الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


نسق الايهام والتعويض عند اجود مجبل في سيد العربات

حسين القاصد

2013 / 3 / 3
الادب والفن



(إلى محمد بوعزيزي الفتى التونسي الحالم الذي لم يُمهلوه حتى يبيعَ ما في عربتِه من الخُضار، فاقترحَ النارَ على جسدِه ليقرأَ رمادَه الطغاة)

بهذا الإهداء يبدأ اجود مجبل رحلته بالبحث عمن يساعده لكي (يحك جلد المدينة)، والشاعر لايعنيه ولن يعنيه ماحدث لمحمد بوعزيزي بقدر ماهو مشدود إلى نسق التعويض، انه يحاول تعويض إحباطه بأمل محبط ومخدوع اسمه (محمد بو عزيزي) هذا ما يفصح عنه النص وان بدا الشاعر متعاطفا مع البوعزيزي لكنه أجاد الحيلة الثقافية، فكل الأماكن التي تظهر أسماؤها في القصيدة ترتبط ببغداد ارتباطا نفسيا مباشرا لتوقع الشاعر في فخ الافصاح الجزئي.
هاهي الأرضُ واقفةٌ خلْفَ بابكَ
تُشرِقُ فيها الفرائسُ
إِئْذَنْ لها ياحبيبي لتَدخلَ
إنّ غُبارَ المماليكِ أفسدَها
والجنودُ يبيعونَ يوسفَ
كالنفطِ بالعُملةِ الأجنبيةِ كلَّ صباح ٍ
وأنتَ على شاطىءِ المتوسّطِ

