الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


العمال يحاربون الفساد

فاطمة رمضان

2013 / 1 / 4
الحركة العمالية والنقابية


عندما ينتهي عام بمحاولة قتل شاب في ميدان التحرير، لينضم لآلاف الشباب الذين يصابون ويتعرضون لعاهات مستديمة من أجل أن تصبح مصر الثورة لأبنائها بحق. هذا الشاب الذي نتمنى له أن يبقى معنا لكي نكمل ثورتنا حتى يتحقق شعارها «العيش والحرية والعدالة الاجتماعية»، ولا يلحق بموكب الشهداء الذي لم ينقطع منذ 25 يناير حتى الآن، فما عسانا أن نشعر ونحن نستقبل عام جديد؟

عندما ينتهي عام بتعيين 90 عضوًا في مجلس الشورى «شمل فيما شمل قيادات من الحزب الوطني والمتهمين في موقعة الجمل وغيرها ممن منعهم الدستور من المشاركة في الحياة السياسية»، والذي أحيلت إليه سلطة التشريع بحكم الدستور. الدستور الذي شابت كتابته والاستفتاء عليه الكثير من عناصر التزوير وعدم الشرعية بداية من تشكيل اللجنة التأسيسية، حيث مُنعت المحكمة الدستورية بالقوة من أداء عملها، تخوفاً من الحكم بعدم شرعية وقانونية تشكيل هذه اللجنة، حدث ذلك عن طريق ميليشيات إخوانية تحت سمع وبصر رئيس الجمهورية وكل أجهزة الدولة، فما عسانا أن نأمل في العام الجديد؟.

عندما نرى ونسمع بالقوانين التي تجهز لكي يمررها مجلس الشورى، وعلى رأسها ما سموه بـ«قانون تنظيم التظاهر»، وفي الحقيقة هو قانون لمنع ليس فقط التظاهر وإنما كل أشكال الاحتجاجات، وبعد نشره في جميع الصحف تقريباً يخرج علينا من يقول إننا سوف نناقش هذا القانون.

إن العام المنقضي حفل بالكثير من المعارك بين من يريدون استكمال الثورة، ومن يريدون القضاء عليها، وربما اختلط الحابل بالنابل، فأصبح من كان في خندق الثورة بالأمس هو من يقود الحرب لوقف استكمالها اليوم، بعد أن وصل لمقاعد السلطة، وأتى رجال النظام القديم ليقفوا في الخندق نفسه مع الثوار، لا لأنهم ثوريون ويريدون استكمال الثورة، بل لأنهم يكرهون الإخوان المسلمين، ويكرهون الثورة أيضاً.

ولكن الشيءالمضيء في وسط كل هذا الظلام، وفي وسط كل هذا اللغط الكثير، أن العمال يستكملون مسيرتهم التي بدأوها قبل 25 يناير، والذين كانت إضراباتهم عنصرًا مهماً أدى إلى إسقاط الديكتاتور مبارك، هذا ولم يتوقف العمال يوماً عن استكمال هذه المسيرة. مسيرتهم من أجل حقوقهم المنهوبة قبل الثورة وحتى الآن. كذلك استكمال مسيرة محاربة الفساد والفاسدين، التي يدفعون دائما فاتورتها غالية في بلد ما زال فيه الفساد مستشرياً ومسيطرًا. فالفساد وأكل الحقوق منظومة واحدة، العمال يستكملون مسيرتهم بشتى الطرق، بالإضراب والاعتصام والتظاهر، وكذلك بالقانون.

ما يثلج الصدر حقاًهو أن العام المنقضي بكل ما فيه لم يبخل علينا بأخبار مفرحة، أخبار انتصار العمال في معاركهم القضائية ضد الخصخصة والفساد، وحصولهم علي أحكام قضائية ببطلان هذا البيع، أو التأجير (بالنسبة للموانئ)، حتى لو كان هذا ضد مصالحهم المباشرة. تعالوا معاً نرى الحكمين اللذين حصلت عليهما نقابات العمال قبل يومين من انقضاء العام، وفيما يلي بعض هذه الأحكام:

- فقد صدر يوم السبت، 29 ديسمبر 2012، حكم من محكمة القضاء الإداري بالإسكندرية ببطلان عقد تأجير ثلاثة موانئ بالدخيلة والإسكندرية للشركة الصينية. ويعيد هذا الحكم للدولة مئات الملايين، وذلك لكون عقد التأجير قد صدر بالأمر المباشر، ونص على تأجير المتر المربع بثُمن ما قدره القرار الوزاري، حيث إنه تم تأجير الموانئ الثلاثة للشركة الصينية مقابل انتفاع للمتر المربع بواقع 3 دولارات لمدة 25 عامًا، إلا أن القرار الوزاري رقم 142 ينص على مقابل انتفاع 24 دولارًا للمتر المربع.

