الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


نشأة علم التاريخ عند العرب

يوسف رزين

2013 / 3 / 15
قراءات في عالم الكتب و المطبوعات


تعتبر دراسة الكتابة التاريخية العربية التي خلفها لنا المؤرخون الأوائل ، دراسة قلقة و عسيرة . أولا لأن المؤلفات التاريخية الأولى لم تصل إلينا كاملة وليس أمامنا إلا مقتطفات مبعثرة من تواريخ تالية وثانيا لأن الكتابة التاريخية تأثرت بعوامل الوضع والارتباك التي يمكن أن نلخصها في تأثير التيارات السياسية ودور القصاص واثر الشعوبية و المؤثرات الدينية ، مما يدفعنا إلى التعامل الحذر مع هده المواد التاريخية التي وصلت إلينا للقرون الثلاثة الأولى للهجرة و إعادة تصنيفها .
لذلك من الجيد دراسة الكتابة التاريخية لدى العرب حسب التسلسل الزمني و تحديد التطورات التي عرفتها و الإشكاليات التي مرت بها ّ.إذن يمكن في هدا الصدد الانطلاق من محاولات العرب قبل الإسلام للكتابة التاريخية , ففي جنوب الجزيرة ظهر تقويم تابت يبدأ بسنة 115قبل الميلاد بالإضافة إلى وجود وثائق ملكية وسجلات حميرية وسجلات للأنساب حفظتها بعض القبائل أيضا في شمال الجزيرة العربية كان لدى المناذرة كتب تحوي أخبار عرب الحيرة و أنسابهم كانت محفوظة في كنائس الحيرة ثم أخيرا بظهور الإسلام وضع عمر بن الخطاب تقويما تابتا هو التاريخ الهجري وأسس الديوان الذي كان يسجل فيه المحاربين وأهليهم حسب قبائلهم .بعد ذلك سيسير علم التاريخ في اتجاهين , اتجاه إسلامي ممثلا في مدرسة المدينة واتجاه قبلي ممثلا في مدرسة الكوفة والبصرة خلال القرن الأول والثاني هجري . فماذا يمكن أن نقول عن المدرستين ؟
بالنسبة لمدرسة المدينة فقد نشأت على يد عروة بن الزبير والزهري اللذان أسسا مدرسة المغازي أولا على يد عروة الذي كانت له صلات بالأمويين حيث اكره على العمل معهم وكان يلقى عنتا منهم على اعتبار انه اخو عبد الله بن الزبير . وقد سأله البلاط الأموي عن حوادث تتعلق بفترة الرسالة حيث تعرض لفترة الرسول والراشدين والفتنة الكبرى وهو لا يفصل في رواياته باستثناء أخبار الردة وهي مجرد خطوط أولية وإشارات عابرة وهو لم يعتمد كثيرا على الإسناد وربط بين تفسير القران والأحداث التاريخية وروى عن عائشة و آل الزبير ويتميز أسلوبه بأنه واضح ومباشر وبعيد عن المبالغة .
أما الزهري فقد درس عن سعيد بن المسيب وأبان بن عثمان وعبد الله بن عبد الله بن عتبة وعروة بن الزبير وقد روى المغازي عنه وجمع أحاديث الرسول و أصحابه في المدينة حيث قام ببحث واسع حول وهو يعتبر أول من أعطى إطارا للسيرة حيث لاحظ التسلسل التاريخي للأحداث وهو يعتمد على الإسناد في تحقيق الأحاديث والروايات عن طريق الإسناد الجمعي و أسلوبه يتسم بالصراحة والبساطة والتركيز لكن هناك صدى خافت للإسرائيليات في كتاباته وقد اهتم أيضا بالأنساب وتاريخ صدر الإسلام وقام بتدوين تاريخه في كتبه التي تركها في خزانة الكتب الأموية لأنه اشتغل كمؤدب لابن هشام بن عبد الملك .
ومما يمكن قوله بخصوص هذه المدرسة هو أنها عرفت اتجاه أهل الحديث الذي يصنف في خانة الاتجاه الإسلامي الذي يعبر عن وجه نظر حكومية .
