الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ليس هناك إله .. لكنه وعدنا بأرض

عُقبة فالح طه

2013 / 1 / 6
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


ليس هناك إله .. لكنه وعدنا بأرض

تدعي الحركة الصهيونية التي سعت منذ مؤتمرها الأول في مدينة (بازل) السويسرية عام 1897 أن من أول مستنداتها التي ترتكز عليها في سعيها لإقامة (وطن قومي) لليهود في فلسطين هو " الوعد الإلهي" الذي منحه الرب لإبراهيم النبي، رغم أن قادة هذه الحركة الصهيونية الاستعمارية هم في أغلبهم علمانيون، وبالكاد يؤمنون بوجود رب، إلا أنهم ارتكزوا إلى نصوص دينية تتناقض في الغالب مع وقائع التاريخ حيث يمكن حصر أصول الوعد الإلهي للآباء في أربعة أصول تتضمن لبساً وتناقضا واضحين:
أولا: الوعد بالأرض، بمعنى الوعد بالاستقرار لقبائل البدو الرحل التي كانت تطمح للسكنى، وعليه فإن هذا الوعد الإلهي يمثل جزءا من الإرث الديني والروائي لعدة قبائل بدوية متباينة، وليس لقبيلة واحدة.
ثانيا: إن هذا الوعد الموجه للرحّل لم يكن الغرض منه الغزو السياسي أو العسكري لبلد بأكمله، بل الاستقرار في منطقة محددة.
ثالثا: إن الوعد المعطى للآباء والذي تحدث عنه سفر التكوين، لم يقطعه (يهوه) " الرب الذي دخل فلسطين مع مجموعة الخروج"، ولكن الرب الكنعاني (إيل) والرب المحلي هو مالك الأرض، وهو الذي يملك وحده حق منح الرحّل الاستقرار في أراضيه.
رابعا: عندما تجمعت قبائل الرحّل لتشكل شعب (إسرائيل)، فإن الوعود القديمة كانت بمثابة أهداف قد تحققت، ومن ثم بدأ والوعد يتخذ أبعادا سياسية وعسكرية (قومية)، وبناء على ذلك فإن الوعد بعد إعادة تفسيره فُهم على أنه التجسيد المسبق للغزو النهائي لفلسطين، وكإعلان وإضفاء للشرعية على مملكة داود.
متاهة الوعد الإلهي:
إنه ومن خلال تناول قضية "الوعد الإلهي" الذي اعتمده التوراتيون كمستند تاريخي، نجد أنّ العهد القديم أدخل نفسه في متاهة لا يمكن حلها: فالرب قال لإبرام مرة:" أذهب إلى الأرض التي أريك" ولم يحدد له في الأمر فلسطين، وكان إبرام راعياً للمواشي، لذا كان عليه البحث عن مرعى، ولما كان لم يجده، فإن الرب ظل حائراً في البدء، خرج إبرام من حاران إلى كنعان، وعند بلوطة مورة قال الرب:" لِنَسْلِكَ أعطي هذه الأرض من نهر مصر إلى النهر الكبير نهر الفرات "ومع أن إبرم رفض البقاء فيها، وتابع سيره إلى مصر، مما يدل على أن هذا الوعد رُكب لاحقاً على لسان الرب، بدليل أن التوارة أكدت أن إبرام تغرب في أرض الفلسطينيين أياماً، " فقال لإبرام: اعلم يقينا أن نسلك سيكون غريبا في أرض ليست لهم ويُستعبَدون لهم".
ومن العجيب أن اليهود و(إبرام) لم يكونوا يعرفون اسم هذا الرب، وانتظروا حتى مجيء موسى ليعرفوا اسمه، " فقال موسى للرب ها أنا آتي إلى بني إسرائيل، وأقول لهم إله آبائكم إليكم فإذا قالوا لي ما اسمه، فماذا أقول لهم؟ فقال الله لموسى:" أهيه الذي أهيه"، وبرر عدم معرفة إبرام باسمه، فقال: "وأما اسمي فلم أعرف عندهم" فكيف يمكن لهذا الرب الذي لا يعرفون اسمه، أن يُسّمي لهم فلسطين في وعده، وينسى اسمه هو؟ والأشد من ذلك أن العهد القديم نفسه تحدث عن أنّ يعقوب لم يكن يعرف اسم الرب، فكيف عرف بوعده لليهود بفلسطين؟ "ودعا يعقوب اسم المكان الذي فيه تكلم الله معه بيت إيل". و"إيل" إله كنعاني عبده الآراميون والأوغاريثيون.. ثم كلم الرب إبرام "إبراهيم" قائلاً:
"ارفع عينيك وانظر من الموضع الذي أنت فيه كل الأرض من الموضع الذي أنت فيه شمالاً، وجنوباً، وشرقاً، وغرباً لأن جميع الأرض التي أنت ترى لك أعطيها، ولنسلك إلى الأبد ".
وعد الرب يحتاج إلى موافقة دولية لتنفيذه
ومن العجيب أن "الوعد الإلهي" لبني إسرائيل يحتاج إلى موافقة دولية لتنفيذه، فالوعد الذي صدر عن الرب رسخته بريطانيا في الثاني من تشرين الثاني عام 1917 على لسان (بلفور)، كما سعى اليهود إلى تعزيزه بموافقة الحكومة الفرنسية عليه، حيث تمت هذه الموافقة بالفعل بتاريخ 14 شباط 1918 وكذلك وافقت عليه الحكومة الإيطالية.
التوراة تشهد بفلسطينية الأرض تارة وكنعانيتها أخرى
إن التوراة في حديثها عن تلك المرحلة تتحدث عن سكان فلسطين بعبارات " شعب الأرض" و" كان الكنعانيون حينئذٍ في الأرض"، و"أرض كنعان" و"أرض الفلسطينيين" حتى أنّ إبرام اضطر لشراء قبر أو أرض بمساحة قبر من عفرون... لدفن زوجته الميتة. فهل يحتاج من وعده الرب كل الأرض لشراء قبر لزوجته من عفرون؟
تناقض التوراة مع العلم والتاريخ