علينا أن ننظر في هذا الأمر لعدة نقاط، النقطة الأولى وهي من الذي رفع هذه الدعوة التي تعيد للدولة مقدراتها، الذي رفع هذه الدعوي هي النقابة المستقلة للعاملين بشركة تداول الحاويات بالإسكندرية والبالغ عدد عمالها 3 آلاف عامل، واستندت النقابة في الدعوة لتضرر العمال من هذا العقد، لكونه قد أضاع على شركة الحاويات 41% من إيرادتها بعد تحويل الرصيف للشركة الصينية، والتي لم تقم بإضافة أي خطوط جديدة، أي أن العمال متضررون من هذا التعاقد بشكل مباشر في عملهم بالشركة.

الأمر الثاني، وهو هذا العقد «من هم أطرافه؟»، أطرافه هم رئيس هيئة الميناء سابقاً، ورئيس الشركة القابضة للنقل البحري «وعضو لجنة سياسات الحزب الوطني»، وعن الشركة الصينية أحمد عبدالعظيم لقمة، والذي ذكر العمال أنه الغطاء المعروف لجمال مبارك في استثماراته في مصر، وعلينا أن نتذكر أن أحمد عبدالعظيم لقمة هو صاحب شركة إنتاج الاسبيستوس الشهيرة منذ ما يقرب من عشر سنوات، والذي تسبب في قتل عدد من عمال الشركة وإصابة الكثير منهم بأمراض السرطانات، بسبب استخدامة للاسبستوس الممنوع دولياً، ولولا وقوف العمال وإضرابهم واعتصامهم بالشركة لما تم الكشف عن هذه الجريمة، ولما صدرت القرارات من رئاسة الوزراء وقتها بمنع استخدام الاسبيستوس في التصنيع.

ربما قال من يقرأ هذا الكلام: «طيب ما إحنا عارفين إنه أيام مبارك كان فيه فساد كثير، والناس بتنظف دلوقتي»، هرد وأقول في الحقيقة أن العمال في شركة الحاويات بيحاربوا الفساد من وقتها، وبعد الثورة أسسوا نقابة مستقلة للتعبير عنهم والدفاع عن حقوقهم، وهذه النقابة تُحارب من الإدارة الفاسدة، وأن العمال بقيادة نقابتهم المستقلة قد أضربوا للمطالبة بمحاربة الفساد، والمطالبة بعودة الأرصفة للدولة، فكان جزاؤهم في 23 سبتمبر 2012، «أي في ظل حكم محمد مرسي»، الحبس لخمسة من قيادات النقابة لمدة 3 سنوات، وذلك بتهمة التحريض على الإضراب، والفصل من العمل وغرامة عشرة آلاف جنيه لكل منهم.

والسؤال الآن: «هل هذه الأحكام القاسية على عمال مارسوا حقهم في الإضراب للمطالبة بمحاربة الفساد والفاسدين، كان لمصلحة مصر ومن أجل عجلة الإنتاج المزعومة؟، أم من أجل حماية الفاسدين وإبعاد أعضاء النقابة الذين يفضحونهم من عملهم بل وحبسهم وتغريمهم؟»، ترى من الذي يبني، ومن الذي يهدم؟

الحكم الثاني، والذي صدر في اليوم نفسه، من محكمة القضاء الإداري بالقاهرة، وقضي ببطلان خصخصة الشركة المتحدة للتجارة، وإلغاء قرار رئيس مجلس الوزراء بالموافقة على بيع 98% من أسهم الشركة إلى اتحاد العاملين المساهمين، وكان البيع في عام 2002، السؤال الأول هو «من الذي رفع القضية؟»، الإجابة: «رئيس نقابة العاملين بالشركة، أحد أعضاء اتحاد العاملين المساهمين، وهي نقابة تابعة لاتحاد عمال مصر، ولكن لا الاتحاد ولا النقابة العامة للتجارة، التي كان رئيسها طرف أساسي في صفقة بيع شركة عمر أفندي الفاسدة طرفاً في القضية». وفي الحقيقة أن هذه معركة بدأتها اللجنة النقابية منذ سنوات، كان إحدى محطاتها مايو 2010، عندما رفعت النقابة مذكرة لمحمود محيي الدين، وزير الاستثمار وقتها، يطالبون فيها بالعودة للقطاع العام، وأرسلوا نسخة منها إلى محمد وهب الله، رئيس النقابة العامة لعمال التجارة، ذاكرين فيها أن الشركة منذ الخصخصة حققت خسائر قدرها 6 ملايين و 139 ألف جنيه حتى أول فبراير 2010، وأن هذا يؤثر على مستقل 290 أسرة، هم أسر العمال بالشركة. والغريب في الأمر أن ترسل النقابة العامة لوزيرة القوى العاملة ووزير الاستثمار واتحاد العمال في شهر يناير 2011، تطلب منهم التحرك بتوفير رواتب العمال وإعادة هيكلة الشركة وفتح باب المعاش المبكر للعمال، وتحذرهم من أن ترك الأمر يؤدي إلى أن يلجأ العمال للقضاء لحل اتحاد المساهمين.

