الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مفهوم الحسنة والسيئة في الإسلام

نافذ الشاعر

2013 / 2 / 6
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


إذا استعرضنا تعريف الحسنة والسيئة حسب فلسفة المجتمعات، وجدنا أن البعض يعرف الحسنة بأنها ما يحب المرء فعله ويجلب له السرور.. فهل إذا زنى شخص لا يحق معاقبته لأن الزاني يحب ذلك؟ أو هل السائق الذي كسر إشارات المرور لا يحق لأحد معاقبته؛ لأنه لو سأل عن السبب لقال إن إشارات المرور لا تعجبني؟
وهناك آخرون تقدموا خطوة بصدد تعريف الحسنة والسيئة، فزعموا أن الحسنة ما يحبه المجتمع والسيئة ما يكرهه المجتمع، ولكننا نقول مقابل هذا التعريف إن المجتمع الهندوسي لا يحب أكل لحم البقر لأنه إثم كبير عنده، بينما يحب المجتمع المسلم أكله لأنه جائز في دينه. وبالمثل نجد مجتمع السيخ يحب أكل لحم الحيوان الذي لا يذبح وإنما يقطع رأسه بضربة واحدة، ولكن المجتمع المسلم ينهي عن أكله لأنه حرام عنده؛ فبحسب رغبة أي المجتمعات نأخذ في هذه الأمور؟
أنحكم بحسب رغبة المجتمع المسلم أو المجتمع المسيحي أو المجتمع الهندوسي أو المجتمع السيخي، أم المجتمع الأوربي؟
إذن، لن نجد مجتمعا واحدا ترضي بقية المجتمعات، ولو فصلنا الأمر بحسب الرغبات ما رضي احد عن الآخر. هناك آلاف القضايا التي يوجد حولها اختلاف كبير بين الناس فيما إذا كانت حسنة أو سيئة. فثمة عمل يعتبره هذا المجتمع حسنة كبيرة، بينما يعتبره مجتمع آخر جريمة كبيرة، وهناك فعل يعتبره أحد المجتمعات ذنبا كبيرا، في حين يعتبره مجتمع آخر عين الصواب. فمثلا يعتبر الأوربيون شرب الخمر عملا حسنا، ولكن المسلمين يعدون شربها إثما كبيرا. فهل نعتبر شرب الخمر حسنة كبيرة بحسب معيار الأوربيين، أم نعتبره سيئة كبيرة بحسب معيار الإسلام؟ فإذا قدم أوربي لمسلم كأس خمر ورفضها المسلم، فهل نعتبر تصرف المسلم عملا خلاف التحضر بحسب معيار الأوربيين، أم نعتبر تصرفه حسنة بحسب معيار الإسلام؟ ما هو المقياس الذي نقبل بحسبه موقف المجتمع المسلم أو نرفض موقف المجتمع المسيحي، أو العكس؟
ثم إن هناك قوم تقدموا أكثر وقالوا إن الحسنة ما يحبه أغلبية الناس، وأن السيئة ما يكرهه أغلبيتهم. ولكن هذا التعريف أيضا ليس صحيحا، إذ لا يمكننا أن نعتبر ما تراه الأكثرية حسنة معيارا لمعرفة الحسنة من السيئة؛ إلا إذا تمسكت هذه الأكثرية بموقف واحد على الدوام. لكن ما نراه على صعيد الواقع هو أن أفكار الأكثرية تختلف من زمن إلى زمن، ومن بلد إلي بلد، ومن قوم إلى قوم، فكيف يمكن إذن أن يكون رأي أكثرية الناس معيارا لمعرفة الحسنة أو السيئة؟
ثم إننا لو اعتبرنا هذا التعريف صحيحا لكان معنى ذلك أن الأكثرية إذا قالت إن الله غير موجود، لكان إنكاره سبحانه وتعالى هو الحسنة في ذلك العصر! وإذا قالت الأكثرية إن الله موجود لكان الإيمان به سبحانه وتعالى هو الحسنة في ذلك العصر، وكان إنكاره سيئة؛ وهذا يعني أن تعريف الحسنة والسيئة سيتغير وفق تغير عقائد الأكثرية.
وهناك قوم يقولون أن الحسنة ما يجلب السرور للإنسان، والسيئة ما لا يجلب السرور. ولكن هذا التعريف أيضا ليس تعريفا صائبا، لأن هذا يعني أن أحدا إذا صار أكثر سعادة بالسطو على أموال الناس، كان السلب والسطو هو أفضل حسنة بالنسبة له!

ومن الناس من يقول إن الحسنة ما هو نافع لمعظم الناس. ولكننا لو قبلنا هذا التعريف لوجب علينا التسليم بأن دولة كبيرة عندما تحتل دولة صغيرة، هو عمل حسن.. وهكذا فإن هذا التعريف سيجيز لكل أكثرية أن تستبيح أموال الأقلية، ثم تقول إنه عمل حسن؟
ومن الناس من يقول أن الحسنة ما تنفع صاحبها، وان السيئة ما تضر صاحبها، فهل الكذب لو نفع صاحبه أكثر يعد حسنة بالنسبة إليه؟
وهناك من يقول إن تعريف الحسنة والسيئة يجب أن يتم على أساس الفطرة، فالحسنة ما هو حسن بالفطرة، والسيئة ما هو سيئ بالفطرة. وهذا التعريف مصيب إلى حد ما ولكنه ليس بصحيح تماما.