ممّا قاله الباحث الفرنسي (موريس بوكاي): "وجدت مقولات في الكتاب المقدس لا يمكن التوفيق بينها وبين أكثر معطيات العلم رسوخاً في عصرنا وأيضاً: "قليل من الموضوعات التي يعالجها العهد القديم تسمح بالمقابلة مع معطيات العلوم الحديثة، ولكن عندما يحدث تعارض بين نص التوراة والعلم فإنه يجيء في مسائل نستطيع أن نصفها بالمهمة" ، وأيضاً: "توجد في العهد القديم روايات مختلفة في موضوع واحد، وأخطاء تاريخية وأمور متناقضة، وأخرى غير معقولة أو يستحيل أن تتفق مع المعطيات العلمية الثابتة". وقد نقل موريس بوكاي عن عدد من النقاد الأوربيين اللاهوتيين أقوالاً تبين مواقفهم تجاه الأخطاء العلمية في نصوص العهد القديم".
ومن خلال نصوص " العهد القديم "، يمكن استخلاص الإثباتات التاريخية التالية:
أولاً: إن الشعب العبري كان شعباً بدوياً يعتمد على الترحال لرعاية المواشي، وإن رواياته مجرد أساطير معهودة لدى الشعوب البدوية.
ثانياً: إن الشعب العبري لم يكن مؤهلاً حضارياً لتقبل قيام وطن محدد له، لذا تحدث عن أراضٍ شرقاً وغرباً وشمالاً وجنوباً، من دون تحديد.
ولقد سجد إبرام لعفرون.. لأنه أعطاه أرضاً صغيرة لدفن زوجته ـ بحسب نص التوراة ـ وهو ما يضطر أن العبودية كانت نمطاً في الشعب اليهودي.. لذلك لم يجد التوراة حرجاً من تصوير سجود إبرام لعفرون، مع أن إبراهيم ـ عليه السلام ـ مختار من الله، وعفرون مجرد فرد من الغوييم.
ثالثاً: إن هناك ثمانية نصوص مختلفة في «الوعد الإلهي» أوردتها التوراة، وهو دليل على كذبها وزيفها، لأنها لو كانت من الرب لما كان بينها اختلاف.
رابعاً: أظهرت التوارة من خلال الحديث عن إبرام، ودون قصد أن الشعب الفلسطيني كان راقياً، وله حضارة اجتماعية وخلقية تقول التوراة:" إن عفرون.. وهب لإبرام أرضاً لدفن زوجته دون مقابل.. مما جعل إبرام يسجد بين يديه، إن مسألة السجود إيحاء بيّن، وصورة صادقة لما كان عليه الشعب العبري من دونية وانتقاص، والشعب الفلسطيني من سمو وتعامل اجتماعي متطور، وهو دليل على حضارة ورقي، لأن بلوغ هذه المرحلة التعاملية يتطلب تكاملاً اجتماعياً أدائياً واسعاً.
تناقض التوراة المدعوم بالتزوير
ومن مظاهر التزوير والخداع ، ادعاء الصهيونية بأن فلسطين، هي الأرض الموعودة، وهي مسرح التوراة، وهي الحاضنة الطبيعية للديانة اليهودية ! ورغم فشلهم الذريع في إثبات هذا الأمر وهم ينبشون في تراب فلسطين منذ أكثر من قرنين من الزمان مزودين بكل ما يخطر على بال من إمكانيات تكنولوجية ، وملايين الدولارات ،
وأدعية الحاخامات ، وقد أخرجت أرض فلسطين كل أسرارها ، ولم يعثر على أثر واحد لكل ما ذكر في التوراة ، لا قصور ولا ممالك ولا ما يحزنون ، وبقيت أرض فلسطين وفية حتى النهاية، رغم أن بعض أبنائها قد غيروا جلودهم ، المهم أن كل الحضارات التي مرت على فلسطين نعرفها جيداً ويمكن تزمينها بدقة ، وأبرز هذه الحضارات هي الحضارة الكنعانية والحضارة الفلسطينية، حتى إنسان ما قبل التاريخ كان حاضرا بأدواته البدائية ، ليكون شاهد على فضيحة الهدهد هذه . فجن جنونهم وبدأوا يمارسون الكذب علانية ، مستفيدين بالدرجة الأولى من غياب الطرف العربي ، وصمته المريب ، ومستفيدين من بعض أطروحات الفقه الإسلامي البائسة من نوع " العلو الثاني " و " الوعد الإلهي " وهم يوظفون كل ما في حوزتهم من إمكانيات لتزوير التاريخ وإعادة كتابته كما يريدونه ، سينما ، موسيقى ، قصص ، أفلام كرتون ، سياحة ، طبيخ ، كل شيء ، كل شيء والعرب ، أين العرب من كل هذا ؟ يؤسفني أن أقول أن رد الفعل العربي كان الغياب التام ولا شىء غير الغياب ، بل أخطر من ذلك نحن ، العرب ، مارسنا بغباء لا نحسد عليه ترديد بعض المقولات التوراتية ، وهي كثيرة جداً ومخزية في حق ثقافة عريقة كثقافتنا العربية.
تشكيك بعض علماء اليهود والنصارى في التوراة :
إنّ جمهـور العلمـاء والباحثين من القدماء والمحْدَثين -بما فيهم اليهـود والنصـارى- يرجحـون أنّ كاتـب التـوراة الحالية هو الكاهن عزرا، الـذي قـام بتلفيقهـا وجمعهـا من مصادر مختلفة متباينة، وساعده في ذلك بعـض الكهنـة الذيـن عملـوا تحـت رياسـته وتوجيهـه، وتمّت الكتابة بعد عـودة اليهـود مـن الأسـر البابـلي الـذي حـدث لهم بعد وفاة موسى عليه السلام بمئات السنين، والذي جعل هؤلاء العلماء الباحثين يكتشفون ذلك: لغة التوراة وعباراتها، وعدم إتقان الكتبة لعملية التلفيق والتغيير والتحريف. وقد اعترفت بهذه الحقيقة الموسوعة اليهودية، ودائرة المعارف الأمريكية التي قالت: إنّ الكتبة قد غيّروا بقصد وبدون قصد في الوثائق والأسفار اليهودية التي كتبوها على مدار الفترة من القرن الحادي عشر قبل الميلاد إلى القرن الأول بعد الميلاد، ولم تصلنا نسخة المؤلف الأصلي لهذه الأسفار. ويقول الدكتور اليهودي (آرثر روبين) أستاذ علم الاجتماع بالجامعة العبرية في القدس: إنّ علماء الكتاب المقدس كلهم مجمعون على أنّ العهد القديم جرى وضعه خلال وبعد النفي إلى بابل. وصرّح بهذا أيضاً جمع من علماء اليهود القدامى، منهم: صموئيل ابن يهوذا (ت570هـ) والذي تسمّى بعد إسلامه بـ" السموأل بن يحيى المغربي" -حيث وضع كتاباً قرّر فيه هذا الاعتقاد، مدعماً بالأدلة والبراهين . ومنهم: (أوربيل اكوستا 1585-164م) الذي اتهم الأحبار والكهان بتحريف الكتاب الذي أنزل علـى موسـى وصرّح بأنّ التوراة الحالية مليئة بالتناقض بين نصوصها. ومنهم: الفيلسوف اليهودي (باروخ سبينوزا 1632-1677م) الذي تعمق في دراسة الفكر اليهودي وخرج بنتيجة واحدة وهي: أنّ أسفار التوراة وبقية أسفار العهد القديم لدى اليهود ليست لها علاقة بموسـى بـل كتبـت بعـده بقـرون عديـدة، وأنّها ليست وحياً إلهياً مباشرة. ويقدّم لنا الباحث (توماس طومسون) في كتابه " التاريخ القديم للشعب "الإسرائيلي" نموذجاً آخر من المؤرخين الغربيين الذين يفضحون التزوير التاريخي لـ"إسرائيل" القديمة، ويعتمد "طومسون" على نظرية العالم الألماني "ويلها وزن" في الفرضية الوثائقية التي ترى أنّه يجب فهم ( المصادر الأربعة، وهي:الوثائق اليهودية، والوثائق الألوهية، والتثنية، والقانون الكهنوتي). للإسفار الخمسة الأولى من العهد القديم- التوراة- على أنّها وثائق أدبية تم تأليفها وقت كتابتها، وفي فترة متأخرة عن الأحداث الواردة فيها بمئات السنين، وهي انعكاس صادق لفهم ومعرفة مؤلفيها وعالمهم، وعلى هذا فلا يمكن اعتبارها تاريخاً يعتد به، كما أنّه لا يمكن الاستفادة منها لإعادة تشكيل تاريخ إسرائيل القديم، والأحداث التي وردت فيها لا تؤيدها البراهين من الاكتشافات الأثرية، أو المصادر الأجنبية غير اليهودية.
