الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الإخوان مشكلة إستراتيجية لأمريكا

مهدي بندق

2013 / 2 / 14
مواضيع وابحاث سياسية


في كلمتها بنادي روتاري الإسكندرية 10/2/2013 قالت السفيرة الأمريكية " آن باترسون " ما خلاصته أن الديمقراطية لا تعني الدستور والانتخابات حسبُ، بل تعني أولا حكم المؤسسات ، فالمؤسسات الحقيقية تحظى باحترام واسع من قبل جميع عناصر المجتمع ، وهي التي تكبح جماح القادة أو الجماعات التي قد تسعى لفرض إرادتها .
ولم تمض أيام حتى رأينا مايكل بوسنر مساعد وزير الخارجية الأمريكية لحقوق الإنسان ، يمارس نقداً أعنف بشأن الأزمة المصرية، حين أعلن في مؤتمر صحفي في القاهرة ، أن الدستور وثيقة يشوبها العوار سواء في المضمون أو عملية التصويت عليه ، وأن القوانين التي تسعي حكومة الإخوان لإصدارها لا تلتزم بالمعايير الأساسية للديمقراطية،. وأن الشرطة تستخدم العنف المفرط ضد المتظاهرين وأن أمريكا تؤيد مساعي المصريين نحو بناء مجتمع ديمقراطي يلتزم بالحريات والحقوق لجميع الفئات والطوائف .
فأردف الرئيس أوباما بإيماءة ذات مغزى في معرض خطاب الاتحاد أمام الكونجرس : نحن سندعم الانتقال السلمي للديمقراطية ومن ثم سنقف في الشرق الأوسط مع المواطنين المطالبين بحقوقهم ، ربما لا يمكننا إملاء مسار التغير في دولة مثل مصر، لكننا سنصر على احترام الحقوق الأساسية لجميع الناس "
وبغض النظر عن كل هذا النقد الأمريكي المفاجئ والمتصاعد تجاه الرئيس المصري وجماعة الأخوان الحاكمة ، فإن المعنى الواضح فيه إنما يمثل تخبط السياسة الأمريكية الحالية ، وهي سياسة ما فتئت يراودها مبدأ "مونرو" [ ترك العالم الخارجي لحاله ] جنباً لجنب مواصلتها الهيمنة على بلدان العالم كما حلم بذلك آباء أمريكا المؤسسون تحت شعار نشر الديمقراطية !
فما هو منطق تلك السياسة فيما يختص بمصر؟ وإذا كان مبدأ مونرو لا يزال بعيدا عن التطبيق ( رغم دواع له تمثلت في الهزائم العسكرية والسياسية منذ فيتنام فأفغانستان فالعراق ) فلماذا تحرص دولة "الديمقراطية " الأشهر على إنجاح الجماعة الإخوانية وتثبيتها في السلطة رغم كراهية الأخيرة لمعنى الديمقراطية جملة وتفصيلاً ؟
للإجابة عن هذا السؤال لابد من مقاربة مع واحد من مفاهيم عصر ما بعد الحداثة Post-Modernism وهو المفهوم القائل إن الديمقراطية هي سبيل التنمية الأوحد في العالم الثالث ، وهذا لا يتأتى سوى بإحلال التصنيع محل الثقافة الموروثة بهذا العالم الثالث. لكن ذلك النهج " الهندسي الاجتماعي" ( سوف نفصله في نهاية المقال ) ما لبث غير قليل حتى تراجع، إذ تبين أصحابه الغربيون أن التصنيع " المقلد " لا يكفي لتنحية الثقافات المحلية جانبا ً. فتم تعديل الصياغة لتكون هكذا " دعنا إذن نجرب تنميتهم باستخدام مخلفات ثقافاتهم المصرّة على البقاء " وهكذا ُأفسح المجال أمام الأصوليات مثل الزنجية ، والوثنية ، والعروبة ، والأسلمة ... الخ
ما يتعلق بإخوان مصر فلقد ساعدتهم أمريكا على الوصول على السلطة عن طريق صناديق الانتخابات ، بأمل تشجيعهم على تبني السبيل الديمقراطي في إطار الرؤية الأمريكية لحل مشكلات المنطقة ، تمهيداً لإدماجها في عالم الرأسمالية المعاصرة . بيد أن الأخوان برهنوا خلال فترة توليهم للسلطة على أنهم وإن كانوا غير قادرين على الحصول على قدر كافٍ من السلطة اللازمة لقيادة الحكومة واستقرار الوضع ، إلا أنهم غير مستعدين أبداً للتخلي عنها بحال من الأحوال ، مهما قيل لهم إن ذلك ليس من الديمقراطية في شئ ، والأكثر أنهم برهنوا أيضاً على أنهم ليسوا راغبين في الديمقراطية من حيث المبدأ ، ودليل ذلك إصرارهم على إصدار دستور يناقض المبادئ والأعراف الديمقراطية دون أن يلتفتوا إلى أي نقد يطاله . ولأنهم متأكدون من أن معظم المصريين – مسلمين وأقباطاً ونوبيين ونساء ولبراليين ويساريين – يرفضون تماماً محاولة الجماعة فرض رؤيتها السياسية عليهم، فقد تقبلت ما جرى من إثارة القلاقل ضدهم وضد الرئاسة نفسها، بحجة أن تلك