الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


نابوكو و تحرير أوربا عبر تدمير العراق وسوريا

أسعد محمد تقي

2013 / 1 / 3
مواضيع وابحاث سياسية


ن
لقد بات من المعروف للمراقب أن ما يجري في سوريا غير الذي تعلن عنه الشعارات وعناوين المقالات الكثيرة التي تتحدث عن دكتاتورية الأسد وضياع حقوق الإنسان، وأحيانا ينزلق الحديث الى الطائفية فيتحدثون عن حكم الأقلية العلوية التي تحتكر أدوات ومؤسسات الحكم منذ صعود الأسد الأب الى السلطة في العام 1971 بعد أن طرد صلاح جديد منها بواسطة حركة تمرد عسكرية. وكان مساهما نشيطا في حرب تشرين التي جرت أحداثها في ظروف غريبة عندما شنت القوات المصرية , بالتعاون مع سورية , الحرب وابتدأتها بعبور قناة السويس وانتهت بفتح أبواب مصر الساداتية أمام السياسة الأمريكية ومصالحها في المنطقة التي كان يُنَظِّر لها وزير الخارجية آنذاك هنري كيسنجر , بعد أن تسللت القوات الإسرائيلية عبر ثغرة الدفرسوار الشهيرة التي رفض السادات، حسبما ذكرت الأخبار, معالجتها والبعض يقول, ومنهم سعد الدين الشاذلي رئيس أركان الجيش المصري آنذاك , إن السادات هدد بفتح الطريق الى القاهرة إن لم توافقه القيادة العسكرية على إيقاف الحرب والتفاوض ... حينها كانت سوريا في موقف آخر حيث رفضت الدخول في المفاوضات إلى جانب مصر وبقيت لوحدها مستمرة في حالة الحرب مع إسرائيل حتى هذه اللحظة. وقد لعبت قيادة الأسد دورا ما في محاولة التوازن مع القوة الإسرائيلية عبر توثيق العلاقة مع الإتحاد السوفييتي تلك العلاقة التي ضحى بها السادات لصالح العلاقة مع الولايات المتحدة.
ومنذ ذلك الحين سارت القيادة السورية على نفس النهج السابق الذي اختطّه حزب البعث باعتباره حزبا قوميّا لا يؤمن بالديمقراطية إلا باعتبارها طريقة لحكم الحزب الواحد وما يجره هذا الفهم للحريات وللديمقراطية من ضرورات أمنيّة تحوّلُ الحكمَ , شاء أصحابه أم أبوا , الى شكل من أشكال الفاشيّة بالرغم من أن بعث سوريا لم يصل, في إدارة السلطة, إلى ما وصل إليه توأمه العراقي من بطش وقتل وتغييب للمعارضين في السجون والمعتقلات التي يُمارَسُ فيها التعذيب, بدون قيود, بكل أنواعه من الصفعة الى حوض التيزاب.
وقد دام حكم البعث السوري وبهذه الطريقة حوالي نصف قرن من الزمان وقد صار من حق الشعب السوري أن يفعل شيئا يعيد له حقه في سلطة ديمقراطية تمنحه ما يستحقه من الحريات السياسية وفرصة كافية ومعقولة للتطوّر في المجالات الاقتصادية والاجتماعية .. وهذا الحق كان من الأجدى للقيادة السوريّة ان تتفهمه قبل أن تبدأ فئات الشعب السوري كلها بالتحرك للقبض على مقاليد السلطة وفتح الطريق الى النظام الديمقراطي الذي يتيح لها اختيار برلمانها وقيادتها ويفسح المجال للشعب بتشكيل منظماته الديمقراطية والنقابية بصورة حرة. ولكن مثل هذا الأمل يبدو غريبا جدا إذا كان منتظرا من نظام دكتاتوري كنظام البعث، لذلك صار لزاما أن تتحرك قوى الشعب السياسية لفرض الأمر بالكفاح السلمي والمواجهات اليومية في الشارع والعصيانات الجماهيرية.
