الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


سعيد العتال

رائف أمير اسماعيل

2013 / 3 / 4
الادب والفن


إنتهت المواجهة المسلحة بين موكب الوزير الذي كان يسير في منطقة ريفية خارج المدينة والمجموعة الارهابية التي هاجمته بهروب احدى سيارات الحماية المرافقة وقتل كل من في السيارة الثانية وقتل سائق الوزير ومرافقه وقتل جميع الارهابيين عدا واحد تمكن من ان يضع فوهة البندقة خلف رأس الوزير المجروح لاقتياده الى مكان مجهول.لكن المفاجأة التي أفرحت الوزير اليائس في تلك الدقائق هي صوت ضربة عصا قوية جاءت من الخلف على رأس الارهابي لتوقعه مغميا عليه أرضا ولتحسم معركة المئات من طلقات الرصاص لمصلحة الوزير.
ترك الرجل الذي بدا في الثلاثين من عمره والذي كان يرتدي ملابس ريفية عصاه وأسرع بجلب الحبال لتقييد الارهابي من يديه ورجليه .. ثم أسرع باصطحاب الوزير الى بيته الريفي الذي لم يكن يبعد سوى خمسين مترا وهو يمسك ويضغط على مكان الذراع المجروح لتقليل الدم النازف .. ومهدئا الوزير بعبارات السلامة .. وهنا بدت عائلة الرجل من بعيد وهي تركض اليهما للمساعدة .
أدخله بيته وسرع بضماده بضمادات وطريقة تضميد ابهرت الوزير وهو في حالة استغراب ان يجد مثل هذا في بيت ريفي من الطين .
وبينما كان في شكر متواصل للرجل سأله :-
ماهو عملك ياأخي الطيب؟ سأل الوزير.. فجاءت الاجابة المفاجئة .. عتال
أسرع الوزير في الاتصال برئيس الوزراء للابلاغ عن الحادث وطلب إخلائه .. حدد مكانه .. وتلقى اجابة بأن قوة من شرطة النجدة الخاصة سترسل اليه على الفور .. بينما تداعت الذكريات بذهنه لتستخرج من بين أرشيفها ذكرى والده الذي كان عتال أيضا
.... يبدو انك شخصية كبيرة .. سأله العتال ..
....أنا وزير الكهرباء ... أجاب الوزير وهو مخنوق بعبرات ذكرى والده الذي كأنه يتراءى له الان بجسد منقذه .. تزاحمت المشاعر واختلطت ... فمن الثواني ماكان منها شعور قوي وكأن والده هو من أمامه .. ومن انقذه .
بدا له ان الشخص الريفي هذا أيضا قوي الشخصية والوعي أضيفت الى قوة جسده..
ضحك العتال وأمر زوجته بتحضير العشاء لضيفه الكريم
.... لماذا ضحكت عندما قلت لك بأنني وزير.. سأل الوزير وهو مرتد من اتكائه على الحائط
أرجو ان لايستفزك ضحكي ضيفي الكريم .. أنا اسف جدا ... قال العتال
.... ارجوك قل لي لماذا ... اجاب الوزير
.... بصراحة ... لأنني كنت موظفا في فترة ما في وزارة الكهرباء .. أجابه العتال
.... متى ؟ سأل الوزير بلهفة .. وهو يحضر الكلمات التي سيبديها لاعادته للوظيفة او مساعدته بأي شيء يطلب ..
.... سيادة الوزير ... أنا لا أريد أن أزعجك بذكر مشاكل لي قد تجاوزتها .. ولايعجبني ان تكون الحادثة هذه سببا في استغلال اي شي مقابل، حتى لو كنت على حق .. أرجو ان ترتاح الآن لحين أن يأتي اليك من يخليك ...
.... أرجوك قل ... لدي ساعة على الأقل الى أن يأتوا.. رد الوزير
.... أجاب العتال .. حسنا.. كنت موظف بسيط بشهادة الاعدادية في وزارتكم قبل التغيير السياسي الذي حدث في بلدنا ... عملت لأشهر قليلة فلم يعجبني ما رأيت من فساد اداري في دائرتي .. فتكلمت ونصحت ونهيت .. لكن ذاك انتهى بي أن أطرد من الوظيفة ومعها أربع سنوات سجن بتهمة سياسية .. علما انني لم اكن في حياتي منتميا الى حزب او جماعة سياسية .. والحمد لله لم يكن لي وقتها من بقي من عائلتي ليحزن علي .. فقضيتها وانا مرتاح البال ..
