الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قراءة فى قصة خواء للكاتبة غادة هيكل

غادة هيكل

2013 / 2 / 20
الادب والفن


الكاتب والاديب أ حمد عبد الرحمن

Ahmad Abd El Rahman
و
قراءة في قصة ( غادة هيكل)

خواء
****
حكمت واستحكمت أمرت وأطيعت ، ركع تحت أقدامها الرجال فملكت الأعناق ، أصبحت النار التى كانت بردا وسلاما على إبراهيم تؤججهم ليل نهار ، بسحر جمالها وقوة شخصيتها ومعرفتها ببواطن الأمور ،خر لها القاصى والدانى ، قضت يومها فى الحكم والإمارة ، انتقلت إلى حجرتها ، نظرت إلى مرآتها ، فوجدت خواء فى جوفها ، استغربت لحالها ، من أين أتى هذا الخواء ؟ ولماذا ؟استدارت تبحث عما يملأ هذا الخواء ، ولكن؟ عن أى شيء تبحث وأين تبحث ؟
نادت الحراس : فلتأتوني بعلماء البلاد وفقهاء البلاد وأطباء البلاد .
حاولت إخفاء هذا الخواء بداخلها إلا أنه كان كبيرا فلم تستطع،لا يدها مدارته ولا رداؤها أخفاه ، يا له من فاجعة لمن هم مثلها ،
أتى الأطباء والعلماء والفقهاء ،اندهشوا من هذا الخواء وحجمه الكبير ، فلم يرد عليهم مثله من قبل ، أواه على ذلك كيف يتمكنون من رتق هذه الفجوة العميقة يا له من عمق وسر دفين ، ظلوا ينظرون ويتباحثون فيما بينهم ، وقالو :
لن يندمل هذا الجرح إلا بسلطان واحد ، ولكن كيف نقول لها هذا ، وهل تقبل بسلطان آخر عليها يتحكم فيها وتطيع هى أوامره وتتبع ملذاته وتسير فى ركب هواه ؟ يا له من سؤال ويا لها من إجابة كيف تتلقاها، وكيف ننجوا من ردة فعلها، قد تقطع فيها الرقاب وقد نسجن مدى الحياة، وعلى كل فنحن مقتولون فى هواها ومسجونون فى سحر جمالها وربوة غنجها ودلالها .
أتاها الأطباء فقالوا: علاجك مولاتي عند العلماء وفروا من السؤال.
وأتاها العلماء وقالوا: علاجك مولاتى عند الفقهاء .
وعندما أتاها الفقهاء قالوا:شفاؤك مولاتى بيدك أنت من تملكين الأمر والنهي .
استشاط غضبها وأمرت بقتلهم جميعا ثم عادت وأمرت بحبسهم حتى لا يخاف غيرهم من معرفة الدواء ونادت فى البلاد من يملك شفاء الملكة فليأتِ وجائزته الزواج منها وجعله السلطان، تسابق الرجال وكل في نفسه غرض: من يريد الشفاء ومن يريد النظر
إلا هو، شاب فى مقتبل العمر فقير الحال سليط اللسان لا يأبه لمال أو جاه أو سلطان، كلما سمع الحكي ضحك واستهزأ، حتى بلغ أمره إلى الملكة فاستشاطت غضبا وأتوا به إليها ، وعندما وقع نظره عليها عرف علتها، استجمع قواه التى خارت من حسنها وعكص حاجبيه وأظهر الجد بعد الهزل وقال:
يا سيدة الجمال علاجك فى ثلاث لا محال :
اتركى الحرير وانطلقى نحو الغدير فى كوخ صغير تسكنه الطبيعة
ولا تستخدمي لخدمتك غنيا أو فقيرا
واصنعي أجمل الطعام بيديك لمن تحبين
تعجبت الملكة من طلبات هذا الحقير وبعد صمت طويل أرادت أن تنفذ ما طلب لعل وعسى !
انطلقت وحيدة حيث أمر واستغنت عن كل الخدم وصنعت طعام يشتهيه القمر
ولكن لمن تقدمه ؟ فلا حبيب ولا صديق ولا رفيق يُنتظر !
فكرت مليا لمن تهدى الطعام؟ وهنا وجدت إجابة السؤال وعرفت ماهية الخواء ولم صُنع إنه خواء الحب والرغبة التي التهمها السلطان ، عرفت السبب ولكن من أين يأتى الدواء؟ وقد وعدت بما لا تملك الوفاء به وإن وفت ظل الخواء مصاحبا لها، وفتح باب الأسئلة مرة أخرى .
-------------------------
