الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تقرير: خرافة معدلات الخصوبة المرتفعة لدى المسلمين

عصام سحمراني
(Essam Sahmarani)

2013 / 2 / 16
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


هنالك خرافة تقول إنّ العالم الإسلامي لطالما كان خصباً على صعيد الولادات في القرون الماضية بحسب تقرير في "الوورلد كرانش". حتى أنّ بعض الكتاب ذهبوا إلى تحليل أسباب هذه الخصوبة المرتفعة كما البروفسور الأميركي في الدراسات السكانية دادلي كيرك الذي وضع مؤلفاً بعنوان "العوامل المؤثرة في ارتفاع نسبة المواليد لدى المسلمين" وذلك في العام 1965. حيث برهن في الدراسة بكلام علمي ديموغرافي أنّ البلدان الإسلامي لن تنتقل إلى نموذج العائلة المكون من طفلين فقط شأن الغرب.

ويقول التقرير إنّ نظرية كيرك ألهمت غيره من الكتّاب وأثرت النقاش حول ديموغرافية العالم الإسلامي، حتى أنّ صامويل هانتنغتون اعتمدها في عمله الشهير "صراع الحضارات"، فقال إنّ التهديد الديموغرافي يلعب دوراً مركزياً في الصراع بين الإسلام والغرب.

ويتابع أنّه ومع ذلك فإنّ نظرية كيرك دحضت بشكل مذهل اليوم وبشكل علمي. ففي العقود الأخيرة اختبر العالم الإسلامي تحولاً ديموغرافياً حاداً: فخلال 30 عاماً انخفض عدد الأطفال لكلّ امرأة بنسبة 50 في المئة. وفي إيران وصل الإنخفاض إلى 75 في المئة، وفي شمال أفريقيا إلى 70 في المئة. وعندما تدرك أنّ أوروبا أمضت قرنين كاملين كي تنتقل من 5 أطفال لكل امرأة إلى طفلين، فإنّ بإمكانك تقدير شدة الإنهيار في عدد المواليد في العالم الإسلامي.

ويشير التقرير إلى أنّه وفي أواخر العام 2011 نشر مركز أبحاث أميركي قريب من الحزب الجمهوري دراسة حول انخفاض معدلات الخصوبة في العالم الإسلامي واصفاً الظاهرة بأنّها "بغرابة غير ملاحظة". من جانبه يقول المتخصص في العالم العربي من معهد "آي ان إي دي" في باريس، يوسف كرباج عن التقرير الأميركي: "هؤلاء كمن يخترع الدولاب! فنحن نقوم بتوثيق الظواهر هذه منذ ربع قرن حتى اليوم، خاصة في شمال أفريقيا السباقة في التحولات الديموغرافية في العالم العربي". وفي العديد من الدول اليوم انخفضت الولادات؛ كما في لبنان حيث بات المعدل 1.6 أطفال لكلّ امرأة، وهو ما يفوق بشكل طفيف جداً معدل سويسرا (1.49)، لكنّه يتدنى عن معدل فرنسا (2.02).

ظاهرة عالمية

ويلحظ التقرير أنّ العالم الإسلامي ليس محصوراً بالشرق الأوسط وشمال أفريقيا، فهو يضم دولاً كالنيجر (7 أطفال لكلّ امرأة)، والبوسنة (1.3) حيث يشكل البلدان طرفي نقيض حادين بالنسبة للخصوبة. كما أنّ التحول الديموغرافي الأخير، الوحشي، ضرب دولاً غير إسلامية: ففييتنام، والبرازيل، وتايلاند عانت من تغيرات مماثلة.

من جانبه يقول كرباج وهو فرنسي- لبناني، إنّه لا وجود لأيّ منطق في التحدث عن الخصوبة في العالم الإسلامي إلاّ في إطار "تفكيك الكليشيهات". ويبين أنّه "من بين الأديان التوحيدية الرئيسية الثلاثة التي تشجع الخصوبة، فإنّ الإسلام وحده يشجع الإنجاب أقل". فالعامل الذي يشرح معدلات الخصوبة المتباينة حول العالم ما زال لا علاقة له بالأديان بل بمستويات التعليم. كما أنّ هنالك عوامل أخرى سياسية واجتماعية تختلف من بلد لآخر. ويشير كرباج في كتاب جديد رد فيه على صامويل هانتنغتون إلى أنّ معدل الخصوبة في كلّ دول العالم ينخفض حتى لو كان انخفاضاً تختلف معدلاته بين بلد وآخر. أما المعدل الذي ستستقر عليه الولادات، إذا ما استقرت، فإنّ معظم الدول المتقدمة تتراوح حول المعدل (2.1 أطفال لكلّ امرأة).

إيران

يشير التقرير إلى أنّ إيران تشهد أكبر دحض للرابط الثقافي بين الإسلام والخصوبة المرتفعة، فتحت حكم الشاه كان معدل المرأة الإيرانية الواحدة 7 أطفال. أما اليوم وفي إطار الجمهورية الإسلامية بات المعدل أقلّ من فرنسا حيث يصل إلى 1.8 أطفال لكلّ امرأة.