وقد بدأ السوريون حركتهم هكذا , يحدوهم الأمل في إحداث التغيير المطلوب سلميا خاصة وإن الوضع العالمي كان مهيئا لتقديم الدعم لو كان الأمر متعلقا بمكافحة الدكتاتوريات، ولكن الأمر سار على نهج آخر؛ نهج الربيع العربي الذي يمكن تلخيصه بدفع الشعب للتحرك من أجل حقوقه الديمقراطية المُصادَرَة وتغيير نظامه وبعد ذلك يبدأ الأمر بالتحول الى تدخل خارجي، وهذا التدخل الخارجي يبدأ بتقديم الدعم للقوى الإسلامية المتطرفة وتتراجع تدريجيا قضية المطالبة بالحريات، ويجري اختصارها بالشعارات الدينية والطائفية لتهيئة الأرض للصراعات القادمة القائمة على هذه الشعارات البائسة التي لم يفكر بها الشعب حتى وهو في أشد حالات بؤسه ... وفوق هذا يُدْهش المراقب من ظهور السلاح بكثرة لا مثيل لها ولا قدرة لأيّ حركة سياسية ديمقراطية وطنية على مجاراتها وتبدأ مع هذه الأسلحة مسارات الصراع بالتحوّل الى ما يشبه الطلاسم .. إذ كيف تجتمع التطلعات الى الحرية والديمقراطية مع هذا الحشد الكريه من الشعارات الدينية المتشددة في بلد يتكون شعبه من خليط من الأديان والطوائف والقوميات؟
ويبدأ المشهد بالتحوّل إلى غرائبية عجيبة؛ إذ يكتشف المراقب الدخولَ الغريب لأنظمة عربيّة تبدأ بنغمة الدعوة لحقن الدماء وإشاعة السلام وتتحوّل بعد وقت قصير إلى انحياز ظاهر وسافر إلى الجانب المعارض والذي يُقْصَد به ليس القوى الديمقراطية للشعب السوري وإنما يُقصد به تلك الأيدي التي تحمل السلاح وتلك الأبواق التي تطلق الشعارات الدينية والطائفية المتشددة التي لن يجلب التعامل بها سوى الحروب الداخلية والتصفيات الهمجية.
وفي سوريا اليوم يتصاعد الحماس العربي لدعم التغيير ووضع البديل المتشدد, بطريقة تجعل المرء يدرك أن هذا التجمع العربي بدأ يتعامل مع الأمر بطريقة الوصاية ويجعل من نفسه وليّا لأمر السوريين. وبعد بضعة أشهر من القتال والمؤتمرات في هذه الدولة أو تلك نكتشف أن دولتين أو ثلاث دول هي فقط المنبع الذي يتصاعد منه الحماس لإجراء التغيير في سوريا وطبعا ليس على الطريقة التي يريدها الشعب السوري. وأخيرا يتوضّح للجميع أن الحماس كله يقتصر على قطر والمملكة السعودية وتركيا. هذه الدول الثلاث أصبحت تدافع عن الحريات في سورية أكثر من السوريين وتحاول أن تمنح الشعب السوري جرعة من الديمقراطية إيّاها أكثر حتى مما يحلم به.
والشيء الغريب الذي لا يمكن التغاضي عنه أن هذه الدول الثلاث قد وضعت الديمقراطية في بلدانها على أعلى الرفوف باعتبارها آخر ما يمكن ان تتعامل به.
قطر والسعودية ملكيتان أو مشيختان تديرهما العائلة التي ينتمي اليها الملك والأمير. وفي العادة تتوزع هاتان العائلتان جميع المناصب المهمة في الدولة. وهما تعتمدان التشدد الطائفي على أسس المدرسة الوهابيّة المستندة في بعضها الى فتاوى وتعاليم ابن تيمية من المذهب الحنبلي. وليس هناك في أي منهما أية ملامح للحياة الديمقراطية بل هما بحاجة من الناحية الحضارية الى قطع مسافة طويلة لوضع بلديهما في دائرة التحضّر, والمقصود بالتحضر هو العقلية التي تسير عليها الحياة اليومية وليس التكنولوجيا التي من السهل جلبها لمن يمتلك كل تلك المصادر من الثروة. أما تركيا فيكفي أن يتذكر المرء قول نلسون مانديلا عندما سُئل عن السبب في رفضه استلام جائزة أتاتورك التي منحتها له تركيا , حينها قال للسائل "تخيل نفسك كرديا لساعات فقط وستعرف السبب". فهي لا تعترف بوجود قومية كردية وتسميهم أتراك الجبل وهذا الأمر لا يطال آلاف أو عشرات الآلاف بل هو يمس حياة حوالي سبعة عشر مليونا من الكرد .. وتركيا تعتقد أن من حقها ان تجتاح وتقتطع جزءا من قبرص , الدولة , تحت شعار الحفاظ على القبارصة الأتراك وتبقي جيوشها هناك منذ العام 1974 وحتى هذه اللحظة بالرغم من أن السبب أو الانقلاب على حكومة الأسقف مكاريوس الذي قامت به منظمة "إيوكَا" اليمينيّة والحرس الوطني والذي حاولت بواسطته ضم قبرص الى اليونان التي كانت تديرها عصابة العقداء السود بقيادة بابادوبولص ومن بعده في نوفمبر عام 73 بقيادة فايدون جيزيكيس , قد فشل وعاد كل شيء الى ما كان عليه حتى ان الحكم العسكري في اليونان كان قد سقط وانتهى أمره.
هذه الدول الثلاث تشترك في ميزة أخرى هي وجود القواعد الأمريكية على أراضيها: أنجرلك وغيرها في تركيا وقاعدتي السيليه والعديد في قطر وحوالي ست قواعد في السعودية منها قاعدة الرياض وقاعدة الملك فهد وقاعدة الملك عبد العزيز وأبها وقرية إسكان وغيرها.
ولكن الأهم, وبشكل استثنائي, هو أن هذه الدول الثلاث تشترك بكونها منغمسة في موضوعة تحرير أوربا من الغاز الروسي، لأن أمريكا التي تشعر أن أوربا, حليفتها الرئيسية, سوف تكون بشكل من الأشكال تحت رحمة الروس بسبب الأهمية العظمى للغاز كمصدر لا غنى عنه للصناعة الأوربية. وللحفاظ على أوربا خارج السطوة الروسية، التي قد تستخدم موضوعة تجهيز الغاز للضغط على أوربا في السياسة الدولية، صار من المهم أن توفر الولايات المتحدة بالتعاون مع أوربا والحليفات الخليجيات وتركيا الأطلسية البديل للغاز الروسي. فكان البداية, في تسعينات القرن الماضي (العام 1992) , خط نابوكو؛ وهو الخط الذي يبدأ من تركيا وينتهي في أوربا. وعملت الولايات المتحدة وشركاتها على عقد اتفاقيّات لجلب الغاز من بحر قزوين الى تركيا ومنها الى أوربا.. وهناك على بحر قزوين يكمن الكثير من الغاز على جانبيه حيث تركمانستان على جانبه الشرقي وأذربيجان على جانبه الغربي. وقد حاولت الولايات المتحدة مد الأنبوب الناقل عبر مياه البحر من تركمانستان إلى أذربيجان لكي يتم نقل الغاز من كليهما إلى الأراضي التركية ومنها الى أوربا عبر خط نابوكو, متخطية بذلك الخلافات بين الدول المطلة على بحر قزوين حول الجوانب القانونية لاستثمار الثروة النفطية والغازية للبحر، ولكن روسيا سارعت الى عقد اتفاقيات لشراء الغاز من تركمانستان وأذربيجان من أجل إعادة تسويقه الى المستهلكين من خلال الأراضي الروسية.
هذه التطوّرات أضعفت الى حد بعيد الثقة التي أولتها أوربا وشركاتها الى خط نابوكو وبدأت بعض دولها بالتخلي عن المشروع ومحاولة بيع حصتها فيه وخاصة ألمانيا التي اعتبرت المشروع مجازفة كبرى وهي تفضل الاعتماد على الغاز الروسي من خلال السيل الشمالي والجنوبي اللذين دشنتهما روسيا مؤخرا.
وقد ارتأت الولايات المتحدة أن تبحث عن البديل فكان الغاز القطري والغاز السعودي. والغاز القطري يشكل حوالي 14% من الاحتياطي العالمي. وقطر , بهذه النسبة , تحتل المرتبة الرابعة بعد روسيا وإيران وتركمانستان، ولكن هذه الكمية إضافة الى الغاز السعودي لن تكون كافية لسد احتياج أوربا، فهي لن تشكل سوى 10% منه وبالتالي فهناك حاجة قصوى لإضافة مصادر أخرى، فجاء المكمن الكبير في شرق المتوسط على سواحل إسرائيل وغزة وسوريا ولبنان وقبرص ( حقل لوناثان والحقول الأخرى المجاورة له) وهو ما سوف يقلب الكثير من المعادلات السياسية في المنطقة. وسوريا وما يجري فيها من أحداث هي واحدة من ملامح الأنقلاب في المعادلات السياسية