الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


كيف وصلت الخمسين وانا انثى .. ثم الى اين ؟.

اخلاص لطيف يوسف

2013 / 2 / 25
ملف فكري وسياسي واجتماعي لمناهضة العنف ضد المرأة


كيف وصلت الخمسين وانا انثى .. ثم الى اين ؟.
ولدت وولد الرفض معي .. وكانت صرختي الاولى في هذه الحياة هي صرخة رفض وكانها ردة فعل لرفض ولد معي .. فقد استقبلتني التي كنت في رحمها بالرفض .. حيث اخفتني والدتي تحت السرير .. واخفت عن ابي خبر الولادة .. فقد كنت انثى .. واخفت والدتي جريمة مجيئي انثى عن من لا تاتمنهم على كتمان سر هذه الجريمة .. واستمرت تخفي هذا الخبر لمدة اسبوع .. فانني انثى .. فقد ولدت انثى ولست ذكرا كما يريدوني .. اخفتني والدتي لا خوفا عليّ .. ولا حبا بي .. ولا هو تقليد اجتماعي او ديني .. بل هي قد اخفتني خوفا من الملامة .. البسوني ذنبا كوني انثى .. كانني اخترت بنفسي ان اكون انثى .. انا انثى .. كيف الخلاص من اني انثى .. وبقيت انثى .. واستمر الرفض لوجودي انثى اضافة الى اللائي سبقنني من اخواتي الاناث .. استمر الرفض من كل ناحية وفي كل الاوقات .. واستمريت ماشية في الحياة انثى .. نعم انثى .. فما اقبح ان يكون الانسان في هذا المجتمع انثى .. وكأن الرجل لم يخرج من رحم انثى .
استمر الرفض لوجودي انثى ولا يد لي في كوني انثى ولا اصبع .. استمر الرفض من كل ناحية وعلى طول الوقت .. بدأت ادرك هذا الرفض .. وبدأت اراه حقدا بدون مبرر .. وكم كنت ومازلت .. اتألم .. اتألم لذلك .

كم اشتهيت الحب الذي اسمع عنه من الغرباء .. كم تلهفت للحنان بفطرية الطفولة دون ان اعرف معنى كلمة الحنان .. هيهات .. فلم انل ما يسمى حبا وما يسمى حنان .. مازالت في اعماقي لهفة لذاك الحب .. ولهفة لذاك الحنان .. ترى هل اني افهم ذاك الحنان في ذاك الزمان ؟.. ترى هل اعرف الان ما هو الحب وما طعم الحنان .. كيف التعامل مع الحب والحنان ؟.

وضعوني طول الوقت محط شك واتهام في كل فعل افعله .. في كل قول انطقه .. حاسبوني في سكوتي ملامة كي اتكلم .. وبخوني زجرا عنيفا كي اسكت عندما اتكلم .. لماذا انتي ساكتة وبماذا تفكرين .. عيب مخزي ان تسكتين .. عارعلينا عندما تتكلمين .

الخلوة مع ذاتي ممنوعة .. التفكير مع نفسي مخازي مسموعة .

كبرت .. كبرت في محيط غني باشد الظلم .. كبرت في محيط به اشد القسوة .. واشد العنف .. واشد الضرب .. كبرت يرافقني شعوري بالضياع .. كبرت لوحدي مع وحدتي .. كبرت بلا امل .. فشلت بالعيش معهم بسلام .. فقد كنت انثى .

ياللعجب .. وياللغرابة والعجب .. فقد كنت وكانني احب الحياة .. وقد كنت وكانني في داخلي حبا وحنان .. وقد كنت وكانني اقدم بصدق الطيبة والعطاء لهم قبل غيرهم .. هل حقا انا اعرف الحب والطيبة والحنان ؟. ام تراها تعطشا للحب والطيبة والحنان . .. حنان الاب .. وحنان الام .. وعطاء الاخ .. وصداقة الاخت .

كنت ابكي استجداء لعطفهم ورعايتهم .. كنت ابكي توسلا للاعتراف بي .. وكنت .. وكنت .. وكانوا يقابلونني بالاستهانة والرفض .

