الحوار المتمدن
- موبايل
الموقع
الرئيسي
شهادة وفاة حكومة لم تعرف الطريق الى القبر ..
أم الزين بنشيخة المسكيني
2013 / 2 / 7كتابات ساخرة
شهادة وفاة حكومة لم تعرف الطريق الى القبر ..
"عالم يُصلب ، آخرُ يُنكرُ.. من منهما الآن يخرج من جرحه .و يدخل في جرحنا ؟ " هكذا عبّر أدونيس يوما عمّا نحن فيه في يوم آخر .بين عالمين نقف ..نتأرجح بين الصقيع و النار ..اليوم هو الخميس .و الساعة هي صفر بعد وئد آخر بنت و لفّها في حجاب ..و المكان سوق كبيرة روّادها جموع لا هويّة لهم ...فلانيّون نسوا أسمائهم ..لا شيء يذكرون غير أسعار اللحوم و الجزر الأسود .و الزمان سنة 2050 بعد نهاية المشعوذين ..جلست الخنساء القرفصاء أمام أكداس من الرمّان و السبانخ و الأحشاء المحشوّة بالفاصوليا ..حليقة الرأس كانت ..عارية الكتفين ..حافية القدمين ..خنساء الدهر مخضرمة الفؤاد بين ما تبقى من الجائعين في ضمير الحكومات البائدة و بين الحجّ الى حرم صار وكرا لحماية الطغاة .
ذاك اليوم هو ذكرى وفاة آخر الحكومات التي لم يعد أحد من روّاد ذاك السوق يذكر عيد ميلادها لكنّ الجميع يذكرون يوم وفاتها ..ومن شدّة تراكم الديون و الفواتير نسوا يومها أن يكتبوا شهادة موتها ..اصطفّوا طوابير طوابير و قرّر الجميع صياغة دستور كفيل بتأبين آخر حكومة مرّت من بين ثقوب البرد في أضلعهم ..و احتدّ النقاش و عادت الأحزاب الى عاداتها القديمة توزّع الألقاب والأنصاب و الأزلام ..و اهتزّت أرض السوق تحت سيقانهم المثقلة بالحيف المقوّى بفيتامين البؤس الأزرق .قالت بطّالة قديمة جدّا ضيّعت عكّازها بين رؤوس البسباس و سيقان الخرشف في غضب :" لقد احترقت أصابعنا من أسعار الطماطم و البصل الأرعن ..و تبعثرت بصماتنا من اصرار الدجاج على المكوث وحيدا على موائدنا ..دعنا من هذه الطوابير ..لقد سئمنا تجارة الأرواح و باعة الأوهام و سرقة الأحلام .. حكومة لم تترك لنا غير التكتك و الجرابيع و الوحل لا تستحق منا حتى شهادة الوفاة "..
و أسرعت فُكيهة طفلة أفلتت من شيوخ النكاح ، الى السطو على الركح و كانت الأصغر سنّا..كانت تقايض حلواها بظلمة الجلباب..جاءت تلعب الغمّيضة بالنقاب ..و في فمها مصّاصة الرباب .. :"يا أصدقائي الخفافيش طهّروا ليلكم من خرافات الضفادع و حكمة الجرذان ..كنّسوا بيوتكم من عبدة الشيطان و لعاب الطغيان .. اذا أردتم العبور الى الحياة على ظهر حمار بعد اشتعال النار بين المحروقات و الأسعار.."
ضحكت الخنساء بكلّ ما بحوزتها من قصائد الرثاء و "اعلام العار"..و قالت :" دعنا من الحكومات و من حديث القبور و من علماء الغار..هذا اليوم هو يوم الحياة و الرقص على أنغام طبول بلا دعاة و لا بخار و لا أحزاب و لا عرعار " اندفع الجميع نحو رقصة جماعية بدون برامج انتخابية و لا رشاوى سياسية ..و راحوا ينشدون :" ما أحلى القعدة على الميّة ..ما أحلى الربيع ..ما أحلى الثورة التونسية تضمّ الجميع "..
أمّا الحكومة المتوفّاة في مثل ذاك اليوم قبل عشرين عام من عُمُر الفقراء و الكادحين ..و التي لم تعرف طريقها الى المقبرة فقد سئمت من الوقوف وحيدة على حافة المشهد ..فانصرفت لحالها توزّع جثامينها على مواضعهم في هدوء و حكمة عجيبة ..لا أحد منذ ذاك اليوم يذكر ما جرى في ذاك السوق ..و الأرجح أنّ تلك الجموع اتّفقت على نسيان آخر حكومة مرّت على حافة جرحهم دون أن تنجح في الدخول اليه........رحم الله كلّ الحكومات التي وافاها الأجل المؤقّت..و رزق أهلها و ذويها شرعية الصبر و ديمقراطية السلوان ..اللهم ارحمهم و أدخلهم فراديس المجلس التأسيسي آمين يا ربّ البطّالين و الجائعين ..
|
التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي
.. تعرّفوا إلى قصة “الخلاف بين أصابع اليد الواحدة” المُعبرة مع
.. ما القيمة التاريخية والثقافية التي يتميز بها جبل أحد؟
.. فودكاست الميادين | مع الشاعر التونسي أنيس شوشان
.. حلقت شعرها عالهوا وشبيهة خالتها الفنانة #إلهام شاهين تفاصي
.. لما أم كلثوم من زمن الفن الجميل احنا نتصنف ايه؟! تصريحات م