تلك.. ووجود هذا الحقل الغازي العملاق الذي يزيد الأحتياطي المكتشف فيه لحد الآن على عشرة ترليونات من الأمتار المكعبة من الغاز إضافة الى النفط. ولكي لا تكون سوريا لاعبا أساسيّا وعنيدا في موضوعة استثمار هذا الحوض بسبب كون الجزء الأكبر منه يقع داخل مياهها الاقتصادية (200كم ) لذلك يجب أن تكون سوريا فريسة للفوضى وقد تكون هناك ضرورة للتقسيم خاصة وإن سوريا تمتلك ميزة خطيرة أخرى في موضوعة نقل الغاز الى أوربا هي أيضا تستدعي بعثرتها إلى أجزاء متصارعة وتستدعي إغراقها بالفوضى, هذه الميزة هي أن أي أنبوب لنقل الغاز من قطر والسعودية وأي مصدر آخر في الخليج إلى أوربا لا يمكن إلا أن يمر عبر الأراضي السورية وبالذات حمص والتي هي عقدة الأنابيب والتي ينقل منها الغاز لإيصاله الى تركيا حيث الارتباط بخط نابوكو. وبمجرد فهم هذا الجانب من الصراع على الغاز وإيصاله لأوربا تكون قد توضحت الأسباب الحقيقية الكامنة وراء كل هذا الذي يحدث في سوريا.
والآن لنلقِ نظرة على ما يمس العراق من هذا الشأن الخطير:
إن مجرّد التفكير بحاجة أوربا للغاز باعتباره الوقود الذي سيزيح النفط من عرشه الذي يتبوّأه الآن وحماس أمريكا لتوفير ما يكفي من الغاز لها من أجل أن لا تكون تحت رحمة الغاز الروسي يجعل من المنطقي أن تسعى الولايات المتحدة لحشد كل ما يمكن حشده من احتياطيات المنطقة من الغاز. والعراق بالطبع هو البلد الأكثر عرضة لأن يقع على عاتقه توفير الكميات الإضافية منه. وفي العراق مكمنان كبيران للغاز؛ في كردستان وفي الأنبار. والأنبار في الحقيقة تنام على مكمن هائل للغاز الطبيعي ويحوي احتياطيات كبيرة، أما كردستان فقد بدأت بالفعل بتهيئة اتفاقية لتوفير حوالي عشرة مليارات من الأمتار المكعبة من الغاز سنويا لتركيا وهو ما سيساهم بتوفير جزء من الكمية المطلوبة والتي من الممكن ضخها عبر خط نابوكو ولكن العراق دولة في طريقها الى التماسك وتتدرج في بناء مؤسساتها على أسس من الفدرالية والتي من المفروض إنها ستجعل من البلاد دولة قوية وفق ما هو معروف من الصيغ الفدرالية. وبالطبع دولة بهذه الحال وتمتلك القدرة على إنتاج الغاز بكميات كبيرة سوف تكون رقما صعبا بأية مفاوضات لإنتاجه وبيعه، ولكن الحال سيختلف كثيرا لو أن هذه الدولة تجري بعثرتها على الطريقة التي تجري بها محاولة بعثرة سوريا وتدميرها وجعلها أقساما لا تملك من أمرها شيئا
ولهذا السبب بالذات وجدنا أن كردستان تسلك طريقا غريبا في التعامل مع الفدرالية فهي توقع اتفاقيات مع شركات كبرى حول مادة يقول عنها الدستور إنها ملك للشعب كله وهو ما يستوجب وضعها تحت إدارة السلطة الفدرالية وليس سلطة الإقليم وأكثر من هذا نجد إن هذه الاتفاقيات هي عقود شراكة وليست عقود خدمة وفق الحالة التي تنتهجها وزارة النفط الفدرالية، وأغرب من هذا أنها وقعت أو هي على وشك توقيع اتفاقية مع تركيا تصدر بموجبها كميات هائلة من الغاز سنويا دون الرجوع الى المركز وكأن الأمر لا يمس الأمن الاقتصادي للبلاد ولا علاقة له بالشأن الخارجي والذي هو من واجبات المركز.
وبسبب الغاز وحاجة أوروبا له، ورغبة الولايات المتحدة لتوفيره لها بعيدا عن الغاز الروسي، وجدنا أن الصيحات بدأت تصدر من جهة أخرى هي الأنبار, وكأن أوامرَ قد صدرت من جهة واحدة لتنفيذ وتهيئة الأجواء للبدء بتوفير الغاز وتجميعه على الأرض السورية تمهيدا لنقله الى تركيا ومنها عبر نابوكو الى أوربا.