والآن يبقى السؤال: ما هو تعريف الحسنة والسيئة إذن؟ هل الحسنة ما يعتبرها الدين حسنة والسيئة ما يعتبرها الدين سيئة؟ وإذا كان هذا الكلام صحيحا فالسؤال الذي يطرح نفسه: أي الأديان حسناته حسنات وسيئاته سيئات؟
إن في الدنيا ديانات كثيرة، وهي تختلف اختلافا كبيرا فيما يتعلق بتعريف الحسنة والسيئة. فهناك عمل يعتبره أحد أديان حسنة، بينما يعتبره دين آخر سيئة. إذا فهذا التعريف أيضا لا يمدنا بعلم حقيقي بصدد الحسنة والسيئة.
ثم إن هناك سؤال آخر: إذا اعتبر عمل ما إثما لا لحكمة، بل لمجرد أن دين ما ينهى عنه، فسوف يعتبر الحكم لغوا وعبثا.. أما إذا اعتبر هذا العمل سيئا لكونه سيئا، فلا يصح القول بأن السيئة هي ما ينهي عنه الدين، إنما الصحيح هو أن الدين ينهى عما هو سيئ، وفي هذه الحالة يجب أن نرجع ذلك الأمر أو النهي إلى تلك الحكمة التي ظهرت لنا من الفعل وليس إلى الدين. إذا، فلا يكفي أيضا القول أن ما ينهى عنه الدين هو السيئة وأن ما يأمر به الدين هو الحسنة!
لقد أحدث الإسلام ثورة في عالم الأديان وغير تعريف الحسنة والسيئة تغييرا كليا، وعرضه على الناس من منظور جديد بشكل مكتمل لا يوجد له نظير في أي من الكتب السماوية السابقة، بحيث أنها أحدثت في عالم الأديان ثورة، فمثلا مجرد قولنا (الله محبة) أو (الله رحيم كريم)، لا يقدم صورة حقيقية لصفات الله الحسنى. بل إن نسبة مثل هذه الصفات إلى الله تعالى تعد نتيجة للأفكار الدنيوية، فمثلا عندما استحسن الناس الرحمة، قالوا إن الله رحيم، وعندما استحسن الناس الإحسان والكرم قالوا إن الله محسن كريم..
أما الإسلام فيقدم تعريفا للحسنة والسيئة يخالف هذه النظريات كلها، وهو أن الحسنة تعني موافقة الإنسان لصفات الله تعالى، وأن السيئة هي مخالفته لهذه الصفات. فيأمر الله تعالى المؤمنين بهذا الصدد في القرآن الكريم بقوله: (صِبْغَةَ اللّهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللّهِ صِبْغَةً وَنَحْنُ لَهُ عَابِدونَ)(البقرة138).
أي أن الله تعالى هو رب العالمين والرحمن الرحيم ومالك يوم الدين، فعليك أن تسعى لتكون مظهرا لربوبية الله رب العالمين. فكما أن الله تعالى ستار وغفار وحميد ومجيد وشكور وودود وكريم.. فعليك أن تسعى قدر الإمكان لتكون ستارا وغفارا وحميدا ومجيدا وشكورا وودودا وكريما، ليتم بينك وبين الله تعالى نوع من المماثلة وتنعكس فيك صفاته، فتتحلى بالأخلاق الحميدة السامية.
فالحسنة الحقيقية في الإسلام هي ما تتفق مع الحسن الأزلي، والسيئة هي ما تتنافى مع صفات الله تعالى. وبما أن الإنسان مؤهل لأن يكون مظهرا لصفات الله تعالى، أو بتعبير آخر، أن الله تعالى هو الأصل والإنسان هو الصورة، ويكمن جمال الصورة في أن تكون مطابقة للأصل، ويكمن قبحها في أن تكون خلافا للأصل. إذن، فكل عمل يجعل الإنسان أكثر موافقة ومشابهة بالله تعالى هو الحسنة، وكل عمل يجعل الإنسان على نقيض من صفات الله تعالى هو السيئة. فالتعريف الحقيقي للحسنة والسيئة في مفهوم الإسلام هو أن الحسنة اسم لكل عمل أو فكر يؤدي إلى نوع من المشابهة بين الإنسان وبين الله تعالى الذي هو كامل ومنزه عن كل عيب ونقص، والسيئة اسم لكل عمل أو فكر يتنافى مع مرضاة الله أو أفعاله سبحانه وتعالى.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الوساطة القطرية في ملف غزة.. هل أصبحت غير مرحب بها؟ | المسائ


.. إسرائيل تستعد لإرسال قوات إلى مدينة رفح لاجتياحها




.. مصر.. شهادات جامعية للبيع عبر منصات التواصل • فرانس 24


.. بعد 200 يوم من الحرب.. إسرائيل تكثف ضرباتها على غزة وتستعد ل




.. المفوض العام للأونروا: أكثر من 160 من مقار الوكالة بقطاع غزة