الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الفاشية ، الخطر المحدق بالشعوب

عبد الرزاق الكادري

2013 / 3 / 24
مواضيع وابحاث سياسية


الفاشية ،الخطر المحدق بالشعوب

"إن الثورة تتقدم و تتطور في ترافق تام و تناقض حاد بينها و بين الثورة المضادة"

ليس يسيرا ما يعرفه العالم اليوم من تحولات و متغيرات ، فعمق التناقضات الداخلية للنظام الرأسمالي ادت إلى انفجار أزمات عدة اصبحت تهدده في وجوده كنظام اجتماعي و اقتصادي، مما حدى بالامبريالية الى شن حروب استعمارية جديدة على مجموعة من البلدان (العراق ، افغانستان، لبنان ، ليبيا، سوريا،مالي...) لضمان استمرار هيمنتها و التخفيف من أزمتها التي ما فتأت تتعمق اكثر فاكثر. كيف لا وتوقف الحروب يعني انهيار النظام الاقتصادي الاجتماعي الرأسمالي بأكمله.غير انه و في مقابل هدا الهجوم استعادت الشعوب مجد المقاومة المناهضة لكل النظام الرأسمالي ومآسيه. اندلاع العديد من المعارك البطولية و الطويلة النفس في البلدان الامبريالية داتها (اليونان ، اسبانيا، ايطاليا، كندا، الولايات المتحدة،...) بثقل جماهيري واسع، و بالأشكال النوعية التي أبدعتها هده الجماهير، و اندلاع العديد من الحروب الشعبية، كالحرب الشعبية الطويلة الأمد في الهند و في الفلبين و عودة الكفاح المسلح بالبيرو ... و الانفجارات الجماهيرية الجبارة في العديد من الدول بشمال افريقيا و الشرق الاوسط يوضح بجلاء عمق أرمة الإمبريالية و عملائها المحليين و يرسم آفاق الصراع الطبقي على المستوى العالمي و الوطني موكدا ان الشعوب ستمتلك مصيرها بأيديها.
لقد شكلت الانتفاضات الاخيرة التي عرفتها العديد من دول المنطقة ضربات قوية للامبريالية و عملائها بحكم الترابط التاريخيي و الموضوعيي الذي يربط الأنظمة العميلة بالامبريالية، لقد غيرت هذه الانتفاضات المشهد السياسي في هذه البلدان،فأعادت إلى الواجهة بعض الموضوعات الفكرية و السياسية التي تستحق التعاطي الجدي و المسؤول من طرف كل القوى الديمقراطية و اليسارية، خصوصا أمام تصاعد المد الظلامي الفاشي إقليميا و محليا، وعدم تمكن هذه الانتفاضات من تحقيق ما كانت تأمله الشعوب المنتفظة من التضحيات التي قدمت. لقد بينت هذه الانتفاضات صحة الموضوعات الماركسية المرتبطة بالحزب و الثورة و ادوات انجاز الثورة و منطق التحالفات و القيادة الثورية...فلا يمكن للشعوب أن تتحرر إلا بامتلاكها لهذه الأدوات .ففي ظل هدا الوضع العام المتسم بالهجوم الامبريالي و صعود الفاشية الدينية من جهة ومقاومة الشعوب من جهة ثانية، يأتي تخليد ذكرى الشهيد محمد آيت الجيد بن عيسى الذي اغتالته الأيادي الفاشية بعد الهجوم الظلامي على الجامعة يوم الخميس 25 فبراير 1993ليلفظ أنفاسه يوم الإثنين فاتح مارس 1993 بإحدى المصحات،نخلد دكراه و معه باقي شهداء الفكر الظلامي الفاشي (المعطي بوملي،بن جلون،شكري بلعيد،مهدي عامل ، حسين مروة، فرج فودة،.....) مستحضرين تضحيات هؤلاء الأبطال، نبراسا لكل الثوار في مجابهة الفاشية و الفاشيين.
لكن هل بالفعل تشكل القوى الظلامية الدينية قوى فاشية؟ أليس في هذا التحديد بعض من المغالات ؟ أبدا، انها قوى فاشية في أساسها الطبقي و في مضمونها السياسي و في وسائلها في الصراع.
مقتطف حول الفاشية:
إن الفاشية هي حركة ملازمة للامبريالية جوهرها الأساسي هو المعاداة المطلقة للشيوعية وخصائصها هي العنف والإرهاب المنظم.
تاريخيا ظهرت الفاشية كحركة منظمة من طرف الامبريالية بعد انتصار ثورة 1917 ودخول عصر الثورة الاشتراكية العالمية. والفاشية تحمل مشروع تحريف الجماهير عن الشيوعية من خلال إذكاء النعرات العنصرية و الدينية و الشوفينية... إلخ فالدول الرأسمالية كانت تفضل استعمال الأحزاب الاشتراكية-الديمقراطية لتشويه وعي الجماهير وتلجيمها، غير ان استعمال الأحزاب الاشتراكية الديمقراطية لتشويه وعي الجماهير خصوصا بعد الخروج من مأساة الحرب العالمية الأولى ونشوء وتطور الأحزاب الشيوعية وتوسع نطاقها خصوصا في مرحلة الأممية الثالثة قد جعل من البرجوازية ترفع من حدة الصراع الطبقي ومن تشديد سيطرتها. وقد ساعدت المجموعات البرجوازية الامبريالية بكل قوتها تكوين المجموعات الفاشية المعادية للشيوعيين والثوريين معتمدة بذلك على كل ما هو حساس بالنسبة للجماهير (البعد العرقي، البعد الديني البعد الجغرافي،... الخ.)
