الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أين الإمبريالية ؟ ما هي العولمة ؟

عقيل صالح

2013 / 1 / 4
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية


( حول التطورات العالمية الراهنة )

يسعر و ينتفض و يثور بعض الكتبة حالما ننطق بكلمات مثل ((الامبريالية )) أو ((الرأسمالية )) , و كأنما لا يجوز لنا بتاتاً الحديث عنها أو الحديث عن التغيرات في تركيباتها .

قد قلت سابقاً و أكرر قولي , لا أستطيع كتابة مقال في فن النقد الرفاقي , تلك هي المشكلات الأولية التي يعاني منها بعض الكتبة , هي الفكرة السائدة و الثابتة أن من أجل مناقشة مسألة ما لا بد من الركوب على الخيل و رفع سيف الله و ذبح العدو .

الفقر الفكري , هو برأيي العامل الرئيسي الاول في جعل أي كاتب يسعر و يصرخ و يشتم مثل المجنون عندما نمسك أو نقترب من مفاهيم قد فهمها بشكل أعمى من دون أن يعلم ماهية تلك المفاهيم .

(( الامبريالية )) و (( العولمة )) قد أثارا نقاشات هائلة .هناك تعريفات كثيرة , تستحق النظر و الدراسة من أجل أن تكون لدينا نظرة أكثر قربا للواقع الراهن , و لكن ما الذي يعرقل هذا التحليل ؟ أليس من يسكبون الحبر سكباً في الشتائم و تكرار أعمى لمفاهيم لا يعرفونها ؟ تلك هي المشكلة الرئيسية التي نحن بصددها .

شيء واحد , لا أظن ان أحداً يستطيع نكرانه , هو أن بنيوية العالم قد تغيرت , خصوصاً بعد ثورات التحرر الوطني و بعد سقوط المنظومة الاشتراكية .

هناك الكثير ممن يمزج الامبريالية بالعولمة , بإعتبار ان هذين المفهومين متناسقين , و هذا الظن يعني أن هؤلاء لا يفهمون ما هي الامبريالية و لا العولمة , و فوق هذا , يعتبرون العولمة كحركة تحديثية للامبريالية و تطوراً للرأسمالية , من دون النظر إلى البنية الاجتماعية و الاقتصادية و السياسية و تحولاتها بعد ثورات التحرر الوطني و بعد سقوط المنظومة الاشتراكية .

هذه المسألة مهمة جداً , و لا بد للماركسيين المساهمة في النقاش حيال تلك المسألة لكي نرى بوضوح أكبر .

في القرن التاسع عشر كانت بريطانيا هي المهيمنة عالمياً , هي الدولة المحورية , و تغير هذا الشكل في مدخل القرن العشرين حيث أصبحت الولايات المتحدة هي الدولة المحورية و القوية .

الإمبريالية أساساً هي التوسع من أجل السوق , من أجل الهيمنة على قوة العمل , الرأسمالية لا يمكنها أن تبقى في جزيرة واحدة أو في الشكل الجنيني , بل هي دائماً تبحث عن التوسع . و بهذا , الإمبريالية هي توسع رأس المال عالمياً .

هناك من يجرد الإمبريالية من الرأسمالية و يحتفظ بالإمبريالية كقالب أو كناية عن التوسع العسكري و الهيمنة السياسية , فتجده يطلق على أي نظام له نزعات توسيعة بنظام إمبريالي من دون أن يحلل القاعدة الاقتصادية لتلك الدولة .

الإمبريالية تعني هيمنة رأسمالية عالمية من قبل عدة دول و على رأسهم دولة قوية و قاعدية و محورية . تلك القاعدة , تريد التوسع, فهي تباشر بالتوسع إلى قارات و مراكز اخرى , فبالضرورة الإمبريالية تعني رأسمالية عالمية , و بهذا لا بد من أن تكون أحتكارية .

العولمة , في الجانب الآخر , تلغي الخاصية الهيمنية و التوسعية العسكرية في الإمبريالية , بل هي شكل جديد لعلاقات دولية جديدة .

بالرغم من أن الولايات المتحدة تبدو حالياً منفردة و مهيمنة عالمياً , إلا أنها تجد لها منافسين مثل الصين , الولايات المتحدة لم تعد كالسابق , ثورات التحرر الوطني كسرت هذا القيد الامريكي العالمي , فالولايات المتحدة بعد خروجها من فييتنام فقدت خاصيتها التوسعية , و دخلت في ازمات اقتصادية عميقة .

فالعلاقات الدولية الحالية قائمة على اللاقومية , ليس هناك أي قاعدة مهيمنة واحدة , و الاقتصاد اصبح اقتصاداً عالمياً , أيّ , رأسمال بلا قاعدة محلية أو وطنية أو قومية .

