغ المرحلة القادمة برمتها، وستترك مطلق آثارها على مطلق مفردات الحالة الفلسطينية وعلى سيكولوجيتها وآلياتها، وأكاد أقول إن كلَّ فردٍ فلسطينيٍّ سيكون منذ الآن مختلفاً بما أنه ولآول مرة منذ أكثر من ستين عاماً يتحسس مكانه متبلوراً تحت الشمس ومعترَفاً به من الشرعية الدولية، وأنه حاز ذلك باستحقاق، إستحقاق أصالة مفردات وجوده الثابتة الراسخة المؤكَّدة في التاريخ وفي سجلِّ الحضارات، واستحقاق نضاله وتضحياته التي قدّمها قرباناً لهذه اللحظة، كما أنه مذاقٌ للانتصار، مذاقٌ مزدوجٌ للانتصار، فقد تحدّى الفلسطينيُّ ضغوطاً وتهديداتٍ مرعبة ساومته ترغيباً وترهيباً على خطوته، دون أن يعيَ المساومون أن منهاج المساومة الكلاسيكي قد يجدي في حالات الكيانات المتحققة سلفاً ولكنه يخفق حين يتعلق الأمر بحالةٍ كيانية تسعى إلى التحقق، والتي قد تعني لها المساومة فقدان كامل حالتها وتبديد معناها وهزيمة أهدافها، فانتصرت بذلك على ذاتها قبل أن تنتصر على عدوها، بينما يتمثل الشقُّ الثاني للانتصار في النيل الحقيقي من العدوّ وتركيز الضوء عليه وهي يبتلع بمرارة طعم الخزي والهزيمة والاحتقار والعار أمام أمم الأرض، لاسيما وأنَّ الاشتباك اليومي مع العدو يكشف كل لحظة حرصَه على التشفي من الفلسطينيين والعرب كما يحرص على تذكيرهم بعجزهم ويتعمد تحديَهم وتأبيد صورتهم كمهزومين،
هو إعلانٌ تاريخي بلا جدال، ولكنه أيضاً تحدٍّ تاريخيّ، إذ لن يكون إلا ساذجاً من يظنُّ أنّ تجسيد القرار سيمر بسلاسة، ذلك أنّ العدو الكامل لنا ولفكرة الدولة الفلسطينية لن يسمح إلا مرغماً بنشوئها، ولن يسمح إلا مرغماً أن تمر دون أن يفرض مزاجه على شروطها، ودون أن يشرط بلسان الحال بقاءها بأمنه الكامل، ودون أن يحقق ذاته كما يشتهي دولةً يهودية خالصة بالمفهوم العنصري كدافعٍ غريزيٍّ لتأمين وجوده، فهو الكيان الوحيد الذي يتحسس وجوده المطلق كلما هبت عليه سفينة تضامن مع الشعب الفلسطيني، فكيف سيكون الأمر حين يكون الأمر هو ولادة دولة فلسطينية بقرارٍ أمميّ، لاسيما وان هذا القرار سيربك كلَّ المضمَر الصهيوني لفكرة فلسطين، فقد رتبوا أوراقهم على أنه لا غيرهم بين النهر والبحر واستراحوا لسيرورة المسار حتى الآن، وأنّ المستوطنات التي شيدوها والسياسات التي مرروها قد أنهت عملياً فكرة الدولة الفلسطينية، وقد أمّنوا لمشاريعهم غطاءً أمريكياً وأصبحت البرامج الانتخابية بين مرشحَي الرئاسة الأمريكية تجعل أقلهم تشدُّداً يعدهم بالقدس عاصمةً لهم، كما حرص حلفاؤهم على تكريس الملف الفلسطيني ملفاً "إسرائيلياً" داخلياً يُحظَر التأثيرُ عليه من خارج هذا الإطار، ومرهوناً فقط بنتاج المفاوضات بين "الطرفين" ما يجعل النتيجة غير قابلة للوصول،
لقد حفر القرار الحالةَ الفلسطينية في الوطن، وقنّنها في الوجدان الأممي، الأمر الذي سيفتحُ آفاقاً جديدة للتحقق الفلسطيني، وآفاقاً لمن كان يبحث عن متّكأٍ لردف الحالة الفلسطينية وردف معانيها، سيكون القرار نقطة ارتكازٍ جديدة تضاف إلى نقاط الارتكاز المعنوية والقيمية السابقة التي مثلت سعي الضمير الإنساني لاستيلاد الحق الفلسطيني، كونه أي القرار وثيقةً يُبنى عليها لاستكمال بلورة هذا الحق،
ولن يتغير المضَمرُ الصهيوني إذ سيكون هاجسه النهائي هو الالتفاف على القرار كما التفوا على السبت، والتعجيز كما قالوا "لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة" والمناكفة كما كان في مسألة ذبح البقرة، وتماماً كما كان حتى الآن محاولاً إسكات التاريخ الفلسطيني وتهويد المكان، لكنّ هذا العناد والعمى المستمدُّين والممتدّين مُذ لُعنوا "على لسان داوود وعيسى بن مريم" قد أسفرا حتى الآن عن تكريس دولة فلسطين على بعض الوطن، والقيمة المطلقة لهذا الإنجاز هي الولادة الشرعية لفكرة الدولة الفلسطينية، وسيسفر ذلك العمى وذاك العناد بتدافعاتهما لاحقاً عن تكريس الحق الفلسطيني على كلِّ الوطن الفلسطيني، تلك هي كما أراها فلسفة القرار.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. صحة وقمر - قمر الطائي تجرب التاكو السعودي بالكبدة مع الشيف ل


.. لحظة تدمير فيضانات جارفة لجسر وسط الطقس المتقلب بالشرق الأوس




.. بعد 200 يوم.. كتائب القسام: إسرائيل لم تقض على مقاتلينا في غ


.. -طريق التنمية-.. خطة أنقرة للربط بين الخليج العربي وأوروبا ع




.. سمير جعجع لسكاي نيوز عربية: حزب الله هو الأقوى عسكريا لأنه م