وبدأ الإنهيار مع قيام الجمهورية الإسلامية منذ بداية الثمانينات حيث اتخذ الحكام الدينيون سياسة "براغماتية" بحسب كرباج، حيث سمح بوسائل منع الحمل، وجرى التسامح مع الإجهاض. كما أنّ النساء الإيرانيات مثقفات بشكل عام وفاعلات في النشاطات الإقتصادية. وكلّ ذلك يعني التفكير مرتين قبل الإنجاب. وإعادة النظر تلك بخصوص العائلة التقليدية، قد تشكل واجهة لمستقبل البلاد حيث يقول كرباج: "كديموغرافي لن أراهن على بقاء النظام الإيراني. لا أعلم متى سيحصل هذا لكنّ الثورة الجديدة لا مفرّ منها".

فلسطين

ويؤكد التقرير أنّ هنالك محرك سياسي خلف الأسباب الدينية المفترضة للخصوبة شأن الصراع الفلسطيني الإسرائيلي. فحتى الإنتفاضة الثانية كان الفلسطينيون شعباً عالي الخصوبة رغم أنّهم بين الأعلى ثقافة وتعليماً في العالم العربي. حيث يمكن القول إنّهم كانوا يخوضون "حرب" خصوبة، منذ أن طلب الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات من كلّ عائلة أن تنجب 12 طفلاً: "2 للعائلة و10 للمقاومة". وخلال الإنتفاضة الأولى تزايدت الخصوبة في قطاع غزة إلى 8.76 طفلاً لكلّ امرأة. لكن وبعد الإنتفاضة الثانية تبدلت الأمور ولم تعد البروباغندا تؤثر في المرأة الفلسطينية. لكن وفي الوقت نفسه تزايد معدل الخصوبة لدى النساء اليهود في إسرائيل، اللواتي شجعن أيضاً على زيادة الولادات.

ويتابع أنّه عام 2005 وللمرة الأولى انخفضت معدلات الخصوبة بين النساء الفلسطينيات في القدس الشرقية إلى 3.94 طفلاً لكلّ امرأة، أي ما يقلّ عن معدل النساء اليهود الذي بلغ 3.94 طفلاً لكلّ امرأة. واليوم فإنّ المعدل في الضفة الغربية لدى الفلسطينيات 3.8 أطفال، وفي قطاع غزة 4.9 اطفال، أما بين اليهوديات في أراضي الـ48 فهو 3 أطفال، وهو ما يرتفع بشكل كبير في المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية حيث يصل إلى 6 أطفال للمرأة الواحدة.

ويعلل كرباج الإنخفاض لدى النساء الفلسطينيات بالفقر، خاصة بعد الإنتفاضة الثانية؛ "فالفلسطينيات بتن يمارسن الفردانية أكثر، بينما تزايد تأثير أيديولوجيا العائلة المركزية بين اليهود الإسرائيليين".

شمال أفريقيا

يقول التقرير إنّه وبعد انخفاض قاس وغير متوقع في الثمانينات تتجه الخصوبة إلى معدلات مختلفة في شمال أفريقيا. لكن المنطقة تشهد "مفاجأة جديدة" بحسب كلّ من زاهية عواضة، وجاك فالين، وإبتهال بوشوشة الذين كتبوا في مقالة لهم مؤخراً: في الجزائر ارتفعت معدلات الخصوبة من 2.2 إلى 2.9 خلال 10 سنوات، بينما في تونس استقرت عند معدل 2.1، وحتى ولو انخفض المعدل في المغرب وليبيا فإنّ المنطقة قد تشهد "طفرة ديموغرافية انتقالية فريدة".

أما ما يجعل هذه البلدان فريدة فهو أنّ انخفاض عدد المواليد يترافق ازدياد في سن الزواج. فمعدل زواج المرأة في ليبيا بالنسبة للعمر هو 33 عاماً، بينما في تونس والجزائر تتزوج النساء بعمر 30 عاماً. وهذه الإتجاهات، بحسب عواضة، هي نتيجة التقاء "التطلعات الجديدة" بين النساء و"القيود المادية" التي تمنع الأزواج الجدد من المضيّ سوياً.

ويختم التقرير بالتساؤل: هل سيدفع الربيع العربي الشباب إلى كسر محرّمات الجنس خارج إطار الزواج؟ أو هل سيكون هنالك اتجاه عكسي تماماً مع وصول الإسلاميين إلى الحكم ليدفعوا المرأة مجدداً إلى المطبخ؟ من جانبه يقول كرباج إنّ تزايد الحجاب واللحى في الشوارع يمكن أن يمضي جنباً إلى جنب مع تزايد العلمانية في الرؤوس. ولا يؤمن كرباج بـ"الإستثناء الشمال أفريقي"، ويتوقع أن تتبع دول المنطقة النمط الجنوب أوروبي.

ويخلص إلى أنّ هنالك اختلافات واضحة في معدلات الولادة بين المناطق والدول، لكن ذلك يمكن أن يعزى للعديد من العوامل. وما هو مؤكد أنّ "معدلات الخصوبة الإسلامية المرتفعة" خرافة لا وجود لها.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. لبنان - 49 عاما بعد اندلاع الحرب الأهلية: هل من سلم أهلي في


.. التوتر يطال عددا من الجامعات الأمريكية على خلفية التضامن مع




.. لحظة الاصطدام المميتة في الجو بين مروحيتين بتدريبات للبحرية


.. اليوم 200 من حرب غزة.. حصيلة القتلى ترتفع وقصف يطال مناطق مت




.. سوناك يعتزم تقديم أكبر حزمة مساعدات عسكرية لأوكرانيا| #الظهي