الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أمريكا تغرق فأين جبهة الإنقاذ ؟

مهدي بندق

2013 / 1 / 19
مواضيع وابحاث سياسية


الإنذار بسقوط عقار مكتظ بالسكان حريٌّ باتخاذ السلطات المحلية تدابير عاجلة لمنع كارثة إنسانية لا مرية فيها، أما نذر سقوط إمبراطورية فشأن عالمي ودولي وحتى إقليمي، لا مشاحة يرتب على حدوثه كوارث سياسية واقتصادية وجيوبولوتيكية غير محدودة، فما بالك إذا كانت هذه الإمبراطورية هي القطب الأوحد في عالمنا المعاصر؟ الكل يراقب ويفكر ويرتب أوراقه لدرء الكوارث المنتظرة . لكن العقل العربي المؤسس على ثقافة القبول بالأقدار ، لا يقدر على – وربما لا يرغب في – تصور هذه الكوارث بله مجابهتها ، وتلك الثقافة في رأيي إنما هي كارثة العرب الأعظم !
في عام1979 أثناء التوقيع على محادثات سولت2 صرح أحد المحللين الإنجليز بأن بلاده " لم تكن تستطيع الصمود أمام جحافل الجيش الأحمر ( السوفييتي وقتها ) بأكثر من 20 دقيقة ما لم تتدخل أمريكا من قواعدها في أوربا " ورغم ذلك كنا نرى من كتـّاب العرب ومحلليهم من يتندر بذيلية تونى بلير لكلينتون ، ثم لبوش !
ليتنا تركنا التندر على الآخرين جانبا ً ، فنحن أولى به ثم أولى ؛ ساعتها كنا سندرك أن تبعية طرف لطرف غير متعلق بشخصانية الأداء، وإنما هو نتاج لواقع ملفوف بمصالح الدول . وهل من المتصور إن تكون أوربا غير مدركة لما سوف تئول إليه أحوال الإمبراطورية المريضة ؟ إنما الأقرب إلى المنطق أنها كانت ، ولا تزال تنتظر إعلان الوفاة لتحصل على نصيبها من الميراث دون جلبة .
من موقعي بمعسكر الديمقراطيين العرب [ وهو موقع محدود كيفا وكما، دعنا نعترف ] أتفق مع القائلين باقتراب سقوط إمبراطورية اليانكي ، وأزيد عليها أن بوادر التصدع جرت حتى قبل انفجار الأزمة المالية العالمية الأخيرة 2008 ، بشواهد سقوط القوى الكبرى في الماضي، حيث تشي باقتراب انهيار القطب " الأوحد " في عصرنا، فإضافة إلى العجز المتفاقم في الميزانية العامة للدولة الأمريكية ( 1.342 تريليون دولار) والميزان التجاري (334 مليار دولار ) وتسارع المديونية الداخلية والخارجية ( 14 تريليون دولار أي حوالي 97% من إجمالي الناتج المحلي ) بجانب تحول أمريكا من دولة مستوردة للبترول إلى مصدّر له ؛ نجد أصواتا ً ذات وزن فكري غير منكور تصدر عنها تنبؤات بقرب اليوم الذي سوف تتنادى فيه بعض الولايات بالانفصال، حيث كاليفورنيا وحدها يمثل ناتجها المحلي 13% من إجمالي الناتج المحلي لأمريكا .. وفي هذا الصدد تجوز المقارنة بالاتحاد السوفييتي والاتحاد اليوغسلافي السابقين .
أضف لذلك اطراد الفشل في سياسة أمريكا تجاه أفغانستان والعراق وتخاذلها عن مجابهة إيران والنظام السوري وتنظيم القاعدة في مالي ، علاوة على عجزها المروع عن حل القضية الفلسطينية وما آلت إليه من جمود وصل إلى حث الفلسطينيين على البحث عن وطن بديل ! ( = سيناء ) بمباركة "إخوانية " مضمرة ، وهي مباركة ضد وطنيةAnti-patriot تنبئ - بجانب إخفاقات أخوانية أخرى رهيبة - عن قرب إزاحة الأخوان من الحكم الذي ما بلغوه إلا بمعاونة أمريكا كمحاولة منها لتحجيم دور مصر التاريخي على غرار ما فعلته أوربا بالباشا والبكباشى ولكن بأسلوب جديد . وفي هذا السياق يبدو فشل الأمريكان واضحاً بالنظر إلى مقاومة الشعب المصري العنيفة - ومعه الجيش - لهذا المخطط البائس .
كل هذه التخبطات ليست – في رأي الكاتب – إلا تعبيرا ً عن الأزمة الرئيسية والتي لا مهرب لأمريكا من التلظي بلهيب أزمتها ، ذلك لكونها أزمة هيكلية محايثة للبنية الرأسمالية ذاتها ، ومن نافلة القول الاستشهاد بنظرية أزمة فيض الإنتاج ، فلقد شرحناها في كتابات لنا سابقة ، وقلنا إن الحل الوحيد المتاح للرأسمالية للخروج من تلك الأزمة هو الحرب ، ولنتذكر رضاء رأسماليي ثلاثينات القرن الماضي البريطانيين والفرنسيين – ومعهم قرناؤهم الألمان : برتا وكروب وهوجنبرج – بصعود هتلر وحزبه النازي إلى سدة الحكم ، مدركين أن إشعال نار الحرب في العالم كله لا ريب مؤد لقتل عشرات الملايين من البشر فتحل أزمة البطالة وينتهي الكساد العظيم للسلع والبضائع ! وقد كان .
