الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


البني الاجتماعية والاقتصادية وعلاقتها بالبني الطائفية والجهوية والزبائنية والمذهبية في بناء الدولة العربية الحديثة.

عُقبة فالح طه

2012 / 12 / 29
مواضيع وابحاث سياسية


( دراسة مقارنة)

بداية لا بد من الوقوف على السجالات القائمة ثقافيا ومعرفيا حول ما يمكن مقاربته من خلال قراءة الخطاب النهضوي حيث نحت إحدى القراءات لخطاب النهضة منحى أيديولوجياً صريحاً أو أبلغ وضوحا، في حين وفرت قراءة أخرى لنفسها أسباب الموضوعية والتجرد.
إن كتابة تلامذة النهضويين العرب عن أساتذتهم لم تكن لتخلو من وازع علمي أو معرفي، على نحو ما يطلنا على ذلك تأريخ جرجي زيدان للفكر العربي للفكر العربي في القرن التاسع عشر بقدر من الموضوعية والنزاهة فإن من تناولوا الموضوع من اللاحقين لم يكونوا جميعا مدفوعين بوازع معرفي، ولم يكونوا جميعا على المسافة عينها من مطالب الأيديولوجيا، إذ في جملتهم من قدموا مطالعات أيديولوجية بامتياز، فكتبوا ما كتبوا منحازين إلى مفكر دون آخر ولكت عليهم الانتقائية.،
وإذا كانت مواجهة الاستعمار في المغرب العربي والانتماء إلى مرجعية دينية واحدة هما العنصران الموحدان للعرب والبربر، فقد سعت الدولة الوطنية إلى التعريب إنهاء للخلافات الممكنة وتحسبا لكل معارضات محتملة، وبالتالي فبعض التجارب أيضا لا تخلو من هذه الاعتبارات السياسية مثلما كان الشأن في "الربيع البربري"عام 1980.
فاللغة العربية - مثلا -في المغرب العربي وخاصة في المرحلة الاستعمارية، كانت مرتبطة بالهوية الوطنية العربية الإسلامية، أي بالانتماء الشامل للخلافة العربية-الإسلامية.
لقد ساهمت السياسة الاستعمارية الفرنسية ذات الطابع الإثني في الحط من الأشكال المحلية للتنظير والتعبير، فيقوى لدى الوطنيين المغاربة إحساس بالرفض لكل البنى الاجتماعية التقليدية نظرا لاستغلال المستعمر للبعد الإثني والبعد الديني، كما لم يشهد المغرب الأقصى التزاما مماثلا للنخبة الاقتصادية كما لم يشهد تغيرات كبرى في هيكله الطبقي. لقد لعبت المؤسسة الملكية والبرجوازية المدينية والبروليتاريا الصغرى دورا في الحصول على الاستقلال، لكن أعيان الريف كانوا خارج الصراع الوطني، لقد كانت النخب تحتل موقعا ممتازا لكي ترث السلطة من الاستعمار
يرى الصادق بلعيد أن دور المؤسسات الدينية في دعم الأنظمة السياسية في البلاد العربية حيث يرى في تحليله لمظاهر الصراع بين التيارات الدينية والسلطة من أجل افتكاك الحكم بحجة أن الإسلام دين ودولة في المقال بيان دقيق للطرق التي تتوخاها الدولة القطرية لاستيعاب التناقضات الأيديولوجية بينها وبين التيار الإسلامي، وقد لاحظ بلعيد أن هناك تناغما في السعودية مثلا بين الإسلام والدولة دينا ومؤسسات، فقد تمكنت الدولة من تجنيد المؤسسات الدينية لبناء المجتمع السعودي المعاصر وخلق توازن بين الدين والسياسة .
يلبس الاعتراض على الدولة اليوم ألوانا مختلفة، ربما أطل حينا باسم المقدس ممتشقا عدة التكفير والخلع باسم الواجب وربما أطل حينا باسم حقوق الجماعات الأهلية (العصبيات) في السلطة، أو في حصة ما من حصصها، ولعله وجد من المفيد له أن يطل بلغة العصر باسم الديمقراطية وحقوق الإنسان والمجتمع المدني فطالب بتحجيم الدولة والإنقاص من مساحة سلطانها، وفي كل هذه الألوان كان الهدف واحدا هو إضعاف سلطان الدولة وهو سلطان يبدو لهذه الاعتراضات جميعا غير مقبول لأنها لم تتشبع بعد بفكرة الدولة أو لأنها ما تزال سادرة في سبات فكرة الاجتماع المنزوع من أي ضابط: التي تتغذى من الذاكرة التاريخية الأعرابية، يستوي في ذلك من يقرأ ابن تيمية ومن يقرأ (روسو) و( مونتسكيو) ومن لا يعرف سوى حفظ الأنساب والمفاخرة بها 1) .
إن نظام القرابة العربي يقوم أساسا على مفهوم القبيلة، وهي ليست قرابة دموية فقط، بل يمكن أن تستند إلى معيار الانتماء لجهة أو طائفة أو مدينة او حزب، فالقرابة هي أقرب إلى ما يمكن تسميته اليوم (بالعشائرية) حيث أن طريقة الحكم أو السلوك السياسي أو الاجتماعي يعتمد على ذوي القربى بدل الاعتماد على ذوي الكفاءة والخبرة ممن يتمتعون بثقة الناس واحترامهم أو يكون لهم نوع من التمثيل الديمقراطي، وهذا ما يطرح السؤال الجوهري حول أثر هذا النمط العلائقي على علاقة الفرد بالمجتمع وعلاقته بالدولة، إن النبش في الجذور العائلية للأسر الحاكمة في أقطار الخليج العربي والجزيرة العربية عبر التركيز على كيفية توزيع المناصب الوزارية إستنادا إلى معيار العلاقات التي تربط كل وزير برأس السلطة، فهذا يحكم استنادا إلى التضامنيات غير الرسمية التي تعبر عن نفسها ضمن مؤسسات الحكم بواسطة رؤساء معينين تعترف بهم الدولة و من بين أهم التضامنيات إضافة إلى المؤسسة القبلية المؤسسة الدينية والمؤسسة الطائفية وبعض البنى الاقتصادية ككبار التجار ورجال ورجال الأعمال .