إن الفاشية حركة تسعى إلى احتواء أوسع قاعدة من الجماهير الشعبية وتجييشها معتمدة في ذلك على الترويج لكل ما هو بعيد عن الفكر التقدمي و على كل ما هو مؤثر في إحساس و شعور الجماهير.
إن ما تقوم به الامبرياليات، والامبريالية الأمريكية بشكل خاص بكل من إفريقيا وآسيا، وأمريكا اللاتينية من تدعيم صريح ومكشوف للمجموعات والمنظمات المضادة للثورة يستحق بكل تأكيد من كل ماركسي يطرح في جدول أعماله المباشرة التهييء للثورة المزيد من الانتباه والدراسة.
فإن احد أهم الوسائل إن لم نقل الوسيلة الأساسية والمفضلة لمهاجمة الثورة إنما هي تكوين وتوسيع نطاق المجموعات الفاشية.إنها القواعد الأساسية للثورة المضادة، ففي الهند حيث تخوض الجماهير بقيادة الحزب الشيوعي الماوي الحرب الشعبية منذ عدة عقود، متمكنة من تحرير جزء كبير من شرق البلاد، تعتبر المجموعات الفاشية المكونة على قاعدة القومية اكبر تهديد للثورة. فمع نمو نضالات الجماهير الشعبية و ما تحققه الحرب الشعبية من انتصارات تم تأجيج الصراعات الطاحنة و الدموية بين الهندوس و المسلمين خصوصا مند سنوات التسعينيات، و الدفع بانتشار الايديولوجية القومية الرجعية العنصرية و الدينية للحزب الهندوس BJP من أجل تقسيم وحدة االجماهير ليتطور هذا النمو الرجعي المضاد للثورة حيث عمدت الرجعية الهندية سنة 2005على تأسيس قرية ضد المتمردين قرية - Salwar Judum-بمقاطعة Dantewara تستعمل نفس مبادئ القرى التي اعتمدتها الامبريابية الامريكية و الفرنسية مند سنوات: تدعيم الأقليات القبلية و القوميات المضطهدة لتقسيم البلدان و تفكيك وحدة الشعب و قتل الجماهير و الثوريين. بقبرص نجد الحركة الشعبية الوطنية المدعومة من طرف الرجعية التركية أهم وسيلة لضرب الجماهير التي تنادي بالتغيير و تناضل من أجل إسقاط الرجعية العميلة لتركيا، إن "الحركة الشعبية الوطنية" تستخدم النعرات الشوفينية لتبرير جرائمها ضد الثوريين و لفض وحدت الشعب خدمة لأسيادها الرجعيين بتركيا. بالكونغو اعتمدت القوى الامبريالية و خصوصا الفرنسية و القوى الرجعية على إذكاء الصراعات القبلية و القومية بين الهوتو و التيتسي من أجل تزييف وعي الجماهير و ثنيها على الثورة لتثبيت سيطرتها. نفس التكتيك نجده بالعراق الصراع ضد المقاومة الوطنية و ضد الثوريين يأخذ أيضا شكل تدعيم القوى الشوفينية العربية و الكردية العميلة و القوى الإسلامية الظلامية (السنة و الشيعة)، و الهدف واضح قتل الثوريين و تقسيم الجماهير الشعبية و منع وحدتها. في البيرو تشكل الجمعيات التنموية* وبعض المجموعات الفاشية المكون على أساس القومية و المستثمرة لما تعاني منه بعض القوميات من اضطهاد أساس الثورة المضادة، في إيران قد رأينا ماذا فعلت الفاشية بالشيوعيين وبالثورة، في الجزائر وفي السودان والكاميرون و مصر و تونس ...إلخ و الأمثلة عديدة وكثيرة. إن المرحلة الراهنة من الصراع الطبقي على النطاق العالمي إنما توضح بجلاء نمو الهجوم الإرهابي للامبريالية و تصعيد وتيرته و استخدام كل الوسائل و على رأسها إثارة الحقد بين القوميات وبين الجماهير من أجل منع وحدة الشعب و تأسيس قواعد الثورة المضادة.فالامبريالية في البلدان التي عرفت العديد من الانتفاضات وجدت في القوى الفاشية الدينية البديل الذي سيمكنها من الحفاظ على مصالحها بعدما فرضت عليها الانتفاضات الشعبية ( تونس، مصر)التنكر لرموز عملائها القدماء.و بالفعل صعدت القوى الظلامية، فها هي مصر اليوم و تونس تفقدان ثمار الانتفاضات و التضحيات فلا الانتفاضة انتصرت و لا آمال الشعوب تحققت، استطاعت القوى الظلامية أن تسرق هذه التضحيات و أن تحتوي هذه الانتفاضات بفعل قوة تنظيمها و دعمها من طرف الولايات المتحدة الامريكية في المقابل لم يستطع اليسار بكل تلاوينه حتى مواكبة التضحيات التي ما زالت الشعوب تقدمها تشبتا منها بانتفاضاتها، بل هناك من لا يريد حتى الاستفادة من الدروس و ما زال بكل وقاحة يدعو دون أن يقدر على المجاهرة بذلك إلى التعامل مع القوى الظلامية بدعوى التناقض الرئيسي و التكتيك و ما الى ذلك من الشعارات الانتهازية. لقد أثبت الشعب المصري و التونسي استعدادهم لإشعال الانتفاضة الأولى و الثانية و الثالثة...