والمركز بدوره بدأ بتوقيت يبدو وكأنه مساعد على كل ما يحدث؛ فهناك أزمة تتصاعد مع الإقليم والكل مشارك بها بشكل أو آخر. وبدأت مؤخرا أزمة لم يكن أحدٌ يحسب لها حسابا مع وزير المالية العيساوي الذي حوّلها, وبمعاونة أطراف عديدة في القائمة العراقية وشيوخ عشائر وبشكل مثير قيادة الإقليم أيضا, الى مسألة صراع طائفي. وصار الجميع يكشف عن مطالب لا حد ولا حصر لها يبدو منها أن الأمر يهدف الى إبعاد أية إمكانية للحل بل والهدف النهائي كما يريد أصحاب هذه المعمعة هو تشكيل فدرالية الأنبار والتي سرعان ما ستتحوّل الى كونفدرالية وسيصبح ارتباطها ببغداد أثرا بعد عين.
وهكذا نرى أن الحاجة الى الغاز من أجل تحرير أوربا من الغاز الروسي هي التي تقود اليوم عملية تدمير سوريا وتحاول أن تبعثر العراق وتجعله أجزاء متنافرة غير مترابطة..
وبالنسبة لكردستان، والتي يعتقد البعض بأن تحالفها وتفاهمها مع تركيا عبر منحها امتيازات بالنفط والغاز وفتح ابوابها للنشاط الأقتصادي والعسكري التركي سيساعدها على تحقيق بعض القوة في مواجهة المركز وبالتالي سيمهد هذا الى الانفصال عنه فإن الأمر لن يكون بهذا الشكل على الإطلاق بل لن يخرج عن كون كردستان العراق سوف تُدْفَع دفعا الى الصِدام مع المركز من أجل إضعاف الطرفين وسيكتشف الجميع أن من سيقوم بجني ثمار هذا الصراع هي تركيا وإيران لأنهما مهتمتان بالتدخل في الشأن العراقي، ولكي تنجح جهودهما بالتدخل يجب ان يكون العراق منهكا بمشاكله الداخلية، ويهمهما جدا أن يتخلصا من مصدر مهم من مصادر الدعم للحركة الكردية في ايران وتركيا والذي يمثله واقع الإقليم في كردستان العراق. وفوق هذا فإن تركيا تسعى بحماس لأن تكون كردستان على خلاف دائم مع المركز لكي ينفتح الطريق أمامها للعبث بمقدرات الإقليم وتشجيعه على تقديم التنازل تلو التنازل في المجال الاقتصادي وكذلك في الموقف من نضال حزب العمال الكردستاني في تركيا. ولن يحصل الشعب الكردي في كردستان العراق على غير ترسيخ تفكير القيادة التركية الغارقة في أحلامها الإمبراطورية وحلمها في استعادة الولاية التي كانت السلطة العثمانية تطلق عليها اسم ولاية الموصل،
وربما سنكتشف الدليل أيضا على أن الغرب بأجمعه وخاصة الولايات المتحدة صاحبة المشروع الشهير (مشروع بايدن) في تقطيع أوصال العراق إلى ثلاثة أقسام وفق المذهب مرة ووفق القومية مرة أخرى .. السنة والشيعة والكرد .. وكأن الكرد ليسوا بسُنّة بغالبيّتهم ( إذا كان التقسيم وفق المذهب ) وكأن السنة خارج كردستان ليسوا بأكثريتهم عربا (إذا كان التقسيم وفق القومية) ولكن الهدف في إضعاف العراق وجعله إمارات ضعيفة غير قادرة على تقرير شيء يقتضي الابتعاد عن المنطق المقبول أحيانا.. إنها روح العم سام المستهينة بكل شيء عدا الغنيمة ... سنكتشف أن الولايات المتحدة هي الأخرى تدفع من تحت حجاب إلى زيادة التوتر بين المركز والإقليم كلما اقترب هدف إسقاط النظام السوري من التحقّق، إذ عندها سيغدو من الضروري الإسراع بالبدء في إنشاء خطوط الأنابيب الناقلة للغاز وبالتالي سيجد المركز نفسه غير قادر على منع تحول الفدراليات الى كونفدراليات سرعان ما تنفصل إلى دول أو بالأحرى مشروع دول. ومن الممكن التفكير في ضم الأنبار لتشكيل مملكة موحدة مع الأردن وضم إقليم كردستان إلى تركيا، وهذه العملية سيعتبرها القوميّون والقبليون الكرد إنجازا على اعتبار إنها وحّدت جزأين من كردستان الكبرى هما كردستان العراق وكردستان تركيا، وطبعا سيروّجون للأمر دون أن يلاحظوا ابتسامة السخرية على وجه كل من يستمع لهذا التهريج.