ولكن لو تم تناول العراق كنموذج وخصوصا بعد الغزو الأمريكي فإنه يمكن ملاحظة زبائنية وطائفية وعصبوية ألمع، تختلف عما يمكن أن يشاهد في المغرب الغربي، فحيث ساعد الإسلام على توحيد جبهة العرب والبربر في وجه المستعمر الفرنسي، كانت العراق أكثر فرقة في وجه المستعمر الأمريكي بعد غزو 2003،حيث استشرت الطائفية بعد رحيل نظام صدام حسين، إضافة إلى أن بناء الدولة يقوم على المحاصصات الطائفية كما في لبنان ، حيث يستمد الحكام شرعيتهم من طوائفهم كما في حالتي السنة والشيعة أو من إثنيتهم كالأكراد، أو من جهويتهم كزعامات الأقاليم، وهذا يشكل حالة زبائنية في بناء الدولة سواء في لبنان أو العراق أو بعض الدول المشارقية الأخرى.
وفي تونس جرت محاولات نتيجة لترسبات خلّفها حلول النظام الاستعماري الذي ساهم في تسريع انحلال النظام القبلي ليحل محله نمطا علائقيا جديدا خاصا بحكم توافر لفرص الانفتاح على الأنماط الأخرى وحصول عمليات المثاقفة والاحتكاك، وبناء عليه تغيرت العلاقات والأدوار والمواقع وتوزيع السلطة، هذه التحولات عمقها أكثر فأكثر مسارات الانفتاح المتنوعة خلال مرحلة البناء الوطني بالنظر إلى متغيرات متعددة ابتداء من العامل السياسي، وما مثلته إرادة بناء
الدولة الوطنية من إحدى التحولات في بنية العائلة، ووظائفها في توزيع السلطة داخلها، إذ إن العائلة التونسية في مستوى نشأتها وتطورها لا يمكن أن تنفصل عن نظام القرابة الذي كان سائدا في ظل دور مركزي تلعبه المؤسسة القبلية داخله، ولا يمكن أن تنفصل عن الدور الذي لعبه انتشار العقيدة الإسلامية المعلنة بخطاب يدعم فردانية الفرد الذي كانت القبيلة تطمسها، والمعلنة أيضا لخطاب الوحدانية والتوحيد والولاء.
إن الانتخابات في بلدان المغرب العربي الثلاث (تونس والجزائر والمغرب) أفرزت نوابا في قسمهم الواسع منتخبين من أوساط الموظفين، حيث أن تداخل الوظيفة والسياسة يجعل منهم – كما يرى "زهسر مظفر" الأداة الممتازة لترويض المؤسسة، هذا من الناحية الاجتماعية أما من الناحية الجهوية فقد كانت التركيبات المتوالية للمجلس النيابي في المغرب تتسم بحضور مكثف للمناطق الحضرية" برجوازية المدن" وأساسا مدينة فاس، أما في تونس فكانت الحظوة للساحل على حساب الداخل، وفي الجزائر فبالإضافة إلى تمثيلية الموظفين على حساب الفئات الاجتماعية الأخرى فقد كانت الحظوة لصالح المناطق الشرقيى على حساب المناطق الأخرى ما يثبت أن هناك خلفيات جهوية وكذلك اجتماعية تتدخل لحسم الواقع النتخابي في العديد من المجتمعات العربية .
وفي المغرب الأقصى يرى علال الفاسي أن السلفية الوطنية تتميز عن السلفية التقليدية في نقاط عديدة فهي تنطلق من نظرتها إلى تحقيق " الإخاء الإسلامي" ، لا من "الجامعة الإسلامية" كما فعلت السلفية النهضوية في المشرق، بل من الوحدة الوطنية داخل القطر الواحد، لكن الهرماسي يرى أن السلفية الجديدة في المغرب لا يمكن اعتبارها نوعا من الوطنية الإسلامية في شكلها العام، بقدر ما هي دفاع عن معايير إسلامية أنتجها تاريخ المغرب وجسدها نظام الخزن في " مولاي رشيد " إن الدول المغاربية على خلاف دول دول المشرق التي كانت فيها التيارات الثقافية الكبيرة، أو الثقافية السياسية الضخمة كالعروبة والإسلام جدنشيطة قبل وبعد الاستقلال، وكونت معاقل هامة للمقاومة أحيانا لم تعرف نقاشات ونزاعات بنفس الحدة والكثافة ، وباستثناء التمييز بين العرب والبربر، والذي اتفق على عدم وضعه في الواجهة منذ البداية، لأن الهوية الجماعية المغاربية كانت موضوع إجماع أكثر منه موضوع للتفرقة، ومن ثم انصبت أهم النزاعات على الاختيارات السياسية والاقتصادية والاجتماعية داخل إبدال جماعي يقتضي ضرورة تحديث المجتمع .
أما الواقع المصري فبعد تصفية الاستعمار عمد النظام الملكي هناك إلى شخصنة السُّلَط وتركيزها، كما حافظ على أجهزة القهر والمراقبة، كما أن بعض المصالح الخاصة التي تم إضفاء الطابع القانوني عليها قد تدعمت وتوطدت . لكن دراسة لإيليا حريق، أستاذ العلوم السياسية بجامعة (إنديانا)، عنوانها "نشوء نظام الدولة في الوطن العربي" وهي نموذج من الدراسات التي تستند إلى التاريخ لشرعنة وجود الدولة القطرية أو البلد- الدولةحسب تعبيره، أثبت الباحث بمنهجية تاريخية وصفية أن خمس عشرة دولة من الدول التي تعد اثنتين وعشرين، قد ظهرت تاريخيا حصيلة عوامل داخلية أصيلة، لا علاقة لها بالستعمار، أي أن وجودها سابق للظاهرة الاستعمارية في المنطقة العربية. لكن هذا لا ينفي وجود دول عربية أخرى كانت صنيعة الاستعمار أو نتيجة لقرار استعماري، أو بناء على معاهدة مع قوى الاستعمار
يتضح مما تقدم أن البنى الاجتماعية والتشكيلات الاقتصادية في الدولة العربية الحديثة ارتبطت بنيتها وأساسات تركيبها بالعصبويات والزبائنيات والجهويات والمذهبيات السائدة في دويلاتها المنبثقة عن الاستعمار الحديث في البلاد العربية، وإن تفاوتت هذه الارتباطات من دولة إلى أخرى مشارقيا ومغاربياً.