بينما ما زال "يسارنا" بين طرهات التمييز بين المعتدل و المتشدد...فحقيقة الأمر أن "يسارنا" اليوم عاجز عن مواجهة هذا المد الظلامي. لقد مثلت القوى الظلامية حليفا مهما للولايات المتحدة في ظل المشهد السياسي العالمي الذي نعيشه اليوم، "يقال إن الإسلام السياسي يحارب الولايات المتحدة وبالتالي لا يجوز استبعاد اعتبار هذه الحقيقة الواضحة عند تقييم دوره. وهذا هو بالفعل ما تقوله الولايات المتحدة والتي لا تستطيع أن تقول غيره، لأن هذه الحرب هي المبرر الوحيد الذي يعطي الشرعية لمشروع السيطرة العسكرية على الكوكب باسم "محاربة الإرهاب"، خاصة وسط الرأي العام في الغرب فينبغي أن ننظر إلى هذه "الحروب" عن كثب." إن ما يسمى بالاسلام السياسي لا يشكل خطرا بالمطلق على سيادة الاستعمار الجديد اقتصاديا و سياسيا، فلنعد إلى مصر و تونس فمباشرة بعد صعود القوى الظلامية سارعت هذه الأخيرة إلى طمأنة الولايات المتحدة على مصالح الصهيونية و الامبريالية في المنطقة، فكانت البداية ان انظم التنظيم العالمي للإخوان المسلمين للإمبريالية الأمريكية و الأوربية لإعلان الحرب على سوريا بعد حملته الانتخابية الكاذبة حول الرئاسة في مصر(فلينظر إلى ذلك دعاة التحالف مع العدل و الإحسان عندنا) حيث ادعى هذا التنظيم معادات الامبريالية و الصهيونية. ثم تكالب على القضية الفلسطينية و الانتفاضة الفلسطينية الأخيرة في غزة إثر صفقة مشبوهة مع الصهيونية و أمريكا عندما سارع إلى إطفاء لهيب الإنتفاضة، مقابل أن يلقى الدعم الصهيوني الأمريكي في مصر. و بالفعل لقد تأتى للقوى الظلامية ذلك فهاهي اليوم في مصر تقتل و تغتال بمباركة الإمبريالية و الصهيونية. فلنتذكر ما قاله "يهود باراك و "أوباما" بعد ذلك مباشرة "إن مرسي رجل دولة"إن اللعبة بين الولايات المتحدة و القوى الظلامية لم تعد مخفية على أحد فتثبيت المشروع الظلامي ساري برعاية الصهيونية و الامبريالية و بدعم مالي من السعودية و قطر.من أجل السيطرة و الهيمنة الأمريكية.إننا أمام هجوم فاشي يستهدف الشعوب و كل الأصوات الحرة مستخدما كل الأساليب الفاشية فالتقتيل الذي يتعرض له المناضلون هو استهداف للثورة و للحركة الشيوعية، كما هو استهداف للحركة الجماهيرية ذات المضمون المتصاعد في كل الأقطار.
يجب أن نناضل ضد الرجعيين مهما كانت أشكالهم و تلاوينهم. إن النضال ضد الفاشية الجديدة هو جزء من النضال ضد الرجعية وهو نضال ضد نمو القواعد الخلفية للثورة المضادة يجب أن يعلم الكل أن راية الشيوعيين تزداد احمرارا بدماء الفاشيين، فالقوى الظلامية خادمة طيعة للامبريالية جوهرها الأساسي هو المعاداة المطلقة للشيوعية و الشيوعيين وخصائصها هي العنف والإرهاب المنظم. إنه الدرس الذي يجب أن تلقنه لنا إغتيالات الفاشية للمناضلين. فالوضع الإقليمي يبين بشكل سافر وحشية الإرهاب الذي تمارسه هذه القوى ضد كل الأصوات الديمقراطية،إن مصر و تونس تتجهان نحو سيادة و هيمنة الفاشية ليس على مؤسسات الدولة الرجعية و فقط بل على كل المجتمع. إن كل ما تقوم به الامبريالية من دعم صريح ومكشوف للمجموعات والمنظمات المضادة للثورة يستحق بكل تأكيد من كل ماركسي وكل ديمقراطي أن يطرح في جدول أعماله المباشرة التهييء لمجابهة هذا المد الظلامي.للحفاظ على وحدة الشعوب و تصليبها ضد التقسيمات الدينية و العرقية التي تستهدف بناء قواعد الثورة المضادة.فهل سنستوعب عمق المهام السياسية و الإيديولوجية و التنظيمية الملقاة على عاتقنا اتجاه هذه القوى الفاشية، فعمق هدا السؤال نابع من الخطر المحدق بوحدة الشعوب المظطهدة ومن بينها الشعب المغربي، فلن نكون مبالغين إدا ما قلنا أن الصراع ضد القوى الظلامية، يعتبر في الوقت الراهن نقطة مركزية من ضمن نقط اخرى من أجل خنق قواعد الثورة المضادة التي تبنى في الضواحي و الأرياف في غفلة عن الثوريات و الثوريين.