تناقض رواية التوراة مع رواية القرآن:
في حديث اليهودية عن "أرض الميعاد" حديث عن " الوعد الإلهي" أولا لإبراهيم وثانيا لموسى، وإذا كنا ندرك أن موسى هو من اقترنت اليهودية باسمه، فإنه لا شأن لليهود بإبراهيم. حيث يقول الله في القرآن:" يا أهل الكتاب لم تحاجون في إبراهيم وما أنزلت التوراة والإنجيل إلا من بعده".
كما أن الرواية القرآنية لا تحتوي أي دعم للرواية التوراتية، بل تخالفها في بعض المواقع واستفادت الصهيونية من هذه الروايات، واعتمدت على عقلية مغلقة متزمتة لدى اليهود لتقدم لهم مغالطة معرفية جديدة، وهي أن اليهود الحاليين هم أحفاد الذين هاجروا مع النبي موسى من مصر، وعليه فإن اليهود يشكلون شعبا ينحدر من عرق واحد هو (العبرانيين). إذن فلا بد أن يكون هناك تزوير في الرواية فكيف بكتابين من أعمال الله الكاملة ( التوراة والقرآن) يناقضان بعضهما إن كان مصدرهما واحد؟
لقد حاولت الصهيونية خلق قومية جديدة على أساس ديني هش وتاريخ مزور، ويتضح من واقع الكيان الصهيوني حاليا مقدار عدم كفاية الديانة اليهودية بحد ذاتها لإنشاء دولة حيث بدأت التناقضات تظهر بين الأعراق المختلفة في ذلك الكيان حتى وصلت حدودا غير مسبوقة مؤخرا.
المراجع والمصادر:
1) الزغبي، فتحي محمد. تأثر اليهودية بالأديان الوثنية، القاهرة: دار البشير للثقافة والعلوم الإسلامية، 1994.
2) الزغبي، فتحي محمد. إفحام اليهود، تحقيق وتعليق د. محمد عبد الله الشرقاوي، القاهرة: دار الهداية، الطبعة الأولى 1986.
3) توماس طومسون: التاريخ القديم للشعب "الإسرائيلي"، ترجمة صالح علي سوداح، مكتبة بيسان- بيروت- 1995.
4) المطعني، عبد العظيم. الإسلام في مواجهة الاستشراق العالمي. المنصورة: دار الوفاء للطباعة والنشر والتوزيع، ط2، 1992
5) كتانة، جميل. قراءة نقدية في كتاب "اختلاق إسرائيل القديمة - إسكات التاريخ الفلسطيني". موقع عرب 48 6/3/ 2008
6) برج، محمد عبد الرحمن. تحالف الصهيونية والاستعمار.. مقدماته ونتائجه. القاهرة: المؤسسة المصرية العامة للتأليف والترجمة والطباعة والنشر، 1964.
7) بوكاي، موريس: القرآن والتوراة والإنجيل في ضوء المعارف الحديثة. دار المعارف، مصر 1979.
8) جارودي، روجيه. الأساطير المؤسسة للسياسة الإسرائيلية. ط1،(ترجمة دار الغد العربي)، القاهرة: دار الغد العربي، 1996، ص37-38.
9) محمد، عصام. " افتراءات الوعد الإلهي عند التوراتيين" . صحيفة الجمهورية السورية، الأحد 17 يناير-كانون الثاني ،2010 .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. لابيد: كل ما بقي هو عنف إرهابيين يهود خرجوا عن السيطرة وضياع


.. عام على حرب السودان.. كيف يعرقل تنظيم الإخوان جهود الحل؟ | #




.. خالد الجندي: المساجد تحولت إلى لوحة متناغمة من الإخلاص والدع


.. #shorts yyyuiiooo




.. عام على حرب السودان.. كيف يعرقل تنظيم الإخوان جهود الحل؟ | #