الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


سوريا في مفترق طرق استراتيجي ـ لبنانيا

سليم النجار

2005 / 4 / 8
مواضيع وابحاث سياسية


لم يحل صيف لبنان الرطب هذا العام دون يكون الوجود السوري كعادته ساخن ومتوتر.
ولقد بدأ ذلك المهرجان الساخن وكأنه يستحيد أو يحيد إلينا ذاكرة المشهد السياسي اللبناني في السبعينات والثمانينات، إذ يبّدو هذه المعركة المشتعلة للوجود السوري، في هذا البلد الصغير والجميل في المنطقة العربية بهذا الحشد المتميز من الوجود السياسي للقوى العالمية الغربية من أمريكية وفرنسية، والآلة الإعلامية القوية، كأنما تحدث في بلد هو الأكبر حجماً أو الأكثر تأثيراً بين دول المنطقة. وقد ظلت لبنان- هذا البلد الصغير في هذه المنطقة من العالم- تقدم نموذجاً مبكراً للعمل الديمقراطي، وواحة للحرية والإبداع اللبناني والعربي.
وتتالت الأحداث متسارعة في لبنان، ما أربك الكثيرين، وخصوصاً المتابعين والقراء العرب، وذلك ناتجاً عن اغتيال الرئيس السابق للوزراء رفيق الحريري بطريقة بشعة ومروية هذا من جهة، ومن جهة أخرى غموض المؤسسة الأمنية في لبنان ونوعية علاقتها بالحادث، وبالعمل السياسي العام من جهة أخرى.
إن المؤسسة الأمنية في لبنان على عكس المؤسسات الأمنية في العالم لم تصنعه دولة، بل هو الذي صنع دولته، وبدا واضحاً ذلك بعد اتفاق الطائف الشهير. وقبل ذلك شارك بشكل فقال في كل الحروب الأهلية في لبنان وكان لاعباً رئيساً فيها. إن أي فهم وتحليل للأحداث في هذا البلد اليوم لا يمكن أن يتم إلا عبر تحليل وفهم المؤسسة الأمنية نفسها.
تبقى المؤسسة الأمنية في دول العالم الثالث بشكل عام وفي دول الوطن العربي بشكل خاص المؤسسة الوحيدة، المنسجمة والهرمية، القادرة ليس الحفاظ على الأنظمة فحسب ولكن على تغييرها من الداخل أيضاً. إن تجارب استلام العسكر للسلطة التي حدثت في العالم العربي أكبر دليل على هذا الرأي. ويمكننا التأكيد على عدم حدوث أي تغيير "ثوري" بمعنى سياسي اجتماعي، في هذه الرقعة من العالم من دون المرور عبر المؤسسة الأمنية. إن ما يميز انقلابات المؤسسات الأمنية في مصر عام 1952، وفي ليبيا عام 1969، هو قياداتها الشابة المتحدرة عادة من طبقات متوسطة طمحت إلى الاستيلاء على السلطة وطرد الأنظمة التي كانت مرتبعة على سدة الحكم.
ورجال الأمن بطبيعة تكوينهم السيكلوجي، متعجرفون وطامحون للاستيلاء على السلطة، وطرد السلطة المدنية. وعادة هؤلاء الأمنيون يفضلون الظلام على الضوء. وعملياً هم الذين يفرضون الإختيارات السياسية والاقتصادية الساسية في البلاد. وفرض كل رؤوساء لبنان الذين تعاقبوا منذ الاستقلال.
إن السؤال المطروح اليوم هو لماذا الهجوم على المؤسسة الأمنية من معطم شرائح المجتمع اللبناني؟ ولماذا لم تبقى هذه المؤسسة على الأقل في هذا الظرف الصعب التي تمر به لبنان موقفها توفيقياً قدر الأمكن بين القوى السياسية المتناحرة؟