كنت نقية مثلما يولد الوليد مخلصا وامين .. لطخو صفاتي النقية .. لطخو حياتي .. لطخوا افكاري .. لطخوا نفسيتي .. لطخوا سحنة وجهي .. لطخوا جسدي وجعلوني مكبا لغضبهم ومصرفا لعقدهم .

نمت عندي فكرة التخلص من واقعي المفروض وحياتي البائسة .

اجبنت في التخلص من هذي الحياة .. ففكرت في الانسلاخ عن هذا الوسط .. وفكرت .. وفكرت فانسلخت جسدا عنهم وفي اعماقي عقدهم وظلمهم .. وخدمتني الفرص فانتقلت الى حياة في محيط يختلف جذريا بعد واحد وعشرين عاما عشتها معهم مشوشة .. حياة جديدة .. حياة لا افهم الا القليل من مفاهيمها ولكنها مريحة .. حياة في محيط يسمى اسرة .. حياة في محيط به لذائذ شتى .. لم يكن سهلا عليّ التاقلم بسرعة مع هذه اللذائذ .. ثم علمت مؤخرا ان هذه اللذائذ بعضها يسمى حنان .. وبعضها يسمى احترام .. وبعضها يسمى محبة .. وبعضها يسمى صداقة .. وبعضها يسمى تسامح .. وبعضها يسمى ألفة .. فقد كانت هذه المسميات غائبة عني في الشطر الاول من حياتي .


احاسيس غريبة تتحرك في اعماقي جديدة عليّ ولكنها مرغوبة عندي .. لا يعكرها سوى تعقيد الماضي السحيق .. صراعات تسري في اعماقي بقتال عنيف .. قتال دامي .. بين تعقيد الماضي السحيق وصفاء الحاضر الرقيق .. سألت نفسي .. هل انا الان في نعمة بعد نقمة .. ام انني الان في نقمة بعد نعمة .. اشياء جديدة .. اساليب تفاهم جديدة .. مفاهيم جديدة .. اسارير جديدة .. سحنات جديدة .. جميعها لم تكن لي بها صلة في الماضي .. وببطء شديد بدأت اعرف القليل عن هذي الحياة الجديدة .. وبدأ الخوف يتذبذب في اعماقي ميالا لناحية الزوال .. هل انا في مكاني الصحيح ؟.. ام انا في ضياع جديد ؟.

ومع تذبذبات الخوف الميال للزوال .. بدأت اهرب من هذي الحياة الجديدة .. اهرب بانهماكي بالعمل .. اهرب باشغال نفسي بمساعدة الاخرين قدر ما استطيع .. اهرب من مواجهة العواطف العائلية لجهلي بالتعامل معها .. اهرب من طيبتي وعقدي لضعف قدرتي على التحكم بها .. اهرب من نفسي .. اهرب من واقعي .. اهرب من قريبي .. اهرب من حبيبي .. اهرب من تفكيري .. اهرب من خيري .. اهرب من شروري .

اصبحت مترددة لا اعرف اين اتجه بهروبي .. لا ارى في الافق مكان استقر به .. لم افكر بمستقبلي .. لم ارسم خطة لما سياتي من الايام .. لم اثبت على راي ولا على فكرة .. ولا على سلوك .. ولا على الياس ولا على السعادة .

هذا بعض مما تعيشه الانثى الطفلة .. والانثى الفتاة .. والانثى المراة في بلداننا العربية والاسلامية .. متى يعي الرجل عندنا انه حصيلة ذكر وانثى .. وان امه انثى .. وان شقيقته انثى .. وان زوجته انثى . وان ابنته انثى .. وانه سيبقى حصيلة ذكر وانثى .. وانه ما كان قد وجد لولا ان نصفه انثى .. ارى انه يجب على من يعي ان يوعي من هم حوله .. وعلى من تعي ان توعي من هم حولها .. مجرد وجهة نظر .
اخلاص لطيف يوسف








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. هل يعاني علم المصريات من الاستعمار الثقافي؟ • فرانس 24 / FRA


.. تغير المناخ.. تحد يواجه المرأة العاملة بالقطاع الزراعي




.. الدكتورة سعاد مصطفى تتحدث عن وضع النساء والأطفال في ظل الحرب


.. بدء الانتخابات التمهيدية الخاصة بالمرأة في الحسكة




.. ضجة في مصر بعد اغتصاب رضيعة سودانية وقتلها