الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هكذا قتلوا قرة العين.. قصة

حماده زيدان

2013 / 3 / 11
الادب والفن



كانت وسامتي عقبة في حياتي، في بلدنا الوسيم قد يكون "مغرور" أو "قنفي" لا "يعجبه العجب ولا الصيام في رجب" كما تردد أمي دائماً، لذلك داخل كليتي أكون منعزلاً عن البنات اللاتي أرى ابتسامتهن من بعيد فأخجل أن أرد الابتسامة بمثلها، وكن يرددن دائماً.. "هو شايف نفسه كدا ليه" ولا يعلمن أن هذا خجل فاضح.. خجل قاتل.. خجل يجعلني أضعف وأضعف حتى يكاد أن يلتهمني ضعفي، حياتي رغم وسامتي الأخاذة كانت ما بين جامعة إلى البيت أو بيت إلى الجامعة.. ليس لي أصدقاء غير "محمد" صديق الطفولة، الذي ابتعدنا منذ عدة سنوات لانغماسه في السياسة، وأنا أكرهها بشدة، ما دخلي أنا بمن يحكم، ومن لا يأكل، أنا لست فقيراً لأحزن، وأبي من رجال الأعمال هنا بالمنصورة، فلماذا أغضب، ولماذا أخرج في تظاهرة هنا أو هناك، الهام عندي حالي، ووسامتي التي وقفت أمامي كالحائط الصد، والخجل الذي يصاحبني دائماً، كنت هكذا.. حتى حدث ما حدث..
نمت ليلتها متأخراً سهرت على "الفيس بوك" أعبث كعادتي في أي شيء، مرة في جروب "إليسا" التي أحبها كثيراً، ومرات في جروبات أخرى مثل "مزز المنصورة" "بنات دلع" كنت أبحث في كل جروب عن فتاة أخرج بها من "خجلي" كنت أبحث، وأبحث، ولا أمل أبداً عن البحث، حتى وجدت على "الهوم" تلك الصورة التي أربكتني، وجعلت جسدي يرتعش، وجعلتني للحظات في حالة صمت، توقفت يدي عن الحركة، وتوقف عقلي عن إرسال شاراته عن الحب والعلاقات والبنات، وارتعش جسدي، وبكيت.. نعم ليلتها بكيت ونمت، وفي الصباح جاء "محمد" وكان يبدو عليه الإرهاق، سألته عما يرهقه، فأجابني بسؤال عما يرهقني أنا، وأجبته، وأجابني أن ما أرهقنا.. هي صورة.. مجرد صورة، لشاب سكندري، وسيم أيضاً، أو كان وسيماً.. كُتب على صورته (خالد سعيد) وفي حكايته كان التالي:
الشاب كان في السيبر، ثم دخل مخبران، جري الشاب بعد مشادة فجريا خلفه، وأمسكاه، وظلا يضربا فيه داخل السيبر وخارجه، حتى مات، هكذا رحل عن الدنيا، فقط بجسده، ليعلوا بقصته فوق كل قصة، ومن قصته.. بدأت قصتي..

