الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ترجمة [8] كيف تصبح أبا

يونس بنمورو

2013 / 1 / 27
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


التربية على النظافة :

في هذه المرحلة بالذات ، أي في سن الطفل هذا ، يتوجب عليكم و إنطلاقا من مكانتكم كأب ، تلقينه و تعليمه كيف يصبح نظيفا ؛ قد تكون زوجتكم هي المعنية الأولى في هذا الشأن ، لكن المهمة لا تقتصر عليها لوحدها فقط ، إذ ستلعبون دورا محوريا أيضا ، إذ يتوجب عليكم معرفة مجموع المبادئ السيكولوجية الأساسية في هذا الباب ، و ذلك حتى تجعلوا من تلقين أبجديات النظافة ، عادة جديدة له و لكم .

للأسف ، لكون أغلب الآباء يتجاهلون هذا ، و لا يعيرونه أدنى إهتمام ؛ أولا ، لأنهم لا يستوعبون أن هذه المهمة جد معقدة بالنسبة للطفل ، و يحتاج للمساعدة المتوالية ، لإكتسابها في الثانية من عمره ؛ لكن حتى تسهل عليكم العميلة ، لقد خصصت عددا محترما من الصفحات لهذا المشكل في كتابي Tout se joue avant six ans ، إذ وصفت في صفحاته ، المسار الواجب إتباعه لتلقين طفلكم كيفية التحكم في تغوطه و أيضا تبوله اللاإرادي ؛ لذا أنصحكم بالرجوع إليه ، و الإطلاع على كل ما قيل في هذا الصدد ؛ لكن المسألة الأهم و الأساسية جدا ، و التي يجب أن تأخذ بعين الإعتبار ، هي تلك التي تقول ، إياكم و إياكم أن توبخوا طفلكم ، بل على العكس من ذلك قوموا بمكافئته ، و أيضا تشجيعه في كل مرة ينجح ، و يتمكن من فعل شيء جميل ، و حاولوا تجاهل إخفاقاته قدر ما إستطعتم ، و كل تصرفاته السيئة ، بل قبلوه و صرحوا بحبكم و حنانكم له ، و لا تترددوا في إخباره كل مرة ، بأنه طفل مهذب و رائع ، و بأن أباه يحبه ، و فرح لأنه حظي بطفل مثله .

النمو اللغوي :

في وصفنا السيكولوجي للمرحلة الأولى ، التي بدأ فيها الطفل المشي ، أوردت ملاحظتين أساسيتين تتعلقان باللغة و تطورها ، و قلنا ، بأن النمو اللغوي للطفل ، أي تعلمه للغة يمر عبر شطرين ، الأول ، متعلق فقط بالفهم و الإستيعاب لما يحيط من حوله ، و الثاني ، مرتبط بقدرته على الكلام و التكلم ، فطيلة المرحلة الأولى ، سيهيمن الشق الأول ، المتعلق بفهم الكلمات ، لكن في هذه المرحلة ، أي المراهقة الأولى ، سيبدأ الشق الثاني المتعلق بالكلام بالظهور . فالبنسبة لتعلمه اللغوي ، تعد السنة الثانية مرحلة إنتقالية جد مهمة ، إذ سيبدأ الطفل في تجميع الكلمات شيئا فشيئا ، فعوض تعبيره فقط بكلمة أو إثنين ، كما هو في المرحلة السابقة ، فإن ما تم تسجيله في دماغه من قبل ، سيبدأ بالظهور في تعبيره و أيضا في لغته .

إن تعلم اللغة جد مفخرة و صنيع عظيم ، و شيء مذهل بالنسبة لطفل في سنه الثانية ؛ فالطفل لا يتعلم لغة خارجة عن تلك المتداولة في محيطه ، لكنه بالمقابل سيتعلم مختلف اللغات ، التي لا تخرج عن دائرة تواجده و عيشه ، سواء كانت إنجليزية ، يابانية ، روسية ، إسبانية و حتى سويدية ؛ إذ لا يمكننا الشك بتاتا في مدى قدرة الطفل الذهنية ، على تعلم اللغة و إتقانها ، إلا إذا فكرنا قليلا ، في المجهود الكبير الذي يتوجب على الطفل بذله ؛ فهذه القدرة الجديدة على الكلام ، تعني كثيرا بالنسبة لنموه الذهني و أيضا الفكري ، إذ بمقدرته الآن ، أن يعنون و يعطي لجميع الأشياء التي يراها أسمائها الخاصة ، كما سيتمكن عن طريق اللغة، من تبرير أفعاله و تصرفاته ، كما سيستطيع أيضا الحديث عن المستقبل القريب ، و كذلك ستمكنه اللغة من أن يتصور و يتخيل .