بيد أن المشكلة التي يتضمنها ذلك الحل الإجرامي إنما تظهر غالبا ًبعد أن تضع الحرب أوزارها وتخمد جمراتها ، إذ تجد الدولة العظمي نفسها شبه مفلسة غير قادرة على الوفاء بالتزاماتها السابقة تجاه الآخرين في الخارج والداخل ، فيبوخ حماسها وتفتر همتها . وهذا هو ما جرى على أمريكا بعد حروبها في فيتنام ثم أفغانستان فالعراق .
يدرك كل من قرأ كتاب " صعود وسقوط القوى العظمى .. التغيرات الاقتصادية والعسكرية " للمؤرخ البريطاني المعاصر بول كنيدى أن كل الشواهد التي أحاطت بظروف سقوط واضمحلال القوى الكبرى عبر التاريخ ، هي نفسها الشواهد الدالة علي اقتراب موعد سقوط واضمحلال القوة العظمى " القطب الأوحد " في عصرنا .. وتلك كما أسلفنا القول كارثة لا يستهان بها ، سواء للولايات المتحدة الأمريكية أو لحلفائها، الذين ربطوا عملتهم بعملتها ، وسياساتهم بسياستها ...الخ
أما نحن المصريين والعرب فلا بدائل إستراتيجية لدينا ،اللهم إلا شبح الفاشية الماثل أمامنا باسمه الحركي : الأصوليات ، نظراً لغياب الوعي الطبقيّ في مرحلة تنداح فيها الفواصل الكلاسيكية بين الطبقات، وتشحب فيها وجوه المدركين لغايات النضال الشعبي حتى لتختلط أفكار التمرد والهبات والانتفاضات بمفاهيم " الثورة " في تعريفها العلمي . وفي هذه الصحراء الموحشة ليس ثمة من يبنى سفينة ( أو حتى قاربَ ) نوح وكفى بواقعنا المتردي على كافة الأصعدة شاهدا ً ودليلا ً.
ليس قولي هذا تأسيسا ً لتشاؤم ٍ ما بعد حداثىّ، بل هو دعوة لمفكري جبهة الإنقاذ المصرية – المؤهلة لتولي سلطة الحكم فيما لو جرت انتخابات حرة نزيهة - أن يضعوا على رأس أجنداتهم دراسة السيناريوهات المحتملة لعالم سيخلو من نظام القطب الأوحد آجلا أم عاجلا ، مقابل صعود قوى عالمية جديدة مثل الصين والهند وكوريا والبرازيل .. وكل منها يبحث لنفسه عن طريقه الخاص الذي يحرره من قبضة السوق الرأسمالي العالمي .
إن تدارس جبهة الإنقاذ لتلك الطرق المستحدثة ليُعد التمهيد الضروري لبناء التصور الملائم لمرحلة "انتقالية حقيقية" تلبّىَ فيها – ودون تضخيم لحجم الانجاز - مطالب الجماهير المتواضعة والمسماة : عيش / حرية / عدالة اجتماعية ، إذ لا قيمة لهذه المطالب إلا لو كانت إرهاصاً بضرورة تغيير الأساس الاقتصادي الرأسمالي للمجتمع . ولعل غياب هذا التصور عند جماهير 25 يناير هو ما يمثل خطأها التاريخي غير المقصود.
لكن الخطيئة الحقيقية أن تركن جبهة الإنقاذ الوطني إلى السير خلف هذه الجماهير بدلا من قيادتها . وأول ما سوف يشهد لهذه الجبهة بحقها في القيادة ويمنحها مصداقيتها إنما يتمثل في قدرتها على صياغة رؤية واضحة، ترفع سقف المطالب الجماهيرية إلى مستوى الإعلان الاستراتيجي – دون مماحكات لفظية - تناغماً مع علم المستقبليات Futurology هذا العلم الذي بدونه فلا أمل لنا في تجنب نواتج كارثة غرق أمريكا و .. وغرقنا معها بوصفنا أحد الأتباع .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - تحية لك على هذا المقال الرائع
وليد مهدي ( 2013 / 1 / 19 - 11:51 )

قبل ايام كنت اتحدث مع صديق عن نفس الموضوع

ولعل الازمة في سورية كشفت بما لا يقبل الشك العالم الجديد متعدد الاقطاب كما صرح بهذا للميادين ولايتي ليلة امس

ما لفت نظري في مقالك سيدي الكريم

هذا البعد الموضوعي في المستقبل الذي لا يلتفت اليه العرب

تفتت الولايات المتحدة كما تفتت الاتحاد السوفييتي

هذا اليوم ليس ببعيد

بوركـــت

اخر الافلام

.. المحكمة العليا تنظر في حصانة ترامب الرئاسية في مواجهة التهم


.. مطالب دولية لإسرائيل بتقديم توضيحات بشأن المقابر الجماعية ال




.. تصعيد كبير ونوعي في العمليات العسكرية بين حزب الله وإسرائيل|


.. الولايات المتحدة تدعو إسرائيل لتقديم معلومات بشأن المقابر ال




.. صحيفة الإندبندنت: تحذيرات من استخدام إسرائيل للرصيف العائم س