النوم.. كان حلماً بعيد المدى بعدما رحل عني فجأة.. كلما حاولت النوم رأيته أمامي يبتسم.. وجهه مقسوم نصفان نصف كما هو "وسيماً" ونصف آخر ملأته الكدمات والسحجات، كان يبتسم بنصف وجهه المتعاف.. ابتسامته ليست سعيدة أبداً.. كنت أول مرة أرى ابتسامة تبكي.. كان يبكي وأنا أبكي.. ثم أقوم فزعاً أصرخ تأتي أمي تهدهدني حتى أنام.. فأنام ويأتيني في المنام ثانية.. وأقوم مرة أخرى، النوم رحل ولم أعد أراه وساءت صحتي، ولم أخرج من البيت ولو ليوم، وخافت أمي كثيراً عليّ فكلمت "محمد" صديقي فجاء.. حكيت له ما بي، بكيت أمامه كثيراً.. ارتعش جسدي كالعادة.. جاءت أمي لمتني في بطانية.. وكان محمد لا يتكلم، ينظر وهو ساكت لما آل عليّ، وكنت أنتظره يحكي، أنتظره يخرجني من صمته هذا، سكوت، صمت، نظرات، مالك يا محمد هل خرست فجأة..؟!! سألتها لنفسي دون أن أتكلم أنا الآخر، انتظرت ولما طال الانتظار استأذن محمد للرحيل.. وقبل أن يمضي.. نظر نحوي، ثم قال:
- خوفك هو إللي عمل فيك كدا.. قوم خد تارك.. وتار خالد.. قوم وهاعدي عليك بكرا.
تركني، ومضى ولم يسألني كيف أقاوم الخوف بالثأر.؟! كيف وأنا أرتعش كلما تخيلت المشهد بأني قد أأخذ ثأراً، ما لهذا الشر يا محمد..!! ألم تنظر إلى حالي، أنا خائف.. خائف وأنت كل ما تريده أن أقوم أأخذ بالثأر أي ثأر وأنا خائف..؟! أي ثأر وأنا ضعيف..؟! لقد أزدت الطين بللاً يا محمد.. لقد أتعبتني أكثر يا محمد.. أأنا مسئول عن مقتله..؟!! أأنا المفروض أن أعيد له حقه..!! أي سخرية ما تقول يا محمد.. أي ألماً ما تقول يا محمد.. لن أقوم.. وسأختفي تحت البطانية بعيداً عن هؤلاء الأشرار.. بعيداً عن البنات وعن خجلي وعن وسامتي.. يا الله كان خالداً وسيماً أيضاً.. ولم تنفعه وسامته في إبعاد كف الشر عن وجهه الوسيم.. ماذا فعلت بي يا محمد..؟! سأنام وعندما يعود خالد ليراني سأغمض عيني أكثر أو أفتحها ليختفي.. نعم هذا ما سيحدث.. سأكيله باللكمات ليبتعد.. سأقبل رأسه ليبتعد.. سأقبل حتى قدمه ليبتعد.. نعم فليبتعد خالداً وتنتهي إذاً مشكلتي.. فليبتعد خالداً وتعود إليّ حياتي.. فليبتعد خالداً وتعود إليّ وسامتي.. ولم يبتعد هو.. فقررت أنا الذهاب إليه..
محمد جاء صبيحة اليوم التالي، مازال وجهه غير متعافي، وجدني متيقظاً ووجه رغم سهري راح منه الألم، قال:
- جاهز..؟!
قلت:
- نعم.
نزلنا سوياً يومها إلى الإسكندرية، شاركنا في وقفة ضد الداخلية، هتفنا، كنت خائفاً ولكن الخوف بدأ يرحل مع كل هتاف، حتى رأيته أمامي يفر كفأر وليد، رحل الخوف وبدأت متاعب السياسة، من مسيرة إلى مظاهرة إلى وقفة، تغير "الفيس بوك" ورحلت عنه صور إليسا ووضع مكانها "خالد سعيد" ثم "شهداء القديسين" فـ "سيد بلال" وأخيراً كان الحلم..
في تونس حدث ورحل "زين العابدين بن علي" وفي مصر قررنا الاحتفال بعيد الشرطة بطريقتنا، قررنا النزول يومها لنعرف الشرطة أن الشعب كفر بهم وبظلمهم، نزلت يوم 25 يناير وصديقي محمد، الوضع مختلف المظاهرة أكبر مما تخيلت، شباب لم أراه من قبل كان معنا، بنات لم أراها من قبل كانت معنا، المنصورة تلك المدينة الهادئة "ثارت" خرجت لتندد بظلمهم، انتهى اليوم سريعاً وكانت الاشتباكات بسيطة، استقبلتني أمي بالدموع، وأكدت عليّ أن لا أنزل أبداً، كانت تشاهد ما يحدث في الميدان، وتصرخ:
- الكفار طوقوا العيال وهايموتهم.
كنت أهدهدها كطفلة، وعلمنا في نهاية اليوم أن هناك شهيد قد سقط بالسويس، وهناك اضطرابات في الإسكندرية، وبورسعيد، وغيرهم، إذن هي "ثورة" قلتها في سري، ودخلت لغرفتي أتابع ما يقوله الفيس بوك.
