الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


اعلان زواج ..ثور مثقف يبحث عن ثورة مناسبة ..

أم الزين بنشيخة المسكيني

2012 / 12 / 23
كتابات ساخرة



ثور من الشمال الغربي هو آخر الثيران الذي استاء من قلّة الأبقار الحلوب هذه الأيّام قرّر النزوح الى العاصمة بحثا عن ثورة مناسبة لحجمه الضخم ..انّه يريدها صفراء بيضاء ثقيلة الأرداف حمراء الوجه كحيلة العين ..ركب القاطرة و نزل الى الحاضرة ..و طفق يبحث عن ثورت المنشودة في كل مكان ..دخل احدى زنقات الأحياء الشعبية بحيّ النور فأبصر بحشود من الناس الجائعين ملتفّين حول احدى الثورات ..حثّ الخطى و اندفع يستطلع الخبر ..فاذابه أمام ثورة في شكل حانوت لبلابي و رائحة الحمص المسلوق و الهريسة الحارّة و الخلّ الاحمر تفوح بشكل محايد عن كلّ الأحزاب .. كانت القدر تغلي على نار هادئة ..و الكلّ يرمقها بشهوة عارمة .. حاول الاقتراب من الصفّ الأوّل لكنّ أحدهم دفعه بقوة خارج الحومة ..لأنّ كميّة الحمص غير كافية لأبناء الحيّ .
فهم لتوّه أنّ تلك القدر التي تغلي لا تشبه ثورته المنشودة ..توجّه نحو المجلس التأسيسي .و هناك وجد نفسه في حشد هائل من الناس ينادون بشعارات لم يفقه منها أي شيء .. قيل له أنّ ذاك الحشد الغاضب و الاعتصام العنيد هو عين الثورة ..لم يأبه لأمرهم لأنهم فشلوا في جمع النصاب و حتى في الانتصاب الفوضوي.. انصرف عن مسرحية الدستور فثورته المنشودة هي ثورة فقط لا تطمع في أيّ انتصار انتخابي ..ثورة قلّيلة مناسبة لثور لا يصلح لغير الحرث نهارا و الشخير ليلا ..
قرّر أن يغيّر وجهته و أن ينزح نحو المدن الداخلية ..و بعد السير حفيانا ليلة كاملة على حوافر منهوكة من طول الحرث في العهد البائد ، أبصر أخيرا بنور ثورة كانت تركرك الشاي قرب طابونة من أشهر طوابن سليانة ....شعثاء كانت غبراء تكلّلها التجاعيد..أشفق عليها و دنا منها يداعبها ..فانقضّ عليه أحد ديكة سليانة الشرسين بمنقاره الحادّ معبّرا عن غيرته على ثورة البطّالين و الكادحين و مفقوئي العيون بالرشّ الحكومي ..
غادر المدينة و مشى وحيدا في الظلام و بعض حلاليف العهد البائد و الثعاليب المؤقتة تهدّد أمنه و ترعبه بين الفينة و الأخرى ..و تحت احدى الحيطان الأرجوانية الباردة أبصر ببعض الزهاميل المشرّدين ..
خاطبه البطّال قائلا : هل جئت تبحث عن ثورتك أيّها الثور الأصفر ؟ أنا هنا منذ سنتين أنتظر عودة الثورة التي سافرت الى بلاد الطليان ..لكنّها لم تعد ..طلبت زوجة أخرى غير الثورة ..فلا أحد استجاب لي ..و حتّى وزارة التشغيل يبدو أنّها حرقت هي الأخرى الى اللمبدوزا "
خاطبه الزطّال قائلا :"عُد من حيث أتيت أيها الثور الطيب ..لقد انتهت الثورة منذ انتعاش تجارة الزطلة .."
اقترب الهبّاط من الثور و قال : " هل لك في عقد عمل معي ؟ لقد سئمت التهبيط و الهبوط ..في هذا الزمان الهابط ..حيث كل شيء يرتفع من نقيق ضفادع الأحزاب الى أسعار الحليب و السكّر و الفحم الأسود ..كل شيء يهبط حتى ظهري التعيس الذي ملّت فقراته من الفقر و البصل الأرعن .."