الخلاصة أن العراق وسوريا الآن هما الهدف الآني لإعادة تشكيل المنطقة وفق الرؤية الأمريكية من أجل تأمين مصادر الطاقة الى أوربا والشركات العالمية المختصة بتجارة النفط والغاز.. يساعدها في ذلك خدمها في تركيا وقطر والسعودية وهؤلاء الثلاثة بعجلة من أمرهم لأن لعابهم يسيل كثيرا للأرباح المنتظرة ..قطر والسعودية لأرباح بيع الغاز وتركيا لأرباح تشغيل خط نابوكو لنقل الغاز، بالإضافة الى كميات الغاز التي ستحصل عليها .. وليذهب بعد ذلك شعب العراق وسوريا وكل شعوب المنطقة الى حيث ألقت رحلها .. أمّا أدوات التنفيذ وهي القوى الطائفية والقوميّة والعشائرية شديدة الغباء وقادتها من اللصوص وناهبي المال العام والباحثين عن مجد السلطة فسوف تعمل بحماس الخدم الأوغاد للقيام بالمهمة.
في العراق ثروات هائلة تكفي الجميع وتكفي لتنوير صباحات العراقيين ولياليهم وتكفي لإشباع نهمهم للتعلم وترصيع الحياة بدرر الثقافة ولإشباع تطلعهم للمستوى الصحي الراقي وتغطي أكثر مشاريع الإسكان العصري تكلفةً وبإمكانها أن تمنحهم القدرة على إيجاد مشاريع زراعية عظيمة توفر لهم الغذاء الكافي وتفيض منتجاتهم خيرا على كل جيرانهم وبإمكان الثروة العراقية أن ترتفع بالصناعة العراقية الى أعلى المستويات .. بالأجمال بإمكان هذه الثروة العظيمة أن تجعل من العراق مثار إعجاب العالم ... فقط مطلوب أن يشعر أهله بأنهم عراقيون أولا ومن ثم عربا أو كردا أو تركمانا ... مسلمين او مسيحيين أو صابئة .. سنة أو شيعة .. فقط على الجميع أن يكفوا عن تسمية العراق بأية صيغة قوميّة أو دينية أو طائفية، فالعراق ليس عربيا فقط وليس كرديا فقط أو تركمانيا فقط .. إنه العراق فقط .. وبإمكان عربه أن يواصلوا علاقاتهم الإنسانية مع العرب الآخرين وبإمكان الكرد ان يتواصلوا مع الكرد الآخرين وكذا الحال مع التركمان وباقي القوميات ولكن على الجميع أن يتواصلوا مع بعضهم أوّلا.
وليتذكر الجميع أن أرباح الطاقة وشركاتها لا تعرف معنى للقومية ولا تقيم وزنا للدين والطائفة وهي تزدري القوى السياسية في عالمنا وقبل هذا تزدري الإنسان.
ليتصارع الجميع على نوع الاقتصاد الأكثر فائدة لهم فلكلِّ رؤيته, لا بأس .. ليتصارع الجميع حول طريقة الحكم ونوع الدستور وكل تفاصيل الحياة، ولكن على الجميع ان يتوقفوا عندما تتعرض وحدة الوطن وأرضه للخطر
وإذا كان من الضروري أن يغادر أحد أفراد العائلة البيت فليس هناك أفضل من أن يتم الأمر بقناعة الجميع والحرص على إبقاء العلاقة الطيبة بدلا من ترك الجميع يعانون من الجروح التي لا تندمل ومن الشعور بالحيف الذي يفسد كل شيء.
أما المكاسب العظيمة فإنها من الممكن أن تأتي أيضا من العمل لصالح الوطن وليس لصالح مشاريع العم سام فقط، تلك عظيمة لأنها تشمل الجميع وهذه قد تكون كبيرة ولكنها لن تشمل سوى القليل من الناس وبالطبع تغيب عنها الروح الايجابية والجمال الخلاب للموقف الوطني الإنساني.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - نابوكو و تحرير أوربا عبر تدمير العراق وسوريا
salam hameed ( 2013 / 6 / 23 - 10:28 )

