الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عشيرة بريمر وثقافة الاحذية

حسن الشرع

2013 / 3 / 3
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق



فؤجي العالم باعلان اميركا ان الوضع القانوني للعراق هو بلد محتل ونسب السيد جي كارنر حاكما للعراق وهو العسكري المتقاعد وصديق رامسفيلد المقرب من الرئيس الاميركي جورج بوش.. لكن امرا ما قد حصل فقد تم تغيير الخطة بمجملها وبناءً على هذا فقد استبدل كارنر بالدبلوماسي بول بريمر الذي اصبحت صفته رئيسا للادارة المدنية لاعادة اعمار العراق .
قيل الكثير ونشر الكثير عن بريمر وكتب هو ذاته كتابا عن العام الذي قضاه في العراق لكن احدا لم يحك لنا قصة حذاء بريمر ..
لقد كان الرجل يبدو انيقا ببدلته الرسمية الزرقاء وهو لون يحرص الدبلوماسيون على الظهور به الى درجة ان شعار المنظمات الدولية الاممية لا تخلو منه لكن ما ان تنحدر نظراتك الى قدمية ستلاحظ ان الحذاء الذي يرتديه ليس حذاء رسميا وليس رياضيا بل هو اقرب للحذاء العسكري ..لقد روى لي احد الاصدقاء في بغداد مرة عن مزايا حذاء بريمر هذا الجليلة باعتباره حذاء المهمات الصعبة .حينها لم اكن شغوفا بما قاله ...واحسب ان الناس جميعهم لا يعنيهم امر حذاء بريمر وكثير منهم غير معني ببريمر ذاته لكن بعض الناس تعود ان لا يتكلم عن امر قد يشم منه رائحة السياسة ومن الطبيعي ان يشمل ذلك رائحة حذاء بريمر باعتبارها قضية سياسية تتصل بحاكم العراق فمن يعلم قد تصل الحكاية الى بريمر الذي ربما يبطش بمن تكلم في حذاءه سوءا. لم يكن صعبا على من كان يرقب بريمر وهو يتجول بين رجاله ان حذاءه هذا كان اكبر من قياس قدمه فقد ذكر احد اصدقائي وهو احد كتاب الحوار المتمدن حوارا بين رجلين ذكر فيه احدهما خبرته في عالم الاحذية جعلته يعرف قياس الرجل من خلال النظر الى وجهه
اثناء القرن الماضي انتشر تعريف للجندي العراقي على سبيل المزحة لكن ذلك التعريف لم يكن ليخلو من دلالة تعبر عن فقدان الكرامة ...ان الجندي لم يكن سوى المسافة بين غطاء الراس (البيريه) والبسطال (الحذاء العسكري المصنوع من الجلد)..
لا اعرف ما الذي حدا بالرجل بتلك الشخصية السياسية والدبلوماسية والاستخباراتية المؤسساتية ان يظهر بهذا المظهر ..ومن جانبنا نحن العراقيون فان رسالته واضحة الينا انها العسكرة الخاكية المرتبطة بالارض
في ثقافتنا العربية والعراقية على وجه الخصوص ترد مضامين حقارة الحذاء ووضاعته وكلما اشير الى هذا الامر فان المتحدث غالبا ما يستخدم عبارات الاسف والتنزه من الذكر القذر كأن يقول المتحدث مثلا (أجلكم الله)او (تكرم)او غيرها وحسب الثقافة المحلية ...
يتباهى العراقيون بانتسابهم الى عشائر عربية او كردية او تركمانية او غيرها وقد تنتظم تلك العشائر في قبائل او بيوتات او تحالفات اجتماعية او غيرها وعلى العموم فان لقب الشخص يشير الى ذلك الانتماء ويذكر في بطاقته الشخصية وهناك مجموعة كبيرة من الاعراف الاجتماعية والقبلية المعروفة ..كانت بمجموعها تشكل ما كان يعرف بقانون العشائر العراقية انهت حكومة ثورة 14 تموز الاصلاحية العمل بذلك القانون الذي ينظم العمل بالمناطق الريفية والزراعية والتي كان يحكمها الاقطاع الذي يمثل بدوره الهيكل الاساسي لتنظيم الاقتصاد الزراعي (المزدهر بالظلم)تلك المدة. كان شيوخ العشائر يحكمون بصلاحيات مطلقة .