لقد أدركت الشعوب أن القوى الظلامية لن تقدم لها شيئا غير البؤس و التقتيل و الاعدامات، فالتجارب التي سيطرت فيها هده القوى على مصائر الشعوب يندى لها الجبين( الصومال،السودان،إيران،أفغانستان،باكستان).
الفاشية الدينية
محاولة لكشف مضمونها الطبقي
جماعة العدل و الإحسان بالمغرب نموذجا:

" من هم أصدقاؤنا ؟ من هم أعداؤنا ؟ هذه مسألة في الدرجة الأولى من الأهمية بالنسبة للثورة ........إن الحزب الثوري هو مرشد الجماهير، فإذا قادها في الثورة إلى طريق خاطئ فلابد أن تفشل الثورة. ولكي نضمن عدم قيادة الجماهير في الثورة إلى طريق خاطئ و لنكفل النصر للثورة ، ينبغي لنا أن نهتم بالاتحاد مع أصدقائنا الحقيقيين لنهاجم أعدائنا الحقيقيين .و علينا لكي نميز بين هؤلاء و أولئك ، أن نقوم بتحليل عام للمركز الاقتصادي لمختلف الطبقات في المجتمع الصيني و لموقف كل منا تجاه الثورة" ( ماو تسي تونغ ).

ان احدى واجبات الشيوعيات و الشيوعيين على الجبهة الأيديولوجية هي الكشف و تعرية هذه القوى الطبقية ليس في شعاراتها السياسية او خلفياتها الفكرية الرجعية و الظلامية و فقط بل و في مضمونها و محتواها الطبقي أيضاً
فماهو المضمون الطبقي لهذه الجماعة؟ على من تعبر طبقيا ؟ هل على المادحين الذين يشكلون القسم الاكبر من قواعدها؟ و كيف يجب التعامل معها؟هل بالعداء؟أم الاهمال؟أم التعامل و التحالف؟ هل تناضل العدل و الاحسان ضد الظلم و الاستبداد كما تدعي؟هل التناقض مع القوى الظلامية هو بالفعل تناقض ثانوي؟. (مقتطف من مقال سابق للرقيق خالد المهدي )
سوف نحاول تقديم رؤوس أقلام حول هده الأسئلة، لأن المجال هنا لا يسمح بأكثر من ذلك، و لن نخوض هنا في نقاش العدل والإحسان من الناحية الفكرية العامة و لا نحتاج لندكر أحدا عن تصورها الظلامي ومواقفها في هذا الاتجاه، بل سوف نحاول أن " نتناول المسألة من ناحية "برنامجها الاقتصادي وتصورها للإنتاج والتوزيع والتبادل حتى تتضح أسس موقع هذه الجماعة طبقيا، مع التذكير بأن تناولنا هذا يظل أيضا قاصرا و يستدعي المزيد من البحث والتنقيب و الجهد.
"أوروبا تزحف على العالم " عنوان فصل من كتاب " في الاقتصاد" يتناول فيه عبد السلام ياسين مسألة اندحار الولايات المتحدة الأمريكية ويتنبأ بصعود أوروبا تحت قيادة ألمانيا، و هو يأمل في ذلك لأنه قد يعود بالخير على " دولة الإسلام".
في هذا الفصل يدعو عبد السلام ياسين إلى نبذ كل ما جاء وما سوف يأتي من " الأجنبي":
" الرفض الجذري والتقليد و الولاء للأجنبي الجاهلي مطلب عزيز و أعز منه نصر الشخصية الاسلامية الأصلية ، و نصبها مكان الصدارة في ميادين الحكم والتدبير و الإدارة و الاقتصاد. رفض حضارتهم و معاييرها و أخلاقها و نظرياتها و أساليبها هدف شريف، و أشرف منه أن لا ننتقل من مذهب جاهلي إلى مذهب جاهلي، من الرأسمالية إلى الاشتراكية. بل أن نستقل بالنظر و العمل بالمنهاج و التطبيق ، بتحديد الأهداف واستصلاح الوسائل ، وليس سوى شرع الله القويم وصراطه المستقيم لنا مذهب "
إن هذا الرفض " للأجنبي " الذي يعني كل ما هو غير مسلم، لا ينم عن نزعة تعصب ديني و فقط بل إنه سمة للثقافة الفاشية تحت غطاء الإسلام. وهو رفض جذري عند ياسين، و الجذرية هنا بالنسبة له هي رفض للحضارة وللمعايير وللأخلاق ولنظريات وكذا الأساليب " الأجنبية "، الأجنبية عن الإسلام سواء كانت رأسمالية أو اشتراكية، بل إنه يجعل من العداء للاشتراكية أشرف من العداء للرأسمالية.