ففي المرحلة الأولى ، كان طفلكم يخصص جل وقته للحركة و الأنشطة البدنية الديناميكية ، كالتسلق مثلا ، أو النزول و الصعود على السلم ؛ أما الآن ، و في طور المراهقة الأولى ، سينحى منحى أخر ، يعنى بإستعمال الكلمات و اللغة ، لذا إستمروا ، و حاولوا في أغلب الأوقات اللعب معه و ذلك بعنونة محيطكم ، أي إعطاء لكل الأشياء أسمائها الخاصة و الحقيقية ، بقدر ما إستطعتم ، فكما يقول الدكتور Gesell : فهو متعطش للكلمات ؛ لذا لن يتردد في العب معكم ، و لن يحير في المشاركة في هذه اللعبة ، و بحماس منقطع النظير .

إن اللعب بالكلمات ، يفترض أسئلة و أجوبة تمكن الطفل من معرفة الكثير عن محيطه ؛ لذا أجيبوا على أسئلته بدون سخرية أو قمع ، بل بإحترام كبير ، لأنه سيسعى من خلالها لمعرفة و إكتشاف العالم الذي يحيط به ، و يعيش فيه ، لذا سيسعى لطرح مجموعة من الأسئلة العديدة ، و الهائلة الكم عليكم ، تارة ستكون ذا فائدة ، و تارة أخرى بدون فائدة ، لكن الأساسي هو ، بقدر ذكاءه ، بقدر طرحه لعدد مهم من الأسئلة ؛ للأسف ، أن العديد من الآباء ينفرون ، و يتضايقون من تلك الأسئلة ، في حين أن الطفل شبيه بتلميذ نجيب و فضولي ، في قسم يمكن أن نطلق عليه تسمية " عجائب و غرائب العالم " و أنت المعلم المعجب بفضوله ، و المفترض فيك الإجابة على مختلف أسئلته ، كيف لا و أنت أستاذه ؛ لذا أجيبوا ، و ردوا على أسئلته بكامل الإحترام ، وهذا مفيد لا محال لنموه الذهني . فأن تجيب على مختلف أسئلته ، و كلها و كيف ما كانت ، لشيء جميل ؛ هذا سيمكنه من إضافة جمل ، و كلمات أخرى إلى قاموسه اللغوي ، كما سيعزز و سيقوي ملكاته العقلية ، كما أن تمكنه من اللغة و إتقانه لها ، سيقوي ذكاءه بشكل عام ، لكن واقع الحال مختلفا طبعا ، إذ أن السواد الأعظم من الآباء ، ليسوا على إستعداد للإجابة على أسئلة طفل ، في سنته الثانية ؛ فحتى لا ترتكبوا خطأ تربويا سيكولوجيا ، حاولوا قدر المستطاع الإجابة على كل أسئلته ، و إياكم ثم إياكم ، أن يرافق لسانكم عبارات جارحة ، مثل هذه الجملة " أرجوك يا بني لا أسئلة اليوم ، فأبوك منهك قليلا " .

الكتب و المراهقة الأولى :

