الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الحراكات الشعبية العربية المعاصرة :خصائص وقواسم مشتركة

عُقبة فالح طه

2012 / 12 / 29
مواضيع وابحاث سياسية




تتميز الحراكات الشعبية المعاصرة التي اجتاحت العديد من البلدان العربية، وتزايدت بشكل لافت منذ عامين تقريباً بعدة مزايا وخصائص مشتركة، رغم وجود الكثير من الفوارق بين خصوصيات كل مجتمع عربي، سواء في البلدان التي اجتاحتها ثورات " الربيع العربي"، أو التي ما زالت تنتظر وما بدّلت تبديلا، وهنا يمكن إيجاز مجموعة من الملامح المشتركة بين هذه الحراكات الشعبية فيما يأتي:
حراكات عابرة للطبقات الاجتماعية والاقتصادية
يمكن بدءاً الانتباه إلى أن هناك سؤال قائم: لماذا الثورات العربية ليست طبقية؟ بالمعنى الكلاسيكي، على الرغم من أن المجتمعات العربية تتكون من طبقات وشبكة مصالح وطبقات حاكمة وأخرى محكومة، وأيا كان رأينا في طبيعة التشكل الطبقي المشوه لبنية المجتمعات العربية عموما فإن هذه المجتمعات تقوم على أسس طبقية، وفيها استغلال طبقي، وفيها استئثار بالمال والجاه والسلطة، ما في ذلك شك. لكنه و إجابة على ذلك كملاحظة أولى: نعتقد أن الحكم الشمولي والاستبدادي العربي الطويل قد لعب دورا واعيا أو لاواعيا لا فرق- في انتفاء الطابع الطبقي والأيديولوجي للثورات العربية وذلك بفعل سياسات الإفقار واضمحلال وتشرذم الطبقات وخاصة الطبقة الوسطى القادرة في حال وجودها على امتصاص نقمة الجماهير والطبقات المسحوقة من جانب، والحد من قمع وجبروت السلطة الموجه إلى الطبقات المسحوقة من جانب آخر، والقادرة في الوقت نفسه على قيادة الثورات بأيديولوجيتها الوسطية.
حراكات أسسها الاضطهاد
ومع وجود الصفات الاجتماعية المشتركة للمجتمعات العربية ووجود خصوصية لكل مجتمع يقول د. فؤاد خليل "إستند الحراك الشعبي العربي الى نموذج مرجعي للمطالب التي ينادي بها، وقد تمثلت في: الحرية، والعدالة، والكرامة، والدولة المدنية... ويدل هذا النموذج على أن ثمة مشتركاً مجتمعياً بين البلدان العربية يتبدى من كونها مجتمعات مُضطَّهدة ومُستغلة ومستهدفة في قيمها الفردية والجمعية، وتعيش السياسة في الحاكم والحاكم في السياسة... أما خصوصية كل مجتمع، فإنها ترتبط بأشكال إضطهاده وإستغلاله، ودرجة تجانسه، ومدى فعالية قواه المدنية والحزبية، وحجم طبقته الوسطى، وموقع نخبه الفكرية والثقافية ودورها..."
حراكات عابرة للأحزاب والحركات السياسية