إن هذا الرفض للحضارة الأجنبية هو في حقيقة الأمر، رفض لكامل الحضارة الإنسانية بما فيه جزء من الحضارة الاسلامية نفسها ، تلك التي انهالت من " الأجانب" وهذا وجه آخر من أوجه الظلامية و الفاشية. عبد السلام ياسين و أتباعه يرون في "الشخصية الاسلامية" مثل ما كان يرى هتلر و حزبه في"الشخصية الجرمانية "، متعالية فوق الجميع و أحسن من الجميع و هي ملاذ الإنسانية .و ما من مخرج بالنسبة لعبد السلام ياسين سوى " شرع الله القويم و صراطه المستقيم "حتى تخرج "الأمة" من الظلمات و الجاهلية إلى النور ، هذا هو تصور "العدل و الإحسان " للمستقبل .لكن ما هو " شرع الله القويم و صراطه المستقيم "؟ أو كيف تفهم " العدل و الإحسان " هذا الشرع ؟ ليس من الجانب الأخلاقي بل من الجانب الاقتصادي، أي الإنتاج والتبادل و بالتالي التوزيع، ولأن خطاب الأخلاق لم يعد قادرا لوحده (رغم أهمية تأثيره) على احتواء الجماهير وتدجينها فإن عبد السلام ياسين يقر بأن :"الدولة الإسلامية تحتاج لنظرية اقتصادية متكاملة واضحة المعالم تستند عليها في الاختيارات و القرارات " بل إنه يذهب أبعد من ذلك حيث يؤكد : " أن السياسية هي اتخاد القرار باختيار هذا الحل على ذلك نظرا للأهداف التي تفضلها على غيرها، ونظرا للوسائل التي معك . ونظرا لما تتوقعه من رضى الناس بقرارك لما يأتيهم به من خير. و لب الاختيارات والقرارات التي تتخذها الدولة الحديثة لها مساس مباشر وثيق بالاقتصاد ، بل جلها اقتصادية ، بل كلها . فيحق القول أن الاقتصاد هو زمام السياسة و جسمها و حواسها".و حاجة " الدولة الإسلامية" في نظر عبد السلام ياسين " لنظرية اقتصادية واضحة المعالم" هي "حاجة لكي نبني نموذجا طبقا لروح ديننا ، استجابة و تحقيقا لعقيدتنا و طموحنا في الكفالة الذاتية و في الرخاء و القوة ". ما هو إذن تصور عبد السلام ياسين لهذه النظرية الاقتصادية الواضحة؟
ما هو أسلوب الإنتاج والتبادل المطابق "لروح الدين الإسلامي" ؟ و كيف يتم توزيع الثروات ؟ ما هي مداخل هذه الدولة و مواردها ؟ و ما هي علاقة الدولة بالاقتصاد ؟
إن الإجابة على هذه الأسئلة المحورية، يعطينا فكرة جيدة عن النظام السياسي الذي سوف تقام عليه؟ ويمدنا بالعديد المعطيات لنحدد ( و لو بشكل تقريبي ، مادام الأمر يحتاج المزيد البحث )الموقع الطبقي الذي تعبر عنه وتدافع عنه جماعة عبد السلام ياسين.
بالنسبة لشيخ الجماعة و منظرها كلا النظامين الرأسمالي و الاشتراكي نظامين جاهلين يجب الابتعاد عنهما و رفضهما لكنه مع ذلك يرى أن اقتصاد "دولة القرآن " كما يسميها ، يجب أن يكون "اقتصادا حرا" و "الاقتصاد الحر نعني به اقتصاد العبد السائر على قانون ربه الذي حدد الحلال و الحرام، و الواجب والحق، و نظام الملكية و الميراث وحقوق الأجير والشريك و حق اهدد في المال ومعرفة للبائس و السائل و المحروم ،و حث على السعي و النشاط في الكسب ، و حذر من الاغترار بالحياة الدنيا و المتعة الدوابية " و " الاقتصاد الإسلامي حر بمعاني الحرية الغائية المقيدة هنا في الدنيا بقيود الشرع" و بهذا حسب عبد السلام ياسين دائما، حلت معضلة تمييز " الاقتصاد الإسلامي" عن نظيره الرأسمالي و الاشتراكي و بهذا " يكون النظام الإسلامي السياسي و الاقتصادي و الاجتماعي و الحضاري نقيضا لنظامين الجاهليين ، لا من حيث التطبيقات العملية الجزئية و فقط بل من أساسه و من غايته".
و بغض النظر عن هذا الجهل النابع كالنور من كلام ياسين، حول الرأسمالية والاشتراكية، و بغض النظر عن النفحة الدينية المتشددة في هذا الخطاب، بغض النظر عن كل ذلك لنسأل ما هو إذن هذا "الاقتصاد الإسلامي" المتميز عن النظامين الجاهليين الرأسمالي والاشتراكي ؟ للإجابة على هذا السؤال يطرح عبد السلام ياسين السؤال التالي : "هل يكون اقتصادنا اقتصاد سوق ؟ "هو يطرح هذا السؤال بشكل استنكاري ، ليبعد التهمة عنه بأنه اقتصاد رأسمالي قح ، لنرى كيف إذن يتم ذلك .
في البداية يؤكد عبد السلام ياسين على أن الاسلام " لا ينكر غريزة التنافس ، ولا يكبتها و لا يقمعها ". و " المبادرة الحرة مؤسسة يعترف بها الاسلام ، بل يجعلها أساسا منه ، تستثنى الحالات التي يقع فيها الضرر على المصلحة العامة من سوء تصرف الملاك " و يضيف : " و رفض الرأسمالية لا يعني وجود رؤوس أموال حرة ، بل يعني رفض الأمراض الإنسانية التي تطرأ على الفطر فتجمع بها " ، بل " إن إلغاء المبادرة الحرة يهدد الاقتصاد بالشلل لتعطيل الغريزة التي جعلها الله فينا محركا للتدافع الذي يكون به العمران " .