كنت قد نصحتكم في الفصل السابق ، بالإلتزام بخلق عدد معين من الطقوس و العادات الإيجابية ، أثناء نوم الطفل ، كقراءة القصص لطفلكم ؛ في المرحلة السابقة ، دائما كانت القراءة تتأسس و تنبني على شيء جوهري ، و مهم فقط بالنسبة لتك المرحلة ، هو تحديد الصور بأكملها في كلمة واحدة ؛ أما الآن ، في مرحلة المراهقة الأولى ، يتوجب عليكم قراءة قصص حقيقية ، ذات بداية و محتوى و نهاية ؛ فالطفل طيلة مراهقته الأولى ، سيكون مسحورا و مهووسا بالقراءة و الكلمات ، و أيضا تلك الألعاب المتعلقة بالكلمات ؛ فسيحب القوافي ، و إيقاع الكلمات ، و أيضا سيعشق ترديدها مرارا و تكرارا ، إذ سيحب معرفة مضمون القصة قبلكم ، بل و حتى نهايتها ، حتى يتسنى له ترديد مختلف الكلمات معكم ؛ سيحب جميع الأصوات ، خصوصا تلك الأصوات المضحكة الرنانة ، أو غير المألوفة الغريبة ؛ لذا عند مروركم على بعض الكلمات ، حاولوا نطقها بطريقة مختلفة ، بل مضحكة أحيانا ، و تمادوا في ذلك .

كما يجب على القراءة ، أن تتم بشكل جماعي تعاوني ، خذوا مثلا الكتاب بطريقة يستطيع من خلالها الطفل هو الأخر من رؤية الصور ، ساعدوه على معرفتها و بأدق التفاصيل ؛ حاولوا أيضا ، طرح بعض الأسئلة عليه تتعلق بمختلف الشخصيات و الأشياء المتضمنة في الصور . ففي هذه السن أيضا ، غالبا ما يفضل الطفل بعض الكتب التي قرأت عليه سابقا و عشقها ، و يتمنى دائما لو تقرأ عليه من جديد ؛ إذ سيعارض أي كتاب جديد ، لكن سيقبله في الأخير ، و لكن بصعوبة بالغة ؛ يمكنكم أيضا ، و بالإضافة لما سبق ، أن تجعلوا لقصصكم نبرة خاصة ، و أن تفضوا عليها صبغة الحماسة و المغامرة لحظة قراءتها ؛ لكن ، إذ لم تكن لديكم هذه الملكة ، و تحسون بعدم الراحة ، أثناء قراءة تلك القصص ، أي أنكم لا تحسنون صنعا ، و لا تجدون القراءة بطريقة دراماتيكية ، فلا تحزنوا لذلك ، لأن الطفل يعشق تلك القصص بجنون ، حتى و لو حكيت بطريقة سيئة ؛ كما سيحب أيضا ، تلك الشخصيات الخيالية داخل القصص التي تشبهكم كثيرا ، و يشبه عملها عملكم ، لذا حاولوا أحيانا ، أن تخلقوا قصصا لطفلكم شبيهة له هو أيضا .

أثناء حكيكم لتلك القصص إذن ، حاولوا أن تعطوها إيقاعا ما ، كما لا تتردوا في اللعب بالأصوات ، و بطريقة مضحكة ساخرة ، إرفعوا صوتكم تارة ، و تارة أخرى ، إخفضوا صوتكم ، و بطريقة مسرحية ؛ كما إتركوا لطفلكم إمكانية التنبؤ بما سيقع لاحقا في القصة ، و ذلك بطرح سؤال عليه : هل تعرف ما الذي سيحصل بعد هذا يا بني ؟ لا تخافوا فسيجيبكم ، لكن ، قد يكون جوابه خاطئا ، في مثل هذه الحالة ، حاولوا أن تجعلوا من جوابه حدثا حقيقيا داخل القصة ، و ذلك بالقول : جيد يا بني ، لقد عثر" بيير " فعلا على كلب صغير ، و حمله معه إلى المنزل .