مازلنا نسمع الكثير من التجريح والطعن في شخصية زعيم الثورة عبد الكريم قاسم يرحمه الله رغم الاقرار بوطنية الرجل وحسن سيرته العسكرية والشخصية ورغم نزاهته ...لكني اظن ان مناوئيه جمعتهم بالنهاية اهداف اقتصادية واجتماعية ..فالاقطاعيون وذيولهم يتوقون الى الرفاهية على حساب الفقراء من الفلاحين خاصة وكبار التجار والموظفون وقادة الجيش شعروا بالخطر الذي يهدد مصالحهم اذا كتب للاصلاح الاجتماعي ان يتحقق وهم سادة البلاد، فمشروع الرجل سيؤسس لمرجعية الدولة وليس لمرجعيات اجتماعية اخرى ، وهناك من ناهض الزعيم لاسباب اخرى كالاسباب السياسية او الانتماء الفكري والعقائدي وغيرها من الاسباب الشخصية وحتى الطائفية ...فقد كانت ام الرجل من شيعة بني تميم كما كشفت احدى الوثائق البريطانية وهذا سبب كاف عند البعض ليطعن بالرجل وضمه الى اخواله الفقراء ووجدوا التبرير لسيرته ...
ولابد من الاشارة الى ان شيوخ الدين من جانبهم لم يكونوا راضين عن عبد الكريم قاسم رغم اهتمامه بهم واحترامه الشديد لهم.. لكن المشروع الاصلاحي الاجتماعي الذي نهض به جعلهم يدركون ان هذا المشروع التنويري سيطيح بمقاماتم الاعتبارية والاقتصادية وسيضع مرجعية الدولة في المقام الاول .
والا فما الذي عمله الرجل ليواجه عشرات المؤامرات بدات بعد مرور ستة اشهر على قيام الجمهورية العراقية انتهت باعدامه ورمي جثته في النهر. اهو المشروع القومي الناصري ام المشروع الاقتصادي والاجتماعي الذي نادى به واتخذ الخطوات الاولى لتنفيذه.
لم يتحدث الزعيم يوما واحدا باسلوب عشائري وكان بامكانه ان يقول انني عربي قح من القبائل القحطانية التي سادت ومازالت تسود الجزيرة العربية وجنوبها خاصة فضلا عن العراق ..فيرد عليه الحاضرون (والنعم..والتسع انعام)...
عندما رمي الرئيس الاميركي السابق جورج بوش بفردتي حذاء اشار مازحا الى قياس الفردتين دون ان يحدق في وجه من قام برميهما عليه ويقينا ففي ثقافته ان ذلك لا يمثل اقصى درجات الاهانه كما فهمها الرئيس المالكي الذي وقف منتصبا لاستلام الرسالتين السوداويتين الامرالذي احرجه كثيرا ...
استنادا الى العرف العشائري بامكان بوش وقد حل ضيفا على العراق والمالكي ان يجبر عشيرة الزيدي لحضور فصل عشائري ..لكنه لم يفعلها كما ان المالكي ذاته لم يطرح هذا الموضوع...اما مصنع الاحذية التركية الذي انتج هذا الحذاء فلا بد انه كان يحظى بالتركيز الاعلامي والدعائي اذ ان الحذاء الذي انتجه هو اول حذاء يطير قبالة وجه رئيس اكبر دولة بالعالم ..
لقد قيل في العراق ان سبب قصف الطائرات الاميركية لمنزل الفنانة المرحومة ليلي العطار عام 1993هو قيامها برسم صورة للرئيس الاميركي جورج بوش الاب على ارضية فندق الرشيد اوبروي في بغداد لتدوسه الاحذية ..لابد ان في ذلك خيال عراقي وعربي في تفسير الاحداث .
لقد اسست هذه الحادثة سابقة طريفة فقد قذفت عدة شخصيات مرموقة باحذية مرموقة او غير مرموقة وبمقاسات والوان متباينة. ضرب رؤوساء ومسؤولين وشخصيات برلمانية ..لكن لابد ان تلك الافعال كانت تعبر عن غضب واستياء من قبل الفاعلين على المقذوف عليهم والمخالفين ..وصل الامر الى نشر صورة عبر المالتيميديا لمئات الاحذية التي طلب من اصحابها خلعها امام احدى القاعات العامة .
لم ينج برايمر ذاته من رميه بفردتين وهو يتحدث داخل البرلمان البريطاني لكن الرجل بدا متالقا وهو يحاول الامساك باحدهما
وبلباقته المعهودة ولغته الواضحة والبليغة استطاع ان يقلب الموضوع لصالحة فيصفق له الحضور.
في المباراة النهائية لكأس الخليج كان معلق القناة العراقية مستاءً من حكم المباراة السعودي فدعا الله ان لا يوفقه هو ومن ينتمي اليهم ..عبارة فسرت بانها العشيرة إذ كان الرجل قحطانيا ،لم يدرك المعلق وهو تحت تاثير الشد الوطني انه قد ارتكب اثماً عشائريا يوجب العقاب ،لقد شاهدت احدى القنوات السعودية وهي تحشد للموضوع العشائري ،اجبر المعلق على الاعتذار العلني وبهذا تمت تسوية الموضوع .عبد الكريم قاسم كان قحطانيا ايضا لكن لا احد يعرف ذلك الا بعد عقود من السنين حيث نشرت بعض الكتب والاطاريح عن سيرته رحمه الله