لا أدل من هذا الكلام لكي يتضح أن ما تنادي به " العدل والإحسان" هو الرأسمالية نفسها ، و بالرغم من أن ياسين يقول بان رفض الرأسمالية يعني رفض الأمراض الإنسانية "فإنه يشرع هذه الأمراض و يجعل من بعضها غريزة "جعلها الله فينا محركا " للتنافس الذي به حسب عبد السلام ياسين يكون العمران أي التقدم و التطور الحضاري و الثقافي ....الخ.
محاولة الهروب من أن ما يطالب به الإسلام بشكل عام، و جماعة " العدل و الإحسان" بشكل خاص هو الرأسمالية بعينها لم تستطع أن تخفيه تلك الجمل حول التضامن ومراعاة " حقوق الأجير و الشريك" و غيرها من الأقنعة.
و إذا كانت " العدل و الإحسان " تدافع عن الرأسمالية تحت غطاء الدين، متسترة بالخطب الديماغوجية حول العدل و حول الإحسان ......الخ ، فهي بكل تأكيد جماعة تعبر و تدافع عن مصلحة طبقة أو فئة برجوازية .
من هي هذه الطبقة أو الفئة ؟ هل تدخل ضمن الشعب أم تحسب في عداد أعدائه؟
عبد السلام ياسين يؤكد على " أن رفض الرأسمالية لا يعني رفض المبادرة الحرة الشخصية أو الجماعية في شركات ، و إنما يعني إبعاد التضامنات الاحتكارية و رفع الأسعار التعسفي، و طلب الربح المادي على حساب المصلحة الاجتماعية و استبعاد العامل الأجير واستغلاله". لكن كيف يمكن القبول بالرأسمالية و بالمبادرة الحرة و في نفس الوقت إبعاد "التضامنات الاحتكارية" في حين أن هذه الأخيرة هي نتاج موضوعي للأولى؟ خصوصا و أن عبد السلام ياسين يقر ويؤكد على أنه في اقتصاد " دولة القرآن" " .....تكون المبادرة الحرة هي الأساس و تدخل الدولة طارئا ، و يكون التخطيط محدودا " ، بل إنه يصرخ بأن كل تخطيط يجعل من التأميم هو القاعدة و المبادرة الحرة هي الاستثناء فإنه يعرض الاقتصاد للخطر، و بالنسبة له " من خطط للتوزيع الاجتماعي ، مع خراب آليات الإنتاج و شلل محرِكِه الفطري و هو المبادرة الحرة، فإنما يخطط لتوزيع البؤس و الفاقة " .
أعتقد أن ما يطرحه عبد السلام ياسين هو بكل تأكيد بعيد كل البعد عن تصور و مطامح البرجوازية الصغرى ، للإنتاج و لعلاقة الدولة بالاقتصاد أو لنظرتها للرأسمال.
أن نفسح المجال للمبادرة الحرة و للتنافس الذي هو "غريزة لا يجب أن تكبت أو تقمع" و أن " تكون المبادرة الحرة هي الأساس و تدخل الدولة طارئا " و في نفس الوقت يجب " إبعاد التضامنات الاحتكارية". ليس ذلك من حماقات عبد السلام ياسين و هلوساته، بل إن في ذلك مغزى طبقي معين سوف نعالجه لاحقا، غير أنه قبل ذلك نود أن نوضح كيف يتصور عبد السلام ياسين نجاح هذه النظرية .
إن ما يضمن نجاعة ونجاح هذا "الاقتصاد الإسلامي" ليس قوانينه الموضوعية و ليس إبداع العقل بل العكس من ذلك فعبد السلام ياسين يطالب بنبذ العقلانية وعدم السماح لها بالتحكم " فينا"، إن هذا البعد الظلامي في تصور الأشياء صاغه شيخ " العدل و الإحسان" على النحو التالي :نجاعة " الاقتصاد الإسلامي" تكمن في أنه "....يشكل نظاما مستنبطا من الأحكام السماوية، ففي مصدره السماوي ضمان لنجاحه، لا يدخله الخلل إلا من قلة فهمنا عن الله، وقلة فهمنا لروح الشريعة و مقاصدها" . فإذا أصيب هذا الاقتصاد بالانهيار و إذا ما طفت الأزمة واضحة أمام أعين الجميع فإن ذلك ليس في طبيعة هذا الاقتصاد و لا في قوانينه بل انه نقص في فهمنا للشريعة والقرآن وعوضا أن نبحث في شؤون الاقتصاد سوف نعرج للبحث في ملكوت السماء. إن هذه النظرة ليست مجرد مثالية ممسوخة بل ظلامية واضحة يوضحها أكثر قوله هو بالذات إذ أنه يعتقد أن "...الله ....الضامن للنجاح والفلاح لمن اتبع هداه لا هدى النفس، واتبع الفهم عنه لا تحكم العقلانية، و وظف العقل فيما خلق له من استماع أمر الله و آياته المنزلة ثم تكييف الواقع لها لا العكس ".
إن هذا البعد الظلامي في فكر جماعة "العدل و الإحسان " هو الغطاء الإيديولوجي للتستر عن الاستغلال و القهر و الاضطهاد و الاستبداد فإذا كانت اليوم "العدل و الإحسان" هي الأخرى ترفه شعار "ليسقط الاستبداد " فليتمعن الجميع بماذا تريد أن تعوضه. لندع جانبا هذا الجانب الفكري و لنواصل توضيح رؤية الجماعة للمسائل الاقتصادية.
