الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


في ضرورة نقد قبيلة المقاومة

فؤاد سلامة

2013 / 3 / 22
مواضيع وابحاث سياسية


.
لا يفاجئنا الإدمان الذي نصادفه لدى الكثير من اللبنانيين, على صفحات التواصل الاجتماعي, على تبرئة الذات الجماعية, ذات "القبيلة" التي يُرمز إليها ب "نحن", في مقابل إلقاء مسؤولية التعفن والإحتراب على الجماعة الأخرى المُعرّفة ب "هم". منطقهم يقول : "أنظروا كم نحن عقلاء ونبهاء وحواريون معتدلون وإيجابيون نؤيد بناء الدولة ونرفض التعصب والتطرف.. ألسنا نحن الأفضل وليس فقط الأقوى, وطالما كنا دائماً مع العدالة والمساواة وحقوق المواطن؟ أنظروا إلى زعمائنا وقادتنا يدعون إلى الحوار والتفاهم ونبذ الفتنة, بينما "جماعتهم" ليس فيها غير المتخلفين والجهاديين والتكفيريين, وأما زعماؤهم فلا يعرفون النحو والبيان, ولا أصول الخطاب.. من "هم" ؟ إنهم خصوم قبيلتنا, خصوم طائفتنا, السلفيون والوهابيون والتجار وأصحاب اللحى والجهلاء والسفهاء.. ولا يتورع يساريون وعلمانيون "آخر موضة" وجامعيون وحملة دكتوراه عن الكلام "عنا" و"عنهم" والمقارنة بيننا وبينهم, بين عبقريتنا وشجاعتنا وحكمتنا, وسذاجتهم وجبنهم وتهورهم. إنه ولا شك منحى في التفكير الفوقي بدأ يسود في بعض الأوساط التي تعرف نفسها بالشيعية, صاحبة التاريخ الطويل في السردية المظلومية عموماً, ولا يستثني ذلك الخطاب والأسلوب بعض أوساط النخبة المتعلمة وصاحبة التجربة في اليسار "العلماني" وبالأخص من مبشري "حلف الأقليات", ولا المجتمع المخملي الصاعد من بيئة الحرب غالباً.
يُذكّرنا هذا النمط من الخطاب, مع بعض الاختلافات طبعاً, بما سبق وعايشناه في أوساط المارونية السياسية في عصرها الذهبي في الخمسينيات والستينيات. إنه أسلوب الأقليات الطائفية أوالطبقية التي تنظر إلى العالم بمنظار "نحن" و"هم". ولنا خارج لبنان في مجتمع الأقليات اليهودية في أوروبا وأمريكا وفلسطين بالأخص, مثل فاقع عن الشعور بالتفوق لمجموعة تُعرّف نفسها بالدين والمعتقد. وقد سبق أن خبرنا التطبيق العملي لهذا المنحى التمييزي في مجتمع ألمانيا النازية بين الحربين حيث تم اختبار الشعور بالتفوق في أضخم مجزرة عرفها التاريخ البشري خلال الحرب العالمية الثانية. وها نحن اليوم نختبر في سوريا تجسيداً حياً وعملياً لفكرة التفوق والتميّز لدى أقلية مهيمنة, مترافقة بفكرة امتلاك الحق بالثأر لمظالم عاشتها الجماعة خلال قرون من التاريخ المتوهّم.
في المفهوم "السارتري" للحرية وهو مفهوم يكاد يكون عالمياً, ندرك بأن حرية الشخص تتجلى في امتلاكه القدرة على الاختيار بين خيارات متعددة ومواقف متنوعة, وفي قراره الحر بأن لا يبحث لذاته عن أعذار في الاختيارات التي يرسو عليها. كيف يتساهل مثقفون وجامعيون, ويساريون يقولون إنهم حضاريون وتقدميون, يتساهلون مع ذواتهم في محاولتهم الدائبة للبحث عن أعذار لأنفسهم ولجماعتهم التي وُلدوا على دينها ومذهبها أو لعشيرتهم التي ترعرعوا في أريافها وأحيائها, وذلك ليس في مواجهة مسائل سياسية ووطنية معقدة وإنما في مواجهة جماعات وطوائف أخرى منافسة يتم تحميلها مسؤولية كاملة عن انهيار البلد وتفتّته واضمحلال مؤسساته الوطنية الجامعة؟ كيف يصبح المسلمون "السنة" قبيلة معادية ليس فيها غير المساوىء وأصحاب النية السيئة, في الوقت الذي يتحول فيه "الشيعة" إلى قبيلة فاضلة وجمهورهم إلى جمهور لا تشوبه شائبة ولا يمسه رجس أو دنس؟ من المؤكد أن لدى "الشيعة" أصحاب رأي وقادة وعلماء وسياسيين أفذاذاً, ولكن لم يثبت في حال من الأحوال أن الجماعات الأخرى تفتقر إلى العلماء والمفكرين والساسة الأذكياء, أو أن تلك الجماعات منغلقة على التطور والفلسفة والفقه والسياسة والعلم.
