الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الرئيس رشدي بين دراكولا وكافكا

مهدي بندق

2012 / 12 / 13
مواضيع وابحاث سياسية



استيقظ صديقي الدكتور محمود رشدي، وإذا به – ويا للغرابة – في فراش وثير غير فراشه ، رأي شخصاً مرتديا بذلة سوداء و"بابيون" أبيض يقترب مبتسما : صباح الخير سيدي الرئيس ، ومشيراً إلى خادم خلفه يحمل صينية الإفطار. قال صديقي لنفسه : طبعاً حلم ! ولكن رئيس ماذا ؟ فأتاه الجواب حين قاده سكرتيره الخاص بكل تهذيب إلى الـ " مكتب البيضاوي " !
بسرعة أدرك صديقي رشدي خطورة الموقف ، فهاهو - المؤمن بفكرة العدالة الاجتماعية - يجلس على قمة الهرم الرأسمالي العالمي ، رئيساً لمجتمع منقوع في مياه ثقافة " الفردية " التي تعتبر الفقر مسئولية الشخص لا الدولة ، مجتمع برغم كونه طبقيا إلا أنه مفتوح بما يسمح لأي فرد فيه أن يغدو مليونيرا أو سيناتور أو رئيسا؛ فقط إن.. فقط إن عمل بجدية وعزم لصالح الأغنياء !
فهل يمكن لصديقي "الرئيس رشدي" أن يعمل في هذا المناخ على إقرار الحق والعدل ( من وجهة نظر فقراء العالم) بينما يعارض توجهاته معظم أفراد مجتمعه نفسه المتأثرين بمنطق "الحلم الأمريكي" القائل بأن الحق والعدل هما نجاحي "أنا" في تحقيق غاياتي "أنا" دون التفات إلى معاناة الآخرين؟
تعني كلمة دراكولا في اللغة الرومانية " الشيطان " فأطلقها أهل ولاية بنسلفانيا الإيطالية على حاكمهم "فلاد الثالث" ( ت 1476) لإعدامه 40000 من رعاياه بالخازوق، وكان قد ظهر بالتوازي مرض الأنيميا الخبيثة في أوروبا، فلجأ بعض المرضي لمداواة أنفسهم بالسطو على الناس لامتصاص دمائهم فيما يشبه عمليات نقل الدم في عصرنا، بفارق أن عصرنا – المرائي – يشترط " تطوعنا " بعطايا دمنا (خاصة لأعدائنا ) بينما كان القدامى يأخذونها جبرا.
ذلك ما أغرى الكاتب الأيرلندي برام ستوكر( ت 1912) بابتكار شخصية تجمع بين ذلك الكونت الرهيب وبين مرضى الأنيميا الخبيثة مصاصي الدماء في رواية نالت الشهرة العالمية وتحولت إلى مصدر لمئات الأفلام ، ولعل ذلك يعود إلى ما ُيعرف في علم النفس بالنموذج الأولي Archy-type حيث تتعلق الشعوب ببعض الأساطير التي تشير من طرف خفي إلى واقع معاناتها، فكأن أسطورة الكونت دراكولا تقول للجموع : انتبهوا فثمة كيان قائم بينكم يمتص دماءكم ليعيش بها ويقوي ويتجدد ، وماذا يكون ذلك الكيان اللاإنساني البشع إن لم يكن النظام العولمي؟! يكفي للمصادقة على هذه الدعوى رصد كيفية معيشة أصحاب الرساميل ومديريهم وموظفيهم بل وعمالهم ، مقابل جحيم البؤس [خارج نطاق المركز الأمريكي الأوربي ] المؤدي للفاقة والمجاعات والأمراض.
فهل بمقدور الرئيس الدكتور رشدي أن يدفع بمطرقته وخشبته المدببة في قلوب الدراكوليين المسئولين عن هذه الكوارث ؟! أغلب الظن أن معاونيه في البنتاجون والسي آي إيه والبنتاجون سيكونون أول من سيغتاله فور علمهم بتفكيره ذاك. وانظر يا سيدي الرئيس رشدي إلى ما جري لسلفك جون كيندي بمحاولته تزويد الدولة "بسندوتشات" الفكر الاجتماعي للحد من نهم الدراكوليين الذي لا يشبع من دماء البشر.
