الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الأحزاب و دينامية المجتمع المغربي

محمد السلايلي

2013 / 2 / 26
مواضيع وابحاث سياسية


بالمغرب فقط، تجد أحزابا ميتة هي من تملك جرائد و مقرات و أرصدة بنكية متخمة و قواعد هلامية تستخدم تحت الطلب بالدفع المسبق و المؤخر، بينما تجد الاحزاب الحية، التي يدفع أعضاؤها ضريبة النضال من حياتهم، لا تملك مقرات و لا جرائد و لا أرصدة...و بالاضافة لذلك لا يوجد لذيها جمهور خارج الاعضاء و المتعاطفين معها، يشد من أزرها و يحميها من الضربات المتتالية للقوى المخزنية؟ لا توجد صلافة أكثر من صلافة الاحزاب المكونة للبرلمان التي تصرح ان الحراك الشعبي الذي قادته 20 فبراير أدى الى اصلاحات سياسية و دستورية لم يكن منتظرا الوصول اليها حسب زعمها. وعلى الرغم من هذا الاعتراف " بالجميل " لم يجرء اي برلماني بالقبة او بالغرفة، لكي يطالب باطلاق سراح معتقلي 20 فبراير.
ان هذه الاحزاب ليست ناكرة للجميل فقط ، انها الدليل الحي على انها منافقة و مراوغة و تطبق السياسة بمفهومها القذحي الذي يحيل لخدمة المصالح الضيقة و مصالح السلطة و النافذين اقتصاديا و سياسيا، انها باختصار شديد أحزاب وجودها في حد ذاته مشكلة ابستمولوجية امام انعتاق المجتمع و تحرره من الفساد و الاستبداد.من علامات تصدع احزاب اليسار المغربية فهمها لتشكيل التيارات فهما خاطئا منحرفا يقسم الحزب و يشل حركته. اصحاب نظرية التحديث الحزبي المدافعين عن تاسيس التيارات المشوهة يتصورون الحزب كمؤسسة سكك الحديدية : هناك سكة واحدة و نقطتي انطلاق و وصول يسير فوقها قطار تختلف عرباته و تنقسم بين العادية و الدرجة الثانية و الدرجة الممتازة.
وداخل الاسرة السيسارية نجد في صفوف حزب يدعي انتماؤه لليسار تكتل مصلحي مرتبط دينيا و عاطيفيا بالقوى المخزنية و تكتل اخر ليبيرالي مرتبط بالباطرونا و الراسماليين و قاعدة هجينية في الاسفل من الاعضاء وقعوا تحت حماس الشعارات البراقة السياسية و النقابية ..
إن تشتت القوى اليسارية و الديمقراطية و ضعف القدرة التنظيمية لإطاراتها الحزبية و النقابية و المدنية وهشاشة القنوات التواصلية بين هذه القوى وبين فئات واسعة من الشعب، لا يجعل هذه القوى بعيدة عن محور الصراع و التأثير الراهن حول اعادة بناء الدولة الوطنية فقط، بل يدفع غالبيتها للارتماء في أحضان الانظمة الفاقدة للشرعية الشعبية عن طريق توافقات غير مبدئية، حيث تستفيد هذه الانظمة بالتحكم في التوازنات السياسية بين تناقضين ثانوين نابعين من المجتمع : قوي شعبية لا ديمقراطية محافظة و تستبطن اعادة انتاج الاستبداد و ديمومته. و قوى ديمقراطية شعبية تقدمية تكافح من اجل الانتقال السلمي للدولة الديمقراطية. إنها الديمقراطية المغربية ...
ومن ضمن أسباب انهيار العمل النقابي بالمغرب، ان لم يكن السبب الرئيسي، هو أنه أصبح محصورا على وظائف قطاعات الدولة المختلفة و ابتعد عن العمال و الفلاحين .. ّو إذا علمنا أن هناك عدد لا يستهان به من الموظفين المتملقين المرتشين بمختلف القطاعات نتيجة فساد الادارة المغربية، فإن قاعدة هذه النقابات تتحول مع العندما ينغمس اليساري في الزمن السياسي السائد، تبدأ عملية تدجينه و احتوائه من طرف القوى المسيطرة على هذا الزمن فتصبح مطالبه و افكاره حول التغيير و الجماهير و العمال الكادحين و الفقراء و المقهورين .. عبارة عن شعارات براقة جوفاء مهزوزة عن الواقع. ان اليساري لا يتحول لرجل سياسة الا حين يفشل في استمالة و تعبئة الجماهير من حوله، و حينها يصبح رجعيا محافظا اكثر من الرجعيين المحافظين؟وقت ل"كارتيلات " بيد سماسرة لا يهمها من العمل النقابي الا واجهته التي تشرعن تملقهم و تحميهم بنوع من الحصانة النقابية؟