ما هي موارد " دولة القرآن " ؟ كيف يمكن لهذه الدولة أن تغطي حاجياتها ؟
يعترف عبد السلام ياسين بقصور الزكاة التي تشكل فرضا من فروض الاسلام على تغطية نفقات الدولة. ففريضة الزكاة جاءت لتحل مشكل التفاوت ما بين الطبقات في عصر بداية الإسلام، لكن مع مرور الزمن و توسع "الدولة الاسلامية" و تزايد حاجاتها و نفقاتها الداخلية و الخارجية كان لابد من موارد أخرى، التبرير الديني لذلك بصيغة عبد السلام ياسين على النحو التالي :" فلمواجهة الضرورات واقتناء وسائل الطموح المالية، يضاف إلى الحق المعلوم و هو الزكاة، الحقوق الأخرى في المال، المتفرعة عن قاعدة بدل الفضول و هي قاعدة صاغها فقهائنا في قولهم: "إذا احتاج المسلمون فلا مال لأحد " ."
من سوف يحدد هل المسلمون محتاجون أم لا ؟ و كيف يتم تحديد ذلك ؟ و ماذا نقصد بهذه الحاجة ؟ أليست حاجة جوهرها اقتصادي أي هي نفسها حاجة اقتصاد "دولة القرآن" ، حاجته للتطور و النمو و التراكم و الخروج من الأزمات والانكماش و......الخ. حينها "لا مال لأحد"، و ها هو الرأسمال ينبعث شامخا مسيطرا تحت غطاء الله ، فهو لـ لله و كل ما لـ لله يجب أن يصان و يحصن.
لقد قدس هنا الرأسمال تحت غطاء ديني، و أزيلت عنه كل سيطرة ممكنة فأخذ مرتبة الإله في "دولة القرآن" ومن يعارضه و يقف في وجهه كما أنه عارض الله و وجب في حقه ما وجب في حق أعداء الله.
يوضح عبد السلام ياسين هذا البعد بصيغ أكثر دلالة حيث يقول : " و بالرجوع إلى الشريعة ، و محاربة ما أحدثه العرف والقانون الوضعي " فإن المال هو " مال الله أساسا ، و مال الأمة استخلافا ، و مال زيد أو عمرو انتفاعا مؤقتا مشروطا بألا يضر امتلاك الفرد منافع الأمة " ( نفس المرجع) .
إن المال لله، ولا أحد يمتلك و يسيطر على رأس المال في "دولة القرآن ، و نظريتها الاقتصادية تحرر الرأسمال من كل سيطرة تحت إسم الشريعة و تحت إسم الله . المال لله في الأصل، و هو في ملكية الأمة استخلافا، فالأمة هي خليفة الله على الأرض، لكن الأمة بدورها يمثلها الإمام. أما ملكية "زيد أو عمرو" فلا تعدو أن تكون انتفاعا مشروطا، فإذا ما كانت ملكية هذا الرأسمالي أو ذاك تقف في وجه تطور الرأسمال وتراكمه، حق شرعا نزعها منه. و ما هذه الصيغة في الحقيقة إلا لتفويض "الإمام" لفض الصراعات بين "فصائل" الرأسمال (الرأسمال الصناعي و المالي والتجاري،..الخ) بما يخدم نموه وتراكمه و دوام سيطرته.
إن النظرية الاقتصادية "الإسلامية" التي تعلنها جماعة "العدل و الإحسان" هي التبرير الديني لسيطرت الرأسمال و الحد من الصراعات بين "أقسامه" لما يخدم مصلحته و تراكمه و نموه، إنها الغطاء الإيديولوجي لسيطرة البرجوازية الكبيرة و الملاكين العقاريين، و هي أساسا الغطاء الإيديولوجي للبرجوازية البيروقراطية المتسترة تحت جلباب الإمام ممثل الأمة و المعبر عن حكم الله و سيطرته على الأرض، هذا هو مضمون هذا الخطاب، فهل هذا التصور الذي تحمله "العدل و الإحسان" يعبر عن طبقة من طبقات الشعب المغربي، أم هو تعبير عن الأزمة التي أصبحت تدب في أساس التحالف الطبقي المسيطر، أليس هذا التصور هو تعبير عن مصالح الرأسمال و بقايا الإقطاع؟
أليست هذه هي " الصورة الاسلامية " لما كانت تقوله " الاشتراكية الوطنية " بألمانيا و غيرها، أي الفاشية ؟
إذا احتاجت " دولة القرآن" إلى المال فعبد السلام ياسين يوصي بأن " للإمام أن يفرض ضرائب على قدر الحاجة و لو استغرق ذلك كل الفضول الخاصة " ، نعم في "دولة القرآن" إذا رأى الإمام الحاجة يمكنه أن ينزع كل الأرباح ، جميعها. و يوضح عبد السلام ياسين المسألة أكثر بقوله: " إن اعتبار قيام دولة الاسلام و نجاحها جهادا واجبا يلحق النفقة من أجل قيامها و نجاحها بالنفقة إذا داهم العدو و تعرضت ديار الاسلام للخطر" . و " إقامة دولة الاسلام تقتضي تضحيات يشارك فيها الجميع ، فعلى الإمام أن يوزع التضحيات على كل أصناف الأمة ، و أن يعدل في الأخذ كما يعدل في العطاء".
