الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الحوار التركي- الكوردي. الواقع والتحديات

زيرفان سليمان البرواري
(Dr. Zeravan Barwari)

2013 / 1 / 12
السياسة والعلاقات الدولية


ان تاريخ العنف المسلّح في تركيا بين الكورد والحكومات التركية المتعاقبة تعود جذورها الى أسباب تاريخية وثقافية أفرزت حالة العنف والكفاح المسلح بين الطرفين ، فالدولة التركية الحديثة نشأت على اساس القومية وحدة العنصر التركي ، مما شكّلت تهديداً واضحاً على الطبيعة المتعددة للامبراطورية العثمانية ، واثّرت سلبا على حقوق الاقلِّيات غير التركية في المنطقة ، فقد سمَّت الاكراد بـ( اتراك الجبال ) رغم الجهود الكوردية في تحرير تركيا الحديثة من الاحتلال الغربي .

التاريخ يحمل في طياته الكثير من الانتهاكات التي تعرضت لها الكورد في ظل الحكم العسكري للدولة التركية الحديثة ، بل وحاربت الحكومات التركية الكورد بصورة منهجية منظمة ، فقد حضّرت في الدستور على الكورد من تشكيل احزاب سياسية او التعبير عن حقوقهم السياسية ، ومن ثم تطوّر الغطرسة التركية الى التشكيك في تواجد الكورد ، ثم حرمانهم من حقوقهم الاجتماعية والثقافية والاقتصادية ، واستمرت الاساليب التركية الى بداية الثمانينيات الامر الذي أجرّ الكورد على التفكير بالحل العسكري والكفاح الثوري للمطالبة بحقوقهم المشروعة ، الامر الذي افرز حالة العمال الكوردستاني الذي اتخذ من الايدولوجية الاشتراكية منهجا سياسيا وثوريا في الوقوف بوجة الدولة التركية ، ونظراً لكون الايدولوجية الثورية الاسلوب الامثل في فترة الحروب الباردة تمكَّن العمال الكوردستاني من الوصول الى الطبقات المختلفة في المجتمع الكوردي ، والتمتع بشعبية جماهيرية خلال فترة قياسية مما تحول الحزب الى ممثل الشعب الكوردي في تركيا والناطق باسمه ، وذلك جرّاء سياسات التعسف الذي تبنتها الحكومات التركية تجاه الكورد .

والجدير بالذكر هنا ان العملية الديمقراطية والممارسة السياسية في تركيا لم تكن وفق معايير ديمقراطية ودستورية ، ليس بالنسبة للكورد فحسب ، وانما بالنسبة للاطراف السياسية الاخرى التي تبنت منهجا مختلفا عن مبادئ الدولة التركية ، كالاحزاب الاسلامية والاحزاب الشيوعية التركية .

فالنظام السياسي في تركيا رغم وجود مؤسسات الدولة الحديثة وتوفر الدستور إلاّ أن الاختلال في النظام السياسي كانت الصفة الغالبة على المشهد التركي ، وذلك لتحكم العسكر بالمعادلات السياسية في البلاد ، والتدخل السلبي للعسكر في الحياة السياسية . وما الانقلابات المتكررة في تركيا في منتصف الستينيّات وبداية الثمانينيّات الا تعبير واضح على تلك التدخل والاختلال في العملية السياسية في تركيا .

فالديمقراطية التركية كانت الى عهد قريب اسيرة التدخل العسكري وأحكام المحكمة الدستورية التي رأت في نفسها الساهرة على مبادئ أتاتورك والدولة التركية الحديثة ، فالعسكر والمحكمة التي عملت تحت تأثير العسكر كانتا المعوقتين الاساسيتين أمام التنمية الديمقراطية ، وفي نفس الوقت أمام حل القضية الكوردية في تركيا بالطرق السياسية والدبلوماسية ، مع كل ذلك إلا ان التغيير السياسي في تركيا في بداية 2002 ولحد الان قد غيرت الكثير من المعطيات في الداخل التركي ، وفرضت رؤى سياسية لم تكن موجودة حتى في الخيال السياسي للمواطن التركي ، مما أفسح المجال أمام سياسات مرنة تجاه مختلف القضايا من ضمنها القضية الكوردية .

فصناع الساسة في أنقرة توصلوا الى فرضية ان القوة ومفهوم السياسة الصلبة لن تخدم مشاريع التنمية في تركيا ، ولن تحل المسالة الكوردية في تلك البلد.

ان الحكومة التركية في ظل العدالة والتنمية ترغب في ايجاد حل للمسالة الكوردية كونها المسالة الاساسية التي تعيق تطور التنمية الديمقراطية في تركيا ، كما انه من الصعب تحقيق رؤية العدالة والتنمية ومشروعها المعروف ب 2023 من دون ايجاد حل سياسي للقضية الكوردية .

وفي ظل المحاولات المتكررة من قبل العدالة والتنمية باتجاه الحل السياسي اصطدمت تلك المشروع بالمصالح السياسية لبعض الاطراف في المعارضة التركية ، بل والاخطر في الامر استخدام القضية الكوردية كورقة ضغط في التسابق الانتخابي بين الاحزاب التركية ، مما اخفقت جهود الحل وتحوّلت القضية من قضية محورية تهدد الاستقرار السياسي والديمقراطي في تركيا الى قضية ثانوية في أروقة السياسات الضيقة لبعض الاطراف على حساب اطراف اخرى .