لسنا ضد نضالات الشغيلة المغربية، ولا ضد مطالبها المشروعة، غير أن المركزيات النقابية اصبحت تحترف تجزيء و تفييء القوى العاملة و ان غالبية اعضائها هم بحكم السلم الاجتماعي ينتمون للطبقة الوسطى المشكلة اساسا من موظفي مختلف اسلاك الدولة. في المقابل، توجد الالاف من اليد العاملة الرخيصة بما يسمى القطاع الخاص خارج التغطية النقابية مسلوبة الحقوق و تعيش استغلالا مزدوجا من طرف الراسمال و من طرف الجهات الوصية. ان هذه المركزيات الغارقة في التفييء و التجزيء و تسييس المطالب الاجتماعية، لم تعد ترغب في تنقيب هؤلاء العاملات و العمال و أصبح العمل النقابي في مفهومها محصورا على مستخدمي القطاع العمومي المشكلين للطبقة الوسطى التي تستعمل كحاجز طبقي بين البورجواجية المتعفنة بالفساد وبين غالبية ابناء الشعب المقهورين من عمال و فلاحين و معطلين ....
الى اي حد إذن ، ينفلت ما يسمى بالمجتمع المدني بالمغرب من التبعية للادارة الخارجية للولايات الامريكية المتحدة؟ و الحديث هنا ليس محصورا فقط في الجمعيات التي تتخذ من مقولات المواطنة و حقوق الانسان و مقاربة النوع موضوعا لاشتغالها، بل أيضا تلك الجمعيات التي تتخذ مواقف مضادة من خلال استغلال الدين الاسلامي و فصله عن جذوره التاريخية و الاجتماعية.؟؟
ومناسبة هذا السؤال، هو الزج بشباب المغرب في معارك كلامية تبعده عن جوهر الصراع الاجتماعي و السياسي القائم ....
لا توجد نخبة سياسية تحتقر شعبها خاصة المقهورين و الكادحين و المظلومين، مثل النخبة المغربية بمختلف مشاربها و مراجعها. فمبرر وجود هذه النخب ليس قيادة المجتمع نحو المساواة و كرامة الانسان و ازدهاره ، وانما استغلال واقع الشعب المتدني و الركوب على مطالبه السياسية و الاجتماعية لكي تحظى بجزء من نعم وكرم السلطة الغاشمة.
مؤخرا تم الاعلان أن التعويضات التي صرفت على ضحايا مرحلة حكم الملك الحسن الثاني بلغت حسب محمد الصبار 200 مليار سنتيم. وقد صرفت هذه الملايير بشكل متفاوت على حوالي 18 الف طلب تعويض. ويتضح من الارقام المقدمة في هذا الصعيد، أن حتى تعويض الضحايا فيه ميز وتفاوتات بحيث صرف لبعض الحالات ما يزيد عن 200 مليون سنتيم للفرد بينما تم رفض الالاف من الطلبات بدعوى عدم الاختصاص أو التلكؤ في قبولها بدعوى دراسة التعويض و شكله؟
و معلوم أن منظري استراتيجية التعويض عن الانتهاكات الجسيمة لحقوق الانسان، كانوا يضعون بين أعينهم تجربة جنوب افريقيا، التي خصصت 4000 دولار فقط وبالتساوي لكل فرد من الضحايا، غير أن الشكل هو ما تم جلبه من هذا البلد الافريقي، أما المحتوى فقد ملؤوه وفق شروط قالوا أنها تحكمها التوافقات مع الدولة المخزنية، لذلك كان التعويض مثل رواتب موظفي الدولة : تعويضات سامية المبلغ و أخرى هزيلة ؟
فهل يمكن لدولة مستبدة و ظالمة و قاهرة ولها من الذكاء و القدرة على التلون و التقلب، أن تجبر ضرر ضحايا سياساتها الاجتماعية و السياسية و الاقتصادية؟ سياسة جبر الضرر برزت بعد ان وصل الفساد و الاستبداد مرتبة الفضح و الانكشاف التام، ليس فقط من طرف اعضاء المجتمع، بل أيضا من طرف مؤسسات و هيئات حكومية دولية و أممية التي دقت ناقوس الخطر و حذرت من السكتة القلبية.
