الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الأقانيم الثلاثة

حسن مدن

2013 / 3 / 5
مواضيع وابحاث سياسية


نعني بالأقانيم الثلاثة هنا: التاريخ والذاكرة والثقافة، فالذاكرة صنو الثقافة التي هي بدورها مرادفة للتاريخ، فمثال الماضي ليس دائماً مرآة خادعة. والشجاعة ضرورية للمثقف لأنه يجب دائماً على العقل أن يتحدى مكائد وأحابيل المجتمع. في هذا السياق تبدو الفلسفة والتاريخ وحدهما القادرين على تكوين هذه الذاكرة وهذه الشجاعة .
مثل هذه الفكرة جاءت، بعبارات مختلفة بعض الشيء، في مقدمة كتاب يحمل عنوان «المثقفون والديمقراطية»، هو عبارة عن مجموعة أوراق قدمت في ندوة علمية عقدت منذ سنوات في فرنسا، وقام الدكتور خليل أحمد خليل بنقلها إلى العربية. اهتمت هذه الأوراق بمناقشة قضايا مفصلية تتصل بالدور الذي يتعيّن على المثقفين الاضطلاع به في ما يوصف بأنه حقب التوتر السياسي والاقتصادي والاجتماعي. وينطلق أحد الباحثين من ملاحظة فقدان الشبيبة حماستها للأفكار التغييرية الكبرى، ما يدفعنا إلى التساؤل عمّا إذا كانت لذلك علاقة بمفاعيل التقدم التقني الذي يقال إنه يشوّه طبيعة الثقافة تفتيتاً وتمزيقاً، وهو أمر يطرح تحديات عدة، للثقافة دور محوري في التصدي لها، ليس فقط عبر اقتراح الأسئلة عن المستجدات، وإنما أيضاً بالسعي إلى اجتراح أجوبة ملائمة عن هذه الأسئلة .
لذا يأتي الإلحاح على محورية التاريخ، أو الوعي بهذا التاريخ من بابٍ أدق، لأن الإنسان في هذا العصر، والمحروم من تاريخه، صار طريدة سهلة لكل أشكال القهر، وأخذ يتخلّى عن ثقافته ببطء. «إنه مستعد للبقاء أكثر مما هو قادر على الحياة» . هذا الإلحاح على استحضار التاريخ مهم، لأن فيه توكيداً لمصادر أو جذور الحضارة الإنسانية، وليس الحضارة الغربية وحدها. وهذه المصادر بدءاً من الأزمنة الإغريقية والرومانية القديمة، مروراً بفكر النهضة وروح الأنوار وثورة حقوق الإنسان، والديمقراطية بأبعادها المختلفة: السياسية، والاقتصادية والاجتماعية، تبدو بمنزلة مرتكزات لا بد من العمل على صونها ومعرفتها وإغنائها.
وأمر لافت للانتباه أن مجتمعاً ديمقراطياً عريقاً مثل فرنسا يطرح على نفسه أسئلة بهذا العمق والجدية، ويجد من الضروري التشديد على الثقافة بوصفها شرطاً من شروط التطور الديمقراطي، وبصفتها بديلاً لضغط الإرهاصات المختلفة التي يتعرض لها الإنسان في عالم ينزع فيه كل شيء ليكون مادياً واستهلاكياً، لتبدو هذه الثقافة فهماً يستوجب مجهوداً إبداعياً وفكرياً لا يرضى بالتكرار اللفظي، ويمكنه وحده أن يعيد إلى الإنسانية رسالاتها النبيلة . فالبشرية بحاجة إلى علماء كما هي بحاجة إلى رسامين وشعراء وموسيقيين، لذا يتعين النظر الفكري في الثقافة بذاتها ولأجل ذاتها بوصفها قوة ضرورية للوقوف في وجه تنميط الإنسان وتجريده من عالمه الروحي، وإعادة شروط تطوره الحر إليه، حين يصبح لكل فرد مجال إبداع خاص به، ومصدر ثقة في المستقبل، كردٍ على النزوع الرهيب الذي به يتحول العالم إلى «سوبرماركت» كبير.
لم يعد ممكناً وصف الشبيبة العربية بالعزوف عن أفكار التغيير بعد الذي عشناه ونعيشه، لكن هذا يطرح تحدياً جديداً، عن السبل الأنجع لتوجيه طاقات الشباب التغييرية في المجرى الذي يصنع التغيير الحقيقي.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حرب إسرائيل وإيران... مع من ستقف الدول العربية؟ | ببساطة مع


.. توضيحات من الرئيس الإيراني من الهجوم على إسرائيل




.. مجلس النواب الأمريكي يصوت على مساعدات عسكرية لأوكرانيا وإسرا


.. حماس توافق على نزع سلاحها مقابل إقامة دولة فلسطينية على حدود




.. -مقامرة- رفح الكبرى.. أميركا عاجزة عن ردع نتنياهو| #الظهيرة