لقد أبرزت هذه المؤسسة مدى تضامنها مع القصر الرئاسي في لبنان من جهة، وتحالفها التبعي للأجهزة الأمنية السورية من جهة أخرى.
إن ما تم نعته بالوفاق الوطني على خلفية الطائف أعطى أجهزة المخابرات اللبنانية موقعاً مركزياً وأقوى منذ قبل بكثير، في نظام الوفاق الوطني. ومنذ ذلك التاريخ فصاعداً، هيمن على أجهزة الحكم في لبنان.
إذا كانت المحصلة العامة لسياسة "التحول الكبير" نحو الأمن بصيغته السورية، وصول لبنان إلى حافة الأنهيار الاقتصادي. منذ تراجع دخل المواطن اللبناني إلى حدوده الدنيا، ولم يشهد هذه الأزمة منذ الاستقلال مروراً بكل الحروب الأهلية، وإذا صحت التقارير الاقتصادية العالمية، فإن دخل المواطن اللبناني المتوسط قبل الحرب الأهلية التي اشتعلت نيرانها عام 1976 اقترب من (10) آلاف دولار، وأثناء الحرب هبط إلى (3) آلاف دولار، والآن يتم التحدث عن أرقام متواضعة قد لا تصل (1000) دولار. مع مديونية مرتفعة وصلت إلى (40) مليار دولار ومرشحة للإرتفاع.
إن الكارثة الاقتصادية والاجتماعية في لبنان هائلة إلى حد يمكن معه القول بتقهقر فعلي لدولة كانت، رغم كل مشكلاتها المعقدة سابقاً، تعد في مصاف الدول العربية الغنية والمتطورة إلى حد كا قياساً لباقي الدول العربية.
في هذا السياق العام للواقع اللبناني الراهن يمكن النظر إلى ما يجري اليوم في لبنان، بصرف النظر عن الدوافع والتطلعات الاستقلالية التي يطمح لها معظم شرائح المجتمع اللبناني عن النموذج الأمني السوري، والمتواجد في شريان الدولة اللبنانية.
إن ما يجري في لبنان هو جزء من "لعبة كبرى" من صراع دولي ظهرت تجلياته في أوروبا الشرقية ثم في يوغسلافيا، ويمتد اليوم إلى وسط أسيا ومنطفة قزوين والقوقاز ومروراً بالعراق، بهدف قطف ثمار إنتهاء الحرب الباردة بإنتصار المعسكر الغربي. ولعل لبنان تعيش اليوم مرحلة انتقالية بين " الحرب الباردة الأولى" الذي دفع فواتير بالنيابة عن هذه الحرب، عبر تجليات واضحة – وجود حركة المقاومة الفلسطينية، والدخول السوري عام 1976 حسماً للتعدد الفلسطيني المدعوم أنذاك من الحركة الوطنية اللبنانية، فقد توهم صناع القرار السوري وقتها، أن الفرصة التاريخية مواتية لإعادة الاعتبار لموقف الدولة السورية، وأمساك الورقة الاقليمية، من خلال إمساك الورقتان- الفلسطينية واللبنانية، وزاد في حدة هذا التوهم الغطاء الامريكي، الذي اندفع محموماً لتأمين شرعية عربية لهذاالدخول، فأطلق شعار ما عُرف بـ"قوات الردع العربي" مع ترافق رضى إسرائيلي للدخول للجيش السوري، لتحجيم الدور الفلسطيني وزجه للجنوب اللبناني مرمى الطيران "الإسرائيلي" و"حرب باردة" لا يستبعد نشوبها في حال استمرار تعرض لبنان للضغط المتمثل في مواصلة العمل لتفيتها، واستغلال كبوتها الراهنة في السعي لإنتزاع دورها الريادي والحيوي في الثقافة العربية، كواحة للابداع، وإخراجها من مداها الحيوي الاستراتيجي العربي.