العولمة أنشأت مفهوم الاقتصاد العالمي , أيّ , اقتصاداً يديره العالم , مصير العالم يرتبط بعضه ببعض , و هنا أود أشير إلى الكساد الكبير في 1929 , و لنر كيف اختلف العالم آنذاك و العالم اليوم , في 1929 تأثرت الدول المرتبطة بالولايات المتحدة – إرتباطاً اقتصادياً – بشكل هائل , فبسبب الإنهيار الذي حدث في الولايات المتحدة , هذا أدى إلى وقف الديون و المساعدات التي كانت تقدمها إلى ألمانيا , و بهذا دخلت ألمانيا إلى متاهات البطالة و الفقر , و بالمثل حدث في دول عدة و لكن ليس بالشكل الألماني , كل هذا في القطب الرأسمالي , بينما دول الاتحاد السوفييتي لم تتاثر مطلقاً من الكساد الكبير . هنا نرى أن في فترة الكساد الكبير لم يكن العالم مترابطاً بشكل وثيق , حيث الأزمات تحدث في مناطق معينة و تؤثر على حلفائها فقط , بينما يمكن لمناطق أخرى أن تتجنب تلك الأزمة . و لكن , بعد أن تحول العالم إلى " قرية عالمية " نجد أن الأزمة الاقتصادية في 2008 أثرت تقريباً على العالم كله بسبب الترابط و التحالف الاقتصادي الوثيق .

فهنا جلبنا نموذج صغير لمفهوم الاقتصاد العالمي , و كيف العالم مرتبط بشكل قوي اقتصادياً .

و من خلال هذا , نستطيع أيضاً أن نربط الربيع العربي بالعولمة , بالرغم أن البعض يقول أن الربيع العربي هو حدث إمبريالي – أعتقد مجازياً – و لكننا لا بد لنا من نظرة أقرب نحو هذا الحدث .

العالم كما قلت تحول من شكل الأقطاب , إلى ترابط و علاقات عالمية اقتصادية , و تلك الفكرة او النظرة لا تتحقق إلا بالشكل العالمي , و بعض أنظمة الشرق الأوسط تمنع هذا التدفق الاقتصادي من الوصول إليها , فلهذا لابد من إستبدال تلك الأنظمة بأنظمة أخرى تساعد في حركة الشريان الاقتصادي العالمي .

تلك الحركات , تقودها مفاهيم الليبرالية الجديدة العالمية تتكلم بأسم (( حقوق الإنسان )) و (( الديمقراطية )) و (( الحرية )) , تلك هي شعارات الربيع العربي .
تروج الليبرالية الجديدة - التي أضافت لنفسها نزعة اجتماعية كما نرى نماذج منها في سويسرا أو الدينمارك - تلك المفاهيم ليس من الناحية السياسية و حسب , بل الاقتصادية , حيث الليبرالية الجديدة تهدف ببناء دولة الرفاه , كما نرى في النرويج أو سويسرا على سبيل المثال , حيث تلك الدول ليست رأسمالية أو اشتراكية , بل هي كما تُعرف ألمانيا نفسها بأنها تتبنى (( اقتصاد السوق الاجتماعي )) .

فهنا نرى أن نصف الدول التي تقود حملة إمبريالية – كما يزعم - على الشرق الأوسط غير رأسمالية , و نجد أن مفاهيم مثل مؤمرات امبريالية لا تنفع في تحليل الوضع العربي الحالي .

النظرة الأقرب لسبب نشوب هذا الحدث – و ليكن في علم القارئ أنني لا أنفي دور الغرب في التغيير بل أشدد و أؤكد دوره – هي فتح تلك الدول –المغلقة - اقتصادياً من أجل توافقها مع الشكل الاقتصادي العالمي الراهن.

و فوق هذا , نجد كيف تلك التغيرات العربية تلائم طموحات العالم , بنشر مفاهيم مثل (( حقوق الإنسان )) و (( الحريات السياسية )) و (( الحريات الاقتصادية )) , و بهذا , تقدم المنظمات الحقوقية مساعدات لتلك الحركات, و فوق هذا , نجد منظمات حقوقية تنشأ في الدول العربية و لها ارتباط قوي بالمنظمات الحقوقية الغربية و العالمية , و هذا يدل على الشكل العالمي الجديد المتغير و المغاير للنظام العالمي القديم .