جبر الضرر بالنسبة للنخبة الحقوقية اصبح ممرا سالكا نحو المجالس الملكية الاستشارية اهمها المجلس الوطني لحقوق الانسان. يتم جبر الضرر ببلدان انتقلت فعليا من نظام مستبد الى نظام ديمقراطي بالمغرب تتم هذه العملية بين احضان نفس النظام ما يجعلها اشبه بعملية ارتشاء كبرى منها الى عملية لتصفية الماضي و بدا صفحة جديدة نحول دولة الحق و القانون؟؟في الديمقراطيات الغربية يتشكل الوزراء باعتبارهم الاداة التنفيذية المنتخبة لتطبيق البرنامج الذي وعدوا به الناخبين، من شخصيات في الغالب تنتمي لعائلات سياسية و ثقافية و اقتصادية مشهورة. سواء ترشحوا باسم اليسار أو اليمين، فهم أبناء طبقات ميسورة ، لكن بمجرد تكليفهم بالمسؤولية الحكومية يعيشون فترة ادارتهم للشان العام في تقشف و عفاف مثلهم مثل الفئات الدنيا من الطبقة الوسطى يستعملون وسائل النقل العمومية ويسكنون شققا عادية و يحرصون على ان لا يظهروا بمظهر الثراء و البدخ حتى لا يجرهم القضاء للمساءلة.
في المغرب وربما بجميع البلدان العربية ، يحصل العكس تماما، يتشكل الوزراء من شخصيات سياسية غالبيتها تأتي من قاع المجتمع أو تحرص في بداية مشوارها السياسي أن تظهر منتمية لهذا القاع، وقد رأينا كيف نشر الاعلام صور قيادات حزب العدالة و التنمية يشربون البيصارة و يجلسون فوق الارصفة و يسكنون الاحياء الشعبية مع بداية تشكيلهم للحكومة. و بعد ذلك، تغيرت الصورة و بانت علامات النعمة عليهم ، اما اذا وضعنا الاجور كمقارنة بين هؤلاء و أولئك، فإن الصورة ستبدو جد شادة.؟؟
يتملص السياسيون و النقابيون و الفاعلون بالمجتمع المدني من مسؤوليتهم في تاطير الاحتجاجات باعتبارها نابعة من صميم المجتمع و ديناميته. انهم مكبلون بتوافقات و شراكات و مصالح أقل ما يقال عنها أنها أصبحت محدودة في طبيعة أهدافها و مطامحها إن لم نقل أنها بمثابة صفقات غيرمعلنة الهدف منها تزيين صورة " الديمقراطية المغربية" وتشكيل حاجز يفصل الطبقات الوسطى المنهوكة أصلا بالديون و تدني قدراتها الشرائية عن بقية الطبقات الشعبية.
بعد ان تم تحييد الجزء الاكبر من الهياكل السياسية و الاجتماعية من الصراع الذي يحكم البلاد، تعود حركة 20 فبراير، بعد أن انسحبت منها أكبر جماعة اسلامية معارضة للنظام، لتكشف نفاق نخب ظلت تنتقد وجود الاسلاميين بين صفوفها . لقد صدمت هذه النخب بعد عودة شعارات التغيير للشوارع و الساحات، و هي التي كانت تنتظر تحولها لحركة ضد الخوانجية كما كان يخطط منظري النظام.
بالنسبة لشباب الحركة، المستهدف بتلفيق التهم المجانية للزج به في السجون، فان هذه العودة هدفها الاول استرجاع المبادرة و تثبيت حق التظاهر الرسمي كحق لا رجعة فيه، و بالنسبة للدولة فهي مواجهة للعودة بالاوضاع لما قبل 20 فبراير، أي ما قبل الربيع الثوري. أما غالبية الاحزاب و النقبات و الجمعيات المحسوبة على المجتمع المدني، فهي لا تقف موقف المتفرج فقط، بل إن بعضها لم يعد يخفي توجسه من حركة الشارع خشية أن يفقد الامتيازات التي توفرها الشراكة مع الدولة و أجهزتها الاخطبوطية. لذلك فهذه الاحزاب ابتعدت عن دينامية المجتمع و في ابتعادها تسقط صورتها لذى الراي كما سقطت صور مجمل المؤسسات القائمة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. وسام قطب بيعمل مقلب في مهاوش ????


.. مظاهرات مؤيدة للفلسطينيين في الجامعات الأمريكية: رئيس مجلس ا




.. مكافحة الملاريا: أمل جديد مع اللقاح • فرانس 24 / FRANCE 24


.. رحلة -من العمر- على متن قطار الشرق السريع في تركيا




.. إسرائيل تستعد لشن عمليتها العسكرية في رفح.. وضع إنساني كارثي