الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الأقليات السورية...شيزوفرينيا الهوية

مضر رياض الدبس

2013 / 3 / 13
مواضيع وابحاث سياسية


تأخذ الهوية شكلها حين يتفاعل الإنسان مع العصر و تتبلور بشكلها الصحي حين يَتذاوَت، فتأخذ من الآخر بقدر ما تكون انعكاساً للذات، وتحمل بعدها المتغير دليلاً على صحة تكوينها، و من هنا ليست الهوية الثابتة سوى إسطورة تُبنَى من الخوف من أن نكون ما ليس نحن، فتقاوم التغيير بقدر ما تقاوم الآخر. و من الطبيعي أن تغري إسطورة الهوية الثابتة نظاماً قائماً على الإستبداد و إهانة الفكر، كنظام الأسد الأب و بعده الإبن، و خصوصاً بعد أن أضاف بعداً إيديولوجياً قومياً فأتى بمفهوم "ميتافيزيقي" للمواطنة و الإنتماء. بموجب هذا المفهوم اختزل الهوية في مفهوم إسطوري يضمن سيطرة الحزب القومَويّ و تقديم القائد كرمز للأمة العربية و رمزاً للعالم إذا ما أقتضت الحاجة. فنجد أن الهوية السورية تعيش أساساً أزمة مفهوم و يتبعها، منطقياً، أزمةُ تحديد أيضاً.
و لم تستطيع الثورة السورية ضد نظام الأسد منذ قيامها إلى الآن أن تحدد هوية بارزة باستثناء الهوية الإسلامية ( الإخوان المسلمون و الجهاديون) و هوية يمثلها بعض الليبرالييين _و إن كانوا أضعف جداً_. و هذا ربما يكون طبيعي أمام حراك قام في الأساس للتعبير عن حاجات إجتماعية ولصون الكرامة و لم يحمل نظرية سياسية فكرية معينة بل أنه حراك غير محدد الأهداف، باستثناء إسقاط النظام، مؤكداً عدم شذوذه عن كل ثورات "الربيع العربي" التي سبقته.
بالتوازي مع الإلتباس المفاهيمي في مفهوم الهوية أنجز النظام و بشكل ممنهج التباساً آخر لمفهوم الأقلية، و نجح في ربط مفهوم الأقليات بمفهوم الإنتماء الديني و الطائفي، و سلَّمَت المعارضة السورية ،إلا ما ندر، لهذا المفهوم فأخذت تبني خطابها بالتناغم معه دون التفكير في نَسفِهِ لتقع في هذا المطب المفاهيمي فتتحدث منطلقةً من مفهومٍ غير سليم للأقلية و الأكثرية مصدِّرةً افكاراً اعتقدت أنها صحيحة بالمعنى السياسي مثل "سياسة تطمين الأقليات" أو تخصيص مقاعد تمثلها في هيئات المعارضة بالرغم من أن الثورة السورية ببعدها الإجتماعي فرصة حقيقة لأن تَصنَع ثورة هويَّاتية مفاهيمية لكن لو أنها اقترنت بوعي سياسي من المعارضة لتلك المسألة، بأن تقدم خطاب حداثي للهوية و الوطنية و بأن تقدم الأقلية و الأغلبية بالمعنى السياسي و الثقافي بدلاً من البناء على مفهومٍ طائفي يجيد النظام الخطاب ضمنه و المناورة من خلاله.
أدت سياسات النظام الخبيثة و فشل الثورة و المعارضة في تحديد مفهوم واضح للهوية في خطابها و أدائها إلى تكون هوية شيزوفرينية بين الطوائف السورية الأقلية. فمن جهة عادت إلى مخزونها الثقافي المغلق المتمثل في البعد الديني و العادات و التقاليد لتفهمه هويةً خاصةً بها و ليتكون اعتقادها بأن ما يدور في البلاد ليس فيه ما يعني كينونتها و هو ليس قضيتها ففضلت الصمت و عدم التدخل. و انجذبت، من جهة أخرى، لدعوات الحرية و العدالة الإجتماعية و تحقيق الديمقراطية التي تضمن الحقوق و تخلص المجتمع من الإستبداد و الديكتاتورية فكونت هوية حالمة بالحرية، تنشد الدولة المدنية التي تساوي بين مواطنيها و لا تفرق على أساس عرق أو دين، و لم تتردد هذه الهوية في الإنسجام مع أي تيار لا يحمل تطرفاً دينياً و كذلك لم تتردد في نقد التطرف و دعوات أسلمة الثورة. و اتجه آخرون للوهم بأن النظام القائم يجب ألا يتغير لأنه "حامي الأقليات" من التطرف و الإرهاب و من المخربين المجاهدين و المندسين، وبئس المصير مصيرهم إذا انهار النظام حيث القاعدة و النُصرة هم البديل، وتلك ليست هوية طائفية تعود للدين أو المذهب بل هوية إيديولوجية وهمية صُنِعَت، بامتياز، من قبل النظام و جهازه الأمني بشكل ممنهج عبر سنين حكمه، و ربما ساعد على تعزيزها بعض الممارسات المتطرفة في الثورة السورية و الغير مضبوطة بمرجعية عقلية.
اليوم، بعد الثورة، يتجدد معنى أن تكون سورياً و يتجاوز واقع الإنسان المقهور الذي يرضى بما يسمع و يطيع من يَأمُر، و لا هوية سورية وطنية دون الإتفاق على مفهوم الهوية ذاته بإدراك الماهية غير الثابتة للهوية، و القناعة بأن التغيير يمكن أن يطال ما يندرج الآن ضمن المسلَّمات.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. انطلاق معرض بكين الدولي للسيارات وسط حرب أسعار في قطاع السيا


.. الجيش الإسرائيلي يعلن شن غارات على بنى تحتية لحزب الله جنوبي




.. حماس تنفي طلبها الانتقال إلى سوريا أو إلى أي بلد آخر


.. بايدن يقول إن المساعدات العسكرية حماية للأمن القومي الأمريكي




.. حماس: مستعدون لإلقاء السلاح والتحول إلى حزب سياسي إذا تم إقا