من المهم جداً أن نعلم أن العولمة تنفي التفرد و الهيمنة الأحادية , فبذلك هي تنفي وجود قاعدة اقتصادية واحدة تتوسع توسعاً إمبريالياً , و ثانياً , من المهم جداً أن يكون في الحسبان أن الإيديولوجية المهيمنة عالمياً هي ايديولوجية البرجوازية الصغيرة التي تعتبر بوقاً لمفاهيم مثل ((حقوق الإنسان )) و (( الحرية )) و ((العدالة الاجتماعية )) .

و أخيراً , لابد من أن نحدد موقفنا , و هذا التحديد بالطبع لا بد أن يتبلور تحت نقاشات كثيرة و تحليلات عميقة للأوضاع العالمية الراهنة , من أجل نظرة أثقب للشكل العالمي الحالي , في سبيل معرفة العمل الشيوعي .

عقيل صالح .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - الامبريالية و العولمة
سعيد زارا ( 2013 / 1 / 4 - 22:52 )
عزيزي صالح تحية لك

قرأت مقالتك بتأن فسجلت بعض الملاحظات منها ما يلي:

انني اتفق معك تماما في اعتمادك لازمة 1929 و مقارنتها بازمة 2008 مثالا لتقارن بين الامبريالية و العولمة لتبين انهما مرحلتان مختلفتان جوهريا .لكنني اختلف معك في نفس الوقت في تحليلك له.
تقوم الراسمالية على انتاج الفائض من السلع و العملية هذه تدفع بالراسماليين الى التوسع جغرافيا فتخضع تلك الفضاءات الجديدة كمحيطات لها اولا تمدها بالمواد الخام لخلق كميات هائلة من السلع , و ثانيا تكون منافد لتصريف ما فاض عليها من انتاج. ازمة 1929 هي ازمة فائض الانتاج الخاصة بالنظام الراسمالي و من الطبيعي جدا ان تنفلت الرقع الجغرافية التي لا تدور في فلك النظام الراسمالي من ازمتها.
اما ازمة 2008 فهي ازمة نقيضة لازمة 1929 فهي ازمة الشح في الانتاج حيث فر الانتاج الراسمالي الى المحيطات -اي ما يسمى بالعولمة- و هو الوضع الذي يبين انهيار الراسمالية الى مجتمع الاستهلاك و الرفاه الذي تقوده امريكا التي تستهلك اكثر مما تنتج. اما خطورة الازمة الحالية تتجلى في ارتباط اقتصاد المعمورة بدولارات زائفة تدعمها عملات اخرى.

و للنقاش بقية


2 - إلى الرفيق زارا
عقيل صالح ( 2013 / 1 / 5 - 00:51 )
أود أولاً أن أشكرك جزيل الشكر لمتابعتك و تعليقاتك التي بلا شك أعتز بها .

ثانياً , أتفق معك كلياً حول مسألة الرأسمالية و المجتمعات الاستهلاكية , فكما تفضلت , أن الانتاج الرأسمالي يعني فائض الإنتاج و ليس العكس , و اليوم نرى أن المجتمع الاستهلاكي هو الواقع . و بالإضافة إلى دليلك الذي قدمته - حول انهيار الرأسمالية - أود أن أشير أيضاً أن الرأسمالية لا يمكنها أن تتنفس من دون مراكز عالمية , و ثورات التحرر الوطني بلا شك فككت الامبريالية و جردتها من مراكزها العالمية , و هذا يعطي دليل آخر على أنهيار الرأسمالية .

فأنا في هذه المقارنة أردت فقط أن أقارن بين العالم آنذاك و العالم اليوم .

أود أخيراً أن أشكرك لتعليقك القيم هذا , و الذي بلا شك مثمر للموضوع الذي نحن بصدده .

تحياتي , محبتي و مودتي .



3 - الفائض وما ادراك ما الفائض
محمد البدري ( 2013 / 1 / 5 - 02:25 )
تحية وشكر للاستاذ عقيل للتوسع والغوص في المفاهيم، واتفق ان الفائض كما جاء في التعليق الاول سببا لكنه ليس بالضرورة الوحيد في نشأة الامبريالية فالعمل عبر النظام الراسمالي له قيمة مضافة في طبيعته عن باقي انماط الانتاج وهو التطور والابداع والاختراع كصفة ملازمة للفكر العلمي المرتبط بالضرورة بالراسمالية. فالفائض لم يكن متاحا بهذا الشكل الغزير الحالي في ظل الانماط القديمة لهذا فالامبريالية كاحدي منجزات الراسمالية ومعها العلم في آن واحد لها اب شرعي آخر بجانب الفوائض التي تحتاج الي اسواق لتصريفها. الري وقدرة الارض ومن قبلها القوة العضلية للعبيد والحيوانات المدجنة لها حد اقصي في الانتاج وبدون العلم لم يكن ممكنا تجاوز الاخيرة او تطوير الاولي. وتبقي المشكلة لكل من يقاوم العولمة كيف يمكن استئناسها ليكون جزءا منها وتعود عليه فوائض بسببها. وهنا علينا بالبحث في الثقافات التي تعرضت للعولمة عبر التواصل بكل الااشكال وايها غير قادرة علي امتصتص العلوم وتعزيز قوة العمل لديها بدلا من اقامة المآتم علي من لا يريدون ان يكونوا جزءا من العالم خوفا علي مخلفاتهم الثقافية. تحية لك مرة أخري وتقدير.


