الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


نهاية العالم.. أم استنفاد الرأسمالية وسائل بقائها ؟!

احمد عبد الستار

2013 / 1 / 2
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


لدى شعوب وأقوام كثيرة تصورات وأساطير لا تعد , عن نشوء الكون وعن أفوله , وهي تصورات مشوهة في مجملها تعكس أفكار شكّلها فكر بدائي موغل في القدم ردا على أسئلة دارت في ذهنه , عن ماهية العالم الذي يعيشه ومصائر الحياة الزاخرة أمامه وهي بطبيعتها لا تستند لأي أساس علمي , بحكم العصر الذي عاشته .
وضعت أقوام كثيرة تصورات عما سمي في الزمن الراهن ( نهاية العالم ) , وجاء في اغلبها نتيجة لكوارث طبيعية تحل على الأرض , ومنها هذه الأيام القريبة نبوءة شعب المايا , سكان قارة أمريكا الأصليين , جاء في نبوءتهم إن نهاية العالم الحالي ستحل يوم 21 / 12 / 2012 , وهم آخر يوم سيعيشه الإنسان على كوكب الأرض .

واللافت في الأمر ليست بساطة هذه النبوءة وبدائيتها , ولكن تضخيم الإعلام الغربي لها وبالخصوص الأمريكي حيث تعاطى معها تعاطيا مزدوجا , من جهة الرأي العلمي الصارم لوكالة ناسا مفندا لمزاعمها , ومن جهة أخرى الضجة الإعلامية الكبيرة جريا على عادتهم في افتعال الضجيج والصخب , جعلنا ندرك إن وراء هذه الازدواجية الإعلامية تكمن قضية أخرى غير الإعلام الخبري المجرد بل يمكن أن يكون تسويق لأهداف ابعد وإن بدت مستترة .

الإعلام هذه العجلة الضخمة , تعرف الأنظمة الرأسمالية الكبيرة بخبرتها كيف توظفها لخدمتها وتستفيد منها , استخدم الإعلام دائما كوسيلة فعالة ومجربة لصياغة أذهان الناس والتأثير عليها بشكل سلبي , سواء أكان بشكل مباشر ( تجييشها ) أو حرف الأنظار عن طريق التشويش وخلق البلبلة , هذه النبوءة ( الخبر ) لقد أربكت بالفعل عقول الكثير من الناس وأرعبتهم وشوشت تفكيرهم , وفتحت أبواب كثيرة أمام الخرافات والتخلف العلمي , وبالنتيجة باتجاه ترسيخ التصور والتسليم بنهاية العالم ونضوب الحياة على الأرض .

هذه الخرافات والعقائد الدينية المشوهة والغيبيات سوقت بوفرة وافرة وقصفت بها عقول الناس قصفا شديدا , لكي لا تمسك الناس خيط العقل والتفكير السديد وتتخلص من أزماتها المطروحة أمامها كتحديات ومشاكل قابلة للحل حلا واقعيا موجود بين أيديها في هذا العالم الذي تعيشه .

مما لا مراء فيه إن الإنسانية اليوم تعاني أزمات اجتماعية كثيرة وعميقة , كان في مقدمتها الأزمة الاقتصادية الحالية وما تخلفه من سوء الأوضاع المعيشية لملايين غفيرة في مجتمعات البلدان الرأسمالية الكبيرة وانعكاس هذه الأزمة على باقي البلدان الأخرى , وتحديات ( طبيعية ) أهمها التغير المناخي , تشير جميع الدراسات والبحوث والتقارير العلمية , بأن هذا التحدي غير المسبوق يهدد الحياة على الأرض ونتائجه كارثية على البشر , كنتائج استنزاف موارد البيئة من اجل نمط الإنتاج الصناعي الحالي .

كل التحديات والأزمات المذكورة التي تواجه البشرية في الوقت الراهن , هي منتوجات صنعتها الرأسمالية وسببت بشكل مباشر في وجودها , فالأزمة الاقتصادية هي نتيجة حتمية ودورية لعجلة الإنتاج الرأسمالي القائم على الاستغلال وفوضى الإنتاج , يعني ذلك إنها من صنع الإنسان وبما إنها كذلك يمكن للإنسان التدخل في تغييرها والتحكم في نتائجها , لكن الرأسمالية كنظام يحكم العالم حتى الآن هي العائق الأكيد بوجه ( إمكانية ) حل أزمات المجتمع والتي سببت هي بوجودها .

لا إشارة في الأفق تشير بنهاية الأزمة الاقتصادية الخانقة في المجتمعات الرأسمالية , بل بالعكس تشير دلائل لا حصر لها بتعمق هذه الأزمة واتساعها إلى مديات أوسع بكثير عما كانت عليه من قبل , وتتضاعف وطئتها على المجتمع وما نراه من استمرار الاحتجاجات والمطالبات بتغيير السياسات الاقتصادية هو دليل قائم على سوء إدارة الرأسمالية للمجتمع الإنساني المعاصر , لم تنجح وصفاتها الجاهزة بالتقشف والتضييق على معاش الناس حتى الآن بحل الأزمة , فالأزمة أزمتها هي والمجتمع الإنساني غير مسئول عنها , ولكنه يعيشها ويدفع ثمنها , ( وبعبارة أخرى أصبح وجود الرأسمالية .. غير متلائم مع وجود المجتمع )* .

والرأسمالية بحكم خبرتها وممارستها السلطة قادرة على استخدام و صنع الآليات والوسائل للدفاع عن وجودها بوجه الأخطار التي تهددها , ولجوئها إلى شن الحروب الاغتصابية , والقمع السافر , والهجوم المستمر على مكاسب الناس وسبل عيشها هي آليات معتمدة ومرخصة بوجه المعارضة لوجودها وإعادة إخضاع المجتمع لسلطتها , كما لترويجها الأفكار الدينية والغيبيات والنبوءات , هي جزء لا يتجزأ من منهجها الأيديولوجي في السيطرة والتحكم بعقول الناس , ولاسيما في زمن الأزمات , فنهاية العالم لدى المايا , هو من جهة أيضا تصورها للعالم بدون سيادتها .


لا يبدوا إن الرأسمالية تفكر في التخلي عن موقعها في المجتمع على الإطلاق , لا ولا يمكن أن يكون مطروقا ذلك في يوم من الأيام , ما لم يدرك كل من له مصلحة تتطلب تدمير هذا الأساس القائم على الاستغلال والعبودية أن يوجه النضال ضدها نضالا منظما واعيا تتقدمه الطبقة العاملة صاحبة المصلحة المؤكدة بتقويض النظام الرأسمالي , هو وكل الأفكار والخرافات عن نهاية العالم .


* البيان الشيوعي








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مراسلة الجزيرة: أكثر من 430 مستوطنا اقتحموا المسجد الأقصى في


.. آلاف المستوطنين الإسرائيليين يقتحمون المسجد الأقصى لأداء صلو




.. الشرطة الأمريكية تعتقل عشرات اليهود الداعمين لغزة في نيويورك


.. عقيل عباس: حماس والإخوان يريدون إنهاء اتفاقات السلام بين إسر




.. 90-Al-Baqarah