يقولون الإنسان حيوان اجتماعي لا يعيش منفردا... وهذه ليست صفة خاصة بالإنسان فكثير مما خلق الله يعيش حياة اجتماعية بصورة من الصور... النمل والنحل... والقرود والذئاب... خلق الله الذكر والأنثى... وجعل بينهما ألفة تربطهما معا برباط المودة... فيميل كل منهما للآخر ميلا فطريا... شرَّع الله له القوانين... التي أُنزِلت في الكتب السماوية وفيما دعا إليه الرسل والأنبياء... والخروج عن أو على هذه القوانين توقع الفرد في تناقض وصراع وألم وخواء... وتقدم لنا غادة قصة تظهر لنا عاقبة من يترفع عما شرع الله سبحانه وتعالى... وتقدم العلاج...
ونتوقف عند العنوان (خواء) خلو المكان مما كان فيه، أو مما يجب أن يكون فيه... فهو ليس الفراغ... بل غياب من يملأ الفراغ... من يملأ المكان أو يملأ القلب...
وتقدم لنا نموذجا لأميرة أو ملكة... خدعها ما وجدت نفسها فيه من عز وسلطان وجاه... تقول عنها : (حكمت واستحكمت أمرت وأطيعت... ، ركع تحت أقدامها الرجال فملكت الأعناق ،) فهي في موقع اجتماعي يتيح لها أن تفعل ما يحلو لها... و(حكمت) أصدرت حكما... بينما (استحكمت) مكنت نفسها في موقعها... ولا يجوز أن تأتي هنا بمعنى طلب الحكمة... ولذا ونتيجة لما سبق أمرت بما تريد أن ينفذ حتى لو كان استبدادا فأطيعت ونفذت أوامرها... وهذه المكانة والقدرات تخدع المرؤ فيرى نفسها مستغنيا عن غيره... فهو يستطيع بمكانته وجاهه وعزه وما يملك أن يحقق ما يشاء... في هذه الدوامة لم تعر اهتماما لوجود شريك عمر بجانبها... وما حاجتها له وهي القادرة على إيجاد العشرات والمئات ينفذون إرادتها...
وما ساعدها على الوصول لمكانتها الخاصة... أو ما ساعدها على بسط نفوذها ما رأته من ركوع الرجال طلبا لرضاها وودها... فملكتهم بقوة شخصيتها وبجمالها...حتى (خر لها القاصي والداني)...
لكن هل كانت سعيدة... ترسم لنا أ. غادة حالها من الداخل فتقول : (نظرت إلى مرآتها ، فوجدت خواء فى جوفها ، استغربت لحالها ، من أين أتى هذا الخواء ؟ ولماذا ؟استدارت تبحث عما يملأ هذا الخواء ، ولكن؟ عن أى شيء تبحث وأين تبحث ؟) والنظر في المرآة وصورتها فيها لم يكن نظرا بصريا... بل بالبصيرة... بالمشاعر والأحاسيس... بالقلب والعقل... فهي رأت خواء في نفسها... وجدت نفسها خاوية خالية كإناء فارغ... أو كبستان بلا شجر أو ورود أو عطر الزهور... استغربت لحالها... لم يرضها أن تشعر بخوائها... فبدأ تبحث عن مصدره، وعن سبب استقراره فيها... وكيف تملأ ما تشعر به من خواء في القلب والروح... لكنها لم تهتدِ إليه فهي لا تعرف ما الذي يمكن أن يملأها... وعليه لا تعرف أين تجده... وكان عليها الاستعانة بالعلماء والحكماء والأطباء ... الذين (اندهشوا من هذا الخواء وحجمه الكبير... ظلوا ينظرون ويتباحثون فيما بينهم...) واهتدوا إلى سبب مشكلتها... وآلية علاجها... (لن يندمل هذا الجرح إلا بسلطان) لكن المشكلة في: من يتجرأ ويخبرها... ويبدو أنها عاشت تحت سلطة سلطان سابق عليها... فإن الكاتبة تقول: (وهل تقبل بسلطان آخر عليها)... فلا يوجد سلطان يقبل أن تتحكم فيه امرأة... فسيكون هو المطاع وعليها تنفيذ أوامره وهي حال لم تعتد عليها... تقول غادة واصفة هذه الحال بقولها: هل تقبل بسلطان (يتحكم فيها وتطيع هى أوامره وتتبع ملذاته وتسير فى ركب هواه ؟) والسؤال يفيد الاستبعاد... فمن المستبعد أن تقبل بسلطان تفوق سلطاته سلطاتها بل وتكون تابعا له.... ومشكلة أهل الرأي والشورى والعلماء فيمن يصف لها العلاج... فكيف ستتلقى جواب سؤالها ووصفة علاجها؟ بل كيف ينجو من يخبرها من غضبها وردة فعلها... فهم يدركون أنها تعلمت في حكمها الشراسة والعنف لتخضع الرجال... فكيف تقبل أن تعود لتنفذ أوامر الرجل؟!!! فردة فعلها قد تصل إلى قطع الرقاب... أو السجن مدى الحياة... لذا جبن الجميع عن المغامرة بإخبارها...