ورغم أن البعض من المفكرين العرب يتوجسون خيفة من سيطرة المتدينين على خطاب الثورات ويغمزون من طرفه، حيث تجلى هذا الغمز في كلام صريح للشاعر والمفكر السوري الكبير أدونيس الذي أخذ على الثورة السورية أنها تتدفق من أبواب الجوامع وبوابات المساجد لا من أبواب الجامعات والمدارس والنقابات والمؤسسات والأحزاب السياسية، فإن ما يذهب إليه أدونيس بأن تكون الثورة ثورة وطنية شاملة تعبر عن كل الفئات والقوى السياسية في المجتمع لهو أمر جد مهم.
غياب المرجع الفكري الموحّد للثورات الشبابية
يرى سعيد رفعت أنه إذا كانت ثورات الربيع العربي قد نجحت في حشد جموع الشعب" ضد" ممارسات النظم السابقة، فإنها لم تعمل " من أجل" تجميعهم عبر طرح رؤى بديلة لتحقيق أهداف محددة، وذلك لافتقادها إلى خارطة طريق مسبقة، أو مرجع فكري مجمع عليه، أو نموذج تستوحي منه، وإن كان هذا الواقع نفسه قد ساهم في إنجاح هذه الثورات، حيث مكّنها من توحيد صفوفها وتجميع طاقاتها، وأبعدها عن الدخول في خلافات سياسية ومنازعات أيديولوجية كان يمكن أن تؤدي إلى إفشالها في مراحلها الأولى، ولعل هناك ما يبرر خروج هذه الثورات عن المفاهيم التقليدية التي كانت تحكم الثورات السابقة سواء من حيث افتقاد الثورات إلى قيادة سياسية، وإقصائهم بالتالي عن تولي مقاليد الحكم، وقبولهم بأنصاف الحلول، والوقوف بأهداف الثورة في حدود المتاح وليس المأمول والتراضي بأن يمثلهم" وكيل" يقوم بإدارة شؤون البلاد في المرحلة الانتقالية رغم اختلافه معهم في الأهداف والرؤى وخطوات التغيير.
حراكات "شعبية"
إن إطلاق صفة شعبية على الحراكات العربية المعاصرة يأتي من أنها ليست مجرد تحركات سياسية لجماعة أو حزب أو تنظيم أو مؤسسة، فإذا وقع التغيير مثلا من خلال المؤسسة العسكرية فهو انقلاب لأنه يحدث من داخل مؤسسات النظام وليس بيد الشعب، أما مطالبة الأحزاب والقوى السياسية بالتغيير فهذا تفاعل طبيعي وممارسة لدورها السياسي في ظل الوضع القائم، فالأحزاب بطبيعتها هدفها الوصول إلى الحكم وتطبيق سياسات مختلفة للقائمة، أما الثورة فهي التي تخرج من الشعب نفسه، وعلى نطاق واسع، أي لا تكون الاحتجاجات مقصورة على جزء معين من الشعب، سواء كان هذا الجزء فئة أو طائفة أو منطقة أو شريحة اجتماعية، فالثورة ليست جزئية لا في مطالبها، ولا فيمن يطالب بها.
إن معنى ذلك أن هذه الثورات لا تعبر عن طبقة محددة من طبقات الشعوب العربية الثائرة بقدر ما تعبر عن مختلف الطبقات، إنها حالة شعبية عامة. وبما أن الثورات العربية الظافرة والتي في طريقها إلى إنجاز مهمتها تفتقر إلى قيادة طبقية محددة وواضحة المعالم فإنها بالضرورة تفتقد إلى إيديولوجيا محددة وواضحة، فهي بهذا المعنى ليست ثورة طبقية تخص هذه الطبقة دون تلك، لكنها من نتاج كل طبقات المجتمع هنا أو هناك، هي ثورة الشعوب العربية بكل مكوناتها في جهة ضد حكامها في جهة أخرى.