....قاطعه الوزير وهو يتنهد بحسرة .. حسنا ولم لم ترجع للوظيفة بعد التغيير
.... رد العتال بنبرة أعلى .. رجعت .. ورجعت الى نفس الدائرة .. فكانوا مازالوا هم .. هذه المرة كانوا يسرقون أكثر ... بل انهم أصبحوا يحجون الى بيت الله بمال مسروق .. هذه المرة .. السجن سيكون لي عذاب كبير لأنني أصبحت رب أسرة ...ففضلت ان اترك الوظيفة وان ارجع الى مهنة العتال التي تشرفت بها رزقا حلالا لعائلتي.. أنا لأحزن على نفسي بهذا وضعي، بل بالعكس فأنا سعيد جدا بحياتي .. فبالإضافة الى عملي في العتالة أنا هنا مستأجر قطعة من الارض الزراعية التي ضمنها بيتي هذا .. فأزرع بها أنا وعائلتي .. كما ترى عائلتي مجموعة من الصبية اولاد وبنات.. لكنهم نشيطون ويساعدونني في كل اعمال الزراعة بالرغم من كونهم طلاب مدارس .. ويسعدني انهم متفوقون بالدراسة .. لكن انا حزين على كل من أفسد ويفسد .. فأنا واثق من انهم بالرغم من لعبهم بالمال الكثير فانهم لم ولن يكونوا يوما سعداء .. سيبقون يعيشون صراع وقلق وكراهية ولن تشبع كل اموال الدنيا عقولهم الفاسدة ..
تذكر الوزير أباه وعائلته .. تذكر تلهفه لرجوع والده من العمل ليرتمي بين أحضانه كما يرى أمامه الآن في الطفل الجميل الذي يجلس في حضن أباه العتال.. والعتال يداعبه بكل طيبة وتدليل .لم يتمكن من حبس دموعه .. رغم انه بدا في الخمسين من عمره .. ثم قال
.... هل انتبهت للحادثة اليوم من أولها.. الم تر فيها شيء غريب
....أجاب العتال .. نعم .. الشيء الغريب ان سيارة الحماية الاولى هربت بغير رجعة ولم تطلق اطلاقة واحدة
.... أنت ذكي .. ذكي جدا ياعزيزي .. نعم هربت.. أجاب الوزير وهو يضرب بيد على الارض
....ذلك يجعلني اظن انهم باعوك .. قال العتال
.... نعم عزيزي، ظنك ربما يكون في محله .. نعم ياعزيزي .. ربما باعوني .. أو إنهم كانوا جبناء مع اسلحتهم الفتاكة بينما انت أنقذتني بعصا بسيطة .. ولاتعرفني من قبل أصلا .. لاتشتغل عندي ولم تأكل من زادي يوما.. بل اعترف لك بأنني أنا من أكل من زادك ... أنا من أكل زاد الفقير امثالك .. بسرقاتي الكبيرة من اموال الدولة .. وكانت هذه هي النتيجة .. كل منا نحن الفاسدون كما قلت أنت يريد أن يبعد الاخر عن طريقه حتى لو اضطر الى القتل دون مراعاة لرحمة او بأن القتيل له عائلة او اطفال تنتظره .. أصبت .. الفاسدون يسيرون في طريق وعرة وخطرة وغير سعيدة على الاطلاق . اعترف لك ان بيني وبين آخرين صراع على صفقة .. والحمد لله الآن على هذه النتيجة .. فربما كنت سألجا انا لتصفيتهم بنفس الطريقة فأكون من القتلة .. من أجل مال لست محتاجا له .. فراتبي وحده هو يكفي لمعيشة خمسة عوائل عدا راتب زوجتي الكبير أيضا .. وعدا ما عندي من مال سرقته من قبل ومال إدخرته من رواتبي
حان وقت صلاة العشاء فسأل العتال الوزير اذا كان يرغب في الصلاة معه فيهيأ له الوضوء... وعندما لاحظ في وجه الوزير بعض من التردد.. قال :-
.... لاتحرج اذا كنت لاترغب او لا تؤمن بالدين أصلا .. فأنا اؤمن قبل ايماني بالدين بحرية المعتقد.. ذلك أيضا ماعلمني ديني نفسه .
.... لا لا .. سأصلي معك .. بالعكس أنا الان في اشد الحاجة للصلاة .. بل الصلاة الصادقة مع انسان صادق مثلك .. فصلى الاثنان معا ثم جاءت الزوجة لتخبر زوجها العتال بحركات يدها ووجهها بأن العشاء جاهز..
....إ نتبه العتال الى إ نتباهة الوزير الى بكمها .. فقال وهو يؤشر لزوجته بجلب الطعام.
..... كما ترى فان زوجتي صماء بكماء .. وقد تزوجتها وفضلتها على غيرها في الزواج...