فالحديث عن الحوار بين الحكومة التركية وزعيم حزب العمال الكوردستاني في الوقت الراهن تعد تطورا ملحوظا في الخطاب التركي والسياسة التركية تجاه الكورد ، لانه حتى وقت قريب لم يكن ( عبدالله اوجلان ) إلاّ زعيم مجموعة إرهابية في النظرة الرسمية للساسة الاتراك ، واليوم يلتقي ( اوجلان ) بالممثلين في السلطة التشريعية من المناطق الكوردية .

الحديث عن مفاوضات السلام بين الجانبين في الوقت الراهن افرزتها الكثير من العوامل وابرزها :

1- التغيير السياسي في المنطقة :

إن التغيير السياسي في الشرق الاوسط جرّاء الربيع العربي قد افرض اجندة وسياسات طارئة على الدول والتنظيمات السياسية في المنطقة ، وذلك بسبب التغيير في موازين القوى وتغيير دور اللاعبين الاقليميين في المنطقة ، فالازمة السورية وسيطرة الحزب العمال الكوردستاني سياسيا وعسكريا على المناطق الكوردية في سوريا قد فرضت على تركيا حقيقة جديدة مفادها محاصرة الحدود التركية بالتواجد العسكري للعمال الكوردستاني ، مما افرزت حالة الضغط على انقرة وقللت من بدائلها في البعد الاقليمي ، لذلك ترى تركيا ان الضرورة تتطلب استعاب الحقيقة الجديدة والتعامل بعقلية مرنة وتبني سياسة واقعية قائمة على اساس الوقائع ، وهذا يعني ان تركيا بحاجة الى الحوار مع العمال الكوردستاني لجنب استخدامها من قبل اطراف دولية اخرى، او التاثير على غرب كوردستان في تبني خيار الاستقلال مما يخلف كيانين كورديين مستقلين على الحدود التركية ، وهذا ما لا يرغب فيه الاتراك ، وفي نفس الوقت يرى العمال الكوردستاني ان الواقع السياسي في الشرق الاوسط سوف تتحكم بها دول اقليمية لديها اوراق التاثير السياسي ، والدولة التي لديها اوراق مختلفة وعلاقات استراتيجية يمكن استخدامها في الضغط على العمال الكوردستاني هي تركيا ، من خلال فتح جبهة مشتركة ضده ، خاصة ان النظام السياسي في سوريا الجديدة ستكون حليفة استراتيجية لانقرة .

2- الاصلاح السياسي ومشاريع التنمية التركية :

ان التغيير السياسي والاقتصادي الواسع في تركيا فرضت على الساسة الاتراك التفكير بنوع من الواقعية السياسية ، وتبني سياسة اقتصادية قائمة على صناعة الحلفاء وبناء شبكة علاقات استراتيجية في المنطقة ، بحيث توفر للدولة التركية اوراق سياسية تمكّنها من التحكم بالسيطرة والريادة في المشهد الشرق الاوسطي .

المسالة الكوردية في الرؤية الاستراتيجية لحزب العدالة والتنمية تعد القضية المحورية التي تتطلب حلها لتحقيق النهضة التركية في كافة المجالات ، وفي نفس الوقت تحاول الحكومة الحالية صنع انجاز سياسي لها على مستوى الوطن من اجل الاحتفاظ بمركزهم في الانتخابات القادمة والحلول دون استخدام الورقة الكوردية في الانتخابات القادمة من قبل احزاب المعارضة امثال ( MHP ) و ( CHP ) وهذا في حد ذاته استراتجية عقلانية سوف توفر للعدالة والتنمية تأيدا جماهيريا ، وذلك لان الحرب قد أرهقت كاهل المواطن التركي .

والتحديات بوجه المفاوضات تكمن في المرونة والتنازلات السياسية لكلا الطرفين، فالعدالة تواجه نقدا من المعارضة وهي بدورها قلقة من اساءة استخدام ورقة المفاوضات ضدها في الانتخابات القادمة، خاصة وان لديها مشروع للفوز بالانتخابات القادمة، وكذلك هناك ضغط من قبل المجموعات المتطرفة داخل العمال الكردستاني وهذه المجموعة تسعى للاستمرار بالعنف كون الحرب السوق المثمر لتجارتهم، والعامل الاخير ستكون عملية اغتيال الناشطات الكرديات في باريس وما تحمله تلك العملية من اجندة خفية , الا ان القناعة بعدم جدوى الحرب كفيلة لانجاح المفاوضات والوصول الى سلام حقيقي بين الطرفين قائم على اساس المصلحة المشتركة. لذلك ارى بان المرحلة القادمة سوف تشهد مفاوضات جدية بين العمال الكوردستاني والحكومة التركية ، الا ان عنصر الوقت والارادة تعدّان العاملان الاساسيتين في نجاج المفاوضات وتحقيق السلام والتنمية للجميع .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تفكيك حماس واستعادة المحتجزين ومنع التهديد.. 3 أهداف لإسرائي


.. صور أقمار صناعية تظهر مجمعا جديدا من الخيام يتم إنشاؤه بالقر




.. إعلام إسرائيلي: نتنياهو يرغب في تأخير اجتياح رفح لأسباب حزبي


.. بعد إلقاء القبض على 4 جواسيس.. السفارة الصينية في برلين تدخل




.. الاستخبارات البريطانية: روسيا فقدت قدرتها على التجسس في أورو