أتمنى إذن ، أن تجدوا في كل هذا سعادة معينة ، لأن هذا الدور جد محدد لنموه و تطوره اللغوي ، كما سيخلق ـ دور القراءة ـ علاوة على ذلك ، روابط جد وطيدة ، و حميمية بينكم ؛ كما يمكنكم بالموازاة لذلك ، القيام بأشياء أخرى مع مراهقكم الصغير ، لكني أتردد في ذكرها ، على إعتبار أن أذواق الآباء تختلف ؛ لكن الشيء الأساسي ، و الذي تشترك فيه كل تلك الأمور الأخرى ، هو أن تظلوا سعداء مع طفلكم ، و خصوصا أتناء اللعب معه ، فإذا كانت لديكم الرغبة في فعل أمور شخصية أخرى ، فالطفل سيحس بذلك ، لذا و أنتم معه حاولوا قدر إمكانكم اللعب و ذهنكم صافي . هناك مجموعة من الأنشطة التي يحبها الطفل ، و يعشقها أكثر لو تمت و مورست مع والده ، فأغلب الأطفال يحبون بجنون الصباغة و التلوين ، كما يحبون اللعب في الرمال ، و في الحديقة ، يعشقون السباحة أيضا ، و الغوص في الوحل ، يعشقون التنزه بواسطة السيارة ، أو الذهاب لمحل للخرداوات معكم ؛ كل هذه الأمور ، هي أشياء عادية بالنسبة لعموم الآباء ، لكنها بالنسبة للطفل المغامرة عينها ، فهو يكفيه على الأقل ، إذ لم يتم العمل بما سبق ، التجول مشيا و ببطء شديد ، مع ترك هامش الحرية له ، لجمع الأحجار ، و أيضا لمشاهدة النمل الصغير و متابعته . فالأطفال يحبون الحيوانات على إختلاف أنواعها ، و يعشقون الذهاب للحديقة لمشاهدتها ؛ فزيارة حديقة الحيوانات ، هو إحتفال بالنسبة لكل طفل .

يمكنني أن أسرد و أقترح عليكم المزيد من الأنشطة الأخرى ، لكن أترك لكم فقط هذه المقترحات ، و أتمنى أن تكتشفوها مع طفلكم ، وحتى أنهي كلامي ، دعوني أقول : أن الطفل سيغيضكم و يغضبكم في هذه المرحلة ، إذ أن بعض المربيين يسمون هذه الفترة من عمر الطفل ، بالسنتين الفظيعتين . لكن تذكروا دائما ، بأن الخصائص السلبية كالتمرد و الغضب الشديد لهذه المرحلة ، هي جزء لا يتجزأ ، من حماسه العام و حب إستكشافه للأشياء ، الشيء الذي يمكنه من النجاح في تأسيس و خلق هويته الخاصة . لكن ، إنه لمن المضحك ، أن نلاحظ أن أغلب الآباء ، يرغبون من أبنائهم أن يصبحوا يوما ما أكثر أقوة و نشاطا ، لكن في نفس الآن و بشكل متناقض ، يرفضون و لا يقبلون نفس الخصائص ـ القوة و النشاط ـ التي يتميز بها الطفل في سنته الثانية ؛ فكيف يعقل أن نلوم و نعاتب مراهقا صغيرا ، لكونه فقط أكثر نشاطا و حركة ؟ هل يعقل أن يسعى الآباء لتلبية رغباتهم و تحقيق الرضا لنفسهم على حساب أطفالهم ، فهل يعقل أن يتم قمع حماس الطفل ، و كذلك رغبته في إكتشاف كل ما يحيط به ، هل يعقل أيضا ، أن يتم قمع رغبته الخالصة ، و حبه الجاد و الصادق لمعرفة ما يعتمل الحياة ؛ إن ما يجهله الآباء حقا ، هو كون هذا الحماس و حرية الإكتشاف هي قيمة سيكولوجية عظيمة ، ليس فقط في سن الطفل هذا فقط بل طيلة حياته ؛ و أعتقد أنكم لا ترغبون في أن يفقدها ؛ لذا بإعتباركم أبا ، إحترموا طفلكم ، و لا تسخروا منه بتاتا ، أو تمارسوا القمع عليه ، لأن هذا الإحترام ، سيمكنه من إضافة عدسة أخرى لنظامه البصري حول ذاته ، و هي تلك العدسة التي ستجعل من ذاته سوية و أكثر قوة .

يتبــــع ...








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. المحكمة العليا تنظر في حصانة ترامب الرئاسية في مواجهة التهم


.. مطالب دولية لإسرائيل بتقديم توضيحات بشأن المقابر الجماعية ال




.. تصعيد كبير ونوعي في العمليات العسكرية بين حزب الله وإسرائيل|


.. الولايات المتحدة تدعو إسرائيل لتقديم معلومات بشأن المقابر ال




.. صحيفة الإندبندنت: تحذيرات من استخدام إسرائيل للرصيف العائم س