الفيس بوك مشتعل، أخبار من هنا وهناك، لقطات فيديو وصور، كلمات تنتفض، وكلمات تبكي، وكلمات تضحك بدموع، كنت أكتب بعطش غريب على الكتابة، كتبت يومها قصتين، وكتبت أغنية، وكتبت عن خالد، وعن شهيد السويس الذي لم أراه، وظللت أرتحل عبر صفحات الفيس ونمت يومها مرتاحاً، واستيقظت لأجد الجهاز لم أغلقه، وأجد محمد يخبرني أن هناك نزول اليوم أمام مبنى المحافظة، قمت سعيداً كما لو كنت سأقابل حبيبة لا أعرفها، فطرت، وقبلت أمي، ونزلت.. وتظاهرنا وانتهى اليوم كسابقه.. وكان كل الدعوات تدعو ليوم الجمعة، أسموها "جمعة الغضب" وأسميتها "جمعة الخلاص" خلاص من مَن لا أدري، هل خلاص من "وسامتي" التي أوقفت حياتي حتى أنقذني خالد..؟! هل هي خلاص من ذلك الملل الذي كنت أعانيه لولا تدخل خالد..؟! ربما تكون الخلاص لأني سأؤخذ حق خالد لأشعر بعدها بالارتياح لا أدري.. هي جمعة للخلاص والغضب.. نعم خلاص من همومي ناحية خالد.. وغضب لكرامته وكرامتي معه.. الخميس مر ببطء لم أعهده، والجمعة أخيراً نسمات صباحها أيقظتني.. واليوم رغم انتظاري الكبير له كان بطيئاً.. منذ السابعة صباحاً أكلم "محمد" أتصل به ولا يرد.. أرسل له رسائل لا يرد.. كنت أريده.. أريد أن أكلمه.. أريد أن أنزل فوراً إلى الشارع.. ظللت أتصل به ولا يرد حتى العاشرة.. رن هاتفي.. رقص اسمه من النغمة.. قال "أقلقتني" فقلت هيا ننزل إلى الشارع.. وبعدها بساعة وبعد ما انحنيت على رأس أمي وقبلتها وبكيت وبكت وبدموعها سألت:
- مصمم تنزل يا محمد..؟!
قلت:
- نعم يا أمي.. حق خالد.. يناديني لا أنام وتعبت.
قالت:
- خلاص يبني حافظ عليك عشاني.
بكت.. وبكيت.. ونزلت درجات السلم وصورة خالد لا تتركني، اتصلت بمحمد وسألته عن مكانه فقال:
- سنصلي في مسجد المحافظة.. تعالا.
وصلت للمسجد، الأمن منتشر بشكل كبير هذا اليوم، المدرعات تملأ شوارع المنصورة، المجندين بملابسهم السوداء وطيبة ملامحهم وشراستها ينظرون للمارة بنظرات تملأها الشراسة والغضب، كأنهم كلاب لا ترحم، وحولهم يقف مجموعة من اللواءات والضباط يحملون أجهزتهم اللاسلكية هؤلاء هم الغربان.. نعم غربان أتوا من الفضاء، مررت بجوارهم ونظرت إليهم بقوة لم أعهدها، ودخلت المسجد وخطب الإمام عن الاستقرار.. وعن حرمة الخروج على الحاكم.. وعن حتمية الرضاء بالقدر.. لم أعطى له أذني ولم يعطيها أحد.. انتهت الصلاة.. ثم خرجنا.. وعند باب المسجد كان الهتاف.. (الشعب يريد إسقاط النظام) كان "محمداً" يهتف ويهتف خلفه الحضور.. وكنت أنا أهتف ويهتف خلفي الحضور.. تحركنا بالمسيرة.. حتى وصلنا إلى ميدان المحافظة وهناك كان الهتاف أقوى، وهناك هتفنا ضد الداخلية، وهناك بدأت الداخلية في رش الحضور بالرصاص الخرطوش وقنابل الغاز، وهناك كان خالداً رأيته يقف بيننا، كان يبتسم إليّ ولكن وجهه بات سليماً وعادت وسامته من جديد، وهناك كانت أمي تبكي وهي تمسك ملابسي الملطخة بالدم، وهناك كان محمداً يبكي وهو يلعن في الداخلية ومبارك، وهناك رحلت.. ورحلت معي وسامتي ووحدتي.. هناك خرجت رصاصتان من سلاح.. وهناك ظل الجسد ينزف.


لروح الشهيد (محمد أمين الباز)








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الفنان أحمد عبدالعزيز يجبر بخاطر شاب ذوى الهمم صاحب واقعة ال


.. غيرته الفكرية عرضته لعقوبات صارمة




.. شراكة أميركية جزائرية في اللغة الانكليزية


.. نهال عنبر ترد على شائعة اعتزالها الفن: سأظل فى التمثيل لآخر




.. أول ظهور للفنان أحمد عبد العزيز مع شاب ذوى الهمم صاحب واقعة