بمقابل ظهرت مدرسة الكوفة والبصرة كتعبير عن المعارضة السياسية للأمويين ممثلة في قبائل الردة المعارضة العراقية (الشيعية والخارجية ) لذلك أخذت الاتجاه القبلي وهي استمرار مباشر لقصص الأيام (حروب العرب فيما بينهم) وروايات الأنساب و الأيام الجديدة والفتوحات . وقد تمظهرت هذه المدرسة بشكل واضح عند بداية القرن الثاني الهجري بظهور روايات مسجلة فيما يخص أخبار القبائل على يد الإخباريين كأبي مخنف وعوانة بن الحكم وسيف بن عمر والمدائني وقد تأثرت كتاباتهم بالمؤثرات الحزبية والإقليمية والقبلية وبخصوص رواياتهم فإنهم جمعوها عن القبائل والعائلات و الأفراد و الأمصار المجاورة كالشام والمدينة والجزيرة العربية واعتمدوا أيضا على وثائق رسمية ويتميز أسلوبهم بأنه سهل ومباشر ويتساهلون في الإسناد .
لكن الكتابة التاريخية في القرن الثاني الهجري لم تقتصر فقط على الصراع الحكومي القبلي بل أيضا عرفت ظهور الصراع بين العرب والموالي و أهل الذمة فدخل إذن اللغويون على الخط للرد على الحركة الشعوبية ولعبوا دورا في تكوين أسلوب للبحث أكثر دقة في النقد لتمييز الشعر الصحيح والمنحول كما ساعدوا على جمع الروايات التاريخية وغربلتها بأن ادخلوا أسلوب النقد الداخلي للمواد ووضعوه بجانب النقد الخارجي للمصادر والرواة وقد اشتهر منهم أبو عمر بن العلاء وتلميذه أبو عبيدة .
وبقدوم القرن الثالث الهجري عرفت الدراسات التاريخية ظهور المؤرخين الكبار وقد تميزت كتابات هذه الفترة بفكرة وحدة التاريخ الإسلامي وظهور فكرة التاريخ العالمي وقد زاد الاهتمام في هذه الفترة بالإسناد وحددت أصوله بالإضافة إلى ذلك عرف هذا العصر ظاهرة الرحلة في طلب العلم لتوفر مادة ضخمة من المصادر كتبت في أمصار مختلفة .
وقد اشتهر في هذا العصر مؤرخون كبار (لا يحدهم أي اتجاه) كالبلاذري الذي كتب عن الارستقراطية العربية وهو مؤرخ محايد ومتزن وينتقد مصادره قبل الأخذ منها و اليعقوبي الذي عبر في كتاباته عن فكرة التاريخ العالمي وهو يتبع أسلوب الانتقاء من الروايات الإسلامية بعد التدقيق و لا يعطي قيمة للأسانيد ومصادره متنوعة (علوية ,عباسية,مدنية..)ويتصف بأنه متزن ودقيق و كتاباته عن الأحداث مختصرة وله وجهة نظر إمامية ، أيضا هناك ابن قتيبة الذي عبر عن عدة اتجاهات ويمكن وصفه بأنه محايد و الدينوري الذي كتب في تاريخ العالمي وعبر عن دور العراق و ايران وكتاباته خليط من الإسرائيليات والمصادر الفارسية والروايات العراقية و المدينية .
لكن في المجمل يبقى هذا القرن هو الفترة التي ظهرت فيها فكرة وحدة الأمة وانتصار مدرسة المدينة التي تمثل وجهة نظر السلطة الحاكمة (الحركة العباسية) معتمدة في دلك على مبدأ إجماع أهل المدينة الذي صار إجماعا عاما (الرأي الحكومي ) وتراجع مبدأ حرية الإرادة والاختيار الذي عبرت عنه مدرسة الكوفة والبصرة (الرأي المعارض) وذلك بانتقال الدراسات التاريخية من المدينة والبصرة والكوفة إلى بغداد وتحول الصراع بين قريش والقبائل إلى صراع بين العرب والحركة الشعوبية . ويعتبر الطبري ابرز ممثل لهدا التطور باعتباره خلاصة الكتابة التاريخية في القرن الثالث الهجري حيث ثبت اسلوب المحدثين (السند) في الكتابة التاريخية وعبر عن فكرة وحدة تجارب الأمة (الإجماع) والمشيئة الإلهية (الجبر) منتصرا في ذلك لايديولوجيا السلطة الحاكمة.
__________________________
المرجع :عبد العزيز الدوري : نشأة علم التاريخ عند العرب








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. التصعيد بين إيران وإسرائيل .. ما هي الارتدادات في غزة؟ |#غرف


.. وزراء خارجية دول مجموعة الـ7 يدعون إلى خفض التصعيد في الشرق




.. كاميرا مراقبة توثق لحظة استشهاد طفل برصاص الاحتلال في طولكرم


.. شهداء بينهم قائد بسرايا القدس إثر اقتحام قوات الاحتلال شرق ط




.. دكتور أردني يبكي خلال حديثه عن واقع المصابين في قطاع غزة