إن المرحلة الانتقالية التي تمر بها لبنان قد تطول أو تقصر، ولكن من الأفضل للبنان ولعالم أجمع ألا تطول هذه المرحلة كثيراً، إذ إن وجود لبنان مستقر واثق من نفسه وقوته وأمته، أفضل بما لا يقاس من لبنان مضطرب، يصدر عدم الاستقرار والقلق إلى محيطه وإلى العالم ككل....
وهذا ما تريده أمريكيا تحديداً....جزر قلقه، تصدّر أرهاب حسب وصفها، لإعادة الحيوية لصناعاتها التي بدأت تدور عجلتها أبان الحرب على العراق منذ بداية العقد الأخير من القرن الماضي.
إذاً من الذي أوصل لبنان إلى هذا الوضع الراهن....؟! وتطبيق القرار "1559". الذي صدر عن مجلس الأمن.
ليس التهديديات المتغيرة والبيئة الإستراتيجية الجديدة التي جاء في جوهر القرار "1559" الوحيد الذي يواجه لبنان. وهو يدخل القرن الحالي. فهناك أيضاً التحولات العميقة التي أخذت تطرأ على صانع القرار الدولي، في صناعة جغرافيا سياسية جديدة! والجدل الدائر في لبنان حول إذا كانت هذه التغيرات حقيقية، هو جدل تنحصر أهميته إلأى حد كبير في نطاق الزعامات السياسية اللبنانية التقليدية. غير أن العلاقة الجغرافية الاستراتيجية في المنطقة، مع المتغيرات العميقة في صانع القرار السياسي الدولي، غائب عن وعي السياسي اللبناني- تقليدياً كان- أو تنويرياً. على الرغم من كثرة المؤشرات التي توافرت على أرض اواقع اللبناني- كوجود أكثر من مليون عامل سوري في لبنان- وفي حسبة بسيطة إذا قلنا أن دخل العامل السوري (3) دولارات يومياً وفي أقل تقدير، فإن لبنان تخسر شهرياً من العملة الصعبة ثلاثة ملايين دولار في اليوم، وفي الشهر (90) مليون وفي السنة مليار و(80) مليون دولار.
وأما هذه الأرقام المؤلمة، كانت الهجرة الشبابية في لبنان بطريقة تثير القلق، حيث بدأت هذه الدولة تفقد عصب وجودها وحيوتها. ومن المحتم أن تثير هذه الأرقام اسئلة حول مجموعة من الأساطير السياسية والفرضيات الفكرية التي روجتها أجهزة الأمن السورية في لبنان، ولا تثير الدهشة هذه الأسئلة القاعدة الرئيسية للمجتمع اللبناني في أهمية بقاء لبنان، لذا ليس من باب المصادفة أن تكون شعارات جميع البنانيين من "مولاة- معارضة" سيادة – حرية- ديمقراطية. هذا الاستشعار بالخطر الحقيقي على بقاء لبنان، دفع اللبنانيون بإعادة طرح أسئلة الأساطير والفرضيات الفكريبة التي تم ترويجها عبر المزج بين المفاهيم الأمنية السورية، "وأيديولوجيتها القومية" في أرض سياسية مفتوحة وعلى عنف لا نهاية له، أنها بداية القضية وختامها!
والسؤال: هل هذا يعني غياب الرؤية الاستراتيجية المكتملة حيال التضحية اللبنانية من جانب الحكم في سوريا؟! هذا ما سنطرحه في القراءة القادمة.

سليم النجار








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. هل ساعدت كوريا الشمالية إيران بهجومها الأخير على إسرائيل؟ |


.. مسلسل يكشف كيفية تورط شاب إسباني في اعتداءات قطارات مدريد في




.. واشنطن تؤكد إرسال صواريخ -أتاكمس- بعيدة المدى لأوكرانيا


.. ماكرون يدعو إلى أوروبا مستقلة أمنيا ودبلوماسيا




.. من غزة| 6 أيام في حصار الشفاء