الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أنين ( قصة قصيرة من نسج الخيال )

سونيا ابراهيم

2013 / 1 / 15
الادب والفن


اليوم هو ذكرى زواج زوجي .. ليست مناسبة يحتفل بها زوجي مع أي امرأة منا .. نحن زوجتين .. و أنا كنت أولهن .. وكان اسمي أنين .. عندما تزوج امرأته الثانية في ذكرى زواجنا الثاني .. صديقته منذ أيام الدراسة ، وأذكر الآن كيف أنه فاجئني بتلك الزيجة .. وما عدت أتفاجأ كثيراً بعدما ذكر خطط زواجه من امرأة ثالثة ، وثم رابعة ..
كنا ما زلنا نقيم في بيت جده القديم ، وهو يحاول أن ينقلني إلى بيت آخر لم ينته من بنائه لكثرة الديون ، التي تكلف بها زواجه الجديد .. وعلى عكس جارتي ، كنت أفضل أن أغلق باب حجرتي ، ولا أدعه مفتوحاً أمام الأطفال .. كنت ما زلت أريد أن أحتفظ به لنفسي ..
أما هي فكانت تفضل أن تُبقي باب حجرتها مفتوح ، وهو يدعها تداعب ذقنه الطويلة ، ومن ثم يتابع قراءة المصحف .. وكانت ابنتي الصغرى تناديني بأن خالتها لطيفة جداً مع والدها .. و اتفقتُ معها على ألا نبدأ أي شئ حتى ننهي اعداد الطعام .. و صرت أعود كل يوم من الجامع الصغير في حينا ، و بعد أن أنهي زيارة قصيرة لخالتي ، كنت أجدها راقدة على الفراش ، و في أحيان كثيرة كانت تغلق الباب حينما تراني قد وصلت .. ليلة يقضيها في غرفةٍ بابها مغلقٌ طيلة الوقت ، وليلة يقضيها في غرفة تغلق بابها في الليل فقط .. أما طيلة النهار تظل مفتوحة ، ولا يجرؤ أحد من أطفالي أن يدخل إلى حضن والده .. وهو معها ..

وجدني زوجي في إحدى المرات أحاول الوصول إلى صندوق مدخراتي ، وهو نائم ويديه أسفل المخدة .. كنت أحاول أن أتحقق من أنه لم يعطيها أي شئ مما أملكه .. وظننت حينها أنه في حين فقدته فأني سأكون قد ادخرت ما يسد حاجتي وقت مماتي ..