بعد وفاة والدتي، وهي كل ما أعرف من اقارب لي في الدنيا قررت ان اتزوج لتكون لي عائلة لكن بالرغم من حاجتي للكلام مع أحد فانني فضلت شخص أظن فيه الصدق أكثر من غيره ..
بالرغم من ان ذهن الوزير كان مشغولا بشكل سريع بصور ماجرى في الحادث واحتمالات ماسيجري .. إلا إن ذهنه بدأ ينزاح بأتجاه التلذذ بجلب الذكريات القديمة .. ذكريات عائلته وطفولته بعد إحضار الطعام البسيط على قطعة من النايلون وجلوس عائلة العتال من حوله .. فهكذا بالضبط كانت تجلس وتأكل عائلته أيضا.. وحتى المكان بدا وكأنه نفسه .
بعد العشاء وانصراف العائلة الى غرفة مجاورة سأل الوزير العتال بينما كان يرتشف الشاي
ايها الرجل الطيب .. والدي كان أيضا عتال .. فانتهيت الى ماقلت لك .. رجل يسرق من اجل تعويض مافقد من حرمان .. فما الذي دفعك الى ان تكون رجلا نزيها وصادقا
صمت العتال ثواني ثم قال ..
أنا وعيت في هذه الدنيا لأجد نفسي في عائلة تتكون من أم وأنا فقط .. لم أر والدي ولم أر صورته قط .. لم أسمع عنه سوى ذكريات بسيطة تقولها لي والدتي في فترات متباعدة .. كانت والدتي هي كل دنياي .. كانت طيبة معي جدا.. وتحاول جاهدة ان توفر لي ما أحتاج .. أدخلتني المدرسة وكانت تشجعني اليها بشدة حتى أحصل على شهادة أعيش من راتبها .. بل انها كانت تجلب لي أي كتاب او صحيفة او مجلة تحصل عليها لكي أقرأها فقرأت الكثير... حتى كتب الفلسفة والطب قرأتها، وللأسف لم يمكنني التنسيق بين عمل العيش والدراسة فلم أكمل سوى الاعدادية. وكانت حريصة أن اكون مؤدبا وخلوقا وأحسن الحديث مع الآخرين .. والأهم ... لم يكن عندنا في قاموس تعاملنا اليومي كلمة الكذب ... ثم تحسر وقال ....إلا ما اعترفت لي قبل دقائق من موتها رحمها الله وكنت حينها في مرحلة الدراسة الاعدادية
قالت يابني سعيد ... إنتبه لما سأقول لك جيدا قبل ان أرحل الى رحمة الباريء عز وجل ..أنا لم أكن نظيفة كما تعتقد .. لقد كانت تربيتي لك هي أثقل حمل حملته في حياتي .. كنت أريدك أن لاتعش كما عشت أنا .. أردتك ان تكون كما انت الآن .. ولد طيب وصادق ومتعلم وغير محروم من أي شيء، وأن أساعدك لتبني عائلة هي أفضل مايكون .. لكن الحياة قست علي بشكل لايوصف .. قبلت ان اعمل في اي عمل شريف مهما كان متدني لكي أصمد على ماهو بسيط من لقمة العيش .. لكن الحياة قست أكثر ... أجبرتني أن اعمل مومس .. قالت ودموعها تنساب بغزارة. ثم أردفت ... لو لم أكن مسؤولة على معيشتك .. لكنت قد قتلت نفسي ولا اعمل هكذا عمل ..
فقلت لها وانا ابكي .. ولهذا كنت تصرين على الصلاة كل يوم .. لهذا كنت اراك تبكين اثناء الصلاة .. فأجابت نعم .. ثم اردفت قائلة ... انا اقول لك ياحبيبي هذا ليس لحاجة لي لكي اعترف او ابرر لأنك ربما قد تكون استنتجت او شككت في انني قد مارست تلك المهنة .. بل لاقول لك بأنني اوصيك بالصدق والشرف والنزاهة لحياتك وحياة عائلتك .. لأنك رجل أولا ولأنك في وضع افضل بكثير مما كنت أعيش أنا..... تزوج امرأة شريفة حتى لو لم تكن متعلمة او فقيرة .. علم ابنائك الصدق ولايهم ان يمتهنوا اي مهنة .. لايهم الانسان فيما يعمل حتى لو عتال مادام نظيف اليد والقلب .. ثم ماتت ... تلك كانت وصيتها
.... قاطعه الوزير ... بل هي أعظم وصية لإنسان .. رحمها الله وأسكنها فسيح جناته