وفي الحقيقة أن هاتين الشركتين ليستا الوحيدتين اللتين وقف عمالهما، سواء بقيادة نقاباتهم الشريفة، أو بقيادة العمال أنفسهم، هما من حاربتا الفساد، فهناك نقابة عمال غزل ميت غمر، وعمال ألمنيوم نجح حمادي، ....، وهناك عمال أكثر من خمس شركات حصلوا على أحكام بعودة هذه الشركات للقطاع العام، منها المراجل البخارية، وغزل شبين، وطنطا للكتان، وعمر أفندي.

من هاتين التجربتين نستطيع أن نستنتج أن نقابات العمال، عندما تكون معبرًا حقيقيًا عن العمال، مرتبطًا بهم يدافع عن مصالحهم، فهي بالضرورة تدافع عن مصالح الشعب المصري كله، سواء كانت هذه النقابات نقابات مستقلة أو نقابات قاعدية تابعة لاتحاد العمال، ولكن المشكلة في النقابات التابعة لاتحاد العمال هي أن يتم الآن تثبيت الهيكل الهرمي الفاسد، وتتم المحافظة عليه كما هو وتقويته من قبل رئاسة الجمهورية والنظام الحاكم، لكي يكون أداتهم وسط العمال، والمشكلة أن تثبيت وتقوية قيادات الهرم تأخذ من حقوق النقابات القاعدية، وتضعفها، وتضيق فرص وجود نقابات حقيقة تابعة لهذا الهيكل البيروقراطي الفاسد.

المسألة الثانية هي محاربة النقابات العمالية، خصوصًا القاعدية منها تحت مسميات تعطيل عجلة الإنتاج. وفي الحقيقة أن الفساد الذي يمارسونه، والذي تكشفه القيادات النقابية الشريفة هو الذي يعطل عجلة الإنتاج ويزيد البطالة وغيرها، ولعل أجمل ما يمكن أن أختم به هذا المقال هو ما أتى في حيثيات حكم محكمة القضاء الإداري، التي حكمت ببطلان بيع شركة المتحدة للتجارة: «من أن سياسات الخصخصة وسبل تنفيذها كان لها تأثير خطير على الاستثمار والبطالة وإهدار المال العام وشيوع الفساد، ثم على سيطرة رأس المال الأجنبي وتأثيره على متطلبات حماية الأمن القومي المصري، فقد أثرت سياسة الخصخصة على الاستثمار بقطع الطريق على تنفيذ استثمارات جديدة؛ حيث تحولت الاستثمارات إلى تمويل تداول أصول قائمة فعليا، وهو ما دفع الاقتصاد إلى الجمود والركود، وأهابت المحكمة حكومة ثورة الخامس والعشرين من يناير 2011، وطالبتها بأن تضع ذلك محل الدراسة والاهتمام بها، سعيًا نحو مجتمع العدالة الاجتماعية وحماية المال العام وتحفيز الاستثمار الجاد العامل على المشاركة في النهضة الاقتصادية ومحاسبة كل من أسهم في تجريف الاقتصاد القومي».








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كالامار: في غزة سقط عدد هائل من الضحايا وقتل أكبر عدد من الص


.. حديث السوشال | فتاة تطلب أغلى كعكة للتصوير.. ورد فعل غير متو




.. الإسرائيليون يتعاملون مع الشهيد -زاهدي- أنه أحد أركان غرفة ا


.. لماذا يلوّح اتحاد الشغل في تونس بالإضراب العام في جبنيانة وا




.. الشركات الأميركية العاملة في الصين تشكو عرقلة المنافسة