كتب الأديب التشيكي فرانز كافكا (ت 1924) روايته الشهيرة " المسخ" عن شاب يدعى جريجوري سامسا صحا من نومه ليكتشف أنه تحول إلى صرصور، مع بقاء أفكاره الإنسانية كما هي ، تتساءل عن أسباب وجود الإنسان في عالم لم يختره ، وإنما ُأرغم على العيش فيه وفق شروط القوة والجبروت. وليس بمستبعد أن يكون الدكتور رشدي قد تذكر هذه الرواية وهو يواجه مأزقه الحالي : كونه صار رئيسا لأمريكا ولكن بعقليته هو كمصري مسلم ذي ثقافة تؤمن بحق الشعوب في تقرير مصيرها ، كيف سيتصرف مثلاً إزاء القضية الفلسطينية ؟ أنه " ليتمنى" الاستمساك بمبادئ الشرعية الدولية وتطبيق قرارات الأمم المتحدة . لكنه سيكتشف أن جميع مبادئ الشرعية الدولية قد خصصت للتداول " الشفاهيّ" فحسبُ لزوم مؤتمرات القمم ، وسيكتشف تدريجيا أن كل قرارات الأمم المتحدة خضعت لتأويل إسرائيل بما يحقق مصالحها في ابتلاع الأراضي العربية بدء من القرار 181 لسنة 1947 بتقسيم فلسطين إلى دولتين عربية وعبرية ، والقرار رقم 194 لعام 1948 الصادر بشأن عودة اللاجئين الفلسطينيين لوطنهم وحتى القرار 242 لسنة 1967 الذي يدعو إسرائيل للانسحاب من الـ "أراضي العربية" التي احتلتها في حرب حزيران ، وهو ما أوّلته إسرائيل( بالصياغة الانجليزية) إلى "أراض عربية ُاحتلت في حرب حزيران" وقس على ذلك بقية القرارات من مؤتمر مدريد إلى اتفاقية أوسلو وحتى المفاوضات "المجهضة " التي جرت منذ سنوات بين إسرائيل وسوريا بشأن الانسحاب من الجولان ومزارع شبعا اللبنانية.
فهل نستبعد احتمال فرار الرئيس د. رشدي أمام أرتال شاحنات اللوبي الصهيوني "رباعية الدفع" التي يعدو بجوارها تسعة أعشار أعضاء الكونجرس من الديمقراطيين والجمهوريين مثل الـ Bodyguards؟ بينما تحذره الميديا : لا تحلم سيادة الرئيس بنوم هادئ ما لم تتوقف عن ممارسة الضغط على فتانا الوسيم ناتنياهو، وإننا لنؤكد لك أن العرب عاجزون عن الحرب ، بقدر ما هم عاجزون عن التعامل سياسيا مع الأمر الواقع ، وبالتالي فالمصالح الأمريكية بمأمن من أن تمس، أم تريد التضحية بمصالح أمريكا لأجل الأوهام المسماة مبادئ الحق والعدل ؟! فإذا أجبت بالإيجاب فإن آليات النظام كفيلة بالإطاحة بك في الانتخابات القادمة ، وساعتها ستغني وحدك Strangers in the night
وهكذا أدرك الدكتور رشدي أن النظام هو من يصنع رئيسه وليس العكس ، ولكن لأن صديقنا لم يكن واحداُ ممن يقبلون بأن تغرب شمس العقل في رائعة النهار، فلقد ظل يبتهل إلى الله لينتشله من الفخ "الكافكاوي" المفزع كي يعود لحالته الإنسانية العادية : محكوماً بين محكومين يعاني مثلما يعانون ، حالماً بيوم تخلو فيه الدنيا من نسل الكونت دراكولا وأمساخ كافكا.وقد استجاب له الله فلم يعد رئيسا.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. التصعيد الإقليمي.. شبح حرب يوليو 2006 | #التاسعة


.. قوات الاحتلال تعتقل شابا خلال اقتحامها مخيم شعفاط في القدس ا




.. تصاعد الاحتجاجات الطلابية بالجامعات الأمريكية ضد حرب إسرائيل


.. واشنطن تقر حزمة مساعدات عسكرية جديدة لإسرائيل وتحذر من عملية




.. قوات الاحتلال تقتحم بلدة شرقي نابلس وتحاصر أحياء في مدينة را