لا احد يتحدث عن ممارسات عشائرية لقضايا سياسية ..لكن في العراق الامر مختلف تماما فرئيس الوزراء يستقبل الوفود العشائرية ورؤساء العشائر منهمكون بعقد مؤتمراتهم ومعارضو السلطة يتحشدون عبر عشائرهم وصفحات الفيسبوك تزدحم بتصريحات هؤلاء واولئك .
لابد من الاجابة عن السؤال التالي ..في نهاية المطاف هل تعد العشيرة واعرافها مظهرا حضاريا يمكن ان يصمد في ظل نظام دولة متحضرة ،ام انها تقف عائقا اجتماعيا يحول دون حركة الدولة نحو التقدم والرفاه الاجتماعي والاقتصادي؟
من وجهة نظري ارى في العشيرة ارثا تاريخيا اجتماعيا متخلفا تسبب في اعاقة بناء دولة مدنية عصرية فقد اعاق تطبيق القانون ونافس الدولة في توجيه الولاء ما أضاع على العراق فرص كبيرة وكثيرة من التقدم الحضاري ..
تجمع عشائري يحمل صفة حضارية مدنية...قام بالاعلان عن نفسه في احدى الصفحات التي اطلعت عليها في الفيسبوك كجزء من حملة انتخابية يقوم بها احد المرشحين عسى ان يفوز بمقعد في احدى مجالس المحافظات...ومن وجهة نظر القائمين على هذا الأمر فانه تحشد مبارك وتجمع وطني وحضاري مستلهم من وحدة الشعب وعمقه التراثي ومتطلعا الى معايير الحضارة الحديثة، أ ما من الناحية الاخرى وفي نظر التنويريين الليبراليين فان ذلك لا يعدو كونه اسفاف واستخفاف بالعقول المسكينة التي مازالت الهجمات الهمجية للتخلف تستهدفها ...فقط للتذكير انا لا اتكلم عن التشكيلات العشائرية او الدينية باعتبارها منظومات قيمية او سلوكية بل انقدها باعتبارها ممارسات ثقافية ذات امتدادات سياسية..
ثقافة الشعوب لا تتغير بقرار رسمي حكومي لكن نمط الحياة المعاصرة كفيل بتغير تلك الثقافة وقد حصل هذا التغيير في كثير من بقاع العالم ومنها شعوب ذات خلفيات ثقافية محافظة وشعوب اسلامية وحتى في العراق فقد تغيرت الكثير من المفردات السلوكية والثقافية اثناء نشوء الدولة العراقية وما تلى ذلك وصولا الى عقد السبعينيات من القرن الماضي الا ان ما حصل بعد ذلك من حراك سياسي واقتصادي عالمي القى بظلاله على المنطقة والعراق..
العشيرة في مجتمعنا قيمة عليا ....ربما لم تكن لتستحقها ،والحذاء عندنا قيمة متدنية حقيرة ويبدو اننا نضع الناس والحذية في مقام واحد رغم ثقافتنا العريضة تلك...الشاعر احمد مطر يقول:
قال: ما الشيء الذي يهوي كما تهوي القدم؟
قلت: شعبي
قال: كلا.. هو جلد ما به لحم ودم
قلت: شعبي
قال: كلا.. هو ما تركبه كل الأمم
قلت: شعبي
قال: فكر جيداً
فيه فم من غير فم
ولسان موثق لا يشتكي رغم الألم
قلت: شعبي
قال: ما هذا الغباء؟!
إنني أعني الحذاء!
قلت: ما الفرق؟
هما في كل ما قلت سواء!
أسألوا وتحروا عن عشيرة بريمر ولا ترهقوا قومكم بثقافة الاحذية...ان كنتم فاعلين فلعلكم تجدون اجدادا له في استراليا حيث لا وجود لمأبون واحد لا يحترم الحذاء رغم انها كانت بلد البغايا...








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الشرطة الفرنسية توقف رجلاً هدد بتفجير نفسه في القنصلية الإير


.. نتنياهو يرفع صوته ضد وزيرة الخارجية الألمانية




.. مراسلنا: دمار كبير في موقع عسكري تابع لفصائل مسلحة في منطقة


.. إيران تقلل من شأن الهجوم الذي تعرضت له وتتجاهل الإشارة لمسؤو




.. أصوات انفجارات في محافظة بابل العراقية وسط تقارير عن هجوم بط