لكَ المجدُ يا سيّدَ العرباتِ
التي صُبحُها خُضرةٌ ومواويلُ
تُنشِبُ وجهَكَ في صحوِهِم وتغنيّ:
(إذا الشعبُ يوماً)
فتنهمرُ الطلقاتُ كسِرْبِ جرادٍ
يُعيرُ البساتينَ تذكرةً للخريفِ
وتأتي العواصمُ مدعوكةً بالأناشيدِ
والصبيةِ الشاهقينَ
(إذا الشعبُ يوماً)
ونارُكَ تَقري الضيوفَ على شاطىءِ المتوسطِ
والهاربينَ لليلِ الفرنْجَةِ
فوقَ قواربَ
كانتْ تخونُ مواعيدَهم دائماً
ثُمّ ينساهُم البحرُ والساحلُ العربيُّ
(إذا الشعب يوماً)
وهذا رمادُكَ بَوصلةً للملايينِ
علَّقَهُ الفتْيةُ القلِقونَ ببغدادَ
فوقَ المداخلِ
تعويذةً للطغاةِ
وطافتْ عليه الجماهيرُ سبْعاً
رمادُكَ تحمِلُه الفتياتُ بطنجةَ
ورْداً لقمصانِهنَّ
وقُرْبَ أبي الهَولِ
خبّأهُ الكادحونَ (الغلابةُ)
تحت سريرِ زُليخةَ
فاغتسلتْ بالهديرِ بيوتُ الصفيح ِ
وأقبلَ سُكّانُ (وادي الملوكِ)
وسُكّانُ وادي الصعاليكِ
مَنْ غَرسوا في المقابرِ أكواخَهم سائلينَ:
تُرى مَن سُيقنعُ هذي الرمالَ بمجدِ العواصفِ؟
مَن سيدُلُّ على النيلِ أقدامَنا؟
هاهو النيلُ
يدخُلُ في ساحةِ الثورةِ الآنَ
يغسِلُ أوْجُهَ مَن سهِروا
يهتِفونَ بطاغيةٍ قاحلٍ:
إرحلِ الآنَ عن حُلْمِنا الشجريِّ
الشاعر يبحث عن ملامحه ؛ ففي النيل يبحث عن دجلة، وفي المقابر والاكواخ يبحث عن اشقائه في الفقر والحرمان.. ثم يتساءل من سيدل النيل على اقدامنا؟؟ ولايريد جوابا.. لان النيل دخل ساحة الثورة لكن دجلة مازال مقيما في السهو!!!
......
محمّدُ،
يا ابن المُقيمينَ في السهْوِ
هذا دمُ الصمتِ في الأغنياتِ يسيلُ
(صمت اجود مجبل وانين داخل حسن فالعراقيون يبكون غناءً)
محمدُ،
يا قمحَ أفريقِيا المتوهِّجَ
بين الدروبِ التي أيقظَتْها الطبولُ
وسارَ عليها الجياعُ عبيداً
إلى سفُنٍ في دُجى الأطلسيِّ
لترميَهُم في مزارع ِ تَكساسَ
قمْ يا محمدُ، هذا رمادُك يسرِقُه المُظلمونَ
يدُسّونَه في المصارفِ أرصدةً
ان الشاعر يرسل صوته من اقصى زوايا الإحباط القاتل ليقول الى محمد البوعزيزي انك مخدوع جدا مع ذلك ليس لي وجهة غيرك أناديها..
ثُمَّ يبنُونَ منه قِلاعاً لأبنائهم في الضواحي
محمدُ،
هاهُمْ رفاقُكَ بعدَك ظلّوا يحُكُّون جلْدَ المدينةِ
((انه يوظف الاستعارة الجميلة في (جلد المدينة) ليمنحنا خيطا من خيوط المضمر في خطابه.. فالمدينة جاءتها الحكة بعد ان اصابها جرب الملتحين))
أو يرجُمونَ الملوكَ بأيامِهم
ويقولونَ:
إنّ لنا حِضْنَ هذا الشتاءِ
الذي مَرّ فيه الرصاصُ قريباً مِنَ الحُلْم ِ
ماذا يريد؟؟ الرصاص مر قريبا من الحلم.. هو نسق الايهام الذي يربك المعنى لدى المتلقي!! فلو أصاب الرصاص الحلم سيقتله.. ويحزن المتلقي اللحظوي.. لكن الشاعر بأفقه البعيد يريد قتل الاحلام كي لاتنجب احلاما ميتة متهمة بالوضوح.. يريد حلما خفيا.. وهو هنا يوبخ سيد العربة لانه جعل الحلم واضحا ليمسك به الطارئون قبل ولادة الحقيقة
فـ (قلْ للمليحةِ)
إنّ الخِمارَ الذي كان أسودَ
أصبحَ نهراً من الضوءِ
يغسِلُ ماوسَّخَ الحاكمونَ
و(قلْ للمليحةِ)
يوماً سيأتي إلى بابِكِ الخاطبونَ
يُضَمِّخُ لَيلَهُمُ العشقُ
فاستقبليهِمْ
فهمْ فِتيةٌ آمنوا بأصابِعهِم
فنَمَوا وطناً لا يُشارُ إليهِ بغيرِ الطيورِ
هنا يمارس الشاعر نسق الاستنساخ.. فلاعلاقة لاجود بالخاطبين ولاعلاقة له بمن سيستقبلهم.. اجود يخاطب بغداد كما سنرى.. فالازهر الفاطمي يعني اجود اكثر مما هو يعني البوعزيزي.. واغنيات عبد الوهاب سيعقبها بيت في الجزيرة ونبي وسيم.. كل هذا... تفصح عنه (بابل خلف السهاد) ليدخل الى نصب الحرية ويبحث عن عبد الكريم قاسم في اصل الحياة في الأب الحقيقي لاجود مجبل.. فمن دجلة الى النيل الى العربات الى الصحراء الى بغداد ثانية يسير اجود مجبل برفقة ابيه بحثا عن ابيه.. والعربات جميعها عربات اجود مجبل.. عربات دجلة.. عربات الكرخ.. عربات الناصرية.. عربات الفقراء..
لنا شمسُ أَسوانَ تضحكُ للقطنِ
وأروقةُ الأزهرِ الفاطميِّ
وقاهرةٌ علّمتْ هذه الأرضَ حريّةً لا تُسمىّ
لنا صمتُ خوفو
وأنغامُ عبدِ الوهابِ
لنا في الجزيرةِ بيتٌ
وعينا نبيٍّ وسيمٍ
وبابلُ خلْفَ السهادِ
تمُرُّ كِتاباً من النخلِ
أو هدهداً كان يأتي يحدِّثُ عن وطنٍ
فيه أَفعى التواريخ ِ
ظلّتْ تُقاسِمُه شمسَه والمياهَ
((حين اقتبس اجود مجبل ماقاله: ابو القاسم الشابي (اذا الشعب يوما اراد الحياة) تمادى بالحيلة الثقافية لايهامنا بأن القصيدة تخص التونسي، ولكن مضمره يظهر مع (نا) المتكلمين مع كل (لنا) الى ان يربط الاقتباس البعيد بنصب الحرية فيكون المضمر عراقيا محضا فيوسف العراقي كان ضحية لزليخة العربية وكل شيء بعد كل (لنا) يقولها اجود مجبل.. يعني بأنه كان لنا، وهو يضمر نسق التعويض.. يعوض الأصبح بالذي كان))
لنا تحت (نُصْبِ جوادٍ)
جماهيرُ تضبِطُ ساعاتِها
وفْقَ توقيتِ أحلامِه وتقولُ:
لنا حزْنُ بغدادَ
هرَّبَهُ سَندبادُ وراءَ البحارِ
لنا قمرُ بنِ زُرَيقٍ
مِنَ الكَرْخ ِيطلُعُ كلَّ مساءٍ
على باسقاتِ السجونِ
وبابُ المُعَظَّمِ يقرَعُه الجائعونَ اليتامى
لنا شهرزادُ التي عمِلَتْ في الرصافةِ أرملةً
فاعتراها الرصيفُ
وراودَها واعظُ البلديّةِ والمخبرونَ
.....
من كل هذا الذي قال عنه اجود مجبل (لنا) ويقصد (بنا) خرج بنتيجة موؤودة وهي:

لنا مجْدُ (عبدِالكريمِ)
يُشيّدُ للفقراءِ بيوتاً
ولا بيتَ يُؤويهِ حين يَعودُ وحيداً
سِوى غرفةٍ في (الدفاع)
سيبقى دمٌ منه معشوشِباً في الأذاعةِ
ينتظرُ الأصدقاءَ
وفي دِجلةٍ قبرُه
كلَّ فجرٍ تحُجُّ إليهِ النوارسُ
إنّ لنا كلَّ هذا الغناءْ
كل هذا الحزن والبكاء كل مستقبلنا الماضي انه يصر على استبدال (الاصبح) بالـ (كان) لأننا في امة تقتات على من ماتوا لا على من يحصدون احلام يتامى الامجاد...
لنا مجد عبد الكريم.. في هذه الجملة الشعرية يوقع اجود عقدا مع القارئ او المتلقي.. ولعلنا نلمس في ختام القصيدة.. ان سيد العربات (البوعزيزي) كان جسرا لاجود ليصل الى عنوان القصيدة وخاتمتها في آن واحد ؛ فالخلاصة التي اميل اليها.. ان سيد العربات هو اجود مجبل المتمثل بمجد (عبد الكريم).. هكذا كانت جولة اجود بنا حيث طاف حول كل المتشابهات ليصل بنا الى داخله الى اجود نفسه.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مهندس معماري واستاذ مادة الفيزياء يحترف الغناء


.. صباح العربية | منها اللغة العربية.. تعرف على أصعب اللغات في




.. كل يوم - لقاء في الفن والثقافة والمجتمع مع الكاتب والمنتج د/


.. الفنان أحمد سلامة: الفنان أشرف عبد الغفور لم يرحل ولكنه باقي




.. إيهاب فهمي: الفنان أشرف عبد الغفور رمز من رموز الفن المصري و