لكن الخطر على " دولة الاسلام " كما هو بالنسبة لكل دولة لا يأتي من الخارج دائما بل من الداخل أيضا، بفعل الأزمات و الصراع الطبقي و يسري عليه نفس ما يسري على الآخر.
" اقتصاد الاسلام " يعترف بالتفاوت بين الطبقات . و عبد السلام ياسين يقدم حلا و علاجا لذلك بالرجوع إلى عمر بن الخطاب ." ما هو علاج التفاوت الفاحش بين الطبقات ؟ " هكذا يطرح ياسين السؤال . والإجابة لا تكمن في طبيعة هذا الاقتصاد بل في أصول الدين لذلك يجب البحث عن "......القوانين التي يمكن استنباطها من أصولنا لإيقاف جنون النمو غير المتوازن الذي بمقتضاه يزداد الأغنياء غنى و الفقراء فقرا "( نفس المرجع) ولحل المعضلات الاقتصادية و الرقي و تطوير النظريات الاقتصادية لا داع لتكوين مدارس و معاهد متخصصة، بل يكفي إيجاد فروع داخل كليات الشريعة . إن هذا التصور يعطينا نموذجا حتى عن مدارسنا المستقبلية في ظل "دولة القرآن".
لكن "....... هل هناك إجراء أخير نهائي يمكن للإمام أن يتخذه لضرب استغلال النفوذ و غيره من الجرائم الاقتصادية ؟ هل يجوز للإمام ، أي للدولة الاسلامية ، أن تأخذ من الأغنياء و تعطي للفقراء لإقامة ميزان العدل عندما لا تؤدي آليات توزيع الثروة الأساسية و طينتها مثل آليات الزكاة و الضرائب والصدقات و النفقات الجهادية الواجبة عندما يداهم العدو ؟ " بالنسبة لعبد السلام ياسين " لا ينبغي للإمام أن يقف مكتوف اليدين أمام تفاحش الميزان " ، " لديه أصل تشريعي في إنفاق الفضول ثابت بالسنة ، و أصل تشريعي مقرر في القرآن ف يشأن الحجر على السفهاء " ( نفس المرجع).
هنا أيضا لا نجد سلطة تعلو فوق سلطة رأس المال، لقد تحرر في "دولة القرآن" من جميع القيود بما فيها قيود الملكية. فإذا ازدادت الهوة بين الغني و الفقير، بين الرأسمالي و العامل واحتد الصراع الطبقي و تطور ليخلق أوضاعا ضد تطور الرأسمال أو اشتد التناقض بين أقسامه، فللإمام الحق في نزع ملكية هذا أو ذاك ليفتح المجال لتطور الرأسمال. إن الإمام في ظل "دولة القرآن" ليس عبد الله و إنما هو عبد رأس المال.
تلك كانت بإيجاز موارد الدولة في"دولة القرآن " كما يتصورها شيخ " العدل و الإحسان" فكيف يرى إذن عملية توزيع هذه الموارد؟ يكتب ياسين قائلا و مجيبا عن هذا السؤال : "....أهم المصارف ......" المقاتلة الذين بهم النصرة و الجهاد" ثم " ذوو المال جمعا و حفظا و قسمة. ونحو ذلك حتى أئمة الصلاة و المؤذنين " ثم الإنفاق على ما يعم نفعه من سداد الثغور بالكراع ( أي تعبئة الجيش في وجه العدو بالمركوب) و السلاح، و عمارة ما يحتاج إلى عمارته من طرقات الناس كالجسور، والقناطر وطرقات المياه كالأنهار" ثم ذوو الحاجات الذين كان يقدمهم رسول الله (ص) في العطاء".
هذه صورة واضحة حول التراتب الاجتماعي الذي يحلم به عبد السلام ياسين في ظل " دولة القرآن ". فاين هي مصالح البرجوازية الوطنية في كل ذلك؟ أليس هذا تصور واضح عن الفاشية؟
نكتفي هنا بهذا القدر في تناول رؤية "العدل و الإحسان" لبعض القضايا الاقتصادية،لقد أوضحنا في كل ما سبق تصور الجماعة لما تسميه اقتصاد " دولة القرآن"، و ما تقترحه من حلول للمشاكل الاقتصادية . لقد بات واضحا أن ما تدعو إليه هذه النظرية لا يعدو أن يكون صيغة دينية و ستار تحت اسم " الإسلام " لشرعنة السيطرة المطلقة لرأس المال و تقديسه و جعله في مرتبة الله، لا يعلو عليه شيء.

عبد الرزاق الكاديري








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مقتل شخص وجرح آخرين جراء قصف استهدف موقعا لقوات الحشد الشعبي


.. فايز الدويري: الهجوم رسالة إسرائيلية أنها تستطيع الوصول إلى




.. عبوة ناسفة تباغت آلية للاحتلال في مخيم نور شمس


.. صحيفة لوموند: نتيجة التصويت بمجلس الأمن تعكس حجم الدعم لإقام




.. جزر المالديف تمنع دخول الإسرائيليين احتجاجًا على العدوان على