الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


رَمادُ مُعتقَلْ...

محمد البوعيادي

2013 / 1 / 28
الادب والفن


ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

بعدَ عشرينَ عامٍ من الموتِ البَطِيءْ...
تنزل من القطار منهكا كقارورة عطر تندفقْ
المساء أحمر بعض الشيء...حزينْ
كلب مسعورٌ في الطريق و نوارس البحر تحوم حول جيفهْ
الشمس متعبة تريد أن تغمض جفنيها و تستكينْ
وأنت في ثيابك المخرومة كالقلب الطَّعِينْ
تستهلك آخر سيجارة في جيب سترتك المُمَرَّغهْ
أزرار قميصك مخلوعة و لونك هاربٌ كالفقاعات الطائرة في الهواء
في الجيب لاشيء غير ورق ميت وقصيدتينْ
قلبٌ مهروش في كفك ومحفظة و تذكرتينْ
المساء حلّ في صدرِكَ المسجوع بالطعنات، فإلى أينْ؟
تلتقيهم... رفاقَ الحرائِقِ موتَى في ابتسامات من جليد
يرقعون وجهك بما تبقى من الماضي ضاحِكينْ
اغتَصَبَ المَدَى أحلامَهُم..في غيابِكَ..
تنساب وحدك في اجتراح المستقبل، أنت للريحِ
و الريحُ لمن يبيعُ قلبهُ بلا ألم أو أنينْ...
يهطل من جفنيكَ مطر من الكريستالِ المالِحْ
و أنت تقف أمام سائق الطاكسي مذلولا بلا نقود
تطئطئ رأسك كثمثال صدئ من النحاس، تسعلُ، غصّة مبحوحةٌ
ترميك المدينة في شوارع الساهرينْ
آخر ما تبقى من دخان الأعقابْ التي جمعتها من الطريق
تستدين جرعة خمر من رجل أهملتْهُ الدُّنيا وطعنته السنينْ
تبصق عن يسارك و الجوع يرقص في رأسك الدائخ في سرادب الماضي
أنت حر في الحياة فاركض كما حلمت في حقولِ الياسَمِينْ...
بعد أن أخذوا منك اللازوردَ بين جدارين وعُتْمَتينْ..
تركب قاطرة بتذكرة مرمية على الأرض و تختبئ في المرحاض
يأتِي المراقبُ كما أتاكَ الحُزنُ يوماً ..
- التذكرة مثقوبة
- مرة سيدي
- بل مرتينْ
بصقَةٌ في وجْهِكَ و صفْعَتينْ
تلمُّ أشلاَءَكَ التي انثترثْ على أرضِ القاطِرَةِ و تبكِي طَيَّ الضلوعِ
كيْ لا يبينَ الدَّمْعُ للرّاكِبينْ...
و ها أنت وحيد مع جسدك المنثور على الطريق كظل يتخاتل في الظلامْ
رقم هاتف لصديق...
-مرحبا
- أنا الحسِينْ
أغلقَ الهاتف و انطوى سفر الأمل... خُضِ البَحْرَ بلا سَفِينْ
كربُلاءُ ضمَّكَ رملُها مرّتينْ
أنفكَ راعفٌ و صدركٌ مضَمّخٌ بالإهانةِ و الشماتهْ
طويل يا رفيق هو الطريق، بعض الأماني في الأماني لا تكونْ
تنامُ على نفسك و تلتحف الندف التي رمتها الحبيبة في كفك يوما
تحلمُ بامرأة ومقطوعة موسيقى ودفء و طفلتينِ صغيرتينْ
تغمض جفنك المجروح بالبرد و يأتيك الصدى من عمق عمقك كالرّدى
طفلتان كاللوز المقشر ضاعتا....و أنت نائم، تراهما، تبسم لحظتينْ
في الفجْرِ ينوحُ اللّهُ على الصّومعاتِ المجروحة بالتاريخِ
تنكفئ على وجْهِكِ المبلولِ بالنَّدَى..تتوضأُ بالجُوعِ و البردِ و العَطَشِ
ترْكَعُ مَذْلولاً لتؤدِّي فرائِضَ الحقيقةِ..في مِحْرابِ التّائِهينْ
أنتَ وحْدَكَ فِي مهبّ الحياةْ ..ترمُقُ ظلَّ القُيودِ في معصميكْ
أكلَ الحَدِيدُ من لحمكِ و أرْشَأتْ ظلمة الزِّنْزانَةِ مَنْكِبَيكْ
و استَلْقَى فيكَ الهمُّ بحراً من دِماءِ الهارِبينْ
تضمُّ يَدَيْكَ إلى وجْهِكَ، تستشعرُ الوجهَ المُجَعّدَ بالأَسى و الحُلمْ
من أجلِ ماذا كان كل هذا السرابْ؟...من أجلِ من كانَ كلّ هذا الألمْ؟
تَصْرُخُ مَذْعُوراً حين تنكَسِرُ الحقيقة في وجَهِكَ و يصْخَبُ رأسكُ بالطَّنِينْ
تركُضُ في الشوارِعِ باكياً مثل الوليدِ..إذا سلكَ الهواءُ رئتيهِ
سلكَتْ جَمْرَةُ الحَقِيقَةِ في رِئَتيكَ كالأُوكْسِجِينْ...
الوُجوهُ لا تَزالُ واجِمَةً..تبحَثُ عنْ إكْسيرٍ يطفئ العَطَشَ الأزلِيّ للحياةْ
المدائنُ مهزومةٌ في الشوارعِ المُطفأةِ و شَظاياَ الوَاجِهاتْ
و أنتَ مَكْسُورُ الأَجْنِحَةِ..عشرونَ عاماً لم يبقَ فيكُ غيرُ الرُّفاثْ
و على شَفَتيْكِ نَشيدٌ للشمسِ الغارِقةِ في بحْرِ الظلامْ وَدَمْعٌ سَخِينْ...
تسيرُ وحيداً نحو البحرِ ...
ظلكُ يسبِقُكُ و الشمسُ تموتْ
مخْذُولاَ كأي طائرٍ سقطَ في الماءِ فابتلَّ عُمرُهُ
يُراقِبُ السماءَ..يرْثِي جَناحَيهِ..و للمَدَى يُمزِّقُهُ الحَنِينْ....
عشرون مثلَ صُبْحٍ لنْ يَعُودْ...و مدينةٌ فقدتْ بكارتها قبلَ حِينْ
تسيرُ إلى البحرِ عارياً من الماضي و من أناكَ
تَغُوصُ في الماءِ قدَماكْ
تتوغل في الموج نحوِ موتٍ في السُّدى...
البحرُ أرحم من ذاكرة لا تلينْ....

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. شراكة أميركية جزائرية لتعليم اللغة الإنجليزية


.. الناقد طارق الشناوي : تكريم خيري بشارة بمهرجان مالمو -مستحق-




.. المغربية نسرين الراضي:مهرجان مالمو إضافة للسينما العربية وفخ


.. بلدية باريس تطلق اسم أيقونة الأغنية الأمازيغية الفنان الجزائ




.. كيف أصبحت المأكولات الأرمنيّة جزءًا من ثقافة المطبخ اللبناني