القلاقل أمر عادي بعد الثورات ! والأكثر من هذا فإن فوز الإخوان المحدود في الانتخابات الرئاسية ما كان ليقنعهم بأن لديهم من العقبات ما يحول دون تحقيق رؤيتهم السياسية (= إقامة نظام الخلافة ) وهي رؤية غير محتمل أن تتخلى الجماعة عنها بحكم الأيديولوجية والنشأة وفلسفة التنظيم بعالميته ودولانيته ، وإلا فبماذا ُتفسر قدرة الجماعة على تحمل كل ما تواجهه من مظاهرات وإضرابات واعتصامات وما ينجم عنها من سحل للمواطنين وقتل للثوار وتحرش جنسي بالجملة للنساء ، يقابلها إحراق مقرات للجماعة وتحطيم للفنادق والمحلات وإغلاق للطرق والكباري ...الخ
ما من شك في أن ثمة انتقادات أمريكية من طراز ما رصدناه في بداية المقال ، كان يوجه إلى مسئولي الجماعة خاصة الرئيس ولكن ذلك يجرى من خلال القنوات السرية في الغرف المغلقة ، إلى أن حدث حادث له دلالته هو ما حاولته الجماعة من مد للجسور مع إيران التي تمثل نموذج الثورة "الإسلامية " التي تتلاقى مع فكرة الخلافة الإسلامية بفارق وحيد: هل تكون الخلافة سنية أم شيعية؟ مع اتفاق كامل على ضرورة وضع النظام السياسي تحت وصاية دينية تسمى في إيران" ولاية الفقيه " وتسمى في مصر " ولاية الجماعة " ! كما أن الولايتين الدينيتين هما في حالة عداء عقائدي جذري لإسرائيل حتى وإن دفع الدهاء السياسي من جانب مصر إلى إخفائه لأسباب تكتيكية .
هنا تطفو كلمة المحلل الأمريكي البارز ريدموند ستوك " الأخوان لا يقولون أو يفعلون شيئاً إلا بقصد الخداع " ! ربما في إشارة منه إلى رسالة مرسي "الودية" لرئيس إسرائيل ، مذكراً بحقيقة أن مرسي يرفض تماماً فكرة اللقاء الشخصي بالقادة الصهاينة " أحفاد القردة والخنازير " حسب رأيه المعلن من قبل !
والشاهد أنه لم يعد أمام صنّاع القرار الأمريكي سوى أن يدركوا أن رؤية الجماعة هذه – التي تضحي من أجلها بالغالي والنفيس - إنما هي في واقع الحال مغايرة بل ومناقضة لرؤية أمريكا للديمقراطية ( والتي هي أساس مصالحها الإستراتيجية ) فكان طبيعياً أن تبدأ الخلافات بين الرؤيتين في الخروج إلى العلن .
وبقدر ما انكشفت أمام الأمريكان حقيقة التناقضات بينهم وبين جماعة الأخوان ، بقدر ما نكتشف نحن مدى التشابه بين المشروعين في الجوهر لا في الشكل ، فكلا المشروعين يستند إلى ما أشرنا إليه في فقرة سابقة وأسميناه " الهندسة الاجتماعية " .
فما هي الهندسة الاجتماعية ؟ إنها محاولة البعض لـ " تطبيق" الناس على نموذج مسبق التجهيز مثلما ُتطبق المثلثات والزوايا على نظائرها ، أو قل هي مثل سرير "بروكروست " الذي أعده صاحبه ليرقد عليه ضيوفه ، فمن رآه أقصر مطه ليلاءم السرير ، ومن وجده أطول حز له رأسه أو بتر قدميه ! فالهندسة الاجتماعية بتصوراتها أنها صاحبة مشروع لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تسعى لترتيب وجود الأفراد داخل مشروعها بالدعاية والترويج وغسيل الأدمغة ، وإذا اقتضى الحال فباستخدام القوة الخشنة : الجيش والشرطة والسجون ...الخ أو بالقوة الناعمة : الدعاية والإعلام والثقافة الموجهة . ولقد صار واضحاً الآن أن الجماعة الإخوانية تؤمن بالهندسة الاجتماعية بنفس المقدار الذي تؤمن به أمريكا ولكن لمشروع جد مختلف.
وما لم ينجح الشعب المصري في تحويل الجماعة الإخوانية من رؤية " الخلافة " إلى رؤية " الوطنية " فإن على صناع القرار الأمريكي أن يدركوا أنهم باتوا يواجهون في هذه الجماعة نقيضهم وشبيههم في آن وهو ما يمثل في حد ذاته مشكلة إستراتيجية كبرى لأمريكا ، لا يعرف أحد كيف ستحلها إلا إذا عادت لاعتناق مبدأ مونرو !








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. صواريخ إسرائيلية -تفتت إلى أشلاء- أفراد عائلة فلسطينية كاملة


.. دوي انفجارات في إيران: -ضبابية- في التفاصيل.. لماذا؟




.. دعوات للتهدئة بين طهران وتل أبيب وتحذيرات من اتساع رقعة الصر


.. سفارة أمريكا في إسرائيل تمنع موظفيها وأسرهم من السفر خارج تل




.. قوات الاحتلال تعتدي على فلسطيني عند حاجز قلنديا