الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


في بحث عن اسمها وسط سديم ليلي!

فؤاد بلحسن الخميسي
كاتب وباحث

(Belahcen Fouad)

2013 / 1 / 21
المجتمع المدني



التقيتها صدفة !
قالت: لو سمحت، ادفع بي كرسي المتحرك لبعض الوقت ولمسافة غير بعيدة.
انتبهتُ من سهوي. كانت سيدةً، تقعد على كرسي متحرك. لمحت، بغتة، طفلا يمشي متثاقلا على يمينها، ماسكا بيده اليسرى الطرف الأيمن للكرسي. دفعت الكرسي، لبرهة، في صمت، محاولا استيعاب المشهد كاملا: سيدة من ذوات الاحتياجات الخاصة، بلا ساقين، متعبة ذراعيها من طول الدفع بعجلة الكرسي، تحمل حقيبة صغيرة على فخذيها، طفل بهندام واسع بعض الشيء، وجهه مخدوش، ينتعل صندلا في زوال بارد، يمشي على غير هدى، يمشي حيث دار الكرسي واتجه! سألْت، باهتمام:
- إلى أين، فلا بد أن تفترق طريق كل واحد منا في مكان ما!
كانت بالطبع بداية مرتبكة بعض الشيء. لكن السيدة لا تجيب عن السؤال، بل ترد بما تريد:
- أنا ذاهبة للبيع، وأنتَ؟
- أنا سأُعَرج على اليسار في مفترق الطرق الآتي.
- إذن ادفع بي قدرَ استطاعتك.
- تـبـيعين ماذا؟
أشارت إلى الحقيبة، وأجابت: أبيع جوارب وأشياء أخرى بسيطة، لا أريد أن أتسول أمام المساجد والمقاهي. لا أريد أن أمُد يدي لأحد.
والطفل أيكون ابنكِ؟
- نعم.
- يدرس في روض أطفال؟ لو كان كذلك لتجنبتِ اصطحابه!
- تنتهي حصته الدراسية المسائية قبل موعد خروجي للبيع، فأكون مضطرة لاصطحابه معي.
فكرتُ في مشهد بشكل خاطف: الطفل يمشي بين الطرقات وبين الناس، رفيقا للسيدة طوال الزوال وربما إلى المساء. هي تبيع وهو يراقب الناس ويخطف قفزات هنا وأخرى هناك، قفزات مُسلية.قفزات من النوع الذي يُشغله عما يفعل الكبار ولا شأن له به. هي تبيع، عين مع زبون مفترض و فرصة بيع محتملة وعين أخرى تتبع خطوات الطفل وقفزاته وربما مشاكساته غير المحسوبة المخاطر. فمحل البيع هو الشارع، الذي لا يحده إلا سقف السماء، ورحمتها. قــَطعتُ تمرين الافتراضات المتولدة بعضها عن بعض. دون أن أشعر أني أطرح السؤال تلو السؤال، سألتُ مجددا:
- وزوجكِ؟!
- أقعده المرض بالبيت!
- لكن، لماذا توقفت وسط الطريق عن سياقة الكرسي بنفسك؟
- لا بد وأن تتوقف في لحظة ما، فعجلة الكرسي ليست مَرنة بالشكل الكافي، وفي نهاية المطاف تستسلم للتعب.
- تحتاجين إذا إلى كرسي جديد وذي جودة، يتحرك بخفة أكبر؟
- نعم، وأحتاج أكثر من الكرسي.
- والدولة، ألا تقدم كراسي متحركة؟
- بلى، تفعل. ولكنها كراسي أقل جودة، أقل مرونة من هذا الذي أملك.
- تتوفرين على هاتف؟ أتستطيعين إعطائي رقم هاتفك؟ (كان السؤال الأول احترازيا).
في هذه الأثناء، صَدم رجل، آت من الجهة المقابلة، بقوة ومن غير قصد ولا انتباه، وجه الطفل بساعده الأيمن! تألم الطفل وصرح بصوت مكتوم يجمع بين التذمر واستئناس الفعل بالاعتياد.لم تنتبه الأم لمُصابه. لمحني وأنا أبصره دون أن أحرك ساكنا. ربما لَعنني بسبب سلبيتي تلك. رَدَّني عن متابعة تفاصيل المشهد ونظرات الطفل "الحاقدة" صوت السيدة:
- نعم بالتأكيد، أستطيع. و بعد تفكير، زادت: أمِن أجل مساعدة إنسانية ما؟
وقبل أن أجيب، استطردَت: سبق وأن وعدني رجل بمساعدات لكن لم أرى له أثرا بعد ذلك!
- إذا، أنا لا أعدك بأي شيء. سأفعل ما استطعت إلى ذلك سبيلا، وربما غيري يفعل ما عجز عنه كلانا – صاحب الوعود المتبخرة في الهواء وأنا.
- هو ذا: 0678712631، أسكن بحي السينما نور، قرب صيدلية مريم، وبالضبط، قرب نجار وحداد بالجوار هناك.
- حسنا، وكما ترين، سيدتي، كنت أنوي أن أستدير يسارا فإذا بي انعرجت، معكُما، يمينا. ولكن الآن علي الانسحاب. يجب أن أسلك طريقا آخر. رَدَّت:
- طيب.
- مع السلامة
- مع السلامة.
ما قيل كان بمثابة دعوة للمساعدة. وكل المعطيات مسجلة.
ستسألكم عن الذي مكنكم من رقم هاتفها. شخصيا، التقيتها صدفة، إذن يمكنكم أن تردوا وبلا حرج: التقطناه صدفة.
...
تذكرت، الآن، أني لم أذكر أنها قالت: اسمي صَبيحة !
قلت في خاطري: الصبيحة! هي ما نبحث عنه، في هذا السديم الليلي، يا سيدتي!

صفحة الكاتب التفاعلية على الفايسبوك:
https://www.facebook.com/belahcenfouad?ref=hl
لمعاينة باقي مقالات الكاتب بالموقع:
http://www.ahewar.org/m.asp?i=4620








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تضامناً مع الفلسطينيين في غزة.. عشرات الطلاب يتظاهرون بالموت


.. ممثل صندوق الأمم المتحدة للسكان في فلسطين: ما رأيته في غزة ي




.. آلاف اليمنيين يتظاهرون في صنعاء دعماً للفلسطينيين في غزة


.. إيرانيون يتظاهرون في طهران ضد إسرائيل




.. اعتقال موظفين بشركة غوغل في أمريكا بسبب احتجاجهم على التعاون