السلام عليكم

كتب الاستاذ الفاضل
أسعد محمد تقي الموضوع أعلاه
وفيه من الربط ما هو جدير بالاهتمام مشكورا عليه
والرجل لا أعرف ان كان من أهل العراق أم لا مع أحترامي له فأن كان. فالرجل أذن قد عبر عن عراقيته ووطنيته
وحبه لهذا الوطن الجريح ,
وأشار الى ان دولا مثل السعوديه وقطر وتركيا تقوم بدور المدمر والمقسم للعراق وانا أظن هذا قدر العراق الكل يريد نهبه وتدميره . اذا كان ممن يحسبون عليه من السياسيين هم أول من أستباحوه نهبا وفسادا وتهريبا للاموال الى الخارج كي يلحقوا بها اذا أزفت ساعة حسابهم من العراقيين الشرفاء .ولكن عندي سؤال للكاتب المحترم لماذا لم يذكر الدور الايراني المخرب ايضا . بنفس طريقة الدول الاخرى الخليجيه وتركيا .علما ان طرق التخريب القذره لتلك الدول أرحم من طريقة الايرانيين في العراق اذ الايرانيين يتدخلون في الانتخابات للمجالس البلديه الايرانيين تدخلو في وضع المناهج الدراسيه الايرانيون تدخلو بأدارة المحافظات الدينيه ذات القدسيه عن بعض المسلمين حتى تدخلوا في دفن الموتى في مقابر النجف الا بأذن من شخص معين وعندما تكلمه تجد ان لكنته ايرانيه . حتى أهلنا من أهل النجف ضاقوا بهم


2 - شكرا للسيد سلام حميد
أسعد محمّد تقي ( 2013 / 7 / 4 - 00:19 )
شكرا للسيد سلام حميد على مداخلته . بداية أنا عراقي ولو ان الكتابة في الشأن الدولي والمحلي حقٌ للجميع وبنفس الدرجة وانا مثلك أيها الصديق أرفض التدخل في شؤون بلدي من أيّة جهة جاء وأقرُّ معك بأن هناك تدخل كبير من دول كثيرة وإيران لم توفر فرصة للتدخل لم تغتنمها وللتوضيح أكثر أنا لا أوجّه اللوم لمن يريد التدخل فهو وفق ما هو متعارف عليه في العلاقات الدولية جزءٌ من الجهد الوطني لتلك الدولة وكلنا نرى ما هو حجم التدخل الأمريكي في العراق وباقي دول المنطقة .. الصحيح أن علينا أن نوجه نشاطنا الوطني نحو ترصين كيان الدولة , ولا أقول الحكومة أو النظام , وترصين اقتصادها ووضع الروابط بين مكونات الشعب على أسس الوطنية الخالصة والتي تعني وحدة الوطن أولا وبعد ذلك سيكون بمقدورنا أن نواجه أية رغبة بالتدخل في الشأن الداخلي للعراق . وفيما يتعلق بالمقال فمن الواضح إن الحديث فيه يدور حول نقطة معينة لم يكن لأيران دور المبادر وإن كان لها دور ردّ الفعل , وقد كان الحديث يدور عن تزويد أوربا بالغاز البديل للغاز الروسي ووراء هذا يكمن الكثير من التوجس السياسي الغربي .. يتبع


3 - شكرا للسيد سلام حميد
أسعد محمّد تقي ( 2013 / 7 / 4 - 00:27 )

ولتطمين الحاجة الأوربية من الغاز كان انطلاق الفعل ابتداءا من سوريا صلة الوصل بين الغاز القطري والسعودي والعراقي الذي كانوا يأملون باستخراجه من حقل الأنبار وذاك الذي جرت المفاوضات حوله مع إقليم كردستان , وقد ابتدأ هذ الفعل بمخطط واضح تدعمه تركيا وقطر والسعودية ولكن يجب القول أن قطر كان لها دور مميّز وقد استخدموا في هذا كل الخزين من مسببات الصراع , الطائفية والقومية والمناطقية وكل شيء من الممكن ان يؤدي الى تصعيد الصراع وهذه الدول الثلاث وركائزها في الداخل العراقي والسوري كانت عباره عن ادوات ووسائل لتنفيذ مخطط اعتقد الأمريكان والأوربيون إنه سوف يؤدي الى مكاسب كثيرة وتفتيت سوريا والعراق وتدميرهما بعد أن تتحولا إلى مناطق متناحرة يقودها أمراء الحرب من كل لون طائفي وقبلي وديني وقومي , وفي كل هذا لم أجد فعلا أيرانيا حاسما يصب في نفس الأتجاه . ولكن هل هذا يعني انتفاء التدخل الأيراني في شأن آخر من شؤون العراق ؟ بالتأكيد لا , ولو فعلت ايران هذا لفرّطت بمصالحها دون مبرر , لأن كل الدول تتدخل حيثما تتوفر إمكانية للتدخل في ما يجاورها ولا يمنعها من ذلك سوى إرادة الشعب في البلد المعني