المراجع:

1- بوكراع، الياس. الرعب المقدس. بيروت: دار الفارابي، 2003.
2- حافظ، عبد الرحيم، الزبونية السياسية في المجتمع العربي: قراءة اجتماعية سياسية في تجربة البناء الوطني بتونس، بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية،2006.
3- الهرماسي، محمد. المجتمع والدولة في المغرب العربي. بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية، 1999.
4- الكنز، علي. المجتمع المدني في البلدان المغاربية، بعض التساؤلات، في عبد الله حمودي وعي المجتمع بذاته. دار توبقال، 1999.
5- – الطاهر، المناعي. الخطاب القومي العربي المعاصر. بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية، 2008.
6- بلقزيز، عبد الله.الدولة والمجتمع:جدليات التوحيد والانقسام في الاجتماع العربي المعاصر. بيروت: الشبكة العربية للأبحاث والنشر، 2008.
7- بلقزيز، عبد الإله. المعرفي والأيديولوجي في الفكر العربي المعاصر. بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية، 2011.
8- العربي، الصديقي. البحث عن ديمقراطية عربية الخطاب والخطاب المقابل. بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية،2008.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الأرمن في لبنان يحافظون على تراثهم وتاريخهم ولغتهم


.. انزعاج أميركي من -مقابر جماعية- في غزة..




.. أوكرانيا تستقبل أول دفعة من المساعدات العسكرية الأميركية


.. انتقادات واسعة ضد رئيسة جامعة كولومبيا نعمت شفيق لاستدعائها




.. -أحارب بريشتي-.. جدارية على ركام مبنى مدمر في غزة