سارع اليه الجزّار غاضبا : " ماذا فعلت بنا أيّها الثور المتعجرف ؟ و لماذا رفّعت في أسعار لحومك البائسة ؟ لقد كسدت لحومنا و ذبلت تجارتنا .."
ضحك السرّاق وهو زلم من الأزلام السمينة من عمق بطنه المنتفخ و قال في هزوّ : " الثورة ..مباركة .. لا شيء فعلت غير الاكثار من السرّاق و الأزلام .."
أطرق الثور رأسه يائسا ..و استأنف السير على قوائمه الأربعة المثقلة بالروث الديمقراطي و القمامة الثورية ..لم يكن يخطر بباله أنّ العاصمة المليئة بالثورات من مختلف الأصناف و الأحجام و الخطابات ستبخل عليه بثورة و لو كانت ثورة الزوّالي الذي لم يغنم من كل هذه الحكاية بغير الجدران يكتب عليها أحلامه و يدوّن فوقها بُصاقه و سوائله الثورية الأخرى ..
و فجأة أطلّ عليه ثور مثقّف جاء يواسيه و يعضده في قضيّته ..ربّت على ظهره السمين و قال : " لا تبتئس يا صديقي الثور ..و هوّن عن نفسك .. و لا تكثر من التحديق في هذه البطحاء ..
لا شيء ترى غير توزيع عادل لأكداس ضخمة من الجوع الانتقالي و الأحلام الموؤودة قبل أوانها ..و ان جئت تبحث عن الشعب فلا شيء تبقّى غير تجاعيد عميقة سئمت من وجوه ساسة فاشلين ..هيّا يا صديقي نعود الى ريفنا الجميل ..ههنا ستبعد أحلامنا أكثر و سنتمسّك بأوهامنا أكثر فأكثر كي لا نسقط في دوّامة دولة عليها تحصين نفسها من حماة الثورة ..
و اعلم أنّه عليك أوّلا أن تعرف ما هو معنى الثورة حتى تدركها و تظفر بها ..أمّا و العلف نادر و البقر الحلوب عسير الوجود في هذا الزمان الأعور فمطلب الثورة صعب ..عُد الى حقلك و البس محراثك جيّدا و شقّ الأرض و انغمس في تربتها الزكية ..ستيترعرع القمح و العرعار و شقائق النعمان ..حينها فقط تأتي اليك بقرتك الحلوب ..تزوّجها بكل ثورية ..علّك تنجب منها ثورة حقيقية شعبية .."
قاطعهما الطهّار في عنهجية : " بلى أيّها الثور المثقّف الساذج ..لن تعيش بينكم أيّة ثورة الاّ وختنتها بمقصّ السلفية الوهّابية .."
ضحك منه الطبّال و الزطّال و الغبّار و البطّال و السرّاق و الزكّار و الجزّار و كل فعّال من مفاعيل اللغة العربية ..هذا الطهّار الذي جاء ينصّب نفسه حاميا للثورة يجهل أنّه ليس بالفعّال الوحيد في هذه البطحاء التي تتسع لكل الثوّار و الثيران الثورية ...صمت الجميع و سقط الركح بكل شخوصه متأثرين برشّ العدالة الانتقالية ..و حمدت الحكومة الله الذي تعرفه على أنّ العمى لم يكن كلّيا ..و صفّق الشعب لأنّ الثورة أصيبت بالعور فقط ..فعين واحدة تكفي لشعب معتدل غفور رحيم ..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الممثلة رولا حمادة تتأثر بعد حديثها عن رحيل الممثل فادي ابرا


.. جيران الفنان صلاح السعدنى : مش هيتعوض تانى راجل متواضع كان ب




.. ربنا يرحمك يا أرابيسك .. لقطات خاصة للفنان صلاح السعدنى قبل


.. آخر ظهور للفنان الراحل صلاح السعدني.. شوف قال إيه عن جيل الف




.. الحلقة السابعة لبرنامج على ضفاف المعرفة - لقاء مع الشاعر حسي