أن يجتمع الخبث مع الجهل مع الادعاء بالتفوق لدى جماعة طائفية أو سياسية, مسألة ينبغي إعمال التفكير في مسبباتها ونتائجها الكارثية. كيف تستقيم الدعوة إلى الحوار والتفاهم و"نبذ الفتنة" السنية ـ الشيعية, كما يقولون, في وقت يتباهى فيه أنصار السلاح بأنهم قادرون على قطع أي يد تمتد لسلاحهم غير المُشرّع, كما أنهم لن يتوانوا عن قطع كل لسان يهدد كما يهددون وكسر كل سبابة تتوعد كما يتوعدون؟ وهم لا يكتفون بالقول والتهديد بل يتباهون بأنهم قادرون على الوصول إلى الرؤوس الكبيرة مهما اتخذت من احتياطات, وسجل الاغتيالات, منذ البدايات, ظاهر للعيان لكل من يشكك في قدرة مسلحين محترفين مُزوّدين بالخبرات الخارجية على أن يطالوا الخصوم إن لم يُسلّموا لهم, أو يبصموا على شروطهم ومتطلباتهم المعلنة والمضمرة, ويوافقوا على غاياتهم المرسومة مسبقاً.
في كل دول العالم, المتحضر والمتخلف على السواء, هناك فكرة بديهية لا أحد يجادل في صحتها, وهي أنه لا شرعية لقوة سياسية ـ عسكرية مموّلة من خارج الحدود وبشكل مُعلنِ من دون مواربة.. والسؤال الذي لا بد من طرحه هو كيف تستقيم انتخابات حرة وعدالة ومساواة في بلد بوجود "جالية" وطنية كبيرة معسكرة ومُموّلة من الخارج من أصغر موظف فيها إلى أكبر مفكر, وتمتلك علاوة على ذلك كل وسائل العنف والإكراه ولا تخضع لأي قضاء مدني, عدا طبعاً عن امتلاكها وسائل إعلام ضخمة مموّلة من نفس الخارج تضخ باستمرار ما يلزم من أفكار وأيديولوجيا وشحنٍ عاطفي وتعبوي؟
لم يثبت على مر التاريخ بأن المنظمات العسكرية, على اختلاف منابتها ومذاهبها وعقائدها, أنتجت نماذج في الحكم والسياسة تتفوق على النماذج المدنية التقليدية. في فيتنام وكمبوديا وكوبا وفي الجزائر واليمن وفلسطين وصلت إلى السلطة قياداتٌ مقاوِمة حكمت بلادها بالقوة العسكرية الخالصة وسامت شعوبها مختلف صنوف القمع والهوان. وفي العراق وسوريا حكمت نخب عسكريةـ عائلية, متشابهة بالكامل رغم اختلاف انتمائها المذهبي, حكمت عقوداً باسم المقاومة وفلسطين ومعاداة الغرب المُستعمِر, وكانت تلك النخب خلال فترة حكمها الطويلة أقسى بدرجات على شعوبها من المُستعمِرين الذين غادروا البلاد..
من هنا السؤال الأخير: ما الذي يُحصَن أولئك العسكر الذين كانوا يوماً "زاهدين" بالدنيا ومتاعها, من الاستئثار بمنافع السلطة وامتيازاتها ومواردها؟ وها هم يوغلون في دروب الفساد الملتوية كما في زواريب الحرب الأهلية من دون كوابح, كما يتكشّف باطراد مع مرور الوقت على إمساكهم بالدولة الظاهرة وأدوات العنف الموازية.. وها هم في تجربة الصراع العسكري في البلد الشقيق ينخرطون حتى العظم في الحرب إلى جانب الطغاة المستبدين, ضد شعب عربي مسلم وشقيق, ولو كلّفهم ذلك تجاوز الخطوط الحمراء التي سبق أن وضعوها بأنفسهم والتي تحدد العدو والصديق بشكل كنا نتصور أنه لا يقبل التحريف والتحوير؟ ألا يُثبت ذلك وبشكلِ قاطعِ أن السلاح خارج مؤسسات الدولة الوطنية ليس ضمانة المقاومة بل عدوّها الأول؟ كما يُثبت من دون تأويل أن المموّل الخارجي للمسلحين هو الذي يُقرّر وجهة السلاح وأهدافه باعتباره رب العمل الأساسي, وليست القيم والمبادىء والمصالح الوطنية العليا بذات شأن في القرار الفعلي للمسلحين؟ أسئلة لا بد من طرحها على القائلين بعُصمة عسكر قبيلة المقاومة وبعدهم عن الغي والضلال, فالقبيلة المعسكرة لم تكن يوماً الوسيلة المثلى لقيام دولة المواطنين الأحرار والمتساوين, الدولة المدنية القادرة والعادلة, فكيف إذا امتلكت تلك القبيلة وسائل العنف والقهر من دون حسيبِ أو رقيب أو قضاء مستقل؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. وسام قطب بيعمل مقلب في مهاوش ????


.. مظاهرات مؤيدة للفلسطينيين في الجامعات الأمريكية: رئيس مجلس ا




.. مكافحة الملاريا: أمل جديد مع اللقاح • فرانس 24 / FRANCE 24


.. رحلة -من العمر- على متن قطار الشرق السريع في تركيا




.. إسرائيل تستعد لشن عمليتها العسكرية في رفح.. وضع إنساني كارثي