كيف له أن يقضي ليلته معها ، ومن ثم يأتيني اليوم التالي حتى يشاركني الفراش ..
****
والليل ينقضي ، والنهار يمر ، وأنا عاجزة عن الهروب من حمام مشترك ، وصالون يملأ أرضيته فتات الخبز ، والأطفال ، وتلفاز لا أشاهد فيه إلا محطات تنوح عن دور الزوجة في بناء الأسرة ، ومن ثم مذياع قديم يستخدمه والده العجوز ليزعج من في المنزل وقت كل صلاة ..
كنت أجدني في ساعات كثيرة غير واثقة مما يخططه لي ، أنا وزوجته التي كانت في أحيان كثيرة عدو لدود ، وأحيان كثيرة صديقة قريبة .. لم أعرف كيف أجانسها مع طبيعتي .. وهي تغتاظ مما يحكيه زوجي عني .. وأنا أبادلها الشعور .. عندما يكون معها يثير غيرتها ، لكي لا تهمل نفسها – كما كان يدعي – وأنا معه يظل يقنعني بطيبتها ، وجدارتها بأن تكون شريكته الثانية ..
كانت في ذلك المساء تداعب شعر ابنتي الصغرى ، وكانت تحبها لأن عينيها ملونتين مثل والدتي .. وكنت أصرخ وأنا في الغرفة عندما سحبني زوجي من يدي ، وأخذ يفتش عن بقية المدخرات التي سرقها قبل وصولي لغرفتي .. كيف استطاع ذلك ؟ ضربني كثيراً في ذلك المساء ، ولم أجرؤ على أن أخبر أحداً .. كانت أمه تراقبنا ، وهو يشد الحلقات الذهبية من يدي ، وأنا في الشرفة الضيقة ، أظنه قد جاء ليمتدح زوجته الثانية ؛ حتى أظل أغار عليه ..
وفي بعض الأحيان كان يترك علامات كثيرة على وجهي ، و كنت أصرخ من شدة الألم في داخل غرفتي ، كيف لي أن أخرج إلى أبنائي وأنا حائرة لا أدري أين ستكون وجهتي ؟
****
لملمت أغراضي بسرعة ، و أنا أسمع جد أولادي يحضر نفسه للصلاة , و علمت أنهما سيخرجان إلى الجامع القريب لأداء الصلاة .. نزعت عني ما تبقي من إصراري و عزيمتي ، و خرجت بسرعة ، و هي – زوجته الثانية - تتوسلني بأن أظل في البيت من أجل أولادي .. و لم تنفعني وعودها بأنه سيتحسن معي بعدما تهدأ أعصابه .. لم أكن أسمع أي صوت في داخلي غير أن أتوجه إلى هروبي عند بيت أخي ..
هناك وجدتني لا أعلم شيئاً عن الحقيقة .. و السائق لا يعرفني .. يدور في عربته بسرعة جنونية ، و كأنه يمنعني عن الرجوع عن قراري .. و لم يكن هروبي شرطاً لأجبره على أن يتوقف عن حبها .. شريكته الثانية .. لم يكن نداءاً مني بأني لا أشعر بقيمتي معه .. لم يكن فيه أي نوع من الحذر .. لقد كان هروباً من أجل حريتي .. لقد كان هروبي من أجلي ..
تحمست لفترة طويلة بأن أقيم عند اخواني .. كانت بنايتهم تتكدس فيها الشقق ، و كم كنت أتمنى وفاة أخي الذي يكبرني حتى أستطيع الحصول على نصيبي من الورثة .. لم أكن أحتمل شراء قطعة أرض ، و أنا أنفق كل ما ادخرته يوماً بعد يوم .. وجدت أني أسابق السنوات ، و أكبر ، و هو يصالحني مرة ، و يطردني من المنزل مرات تتبعها .. أعود إلى منزل اخوتي ,, و تطول اقامتي لديهم .. و أنا أعهد إلى شريكته الثانية بالاهتمام بأولادي ..
آخر مرة كنت أقيم فيها لدي أخي ، كانت زوجته قد تذمرت طيلة الليل والنهار من مكوثي الطويل في بيتها ، و كأنها كانت تتجاهل نصيبي من عشها ، الذي ورثته من عائلتي التي باعتني .. وجدني أخي أقفل باب حجرتي بإحكام ، وهو يحاول اقناعي بالرجوع إلى بيت زوجي ، وهو يحضر لزيجته الثالثة .. لم يكن أحد منهما – زوجي أو أخي – يستطيع الاستماع لدموعي .. كنت أشعر بالحزن والضيق ، وأنا أدرك أن أخي لن يساعدني على الطلاق ، وأن زوجته لن تستوعبني .. لن يجعله - مطالبتي بقطعة أرضي - إلا أكثر الحاحاً بأن أعود إلي بيت زوجي ..
وكما اتفق مع زوجته ، التي لم تتحملني في أي يوم من الأيام ، عدت إليه ، وتحملت قسوته ، وتهديداته ، ومن بعد مجاملتي لأخوتي ، تحاملت مع كل مرة و هو يذكرني بمذلتي ، و اهانة أخي الأكبر لي .. كان يهددني : سأطردك كل مرة ، و ستعودين إلي كما أشاء ..
****
أخي لم يتحمل بقائي لديه في منزل العائلة ، و أختي كانت تخشى على زوجها و غضبه ، و كنت قد توقفت عند درجة من السنين و لم أتحمل البقاء بعدها ، و هو ما زال مستمراً في زيجات رابعة .. حتى توقفت عن البلوغ .. صرت أصغر كل سنة مع السنين الطويلة ، و أجدني أصبح لئيمة .. صغيرة .. حقيرة جداً مع طول الأيام .. أنا امرأة صغيرة ..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. المخرج الاردني أمجد الرشيد من مهرجان مالمو فيلم إن شاء الله


.. الفنان الجزائري محمد بورويسة يعرض أعماله في قصر طوكيو بباريس




.. الاخوة الغيلان في ضيافة برنامج كافيه شو بمناسبة جولتهم الفني


.. مهندس معماري واستاذ مادة الفيزياء يحترف الغناء




.. صباح العربية | منها اللغة العربية.. تعرف على أصعب اللغات في