4 - شكرا للسيد سلام حميد
أسعد محمّد تقي ( 2013 / 7 / 4 - 00:27 )

ولتطمين الحاجة الأوربية من الغاز كان انطلاق الفعل ابتداءا من سوريا صلة الوصل بين الغاز القطري والسعودي والعراقي الذي كانوا يأملون باستخراجه من حقل الأنبار وذاك الذي جرت المفاوضات حوله مع إقليم كردستان , وقد ابتدأ هذ الفعل بمخطط واضح تدعمه تركيا وقطر والسعودية ولكن يجب القول أن قطر كان لها دور مميّز وقد استخدموا في هذا كل الخزين من مسببات الصراع , الطائفية والقومية والمناطقية وكل شيء من الممكن ان يؤدي الى تصعيد الصراع وهذه الدول الثلاث وركائزها في الداخل العراقي والسوري كانت عباره عن ادوات ووسائل لتنفيذ مخطط اعتقد الأمريكان والأوربيون إنه سوف يؤدي الى مكاسب كثيرة وتفتيت سوريا والعراق وتدميرهما بعد أن تتحولا إلى مناطق متناحرة يقودها أمراء الحرب من كل لون طائفي وقبلي وديني وقومي , وفي كل هذا لم أجد فعلا أيرانيا حاسما يصب في نفس الأتجاه . ولكن هل هذا يعني انتفاء التدخل الأيراني في شأن آخر من شؤون العراق ؟ بالتأكيد لا , ولو فعلت ايران هذا لفرّطت بمصالحها دون مبرر , لأن كل الدول تتدخل حيثما تتوفر إمكانية للتدخل في ما يجاورها ولا يمنعها من ذلك سوى إرادة الشعب في البلد المعني


5 - مالحل
rodi ( 2013 / 8 / 13 - 17:21 )
ما كتبه السيد اسعد احمد تقي كله حقيقة ولكن الحقيقة التي لا تراها الا الاقلية من المثقفين الذين ليس فقط من واجبهم تنوير العقول وطرح المشاكل وانما الحلول ايضا لنعد بالزمن الي الوراء حتى سقوط الدولة العثمانية سنة 1922 زمن الامجاد العربية و الاسلامية ولنكن صريحين مع انفسنا اليس ما جعل هته الامة امة قوية هو الاسلام الذي بمجيئه ارسى موازين العدل والقسط واعطى كل ذي حق حقه وليس القومية او الحدود الجغرافية التي تجمع شعبا واحدا اولم يكن سكان المنطقة قبلا قبائل وامما متفرقة ياكل القوي منهم الضعيف وكيلا لا اتهم بالطائفية والتشدد والعصبية......الخ فلننضرالي التجربة الاسرائلية و لتخبورني ما الذي جعل مجموعة من الناس يجتمعون في مكان واحد وفي ضرف قياسي ياسسون دولة متقدمة اليست العصبية والطائفية والتشدد (وحتى ادا قلنا المصالح اليس للعرب والاكراد المسيحيين او للنقل باختصار سكان الشرق الاوسط والمغرب العربي مصالح مشتركة) و لو كان العرب والمسلمون حقا متشددون كما يوصفون وتمسكو بدينهم الذي يامرهم بحفض حقوق الدمين من غير الديانة و الشورى عدم التبعية لا السياسية ولا الفكرية اماكنا لنكون بلا منازع الامة الاعضم


6 - المسرحيه الامريكيه
سعدي شرشاب ذياب ( 2014 / 9 / 12 - 15:41 )
ها قد بدات فصول المسرحيه الامريكيه تتوالى في العراق وسوريا تمهيدا لنهاية عملية تصميم وانجاز الشرق الاوسط الجديد


7 - المسرحيه الامريكيه
سعدي شرشاب ذياب ( 2014 / 9 / 12 - 15:48 )
ها قد بدات فصول المسرحيه الامريكيه تتوالى في العراق وسوريا تمهيدا لنهاية عملية تصميم وانجاز الشرق الاوسط الجديد

اخر الافلام

.. حلقة جديدة من برنامج السودان الآن


.. أطباق شعبية جزائرية ترتبط بقصص الثورة ومقاومة الاستعمار الفر




.. الخارجية الإيرانية: أي هجوم إسرائيلي جديد سيواجه برد إيراني


.. غارات إسرائيلية تستهدف بلدتي حانين وطير حرفا جنوبي لبنان




.. إسرائيل وإيران لم تنتهيا بعد. فماذا تحمل الجولة التالية؟