الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


العصبية القبائلية في شعر العرب

عُقبة فالح طه

2013 / 1 / 22
الادب والفن



من المتعارف عليه في الأدب العربي أن القبيلة العربية كانت في عصور ما قبل الإسلام تقيم الأفراح والولائم إذا نبغ فيها شاعر، فقد كان الشاعر بمثابة المحامي والمنافح عن شرف قبيلته ( إعلاميا) وقت كان الشاعر هو وسيلة الإعلام الوحيدة في ذلك العصر، كما كان الشعراء يمجدون قبائلهم ويمدحون قادتهم ويفخرون بأنسابهم ويصفون مكارم أخلاق ذويهم، وبما أن العصبية القبلية هي معيار التمايز بين الناس، وبما أن القبيلة هي مصدر القوة للفرد الشاعر فإن شعراء العرب ظلوا قبائليين حتى في عصور متأخرة عن سيادة القبيلة، وحتى في عصور ما بعد ظهور الإسلام الذي وحد القبائل على أساس الدين، حيث ظلت العصبية القبائلية مستشرية بين العرب، ولا أدل على ذلك أكثر من استمرار صراعات قيس ويمن بين قبائل الشمال (القيسيين) وقبائل الجنوب ( اليمنيين).
لقد وصل الحد بالشاعر العربي دريد بن الصمة أن يفخر بأنه لا يحيد عن رأي قبيلته قيد أنملة حتى في الخطأ و(إن غوت)، حيث يقول:
وما أنا إلا من غزية إن غوت غويت، وإن ترشد غزية أرشد
أما الشاعر عمرو بن كلثوم صاحب إحدى المعلقات السبع/العشر التي عدت من نفائس عصرها فيقول فيها حيث يبلغ به الغرور حداً يجعله يفخر بقبيلته زاعماً أن القبائل الأخرى تسجد لأطفال قبيلته إذ يبلغون الفطام:
إذا بلغ الفطام لنا رضيعٌ تخرّ له الجبابر ساجدينا
كما أن عمرو بن كلثوم يحذر القبائل الأخرى في نفس المعلقة من ممارسة الجهل تجاهه وتجاه قبيلته ، قائلا: أن لا أحد يستطيع أن يسبقهم في الجهل، إذا سادت الجهالة بين الناس، مثلما لا أحد يسبقهم في الحكمة
ألا لا يجهلن أحد علينا ... فنجهل فوق جهل الجاهلينا
وقد بلغ الاستعلاء القبائلي لدى عمرو بن كلثوم في معلقته حين يقول:
وَقَدْ عَلِمَ القَبَائِلُ غيرَ فَخْرٍ إذا قُبَبٌ بِأَبْطَحِهَا بُنِينَا
بِأَنَّا العاصِمُونَ، إذا أُطِعنا وَأَنَّا الغارِمُونَ، إذا عُصِينَا
وَأَنَّا المُنْعِمُونَ، إذا قَدَرْنَا وَأَنّا المُهْلِكُونَ، إذا أُتِينَا
وَأَنّا الحاكِمُونَ بما أَرَدْنا وأَنّا النّازِلونَ بِحَيْثُ شَينَا
وَأَنّا التّارِكُونَ لِمَا سَخِطنا وَأَنّا الآخِذُونَ لِمَا هَوِينَا
وَأَنّا الطّالِبونَ، إذا نَقَمنا وأَنّا الضّارِبُونَ، إذا ابتُلينَا
وأَنّا النّازِلُونَ بِكُلّ ثَغْرٍ يَخَافُ النّازِلُونَ بِهِ المَنُونَا
وَنشْرَبُ، إنْ وَرَدْنا، الماءَ صَفوًا وَيَشْرَبُ غَيْرُنا كَدَرًا وطِينَا
يشعر من يتأمل أبيات عمرو بن كلثوم أنه إن كان صادقا فيما يقول فإن القبائل الأخرى لا تعدو سوى أن تكون غبارا أمام قبيلة عمرو ، وهذا السموأل الأزدي يفخر ببني الريان الأزديين حيث يقول:
سلي إن جهلت الناس عنا وعنهمُ فليس سواءً عالمٌ وجهول
فإن بني الريان قطبٌ لقومهم تدور رحاهم حولهم وتجول