4 - الى السيد البدري
سعيد زارا ( 2013 / 1 / 5 - 11:54 )
السيد البدري تحية

لم يكن بامكان الراسمالية ان تستمر منذ ظهورها الى سبعينات القرن الماضي لتصبح نمطا عالميا لولا تثويرها المستمر لادوات الانتاج و متاجرتها في قوى العمل-بلترة المجتمع-

و تثوير ادوات الانتاج هو رحم تقدم معارف و علوم الانسان.





5 - مسألة الثقافة , إلى الرفيق البدري
عقيل صالح ( 2013 / 1 / 5 - 14:08 )
شكراً على مرورك و مساهمتك في النقاش ..

أريد أن أمسك المسألة الثقافية التي طرحتها في تعليقك , حيث قام الرفيق زارا بإعطاء شرحاً وافياً و رداً على أطروحتك الأولى .

العولمة تنفي مسألة الدويلات الصغيرة ذات ثقافة مغايرة عن الثقافة العالمية , و لنمسك مشروع الاتحاد الخليجي على سبيل المثال , الاتحاد الخليجي - إذا تم - سيجعل العالم يتعامل مع الخليج ككتلة واحده , أيّ , كيان واحد , و معاملة واحدة . لن تبقى معاملات مختلفة للبحرين و قطر و عمان على سبيل المثال , فالدول الخليجية الست سيتم التعامل معها اقتصادياً و سياسياً بشكل واحد , و لكن هذا لم و لن يحدث بدون تهديد كياني , حيث التهديد الإيراني الخارجي أدى إلى تكوين مشروع الاتحاد الخليجي . و لهذا نرى أن المنظمات العالمية و الحقوقية إلخ تعمل بكل جهد لإطاحة معظم دول شرق الأوسط من أجل أن تكون متوافقه مع النظام العالمي الجديد .

أما بالنسبة إلى الإمبريالية و الرأسمالية فهي تطور وسائل الإنتاج و أدوات الإنتاج بشكل كبير و بهذا تستطيع أن تحصل على حجم كبير من فائض القيمة .

أكرر شكري لك , تحياتي


6 - الشكر لعقيل صالح
فؤاد النمري ( 2013 / 1 / 5 - 16:33 )
بغير اتفاقي مع رفيقنا الماركسي الضليع سعيد زارا
فإنني أود أن أشكر الرفيق عقيل صالح لطرحه أهم مسألتين لا بد من بحثهما بحثاً علمياً وموضوعياً لارتباطهما الوثيق بالاستراتيجية والتاكتيك الشيوعيين وهما الإمبريالية والعولمة
تحياتي الحارة للرفيق عقيل صالح


7 - إلى الرفيق فؤاد النمري
عقيل صالح ( 2013 / 1 / 5 - 19:30 )
رفيقنا العزيز فؤاد النمري , أشكرك على مرورك و تعليقك ..

و انا بدوري أود أن أشكرك على المقالات المثمرة التي تنشرها , خصوصاً حول انهيار الرأسمالية .


تحياتي .


8 - إلى الرفيق النمري
عقيل صالح ( 2013 / 1 / 5 - 20:26 )
لا أدري لماذا تم عدم نشر تعليقي , بالرغم أنه لا يحتوي على أشياء مخالفة !!


سأعيد كتابة التعليق :

أشكرك رفيقنا العزيز فؤاد النمري على مرورك و تعليقك ,

فأنا بدوري أود أن اشكرك على مقالاتك المثمرة و المفيدة التي تنشرها , خصوصاً حول أنهيار الرأسمالية .

أكرر شكري , تحياتي رفيقي العزيز .

اخر الافلام

.. ماهر الأحدب: عمليات التجميل لم تكن معروفة وكانت حكرا على الم


.. ما هي غايات الدولة في تعديل مدونة الاسرة بالمغرب؟




.. شرطة نيويورك تعتقل متظاهرين يطالبون بوقف إطلاق النار في غزة


.. الشرطة الأرمينية تطرد المتظاهرين وسياراتهم من الطريق بعد حصا




.. كلمة مشعان البراق عضو المكتب السياسي للحركة التقدمية الكويتي