لا القيادة طبقية ولا الجمهور طبقي

معنى ذلك أن هذه الثورات لا تعبر عن طبقة محددة من طبقات الشعوب العربية الثائرة بقدر ما تعبر عن مختلف الطبقات، إنها حالة شعبية عامة. وبما أن الثورات العربية الظافرة والتي في طريقها إلى انجاز مهمتها تفتقر إلى قيادة طبقية محددة وواضحة المعالم فإنها بالضرورة تفتقد إلى إيديولوجيا محددة وواضحة. فهي بهذا المعنى ليست ثورة طبقية تخص هذه الطبقة دون تلك، لكنها من نتاج كل طبقات المجتمع هنا أو هناك.هي ثورة الشعوب العربية بكل مكوناتها في جهة ضد حكامها في جهة أخرى.
وعلى ضوء سمة انتفاء الطابع الطبقي الأيديولوجي للثورات العربية يمكننا القول أنها ثورات المجتمعات والشعوب العربية على اختلاف مكوناتها الطبقية والاثنية والدينية والمذهبية ضد أنظمتها الاستبدادية أجمهورية كانت أم ملكية، لا فرق حيث
الشمولية والاستبداد المزمنان يضربان بأطنابهما ويوحدان محتوى هذه الأنظمة، ثورة تحتوي على العلماني واليساري والقومي والديني والاثني، فهي كل هذه الأشياء مجتمعة وأكثر، لكن دون أن تكون أحدها.
الفاعلون في الحركات الاجتماعية
هناك فئتان من الفاعلين في الحركة الاجتماعية: أولاً الشباب المتعلم، غير المنظَّم حزبياً، الذي تفاعل سريعاً مع نشاط الأحزاب والنقابات التي أدّت دوراً يتظلّل هذه الحركة، وأعطاها الزخم اللازم للاستمرار والتعبئة والتأطير. ثانياً، شرائح العمال
المؤطرة نقابياً أو غير المؤطرة، التي أغفلها الكثير من المحللين في محاولة واعية أو لا لطمس بعدها الطبقي، إذاً، هاتان الثورتان في تونس ومصر هما حركتان اجتماعيتان اندمج فيهما، بروعة، البعد الكلاسيكي الطبقي مع البعد المدني الجديد. بُعدان برزت فيهما أهمية الفرد الناشط في قدرته على تطوير قدرات التبصر الذاتي، حسب ما بيّنه (آلان تورين)، فيستطيع الناشط أن يندمج مع بعض البنى وينفصل عن أخرى. وكانت لافتة قدرة بعض الناشطين الشباب، المنتمين إلى حركة الإخوان المسلمين، إذ تبنّوا أجندة مختلفة في الشعارات وطريقة الفعل في هذه الحركة.
تشرذم قوى الثورات الشبابية بعد الجولة الأولى
من الطبيعي أن بطء استجابة النظام الحاكم لمطالب الثورة يؤدي إلى تشرذم فصائلها وانقسام قواها بين مصرّين على الالتزام بأهداف الثورة، وتحقيقها دفعة واحدة، ومؤيدين لتجزئة مطالبها، وداعين لتهدئة الأوضاع حفاظا على الاستقرار، إضافة إلى وقوع بعض عناصرها في إغواء طموحات الزعامة أو النجومية،إضافة إلى عجزها عن تطهير صفوفها تماما من العناصر التي تشوّه صورة الثورة، أو تجاهل نبض الشارع، أو مواقف بعض الحركات الإسلامية التي شاركت بالثورة ولكنها تتحرك باتجاه إبطاء اندفاعها وإثبات ولائها للمؤسسة الحاكمة، يساندها في ذلك بعض الجماعات المستجدّة على الساحة السياسية التي تحاول استعراض قوتها، وترديد مطالب تداعب بها المشاعر الشعبية الدينية وتركّز فيها على الهوية الإسلامية غير المختلف عليها، على حساب المطالب السياسية الجامعة للثورة، الأمر الذي نتج عنه شق صفوف الثوار وظهور حالة من الاستقطاب بين قواها المختلفة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ماكرون يستعرض رؤية فرنسا لأوروبا -القوة- قبيل الانتخابات الأ


.. تصعيد غير مسبوق على الحدود اللبنانية ـ الإسرائيلية مع تزايد




.. ذا غارديان.. حشد القوات الإسرائيلية ونصب خيام الإيواء يشير إ


.. الأردن.. حقوقيون يطالبون بالإفراج عن موقوفين شاركوا في احتجا




.. القناة 12 الإسرائيلية: الاتفاق على صفقة جديدة مع حماس قد يؤد