الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مصر بين الماضى والماضى السحيق

شريف الغرينى

2013 / 3 / 23
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


لا شك أن الشعوب المتحدة المتجانسة لا يمكن أن تختبر فى تجانسها وقوتها إلا عندما تسقط أنظمتها الحاكمة وتتحلل، وربما سنكتشف ذلك عن مصر التى سقطت فى يد الإخوان، و هو ما يعد سقوط دولة كانت قد بدأت عام 1805 ،نجحت تلك الدولة منذ عهد محمد على فى إنشاء وتأسيس وتطوير شكل الدولة من خلال إدخال نظم إدارية حديثة تختلف عما كان موجودا فى العهود السابقة و بسب التطور السريع للعسكرية ظل الجيش محفة التطور المدنى، و قد نجحت مصر على مدار هذه العقود فى أن تحدث تقدما فى كثير من الأصعدة على العديد من الدول الرئيسية فى العالم فى بدايات حركة النهضة و لكن هذه النهضة أغفلت فكرة التطوير المستند على التطوير الأنسانى المتعلق بالحرية والإبداع والتكاملية وادعت ضمنيا وحدة النسيج الشعبى ،وهو ما لا يعد صحيحا،كما وأن رواد هذه النهضة أوكلوا قضية التطوير والنمو والتنمية فى مصر للسلطة الموسعة للدولة المركزية، وللحفاظ على ذلك الإرث شكلا، أعادوا تعريف المقدس بلغة تخدم السيد الأوحد " القهر" فخضع الجميع سواء المقدس أو مستخدم النص و حتى مفسره، لسلطة الدولة ، كان ذلك هو ما يحدث على مدار مايزيد عن مئتى عام حافظت فيها مصر على تاريخ عريض ومركب من القهر، , لقد نجح هذا النظام بالفعل فى المحافظة على القومية الشكلية ولكنه أضعف القدرات الشعبية الجمعية، و قلل من قيمة مخرجاتها، وبالعودة لقضية التجانس نجد أن الشعب المصرى كان متحدا ظاهريا بقوة القهر وسلطة الدولة وهذا ما لا يعد إتحادا حقيقيا بقدر ما هو اندحار أمام سلطة الملك أو السلطان الأوحد ، فهو" أى الشعب" لم يتخذ قرار الوحدة أو التوافق أو المشاركة طواعية تحت مظلة الوعى، وظلت قضية الأخر والإختلاف الثقافى حتى اليوم ملفا مؤجلا لم يتم البت فيه نهائيا ، وعندما تحللت الدولة فى يناير 2011 تعرض الشعب المصرى لأول امتحان حقيقى لفكرة الأتحاد لكنه هرب من إلإجابة واكتفى بأن ذهب لما يعتقد أنه سيوحد البشر "الدين" و ربما يكون ذلك على قدر كبير من الصحة ولكن المشكلة أن الشعب المصرى اختار مادة الوحدة وأغفل مادة الوسيلة ، فالنظام السياسى للدولة الإسلامية لم يكن هو ما وحد المسلمين ولا هو ما جمع القلوب وصنع امبراطورية الإسلام، بل صنعتها الدعوة الإسلامية الرشيدة المتجردة من أى انحياز للسلطة أينما كانت والداعية لإحترام حقوق الإنسان أياً كان دينه أو قبليته أوماله أو إنتمائه، وقد اندثرت الدعوة الدينية الرشيدة واندثرت معها قدرة الشعب المصرى على التجانس،عندما بدأ تحالف الدين والسلطة وعندما أصبح العمل السياسى على خلفية مظاهر وشكليات دينية هى وسيلة أصحاب فكرة أن السلطة المتحالفة مع الدين ستوحد البشر، بحيث تحمى الأولى الثانية بالقوة القاهرة ، والثانية تحمى الأولى بالقوة الروحية، وهذا ما نراه يتشكل الأن فى مصر، والحقيقة أن هذا التشكل الجديد لمستقبل العلاقة بين الشعب والسلطة بنفس الشكل السابق مع إختلاف الأدوات و إعادة صناعة تغييب الوحدة الإنسانية للمجتع، والإرادة الحقيقة فى التجانس الإيجابى ربما سيدفعهم إلى إتحاد أخر شكلى بمفهوم دينى فى حقبة جديدة من الغش القومى لا تختلف عن سابقتها ، لذلك وجب التنبيه على الشعب المصرى بأن التضحية الكبرى بنظام كامل مستقر والوصول إلى أقصى حواف الإنهيارلابد أن يكون بمقابل كبير ، وهذا المقابل يجب أن يكون، التحررالفكرى من المقدس المغلوط الذى يصنع الفتن والتحلل والكراهية.. لابد من تصحيح ومراجعة تفسيرات النص المقدس الذى كان يميل بقوة ناحية تقديس الحكام ، كما أننا لابد و أن نعى جيدا أن القيم الإنسانية والحضارية العامة لا تخالف ولا تختلف مع النص المقدس الأصيل، لذلك فالدول القوية اليوم هى التى تصارعت بالأمس بغض النظر عن أساب ذلك الصراع، ثم جلست لتعيد تشكيل نفسها على أسس إنسانية عادلة وعامة بعيدة عن التمييز لأى سبب وبعيدة عن فكرة الحقوق التاريخية المسبقة أو العرقية الإثنية أو العنصرية وبعيدة عن الإستغلال والإنتهازية التى تستخدم الدين و تتعامل مع كل النظم من أجل الوصول للحكم ،لا شك أن ذلك يعد أمراً سيئا للغاية ولكن لكل قمر عدة وجوه ولذلك يجب استغلال هذا الظرف و هذا التحلل والسقوط الذى يمر به الشعب المصرى فى إعادة تحقيق التاريخ، لأن ما بين يدينا أنياً من تاريخ ، يفتقر تماما للحيادية لذلك لابد من إعادة كتابته استرشاداً بالوثائق لغلق الباب أمام المزايدات ، فالواقع المصرى اليوم ملىء بالأسئلة التى تحتاج إلى إجابات نهائية وقاطعة ولاسيما عن الماضى القريب، لأن تاريخ الأمة المصرية فى العصر الحديث لو تم تحقيقه بشكل نهائى فإنه سيجيب على الأسئلة المتعلقة بمستقبل هذه البلاد و الذى بات يتأرجح بين الماضى والماضى السحيق.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. -بيتزا المنسف-.. صيحة أردنية جديدة


.. تفاصيل حزمة المساعدات العسكرية الأميركية لإسرائيل وأوكرانيا




.. سيلين ديون عن مرضها -لم أنتصر عليه بعد


.. معلومات عن الأسلحة التي ستقدمها واشنطن لكييف




.. غزة- إسرائيل: هل بات اجتياح رفح قريباً؟ • فرانس 24 / FRANCE