أما حسان بن ثابت ( وزير إعلام الدولة المحمدية) في نشأتها الأولى فيفخر بأن الدماء لا تجف على سيوف مقاتلي قبيلته ، حيث عاب النابغة الذبياني عليه استخدام لفظة (يقطرن) والأجدى أن يقول (يمطرن) كناية عن شدة القتل، يقول حسان:
لنا الجفنات الغر يلمعن بالضحى وأسيافنا يقطرن من نجدةٍ دما
ولدنا بني العنقاء وابني محرقٍ فأكرم بنا خالًا وأكرم بذا ابنما
فما الذي يفخر به حسان سوى كثرة سفك دماء أبناء القبائل الأخرى؟ فلم يبق له ما يفخر به سوى السيوف اللامعة في الغزوات وغارات السلب والنهب وتقتيل أبناء القبائل الأخرى.
وأما جرير بن عطية الشاعر العربي الذي عاش في عصر بني أمية فيهاجم بني نمير ويفخر ببني تميم قبيلته، إذ يقول:
فغض الطرف إنك من نمير فلا كعبا بلغت ، ولا كـلابا
إذا غضيت عليك بنو تميـم حسبت النـاس كلهم غضـابا
ولنتأمل فخر جرير بعظمة الحقد والغضب الذي يفخر به لدرجة أنه إذا حقدت عليك بنو تميم ظننت كل البشر حاقدين غاضبين عليك.وهذا الجهل القبائلي يقودنا إلى ما عابه الشاعر العباسي أبو نواس على شعراء عصره الذين اجترّوا الوقوف على الأطلال كالبدو رغم التحضر المادي والاستقرار الذي شهده عصر بني العباس، كما يعيب عليهم فخرهم بقبائلهم التي اعتبرها لا تستحق الذكر:
يبكي على طلل الماضين من أسد لا در درك قل لي من بنو أسد
ومن تميم ومن قيس ولفهما ليس الأعارب عند الله من أحد
إن أبا نواس لا يتوقف عند هذا الحد من السخرية ببداوة الأعراب وفخرهم بقبائلهم بل وصل به الحد إلى إسداء النصيحة للعالمين بألا يأخذوا عن الأعراب شيئا لأن كل ما في حياة العرب جدب وقحط، إذ يقول:
ولا تأخذ عن الأعراب لهواً، ولا عيشا فعيشُهُمُ جديبُ
وهذا يذكرنا أيضا بما قاله الشاعر الفلسطيني محمود درويش الذي ينكر وجود شعب بالمعنى السياسي إلا حين تنأى القبائل عن تربية أبنائها على الولاء للقبيلة على حساب الولاء للمجتمع المدني والدولة الحديثة، حيث يقول درويش:
" سنصير شعباً حين ننسى ما تقول لنا القبيلة "
وهذا الفرزدق- أيضا- الذي عاش في عصر بني أمية يهجو جرير بن عطية فاخراً بأن لدى قبيلته القوة التي تؤهلها لضرب رؤوس القبائل الأخرى
إنا لنضرب رأس كل قبيلة ... وأبوك خلف أتانه يتقمّل
لكن الشنفرى صاحب لامية العرب ، والذي عدّ من أبرز الصعاليك الذي ثارت ثائرتهم على نواميس القبيلة في عصور ما قبل ظهور الإسلام فيفخر بأن له أهل خير من قبيلته
ولي دونكم أهلون سيدٌ عملّسٌ وأرقط زهلولٌ وعرفاء جيألُ
هم الأهل لا مستودع السر ذائعٌ لديهم ولا الجاني بما جر يخذلُ
فحتى الذي ثار على قبيلته واتهم بالصعلقة حين ذهب يبحث عن قبيلة تؤويه لم يجد سو الضباع والذئاب ووحوش البرية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كل يوم - لقاء في الفن والثقافة والمجتمع مع الكاتب والمنتج د/


.. الفنان أحمد سلامة: الفنان أشرف عبد الغفور لم يرحل ولكنه باقي




.. إيهاب فهمي: الفنان أشرف عبد الغفور رمز من رموز الفن المصري و


.. كل يوم - د. مدحت العدل يوجه رسالة لـ محمد رمضان.. أين أنت من




.. كل يوم - الناقد الرياضي عصام شلتوت لـ خالد أبو بكر: مجلس إدا