.... ثم أكمل العتال .. هل تعرف ياسيادة الوزير بأنني لم أصلي في جامع قط .. هل تعلم بأنني اتعامل في شك وريبة وأحيانا بكراهية تجاه رجال الدين ... لو كانوا صادقين لما اضطرت والدتي ان تمارس مهنة لاتريدها .. لو تبرع أي منهم بجزء من ماله لما اضطرت .. هم يدعون انهم يريدون الجنة .. لو اضطر احدهم لبيع بيته كي ينقذنا ألا سيحصل بدلا عنه بيت في الجنة ... أنا أعتقد انهم لو لم يستلموا أجرا كمقابل لعملهم الديني لفهموا الدين أكثر ... لكانوا قد أصلحوا أنفسهم أولا فتصلح المجتمعات بهم .. ثم أضاف
.... لقد نفذت وصية والدتي بالحرف الواحد .. لايوجد في عائلتنا من يعرف الكذب مطلقا ... علمتهم ان لايكذبوا حتى ما يقولون عنها كذبة بيضاء .. وعلمتهم الثقافة .. وبنفس الوقت علمتهم ان العمل هو مقدس مهما كان شكله او مستواه .. فبنينا عائلة عاملة، والزرع الذي جرت الحادثة فيه كله زرعنا، أنا وزوجتي وهؤلاء الاولاد الأبطال من زرعه .. لم أعنف أحدهم يوما لكي يعمل .. فالعمل أدخلته غريزة في كل منهم منذ الصغر .. هم يأتون من المدرسة فيتغدون ويرتاحون ثم يذهبون للعمل من تلقاء انفسهم بينما اكون انا في عمل العتالة وحينما أرتاح قليلا اعمل معهم .. وفي الليل أذاكر معهم دروسهم .. ثم نشاهد التلفاز معا لمدة ساعتين فقط .. وبالمناسبة لدينا مولد كهربائي ... ولم نحتج الى كهرباء الدولة ... قالها ضاحكا ..
كان احساس الوزير وهو يستمع وكأنه قد اعطى قلبه الى ورشة تنظيف وتصليح .. وفي كل لحظة كان يحس بأن قلبه ينبض أكثر .. احس بالدفأ ونسى ألم جرحه .. أحس بأنه لم يعد يخاف من شيء .. ولايطمع بشيء. وفي هذه الأثناء بدا صوت السيارات يقترب من بعيد .. ثم لاحت سيارات الشرطة ..
وبينما قام الوزير متهيئا للرحيل قال ... لقد أصبحت ياسعيد اخا لي... شئت ام أبيت .. وأصبحت زوجتك هي زوجة أخي وأصبح ابناؤك وبناتك أبنائي وبناتي ... لذا يجب ان تأتي معي وترحل من هنا ..قاطعه العتال..
.... ولكن حياتي هنا وانا اشكرك لكن الوزير قاطعه بصوت اعلى
.... بل لأنني اخاف عليك ان تبقى هنا فربما ينتقم الارهابيون منك ... هذا اولا .. وثانيا .. أنت بذرت هنا بذرة (وهو يشير الى قلبه) وعليك ان تنميها لتكبر وتزهر .. تعال وسترى ما سأعمل ... ستسيرني انت ... سيسيرني صدقك ونزاهتك ..
وبينما وصلت سيارات شرطة النجدة ... تهيأ الكل للرحيل من المكان.
أصفح الوزيرعن من باعه .. وأطلق سراح الارهابي الاخيرالذي حاول اقتياده .. تبرع بكل مايملك للفقراء وسكن هو وسعيد في بيتين بسيطين جنبا الى جنب .. جمع مكتبه والكثير من وزارته .. ليروي لهم ما حدث ... طالبا منهم أن يبدأوا صفحة جديدة من العمل.. كان يضطر أحيانا ان يقبل أيادي من يشك في نزاهته من أجل ان يتوب الى رشده ومن لايتب يعاقبه بكل قسوة، وكان سعيد الذي أصبح موظفا في مكتبه يعاضده العمل .. لم تمضي اشهر قليلة إلا وقد نظفت وزراته من الفساد تماما .. ثم حذت حذوها باقي الوزارات..
ثم سعى الإثنان الى إصلاح البلد.. فأصلحوه
في الانتخابات التي جرت بعد ذلك ... انتخب (الوزير) رئيسا للجمهورية
ثم خلفه بعد وفاته .. وبأنتخاب الشعب ... سعيد العتال
3/3/ 2013








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تفاعلكم الحلقة كاملة | الفنان محمد عبده يطمئن جمهوره على صحت


.. كلمة أخيرة - ندمت على القرارات دي.. غادة عبد الرازق: لو رجع




.. تفاعلكم | 200 فنان يتضامنون لإنقاذ العالم من موسيقى الذكاء ا


.. أبرزهم شقو وعالماشي واحدهم وصل 38 مليون .. 4 أفلام تتنافس ف




.. شبيه عادل ا?مام يظهر فى عزاء الفنانة شيرين سيف النصر