وقد أجادت الكاتبة في رسم كيفية التهرب من إخبارها بعلاج حالة خوائها... قال الأطباء لها: (علاجك مولاتي عند العلماء وفروا من السؤال). وأنا لست مع كتابة (فروا من السؤال) فالقارئ سيدركها بفهمه... و(أتاها العلماء وقالوا: علاجك مولاتي عند الفقهاء) .أما الفقهاء فكانوا أكثر جرأة فقلوا: (شفاؤك مولاتى بيدك أنت من تملكين الأمر والنهي)، وهي كلمات فيها الكثير مما لم يقل... لذا رأت أن أيا منهم لم يقدم لها العلاج الشافي... وككل مستبد كان قرارها السريع والمتعجل بقتلهم جميعا... الأطباء والعلماء والفقهاء... ثم قررت حبسهم... ليس رفقة بهم واحتراما لمكانتهم وحاجة المجتمع لهم... بل حتى لا ينتشر الخبر... فلا يجرؤ أي شخص آخر على تقديم العلاج الشافي لها... ونادت في البلاد (من يملك شفاء الملكة فليأتِ وجائزته الزواج منها وجعله السلطان)... وبعبارتها هذه قتلت كل ما كان الأطباء والعلماء والفقهاء يجهدون على أنفسهم حتى لا يبوحو به... إذا كان خوفهم لا مبرر لهم... ولم يكونوا على علم بطبيعة سلطانتهم... فهل لا يعرفها كل هؤلاء حق معرفتها ؟!! أم نعتبر هذا خللا في الرواية؟
وكان من الطبيعي أن يتسابق الكل لعرض علاجه عسى أن ينجح... أو ليتملى بجمالها... إلا شابا (فى مقتبل العمر فقير الحال سليط اللسان لا يأبه لمال أو جاه أو سلطان)، ولا أدري سببا لقولها سليط اللسان... ألا يجوز أن يكون فقيرا ولا يهتم لجاه أو سلطان ويكون رقيق اللسان جميل الطباع؟؟ وهل رجل بمثل هذه الطباع لا يخشى غضب السلطانة التي سجنت الأطباء والعلماء والفقهاء؟؟؟ فيستهزئ منها ومن مكافأتها... ومن الطبيعي أن يصل الأمر إلى الملكة (فاستشاطت غضبا... وأتوا به إليها)، ولم تصفه الراوية بالذكي الفطن الذي ما أن (وقع نظره عليها (حتى) عرف علتها)، استجمع قواه التى خارت من حسنها (وكأنه لا يعرف حسن مليكته)... وتجرأ (وأظهر الجد بعد الهزل وقال: يا سيدة الجمال علاجك فى ثلاث لا محال) :ويقدم لها العلاج: (اتركي الحرير وانطلقي نحو الغدير في كوخ صغير تسكنه الطبيعة ... ولا تستخدمي لخدمتك غنيا أو فقيرا ... واصنعي أجمل الطعام بيديك لمن تحبين) ... عليها التحرر من قيود كونها الملكة لتسكن كوخا عاديا وسط الطبيعة... وتتخلى عن الخدم والحشم... لتقضي وقتها فيما ينفعها... وتعد طعاما وتقدمه لمن تحب... ورغم أن الملكة تعجبت من قوله إلا أنه قامت بما قال لها... وعندما (صنعت طعام يشتهيه القمر) تساءلت لمن تقدمه؟ أين من تحب؟ (فلا حبيب ولا صديق ولا رفيق يُنتظر) ... ففهمت أسباب الخواء وماهيته فهو (خواء الحب والرغبة التي التهمها السلطان)... (ولكن من أين يأتى الدواء؟) ونفاجأ أنها لا تملك الوفاء بما وعدت... ونتساءل بل نسأل أ. غادة: هل لا تملك الحق في أن تتزوج من بين لها سبب خوائها؟ وهل (إن وفت ظل الخواء مصاحبا لها، وفتح باب الأسئلة مرة أخرى) .النهاية لا زالت غير مقنعة... وكنت آمل أن تنتهي القصة عند سؤالها لمن أقدم الطعام فليس لها محب أو صديق أو رفيق... وتترك للقارئ وضع النهاية التي يعتقدها... ليشارك في صنع أحداث القصة..
دام إبداعك








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. من الكويت بروفسور بالهندسة الكيميائية والبيئية يقف لأول مرة


.. الفنان صابر الرباعي في لقاء سابق أحلم بتقديم حفلة في كل بلد




.. الفنانة السودانية هند الطاهر في ضيافة برنامج كافيه شو


.. صباح العربية | على الهواء.. الفنان يزن رزق يرسم صورة باستخدا




.. صباح العربية | من العالم العربي إلى هوليوود.. كوميديا عربية