الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


يشكرون المرأة الكفيفة لأنها أيقظت ضميرهم

مجدي مهني أمين

2013 / 1 / 16
مواضيع وابحاث سياسية


ذكّرنا حادث قطار البدرشين بالعديد من الحوادث المفجعة التي راح ضحيتها العديد من الأبرياء، وتعالت الصيحات تطالب، والحقيقة أن الملتاع تخرسه جروحه فلا يعرف تحديدا من يطالب، أو ماذا يطلب.. يسقط شباب الوطن هذه المرة في حضن وادي النيل، بعد أن سقطوا على الحدود برصاص غاشم بعيدا فوق الرمال، سقطوا هناك في صمت تلفهم الرمال وأصوات الرياح، الدم نفس الدم، كلهم شباب في عمر الزهور، سقطوا هذه المرة في حضن الوادي حيث الناس والدفء، حيث خرج الناس يحتضنون المصابين، يحملون لهم ما لديهم، يحاولوا تحريك القطار، قال أحد الشهود على قناة دريم:

- كنا ألفين واحد بنحاول نحرك العربية ولو سنتيمتر علشان نطلع أربعة من تحت العجل، واحد بس اللي طلع.

ويشيد أحد أهالي المصابين بما لاقوه من أهالي الحوامدية، وكأنه نذر يسير يبرد من قسوة المشهد وتقاعس الحكومة، قبل وأثناء الحدث.

في هذا المناخ الصارخ بالألم، يرسل أحد الأصدقاء، على سبيل المقارنة، خبرا من اليابان، حيث سقطت هناك إحدى السيدات الكفيفات تحت عجلات مترو الانفاق ، فما كان من الحكومة إلا أن غيرت منظومة المترو بالكامل:

- كان هذا هو مستوى تجاوب الحكومة مع الحدث.

ثم بعد كافة التجديدات، كتبوا على أبواب محطات المترو:

- تحية لمن أيقظت الضمير الياباني.

الضمير الياباني، ضمير مواطنين يدين أكثر من 95% بالبوذية والشنتو، ضميرهم الذي يلزمهم باحترام العمل، والمعرفة، والشرف، والصدق، وكافة المثل الإنسانية الراقية.

جاءنا الدرس هذه المرة من الشرق، فنجد أننا نقف في خجل أمام الشرق والغرب، ليس خجلا من قصورنا في الانتاج والتنمية، ولكن في قصورنا الأخلاقي، خجل يحرمنا من أن نتباهى أن بلادنا هي مهد الديانات السماوية الثلاثة، هذا التباهي الذي حرمنا من نرى بوضوح كافة الشعوب وهي ترتقي وتتركنا في مكاننا؛ شعوب ترتقي وتتطور، ليس فقط في التقنيات ولكن في القيام بالواجب الانساني في الاعتذار لسيدة كفيفة ماتت نتيجة اهمال غير مقصود، سارعت الحكومة بعلاج الخلل، حتى لايسقط أي شخص آخر تحت عجلات المترو، واعتذرت وشكرت.

اكتشفت شركة "تيوتيا" خطأ في سياراتها، وأن هناك احتمال ضئيل في أن يؤثر هذا الخطأ على الفرامل، فقامت الشركة بنفسها بإخطار كافة العملاء بضرورة عرض سياراتهم على أقرب مركز صيانة للتأكد من سلامة سيارتهم. هي التي بادرت، بدلا من أن تتهرب وتدعي وتزايد وتمارس كل الحيل التي نظن عندما نمارسها- نحن من لم يستيقظ ضميرنا بعد- إننا شطار، وأكلنا الجو..

.. الضمير هو المكون الواجب أن نخلطه بالسياسة، الضمير مش الدين، لأن الضمير هو ما خاطبته كافة الرسالات السماوية، هو ما خاطبه فينا كافة الثوار، والشعراء، ودعاة الإصلاح، الضمير هو ما يتحرك منتشيا أمام الخير، الضمير هو ما يلتزم به كل منا بنفسه أمام نفسه كي يقر بإنسانيته ويعتز بها.

الضمير هو القول الختام، الضمير هو إلتزامنا الصادق أمام أنفسنا، والمزيد من الضمير هو المزيد من الالتزام، فلنخلط ما شئنا السياسة بالضمير، نخلطها بالالتزام، نخلطها بمراقبة الذات، أما خلط الدين بالسياسة، فهو خلط ينقلنا من مراقبة الذات إلى مراقبة الناس والاستقواء عليهم، والنتيجة نفاق ودعاية وقهر وانهيار للدولة، انهيار لا يقل عن انهيار عقار الاسكندرية، وهذا حديث آخر من أحاديث الإهمال وتراجع الضمير وغياب المحاسبة، محاسبة النفس أولا، ومحاسبة الشعب ثانيا.

نريد الضمير في دولة القانون حتى نخرج من هذا الكابوس الجاثم على صدر الناس، كما جثم القطار على صدور شبابنا، أو الركام على سكان العقار المنهار في الإسكندرية منذ ساعات خلت.
يجثمون على صدورنا ويحاول كل منهم أن يتهرب من المسئولية.. ما فيش ضمير ولا محاسبية، بل لقد وضع رئيسهم الأجهزة الرقابية تحت إشرافه المباشر.. مرة تانية ما فيش ضمير، فلنتكلم مثلهم:

- إحنا جربنا كل حاجة، طب ما نجرب نخلط الضمير بالسياسة.

نخلط الضمير بالسياسة، مع ما نحتاجه من مشوار طويل في تربية الذات حتى نعي ونرتقي، وما تحتاجه الشعوب كي تنفض عنها كل صور الزيف، وتملك حريتها، وتحسن اختياراتها في مسيرتها الحضارية والإنسانية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. اتساع رقعة الاحتجاجات في الجامعات الأمريكية للمطالبة بوقف فو


.. فريق تطوعي يذكر بأسماء الأطفال الذين استشهدوا في حرب غزة




.. المرصد الأورومتوسطي يُحذّر من اتساع رقعة الأمراض المعدية في


.. رغم إغلاق بوابات جامعة كولومبيا بالأقفال.. لليوم السابع على




.. أخبار الصباح | مجلس الشيوخ الأميركي يقر إرسال مساعدات لإسرائ